بيان ائتلاف استقلال القضاء: فشل “الصفقة” يعرّي نظام الفيتوات والمحاصصة

بيان ائتلاف استقلال القضاء: فشل “الصفقة” يعرّي نظام الفيتوات والمحاصصة

بعد حديث طويل عن صفقة مؤدّاها صدور قرار عن المجلس الدستوريّ بقبول الطّعن بتعديل قانون الانتخابات النيابية مقابل كفّ يد المحقّق العدلي طارق بيطار عن التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، فشل المجلس الدستوري عن اتّخاذ قرار بعدما عجز عن توفير غالبية 7 أعضاء وهي الغالبية المطلوبة لاتخاذ قرار في اتجاه أو آخر. وفي أعقاب الإعلان عن هذا الفشل، أكّد النائب جبران باسيل رفضه عرضا قدّمته له قوى سياسية لم يسمّها بتوفير الغالبية المطلوبة في المجلس لقبول الطعن مقابل التزام كتلته بالموافقة على تشكيل لجنة تحقيق برلماني للتحقيق في مسؤولية الوزراء الخمسة المدعى عليهم في قضية تفجير المرفأ. وبمعزل عن هويّة الفرقاء الساعين إلى إبرام هذه الصفقة ومدى انخراطهم فيها أو حتى المواضيع التي شملتْها (وهو أمر يؤمل جلاؤه)، بإمكاننا القول أن ورقة التفاوض الأقوى تمثّلت في امتلاك قوة سياسية أو أكثر سلطة آمرة على عضو أو أكثر من أعضاء المجلس للتّصويت في اتّجاه معيّن وتاليا في امتلاكها سلطة الفيتو داخله. فإما تتم الصفقة ويصدر القرار، وإما تفشل الصفقة ويتعطّل القرار، كل ذلك بمعزل عن أي اعتبار دستوريّ. 

وعليه، يهمّ ائتلاف استقلال القضاء تسجيل الملاحظات الآتية: 

أولا، “سقطة” المجلس تعرّي خللا بنيويا

إنّ ما سمي سقطة المجلس الدستوري لم تنتج عن تباين مواقف فكرية بين أعضائه، إنما أتت كنتيجة طبيعية للمحاصصة المعتمدة في تعيين أعضائه. من هذا المنطلق، سقطة المجلس التي بدتْ أمس فاقعة ليست ظرفية بل هي بنيويّة ولا تتأتى فقط عن عجزه في اتخاذ القرار بل كان بإمكانها أن تكون أكثر فداحة لو صدر القرار تبعا لنجاح الصفقة. وبذلك، يُخشى أن يكون هذا المجلس الذي انوجد لإخضاع المصالح السياسية للمسلمات الدستورية قد تحوّل إلى مجرد أداة إضافية للتوفيق بين هذه المصالح بمعزل عن أيّ اعتبار دستوري بل على نقيض مسلمات دستورية. 

ثانيا، شبح الصفقة يمسّ بمبدأ فصل السلطات ويبيح التدخّل المعمم في القضاء 

من جهة ثانيّة، لا بدّ من التوقّف عند “الصّفقة” والتي لم تجدْ قوى وازنة اتّهمت بها إعلاميا بشكل واسع مثل ثنائي أمل وحزب الله أيّ داعٍ لتكذيبِها. إذ يظهر التدقيق في موضوع هذه الصفقة اتجاها سياسيا للتحكم ليس فقط بالمجلس الدستوري وقراراته إنما أيضا في التحقيقات الجنائية وبخاصة في قضية تفجير المرفأ. فكأنما ارتياب قوى سياسية بقاضٍ يبرّر نسف مبدأيْ فصل السلطات واستقلال القضاء بشكل كامل في حين أنها لا تعير أي انتباه لما قد يسببه نسف هذين المبدأين من ارتياب عامّ مؤكد المشروعية بالدولة بكامل سلطاتها. فكأنما ارتيابها يبرّر كل شيء مهما كان واهيا (علما أن محكمة التمييز نفت في قرارها الصادر في 24 تشرين الثاني أن يكون مشروعا)، فيما لا قيمة لارتياب كلّ الناس بتدخل معمم ومنتظم في القضاء مهما كان مشروعا. ومن شأن ازدواجية هذا التوجه أن يشكل مؤشرا جديدا على الدوافع الحقيقية وراء الاعتراض على عمل المحقق العدلي وهي ضمان تحرر القوى السياسية بجميع رموزها من أي رقابة قضائية. 

ثالثا، شروط الانتخابات تحكمها موازين القوى وليس الدستور

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن عجز المجلس الدستوري عن مراقبة أداء البرلمان في تعديل قانون أساسي كقانون الانتخابات إنما يؤدّي إلى تحويل شروط عمل البرلمان كما شروط العملية الانتخابية، ومن ضمنها استحقاق انتخاب المغتربين، إلى مسائل تحكمها موازين القوى بمعزل عن المسلمات الدستورية. وعليه، تلاشت بفعل عجز المجلس عن اتخاذ قرار الآمال في وضع آليات أكثر شفافية في أداء البرلمان (الأغلبية المطلوبة في اتخاذ القرارات) وفي الانتخابات النيابية برمتها. 

انطلاقا من كل ذلك، يعلن الائتلاف المواقف الآتية: 

  • التنديد بأشد العبارات بالتدخلات الممنهجة الحاصلة داخل المجلس الدستوري في اتجاه تحويله بفعل المحاصصة في التعيينات إلى ساحة جديدة للمساومات والصفقات السياسية بمنأى عن أيّ مسلمات دستورية، 
  • التشديد مجددا على الأولوية الاجتماعية المتمثلة في ضمان استقلالية الهيئات القضائية وبخاصة لجهة إقرار لاقتراحيْ القانون حول استقلال القضاء العدلي واستقلال القضاء الإداري واللذيْن أقرهما الائتلاف من دون أي مسّ بجوهرهما، وذلك بهدف تحرير هذه الهيئات من قبضة القوة الحاكمة واستعادة الثقة العامة به،
  • التنديد بالتدخّل المتواصل في التحقيق العدلي محمّلين الجهات المناوئة له كامل المسؤولية عن الأضرار البليغة الناجمة عن تعطيله،
  • دعوة الإعلام الاستقصائي والنيابات العامة لإجراء التحقيقات بشأن ما أثير عن “الصفقة” (القذرة) تمهيدا لجلاء الحقيقة وتحميل المسؤوليات.    
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم دستورية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني