بدعة “غير دستورية” تعطّل اللجان المشتركة: أو هكذا داستْ سياسة “الفيتو” قرارات شورى الدولة

بدعة “غير دستورية” تعطّل اللجان المشتركة: أو هكذا داستْ سياسة “الفيتو” قرارات شورى الدولة
رسم رائد شرف

خرج نواب الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية وآخرون من جلسة اللجان المشتركة المنعقدة في تاريخ 28 شباط 2023 على خلفية اعتراضهم على إدراج مشروع القانون الرامي إلى تجديد اتفاق بيع مادة زيت الوقود بين العراق ولبنان على جدول أعمالها والوارد إلى المجلس النيابي بموجب المرسوم رقم 10960 الصادر عن مجلس الوزراء في 18 كانون الثاني 2023. وقد برّر النواب المنسحبون اعتراضهم بأن الفقرة السادسة من المادة 53 من الدستور تمنح رئيس الجمهورية وحده صلاحية إحالة مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب وأن ممارسة هذه الصلاحية يجب أن تمارس في ظل شغور سدة رئاسة الجمهورية من قبل الوزراء مجتمعين تحت طائلة اعتبار مرسوم الإحالة غير دستوري. وبنتيجة انسحابهم، تمّ رفع جلسة اللجان المشتركة بفعل فقدانها نصابها الأمر الذي منعها من مواصلة درس البنود الواردة على جدول أعمالها ومنها إنشاء محميّتين في منطقتيْ أنفة وجبيل وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية. والواقع أن مواقف النواب المذكورين تشكّل في عمقها امتدادا لخلاف مزمن، وهي بمثابة مسعى لإعادة إحياء تعميم رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام الصادر في 2014 والذي نص على وجوب اشتراط جميع الوزراء في إصدار المراسيم في حال شغور سدّة رئاسة الجمهورية. وما يزيد من قابلية هذه المواقف للانتقاد هو أنها تخالف عنوةً قرارات مجلس شورى الدولة الذي كان أكّد أن فرض الحصول على تواقيع جميع الوزراء لإصدار المراسيم في فترة شغور رئاسة الجمهورية هو غير دستوريّ.  

تعميم ميقاتي 2022 ينقض تعميم سلام 2014

أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التعميم رقم 36 في تاريخ 5/12/2022 حول طريقة إعداد المراسيم في ظل ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية وكالة. فقد طلب هذا التعميم من الإدارات استبدال تعبير “إن رئيس الجمهورية” الذي تبدأ به عادة جميع المراسيم بتعبير “إن مجلس الوزراء” وهو أمر طبيعي بسبب خلو سدة الرئاسة. لكن التعميم لا يكتفي بذلك بل ينص في فقرته الأخيرة على ضرورة “إضافة خانة لتوقيع ثانٍ لتوقيع رئيس مجلس الوزراء إضافة إلى توقيعه المعتمد”. وعليه، صدرت جميع المراسيم مع توقيع ميقاتي مرتين، مرة بصفته رئيس مجلس الوزراء ومرة بصفته ممثلا عن مجلس الوزراء، وأحيانا حمل المرسوم توقيع ميقاتي ثلاث مرات: الأولى بصفته رئيسا لمجلس الوزراء والثانية بوصفه الوزير المختصّ أما الثالثة فهي توقيعه الجديد بوصفه ممثلا لمجلس الوزراء.

وقد فنّدت المفكرة القانونية في مقال مسهب التحوّل الحاصل بموجب هذا التعميم من خلال مقارنته بالتعميم رقم 18 تاريخ 11 تموز 2014 والذي أصدره حينها رئيس الحكومة تمام سلام بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان. فقد توجّه سلام بطلب مماثل لطلب ميقاتي في تعميمه الحالي لكنه أشار إلى “ضرورة ترك مساحة مناسبة لتوقيع سائر وزراء الذين تتألف منهم الحكومة”. بمعنى أن تعميم الرئيس سلام يعتبر أن المراسيم التي يصدرها مجلس الوزراء عند خلو رئاسة الجمهورية يجب أن تحمل تواقيع جميع الوزراء أو أن جميع الوزراء يمكن لهم توقيعها بينما تعميم الرئيس ميقاتي يعتبر أن المراسيم في هذه الحالة يجب أن تحمل توقيعه المعتاد وتوقيع الوزراء المختصّين فقط إضافة إلى توقيعه الثاني الذي حلّ محلّ توقيع سائر الوزراء. جرّاء ما تقدّم، يصبح جليّا أنّ الصراع المُحتدم بين الرئيس ميقاتي وفريق رئيس الجمهورية السابق حول اجتماع حكومة تصريف الأعمال وتوقيع المراسيم قد تمّ حسمه من قبل رئيس الحكومة عبر هذا التعميم. فخلافا للممارسة التي كانت سائدة في ظل حكومة تمام سلام بين 2014 و2016 بأن يوقع جميع الوزراء أو غالبيتهم الساحقة على المراسيم عملا بالتوافق السياسي الذي ساد حينها بين مختلف الأطراف المشاركة في الحكومة حفاظا على الطبيعة الميثاقية لكيفية اتخاذ القرار في ظل غياب “رئيس الجمهورية المسيحي”، نلاحظ أنّ الرئيس ميقاتي قام بهذا التعميم البسيط وبسبب خلافه مع التيار الوطني الحرّ باستبدال توقيع سائر الوزراء بتوقيعه الشخصي حارما بذلك وزراء التيار الوطني الحر من قدرتهم على تعطيل إصدار المراسيم التي بات إصدارها لا يتطلّب سوى توقيع رئيس الحكومة والوزراء المختصّين.

وبذلك، ألغى الرئيس ميقاتي الممارسة التي توافق عليها أركان النظام سنة 2014 بحجّة الحفاظ على التوازن الطائفي داخل الحكومة. وهو قام بذلك عبر تعميم بسيط كانت نتيجته الأهمّ زوال الميثاقيّة التي أُريد لها أن تكون صنو الدستور إن لم تكن أهمّ منه. من هذه الزاوية، بدا موقف نواب التيار الوطني والقوات اللبناني بمثابة محاولة لترميم تعميم تمام سلام ومعه فهمهما الخاص للميثاقية.

توقيع جميع الوزراء غير لازم وفقا لاجتهاد مجلس شورى الدولة

ولكن أي التعميمين هو الأصح؟ هنا تذكر المفكرة القانونية أنه سبق أن نشرت مقالا بيّن بشكل جلي أن توقيع جميع الوزراء لا سند دستوري له وأن حصول هذا الأمر أحيانا في ظل حكومة تمام سلام عندما كانت تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية هي مجرد ممارسة سياسية تم الاتفاق عليها بين أركان النظام ولا يمكن أن تكون ملزمة من الناحية القانونية.

فقد أعلن مجلس شورى الدولة في أكثر من قرار له أن المادة 65 من الدستور بعد تعديلها سنة 1990 قد حددت “النصاب القانوني لانعقاد مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضائه ولم تفرض ولا يمكن أن تفرض وجود جميع أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها لقانونية اجتماع مجلس الوزراء خوفا من شلّ حسن سير مرفق الحكومة وعرقلة بالتالي العمل الحكومي الحيوي لشؤون الدولة برمته” (قرار رقم 850 تاريخ 10/7/1995). وانسجاما مع هذا الموقف، رفض مجلس شورى الدولة الحجّة القائلة بضرورة توقيع جميع الوزراء على المراسيم معتبرا صراحة أن “المرسوم موضوع المراجعة، الموقّع عليه من قبل أكثر من ثلثيْ الوزراء الذين يؤلفون الحكومة، ومن ضمنهم رئيس مجلس الوزراء، يكون صحيحا ويقتضي ردّ إدلاءات الجهة المستدعية” التي طالبت بإبطال المرسوم كونه لم يقترن بتوقيع جميع الوزراء (قرار رقم 135 تاريخ 30/11/2015).

فهذا القرار، على الرغم من عدم وضوحه لجهة معرفة ضرورة توقيع ثلثي الوزراء على المراسيم في ظلّ شغور رئاسة الجمهورية، لكنه يحسم النقاش بخصوص توقيع جميع الوزراء إذ يعلن صراحة عدم صحة هذا الادّعاء الذي في حال تمّ تبنّيه يؤدي إلى “إعطاء الأكثرية والأقلية ذات القوة في اتخاذ القرارات، وبالتالي إعطاء الأقلية حقّ نقض وشلّ عمل الهيئة، ومن ثمّ شلّ عمل الحكومة برمّته” ( قرار رقم 850 تاريخ 10/7/1995).وهكذا نفهم الاختلاف الذي اندلع في جلسة اللجان النيابية المشتركة وهو اختلاف سياسي بامتياز يتستر وراء حجج دستورية بينما اجتهاد مجلس شورى الدولة قد حسم هذا الموضوع نهائيا وجزم بأن المراسيم التي يصدرها مجلس الوزراء في ظلّ ممارسته وكالة لصلاحيات رئيس الجمهورية لا تحتاج ولا يمكن أن تحتاج إلى توقيع جميع الوزراء. وأيّ قول خلاف ذلك لا أساس دستوري له وهو في الحقيقة وسيلة تعطيلية جديدة تضاف إلى وسائل التعطيل المتعددة التي يبتكرها النظام الحاكم من أجل السيطرة على مؤسسات الدولة والحفاظ على مصالحه السلطوية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني