توقيع الوزراء: نهاية الميثاقية بتعميم لميقاتي


2022-12-10    |   

توقيع الوزراء: نهاية الميثاقية بتعميم لميقاتي
رسم رائد شرف

بعد اجتماع حكومة تصريف الأعمال في 5 كانون الأول المنصرم وإقرارها مجموعة من القرارات، صدر العدد 53 من الجريدة الرسمية تاريخ 8/12/2022 التي نشرت بين صفحاتها المرسومين رقميْ 10944 و10945 وهما أول مرسومين يصدرُهما مجلس الوزراء بعد انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليه عملا بأحكام المادة 62 من الدستور وقد تم تأريخُهما في 5/12/2022.

ومن خلال التدقيق في هذين المرسومين، سرعان ما يتبيّن أنهما حملا إضافة إلى التوقيع المعتاد لرئيس مجلس الوزراء والوزراء المختصّين، توقيعا إضافيا جديدا وغير مألوف لرئيس مجلس الوزراء لكنه يأتي هذه المرة في نهاية التواقيع. ومن المعلوم أن رئيس مجلس الوزراء يوقع أحيانا على المراسيم مرّتين: الأولى بوصفه رئيسا لمجلس الوزراء الذي يتوجّب عليه دستوريا توقيع جميع المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية باستثناء مرسوميْ تسميته ومرسوم قبول استقالته، والثانية بوصفه الوزير المختص عندما يدخل موضوع المرسوم في اختصاصاته المباشرة. لكن المرسومين المذكورين أعلاه لا يدخلان في إختصاص رئيس الحكومة إذ أن الأول هو من صلاحيات وزير الصحة وقد صدر بناء على اقتراحه وحمل توقيعه، بينما الثاني هو من صلاحيات وزير الأشغال العامة وقد صدر بناء على اقتراحه وحمل توقيعه أيضا. ومن هنا، يصبح توقيع رئيس مجلس الوزراء الثاني والطريقة التي نشر فيها في نهاية المرسوم من الأمور التي لا وجود لها من قبل في تاريخ الحياة الدستورية اللبنانية.

قبل معالجة هذه الإشكالية، لا بدّ أولا من إبداء ملاحظة شكليّة تتعلّق بالأرقام التي أعطيتْ لهذيْن المرسوميْن. فالمراسيم في لبنان بوصفها مقررات لرئيس الجمهورية يتمّ ترقيمها بشكل متسلسل في بداية عهد كل رئيس للجمهورية من المرسوم رقم واحد حتى نهاية ولاية الرئيس على أن يعاد الترقيم من الرقم واحد عند بدء ولاية رئيس الجمهورية الجديد. لذلك، وفي حال خلو رئاسة الجمهورية وتولّي مجلس الوزراء صلاحيات إصدار المراسيم، يتمّ ترقيم المراسيم انطلاقا مجدّدا من الرقم واحد كون رئيس الجمهورية تكون قد انتهتْ ولايته ولم تعد المراسيم تصدر باسمه. وهكذا يتبين لنا أن المرسوم رقم 10944 كان يتوجب أن يحمل الرقم واحد بوصفه أول مرسوم يصدره مجلس الوزراء بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وهو الأمر الذي اتبع دائما في لبنان خلال كل حالات الشغور الرئاسي التي حصلت في الماضي.

في حال وضعْنا هذه النقطة الشكلية جانبا، لا يمكننا فهم وجود التوقيع الثاني لرئيس الحكومة إلا من خلال العودة إلى التعميم رقم 36 الذي أصدره الرئيس نجيب ميقاتي بتاريخ 5/12/2022 أي في النهار نفسه لانعقاد مجلس الوزراء حول طريقة إعداد المراسيم في ظل ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية وكالة. فقد طلب هذا التعميم من الإدارات استبدال تعبير “إن رئيس الجمهورية” الذي تبدأ به عادة جميع المراسيم بتعبير “إن مجلس الوزراء” وهو أمر طبيعي بسبب خلو سدة الرئاسة. لكن التعميم لا يكتفي بذلك بل ينص في فقرته الأخيرة على ضرورة “إضافة خانة لتوقيع ثانٍ لتوقيع رئيس مجلس الوزراء إضافة إلى توقيعه المعتمد”.

لا يمكن لنا فهم التحويل الجذري الذي أدخلته هذه الفقرة إلا من خلال العودة إلى التعميم رقم 18 تاريخ 11 تموز 2014 والذي أصدره حينها رئيس الحكومة تمام سلام بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان. فقد توجه الرئيس سلام بطلب مماثل لطلب الرئيس ميقاتي في تعميمه الحالي لكنه أشار إلى “ضرورة ترك مساحة مناسبة لتوقيع سائر وزراء الذين تتألف منهم الحكومة”.

وهكذا يظهر لنا الفرق الكبير بين التعميميْن. فتعميم الرئيس سلام يعتبر أن المراسيم التي يصدرها مجلس الوزراء عند خلو رئاسة الجمهورية يجب أن تحمل تواقيع جميع الوزراء أو أن جميع الوزراء يمكن لهم توقيعها بينما تعميم الرئيس ميقاتي يعتبر أن المراسيم في هذه الحالة يجب أن تحمل توقيعه المعتاد وتوقيع الوزراء المختصين فقط إضافة إلى توقيعه الثاني الذي حلّ محل توقيع سائر الوزراء.

جراء ما تقدم، يصبح جليا أن الصراع المحتدم بين الرئيس ميقاتي وفريق رئيس الجمهورية السابق حول اجتماع حكومة تصريف الأعمال وتوقيع المراسيم قد تم حسمه من قبل رئيس الحكومة عبر هذا التعميم. فخلافا للممارسة التي كانت سائدة في ظل حكومة تمام سلام بين 2014 و2016 بأن يوقع جميع الوزراء أو غالبيتهم الساحقة على المراسيم عملا بالتوافق السياسي الذي ساد حينها بين مختلف الأطراف المشاركة في الحكومة حفاظا على الطبيعة الميثاقية لكيفية اتخاذ القرار في ظل غياب “رئيس الجمهورية المسيحي”، نلاحظ أنّ الرئيس ميقاتي قام بهذا التعميم البسيط وبسبب خلافه مع التيار الوطني الحرّ بإستبدال توقيع سائر الوزراء بتوقيعه الشخصي حارما بذلك وزراء التيار الوطني الحر من قدرتهم على تعطيل إصدار المراسيم التي بات إصدارها لا يتطلب سوى توقيع رئيس الحكومة والوزراء المختصين.

ولكي نفهم من أين أتى تعميم رئيس الحكومة بهذه القاعدة الجديدة التي تسمح له بالتوقيع عوضا عن سائر الوزراء يجب أن نتذكر أن مجلس شورى الدولة كان قد أصدر بين 1995 و1996 مجموعة من القرارات حول المراسيم التي أصدرتها حكومة ميشال عون العسكرية اعتبر فيها أن المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة يجب أن توقع “من رئيس مجلس الوزراء بإسم مجلس الوزراء ومن الوزير أو الوزراء المختصين” (قرار رقم 64 تاريخ 19/12/1996).

وبالحقيقة، يجد قرار مجلس شورى الدولة بدوره مصدره في الموقف الذي اتّخذه العلّامة “ليون دوغي” الذي عالج مسألة ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية خلال الجمهورية الثالثة في فرنسا (1875-1940) والذي قال حرفيا أن المراسيم يجب أن توقّع من رئيس مجلس الوزراء بإسم مجلس الوزراء إضافة إلى توقيع الوزراء المختصّين [1].

وعلى الرغم من أن تطبيق اجتهاد مجلس شورى الدولة هو أمر يحتمل التأويل اليوم كون رأي “دوغي” صدر في ظل دستور لم يكن يفرض توقيع رئيس مجلس الوزراء على المراسيم بل كان ينص على ضرورة توقيع الوزير المختص فقط، وهو الأمر نفسه الذي كان سائدا في لبنان قبل تعديل الدستور سنة 1990. فتوقيع رئيس مجلس الوزراء بإسم مجلس الوزراء يصبح مفهوما لأن المراسيم خلال الجمهورية الثالثة في فرنسا لم تكن تحمل في المبدأ توقيع رئيس مجلس الوزراء، بينما الدستور اللبناني بعد تعديله سنة 1990 بات ينص صراحة على ضرورة توقيع رئيس الحكومة على المراسيم، وبالتالي لم يعد من حاجة كي يوقع مرة ثانية بإسم مجلس الوزراء إذ يمكن الاكتفاء بتوقيعه الأول وتوقيع الوزراء المختصين.

في الخلاصة، لقد ألغى الرئيس ميقاتي الممارسة التي توافق عليها أركان النظام سنة 2014 بحجة الحفاظ على التوازن الطائفي داخل الحكومة وهو قام بذلك عبر تعميم بسيط كانت نتيجته الأهم زوال الميثاقية التي أريد لها أن تكون صنو الدستور إن لم تكن أهمّ منه. فهذا التعميم يؤدّي بنا إلى نتيجة حاسمة على درجة كبيرة من الأهمية: الممارسات التي تتوافق عليها أحزاب السلطة يمكن الرجوع عنها بسهولة كبيرة لأنها بكل بساطة لا قيمة دستورية لها. فالميثاقية التي خيّمت على حكومة تمام سلام طوال فترة الشغور الرئاسي باتت اليوم مجرد سراب أطاح به تعميم بسيط.


[1] “Les actes sont signés par le président du conseil «au nom du conseil des ministres investi du pouvoir exécutif

conformément à l’article 7 de la loi du 25 février 1875 » et contresignés par le ministre intéressé » (Léon Duguit, Traité de droit constitutionnel,  Tome 4, paris, 1924, p. 566).

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني