بعد سنتين من ترك مرضى السرطان يواجهون وحدهم انقطاع الدواء.. الوزارة تأتيهم بحلّ مؤقت


2022-06-24    |   

بعد سنتين من ترك مرضى السرطان يواجهون وحدهم انقطاع الدواء.. الوزارة تأتيهم بحلّ مؤقت
اعتصام مرضى السرطان وذويهم بدعوة من جمعية “بربارة نصار” في 4 شباط 2022

في أقسام العلاج الكيميائي في المستشفيات تنقل المريضات والمرضى لبعضهم البعض مأساتهم خلال رحلتهم الشاقة لتأمين الدواء. وفي إحدى الغرف تُخبر ممرضة إحدى المريضات وهي تغزّ إبرة الدواء الكيميائي في وريدها أنّ مريضة تعرفها اشترت جرعة دواء من تاجر غير شرعي بـ 1200 دولار أميركي، ليتبيّن لاحقاً في المستشفى أنّها خليط ملح وماء.  

وخارج تلك الأقسام، مرضى أوقفوا علاجهم لعدم قدرتهم على دفع ثمن الأدويّة أو لانقطاع الدواء نهائياً، وهؤلاء فعلياً تركوا أجسادهم ليأكلها المرض على مهل. 

ليس الوضع جديداً بل هي مأساة مستمرّة منذ عامين وطيلة هذه المدّة تصرّ وزارة الصحّة على أنّ الأزمة مالية فقط علماً أنّ أسبابها كثيرة أحدها مالي، بينما المرضى متروكون لوحدهم يبحثون بأيديهم وأرجلهم عن الدواء، ويطلبون من معارفهم في جميع أصقاع الأرض أن يبحثوا لهم عن دواء بديل عسى يكون ناجعاً ويجمعون المال من أفراد عائلاتهم وأقاربهم  أو يبيعون مقتنياتهم ليدفعوا ثمن جرعة. كل ذلك من دون أن يجدوا أحداً من المعنيين يعينهم ولو بنصيحة ومن دون أن يكون لهم مرجع رسمي في حال كان للدواء البديل أعراض جانبية خطيرة.  

أبيض يعد بحلحلة أزمة “عضال” بحلّ مؤقّت 

وعد وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض بتأمين الدواء لأمراض السرطان والأمراض المستعصيّة والمزمنة لثلاثة أشهر على أن يبدأ وصول الدواء خلال أسابيع. يأتي إعلان أبيض عقب وصوله من واشنطن حيث شارك في المنتدى السنوي السادس للتمويل الصحّي الذي نظمه البنك الدولي تحت عنوان “تمويل الرعاية الصحية الأولية” خلال مؤتمر صحافي عقده صباح أمس الأربعاء في وزارة الصحّة. وأعلن أبيض أنّ زيارته إلى واشنطن نتج عنها أيضاً اجتماعات إيجابيّة مع شركات الأدويّة العالميّة كما مع جمعيّات الجاليات اللبنانيّة. 

في العامين الأخيرين لحظ موضوع انقطاع أدوية السرطان والأدويّة المستعصيّة حيزاً من الاهتمام لدى الرأي العام اللبناني أمام أعداد كبيرة لمرضى السرطان سنوياً وصرخات متكررة للمرضى في الشارع، عطفاً على ارتفاع حدّة الأزمة الاقتصاديّة مع انهيار الليرة اللبنانيّة أمام الدولار الأميركي. وأدت الأزمة الاقتصاديّة إلى تكبد المرضى في المستشفيّات لمبالغ ضخمة كتكاليف دخول المستشفى لتلقي جلسات العلاج وانخفاض قيمة تغطيّة الصناديق الضامنة وكلفة عاليّة للأدويّة. ووصلت الأمور إلى انقطاع أدوية العلاج الأساسيّة والأدويّة المكمله لفترة العلاج كما الأدوية الوقائية، وهذا ما نتج عنه تدهور حالات المرضى ومنهم من كان مصيره الموت جرّاء انقطاع الدواء بحسب صرخات أهالي المرضى في أكثر من محطة خلال العامين، في حالة أقل ما يقال عنها إنها إعدام جماعي لمرضى السرطان. 

قبل خطوة وزارة الصحّة الأخيرة اعتمدت الوزارة على المبالغ المرصودة التي يخصصها مصرف لبنان لدعم الدواء وكان المصرف المركزي قد توقف عن تأمين الدعم للدواء فتوجهت وزارة الصحّة إلى الطلب من مجلس الوزراء إصدار قرار في 20 أيّار 2022 السماح بصرف 35 مليون دولار من حقوق السحب الخاصّة للبنان من البنك الدولي لمدّة ثلاثة أشهر، وعلق تنفيذ القرار بين مصرف لبنان ووزارة الماليّة. وصرّح أبيض في المؤتمر الأخير أنّه تم تخصيص 20 مليون دولار للأدويّة السرطانيّة حصراً علماً أنّها لا تكفي الحاجة الفعلية، ولكن برأيه “ستحسن الوضع الحالي”. وشرح أبيض أنّ الوزارة تمكّنت من رفع المبلغ إلى 35 مليون للدواء بعدما كان مجلس الوزراء ينوي تخصيص 13 مليون دولار فقط للدواء (جلسة 14 نيسان 2022). وأشار إلى أنّ ميزانيّة الدواء في السابق كانت تبلغ شهرياً 140 مليون دولار وتقلّصت إلى 35 مليون دولار فقط. 

الوزير أبيض ذكر أنّ “الشركات العالمية تتردد في تصدير الأدوية إلى لبنان بعدما فاقت ديونها أربعمئة مليون دولار، ما أدى إلى انقطاع الدواء في السوق اللبناني”. 

ولكن خلال اجتماعه في واشنطن في غرفة التجارة مع شركات الأدوية العالمية “أبدت (هذه الأخيرة) تفهمها للوضع في لبنان وبناء عليه، تم تحضير كميات الأدوية التي سيستوردها لبنان لمدة ثلاثة أشهر متتالية بدلاً من أن يكون ذلك لشهر واحد، ما يضمن استمرارية أكبر لتأمين الدواء للمريض اللبناني”، بحسب تعبيره. وأشار إلى “اجتماع عقد أول من أمس في مصرف لبنان لتأكيد تغطية الاتفاق والبدء بتحويل الأموال”. كما وعد أبيض بالسعي إلى زيادة الدعم على الدواء في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أنّ العمل سيتركز على “استمرار تمويل الدواء في الفترة التي ستلي الأشهر الأربعة التي أقرها مجلس الوزراء”.

وشرح بأنّ “البحث مع شركات الدواء تناول كذلك آليات جديدة للتفاوض والاستيراد المباشر للدواء على أن يستكمل البحث في هذا المجال نظراً لأهميته في تأمين دخول الدواء إلى السوق اللبناني بكلفة أقل وكميات أكبر”.

لم يحصر أبيض الحلول التي يطرحها فقط بتأمين التمويل عبر حقوق السحب الخاصّة بل لفت إلى لقاءات عقدت مع عدد من جمعيّات الجاليات اللبنانيّة في أميركا وهدفت اللقاءات إلى توضيح واقع القطاع الصحي في لبنان بحيث يحصل تطابق بين الحاجات والمساعدات فلا تتراكم المساعدات من دون طائل بل يتم إرسالها إلى المكان المناسب”. كما تم التوقيع على اتفاقية إطار مع جمعية ANERA لإرسال مساعدات وأدوية إلى لبنان ومنها أدوية أمراض سرطانية، وقد تم بالفعل تسلّم أول شحنة في هذا المجال”.

علياء نجحت في جلب دوائها من إفريقيا ولكن من يقول لها إن كان ناجعاً؟ 

منذ اعتماد سياسة الدعم لتأمين الدواء في لبنان بدأ السوق اللبناني يواجه انقطاع الدواء المدعوم من السوق مما فتح الباب واسعاً أمام ولادة السوق السوداء. باتت الأدوية تباع من قبل التجّار المحتكرين بأسعار باهظة ومتفاوتة، هذا غير أنّ التفاوت بسعر الدواء يلمسه المرضى بشكل عام حتى في الصيدليّات. وغالباً ما يبرر أصحاب الصيدليّات هذا التفاوت بسبب عدم ثبات سعر الدولار أمام الليرة اللبنانيّة. المرضى الّذين يتعلّقون بحبال الهواء منهم من وجد نفسه مضطراً لشراء دوائه بأسعار مضاعفة من المحتكرين وصلت إلى عشرات الأضعاف. 

أماني كانت تبحث عن دواء لشقيقتها علياء المصابة بسرطان الثدي، نشرت على صفحتها على فيسبوك منشوراً تسأل عمّا إذا كان أحد لديه أو يعرف أحداً لديه دواءها، فجاءتها ردود من أكثر من شخص يعرضون عليها بيعها جرعة واحدة من الدواء بأسعار تفوق سعر الدواء في تركيا (57 دولاراً) وفي كندا (50 دولاراً) بعشرات الأضعاف فعرض عليها أحدهم بيعها الجرعة بـ 600 دولار وآخر بـ 1200 دولار. 

فقررت أماني شراء الدواء الكندي من أفريقيا، لكن ذلك استلزم الانتظار لنحو أسبوع ليأتي أحد المسافرين من أفريقيا إلى لبنان ويجلبه معه. ولكن علياء لم تطمئنّ لأنها لم تحصل على جواب حاسم بفعاليّة الدواء الكندي، خصوصاً أنّ جواب طبيبها كان أنّه “من غير الممكن ضمان أي دواء خارج لوائح  FDA مؤسسة الدواء والغذاء الأميركيّة والوكالة الأوروبيّة للدواء EMA”. ولكنها أخيراً ارتأت أن تلجأ إليه مخافة أن يؤثر تأخير حصولها على الجرعة في تدهور حالتها، وبعد تعرّفها على مريضة أخرى جرّبته وقالت إنها لم تواجه أي ردّة فهل سيئة بسببه. 

وطبعاً لا يغطّي الضمان ثمن الدواء الذي بلغ 500 دولار لأنها كانت تحتاج إلى عشر جرعات أي نحو 14 مليون ليرة لينانيّة. 

“عم نسأل المجرّب مش عم نسأل الحكيم، وهذا خطأ”، تقول علياء. وتضيف، “نريد جهة علمية موثوقة تقول لنا ماذا نأخذ، ما هي الأدوية التي بإمكاننا استبدالها بالأدوية الأصلية. هل التركي سوف يشفيني، أم الإيراني أو الهندي أو غيره”. تتابع، “أعلمتني طبيبة متخصصة بالعلاج الكيميائي أنّ جميع هذه الأدوية غير مصرّح عنها لدى وزارة الصحّة، وأيضاً هي غير مصرّح عنها لدى المنظمات العالمية المعنيّة بالدواء”.

وتخشى علياء من أنّ “تلك الأدويّة التي تأتي في شنط السفر من الخارج، تدخل من دون المرور على مختبرات وزارة الصحّة للتأكد من فعاليتها وطمأنة المرضى تجاهها. يعني لو تمكّن مريض من شراء دواء من الخارج فهو لم يتم توجيهه أصلاً ليفهم إن كان قد اتخذ القرار الصحيح، وهو القرار الذي على السلطة أن تأخذه عنه، لا أن تتركه ليواجه وحده القرار الصعب”. 

وتلفت إلى أنّ “بعض الأطباء ينصحون المرضى بأخذ دواء معيّن فقط بناء على تجارب مرضى آخرين، وليس بناء على دراسات وقراءات معيّنة تؤكد فعاليّة الدواء، وأحياناً أخرى يرفض الأطباء اتخاذ القرار بأخذ دواء معيّن كي لا يحتمّلوا أي مسؤولية تجاه المريض في حال عدم فعالية الدواء أو حصول تفاعلات جانبية”. 

أبيض يعيد انتفاء الرقابة إلى قلّة المفتشين

في حديث لأبيض مع “المفكرة” على هامش المؤتمر الصحافي يوم أمس، وبعد عرض عدّة إشكاليّات أمامه بشأن انقطاع الدواء وهي السوق السوداء وشراء أدويّة من خارج لبنان بطرق غير نظاميّة هذا غير أنّ هذه الأدوية غير موجودة على لوائح وزارة الصحّة، كما انخفاض قيمة تغطيّة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أجاب: “حين لا يصل الدواء إلى البلاد بالآليات المناسبة للاستيراد دائماً هناك شكوك حوله، خاصّة وأننا لا نعرف كيفيّة تخزينه” ومع ذلك يلفت أبيض إلى أنّ “الوزارة لا يمكنها أن تذهب إلى منع تأمين الدواء خارج الآليات المناسبة، فلو حصل ذلك يعني إعدام لمرضى السرطان”. ولذا، يشدد على أنّ الحل الأسلم هو تأمين الدواء عبر الدولة وذلك يتطلب تأمين التمويل اللازم له، مشيراً إلى قرار مجلس الوزراء في أيّار الذي سمح بتأمين التمويل لاستيراد الدواء من صندوق السحب الخاصة. وهنا، لفت أبيض إلى أنّ هذا الأمر ليس بيد الوزارة، “فحتى لو طلبت الوزارة تمويلاً معيّناً لتأمين الدواء فإذا رفض مصرف لبنان تحويل الاعتمادات فلن يأتي الدواء، ولذلك ذهبنا إلى مجلس الوزراء لإصدار القرار بشأن حقوق السحب الخاصّة”. 

وأمّا بالنسبة للسوق السوداء، فشرح أبيض أنّ قدرات التفتيش لدى الوزارة متواضعة جداً، “يوجد لدى الوزارة أقل من عشرة مفتشين يتقاضون مليوني ليرة، لذا الإمكانيات محدودة جداً في هذا الخصوص”. 

عن الضمان الاجتماعي علّق أبيض أنّ الضمان يتبع لسلطة وزارة العمل، وعليه، “أجريت لقاء مع وزير العمل ولا يزال موضوع مساعدة الضمان الاجتماعي لتأمين الدواء في طور البحث”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني