انطلاق التحقيقات بجريمة الاعتداء الجنسي على أطفال في القاع وقلق على مصلحتهم الفضلى


2022-07-08    |   

انطلاق التحقيقات بجريمة الاعتداء الجنسي على أطفال في القاع وقلق على مصلحتهم الفضلى
وقفة تضامنية الخميس مع ضحايا الاعتداء

بعد أسبوع من توقيف رتيب متقاعد في الجيش على خلفيّة شبهة قيامه باغتصاب عدد من الأطفال في منطقة القاع البقاعية، أنهت النيابة العامّة في البقاع التحقيقات الأوّلية وادّعت على الموقوف وأحالته إلى قاضية التحقيق الأولى في البقاع أماني سلامة. وذلك في وقت تحوّلت فيه القضيّة إلى قضيّة رأي عام حيث تداعى المواطنون والمواطنات من أجلها إلى وقفات تضامنيّة بينما أعلنت جمعيات ومؤسسات تهتّم بحماية الأطفال أو الفئات المهمشة وضع خبراتها بتصرّف الضحايا انطلاقاً من مراعاة مصالح الأطفال الفضلى. كما تعتزم بلدية القاع الادعاء بصفتها الشخصية على المشتبه فيه الجاني فيما يتحدث عدد من النواب عن العمل على تشكيل لجنة مع وزارة الشؤون الاجتماعية لمتابعة وحماية الضحايا وذويهم وتقديم العناية الاجتماعية والنفسية للأطفال وعائلاتهم.

تدخلات سياسية وروايات متضاربة

في تفاصيل الحادث، أوقفت مخابرات الجيش الأسبوع الماضي رتيباً متقاعداً بناء على بلاغ إلى مخابرات الجيش تقدّم به أحد الآباء يتهم فيه الرتيب بالاعتداء على ابنه، فسارعت مخابرات الجيش إلى توقيف المتّهم وسلّمته إلى قوى الأمن الداخلي حيث أجرى مكتب حماية الآداب ومكافحة الاتجار بالبشر التحقيقات الأوليّة.  أخبار كثيرة رافقت خبر توقيف الرتيب المتقاعد أ.ض.، أبرزها كان الحديث عن تخدير الأطفال عبر دسّ المخدر في العصير أو القهوة التي يقدّمها لهم في دكّانه، ومن ثمّ الاعتداء عليهم وتصويرهم على هاتفه الجوّال بهدف ابتزازهم حتى يعودوا إليه مجدّداً، فضلاً عن أخبار عن اجتماعات عُقدت ضمّت نافذين في المنطقة بهدف الضغط على أهالي الضحايا وثنيهم عن الحديث عن الموضوع أو اللجوء إلى القضاء، بالإضافة إلى أخبار تقول بأنّ سمعة هذا الرجل لم تكن جيّدة وأنّ الشكوك حول سلوكه ليست جديدة وتعود إلى سنوات ماضية.

لا تنفي الشهادات التي سمعتها “المفكرة القانونية” محاولة تدخّل بعض النافذين، مع الإشارة أنّ هذا التدخّل كان قبل معرفة تفاصيل الجرم الذي يشتبه بإرتكابه من قبل الرتيب، “حاولوا التدخّل، وعندما عرفوا سبب التوقيف تراجعوا، ما حدا بيحمل يحمي حدا بقضية من هذا النوع”، يقول والد أحد ضحايا الرتيب المتقاعد لـ “المفكرة القانونيّة”. 

ويستغرب رئيس بلديّة القاع ​بشير مطر الحديث عن تدخلات من نافذين في المنطقة وينفي نفياً قاطعاً وجود أيّ محاولات للضغط على أهالي الضحايا، مشيراً في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ البلديّة ستذهب إلى النهاية في موضوع الاعتداء على الأطفال وأنّها ستدّعي بصفتها الشخصية على المتهم وستتابع الملف وتلاحقه حتى تأخذ العدالة مجراها.

ويشدّد مطر على ضرورة الإسراع بالتحقيقات في هذا الملف ولاسيّما في ظلّ الإضرابات الحاصلة واقتراب موعد العطلة القضائية.

وكانت النائبتان نجاة صليبا وسينتيا زرازير تحدّثتا خلال وقفة تضامنيّة مع الضحايا نُظّمت في 7 تموز أمام قصر العدل في بيروت، عن تدخلات وضغوطات تُمارس على أهالي الضحايا، وذكرت النائبتان في بيان بأنهما ستكملان التحركات بكل الاتجاهات للوصول إلى العدالة، وستراقبان وتفضحان أي تسويات أو تدخلات لجهات سياسية أو دينية أو جهة نافذة في المنطقة للضغط على ذوي الضحايا بهدف ثنيهم عن الادعاء على المجرم”.

وشدّدت النائبتان على ضرورة إبقاء المحاكمة أمام القضاء العدلي لضرورة تمثيل أهالي الضحايا وعدم إحالة الموقوف إلى القضاء العسكري باعتباره رتيباً متقاعداً في الجيش.

التحقيقات الأوّلية: 5 ضحايا على الأقل، وآخرون محتملون

لا يمكن استبعاد فرضيّة تدخّل نافذين في المنطقة بهدف “لفلفة القضيّة” في بلد مثل لبنان، ولكنّ ما يمكن تأكيده حتى الساعة أنّ هذا التدخل لم يؤت ثماره. فقد تقدّم أحد الضحايا بشكوى مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي ضد الرتيب بتهمة الاغتصاب وما يظهره التحقيق، وشملت الشكوى معلومات حول 5 ضحايا حسب ما يوضح مصدر أمني لـ”المفكرة”،  ليبقى السؤال عن سبب عدم إقدام الضحايا الآخرين على الادعاء في ظلّ الحديث عن وجود حوالي عشرين ضحيّة محتملة.

وفي هذا الإطار يقول مطر إنّ التحقيقات الأوليّة تؤكّد وجود خمس ضحايا واجهوا المشتبه فيه، وإنّ هذا الأمر لا ينفي ولا يؤكّد عدم وجود ضحايا آخرين خافوا أن يتكلّموا ولاسيّما في ظلّ الضجة التي أُثيرت وطريقة تعاطي بعض وسائل الإعلام مع الموضوع، مؤكّدا أنّ البلدية ستتابع الملف مع الوزارات والجمعيات المعنية بهدف تأمين الحماية الكافية وطمأنة الأهالي انطلاقاً من مصلحة الأطفال الفضلى ممّا قد يساهم في تشجيع الضحايا المحتملين على الإفصاح وضمّهم إلى ملف الدعوى لاحقاً.

الأمر نفسه يكرّره المصدر الأمني لافتاً إلى أنّ التحقيقات الأوليّة أكّدت وجود 5 ضحايا لغاية الآن وأنّ التوسّع في التحقيقات قد يظهر المزيد من الضحايا، موضحاً أنّ الضحايا كلّهم ذكور (الأمر نفسه يؤكده رئيس البلدية)، وأنّ أعمارهم تتراوح بين 15 و17 عاماً، فيما تشير الشهادات التي سمعتها “المفكرة” إلى أنّ أعمار الضحايا تتراوح بين 11 و 14 عاماً.

وقد تداولت معلومات حول احتواء هاتف المدّعى عليه على مقاطع فيديو تظهر فعل اعتدائه على عدد كبير من الأطفال، وهو أمر لم تتمكّن “المفكّرة” من التثبت منه نظراً لسريّة التحقيقات ولكن والد أحد الضحايا أورده أيضاً في حديثه إلى “المفكرة” مضيفاً “لا أعرف إن كان التوثيق بهدف الابتزاز أو لا، لم يخبرني ابني ولا أريد الضغط عليه، كلّ ما أخبرني إياه أنّه تعرّض مرة للاعتداء من قبل هذا الرجل، لا أريد أن أؤذيه أو أزعجه بسؤاله عن مزيد من التفاصيل”.

ويضيف والد الضحيّة أنّ ما استطاع معرفته أنّ المدّعى عليه  كان يدعو الأطفال إلى بيته لشرب القهوة  أو نسكافيه أو عصير، ويأخذ أرقام هواتفهم ومن ثمّ يتواصل معهم ويستفرد فيهم واحداً واحداً، وأنّه كان يتحدّث معهم أحاديث بذيئة تتمحور حول الجنس والأعضاء التناسلية على سبيل المزاح” موضحاً بأنّ المدّعى عليه لا يملك دكاناً إنّما أخته تملك دكاناً وابن أخته لديه مكتبة في وسط الساحة وأنّه كان يبقى هناك حيث المكان قريب من مدرسة وثانوية، كذلك يؤكد رئيس البلدية أنّ المدّعى عليه ليس لديه دكاناً كما أشيع.

وفيما يشير مصدر أمني ورئيس البلدية إلى أنّ التحقيقات لم تظهر حتى الساعة استخدام المخدرات لاستدراج الأطفال يقول والد أحد الضحايا: “لا أعرف إن كان هناك مخدر أو لا، ابني لم يتحدث عن هذا الموضوع لا أؤكد ولا أنفي”. ويوضح المصدر الأمني أنّ التحقيقات لغاية الآن تشير إلى أنّ الاستدراج كان يحصل عن طريق دعوة الأطفال إلى منزله ومن ثمّ عرض أفلام إباحية.

تتلاقى الشهادات التي سمعتها “المفكرة” حول سلوك هذا الرجل قبل توقيفه على أمر واحد وهو أنّه لطالما كان يتفرّب من الأطفال والشباب الأصغر منه سناً، ولطالما كان يتواجد في الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال، ما كان يدفع البعض إلى اعتباره “بسيطاً” أو “أهبل” على حد تعبير أحد الأشخاص من القرية.

كما قال أحد الأشخاص لـ “المفكرة” إنّ “الغرابة” التي تبدو على سلوك هذا الشخص دفعت أحد أقاربه إلى منع ابنه من التواجد معه ليس بناء على معلومات أو معطيات محدّدة إنّما انطلاقاً من فارق العمر.

وحسب شهادة والد أحد الضحايا فإنّ الأمر الذي انكشف منذ أسبوع يبدو أنّه كان بدأ منذ سنوات، إذ يقول “يبدو أنّه يعتدي على الأطفال منذ سنوات، على الأقل منذ سنتين حسب ما علمت”.

حماية الأطفال ضرورية 

لعلّ أوّل انطباع يتسلّل لأي متابع لقضيّة القاع وعند سماع حديث الأطراف المعنيين من أهالٍ للضحايا أو فعاليات أو جمعيات ونوّاب وسكان القرية هو القلق، قلق ليس فقط من “لفلفة” القضية، بل من عدم التنبّه إلى حساسيّة القضية ووصمة قد تلاحق الأطفال أو المنطقة، ومن تحوّل قضية الأطفال إلى مادة إعلامية تضرّهم أكثر ما تنفعهم، “لا أريد الضغط على ابني، ولا أريد أن تتحوّل قضيته إلى مادة إعلامية، ابني وثق بي أخبرني بما تعرّض له، ابني ضحيّة وكان شجاعاً ليخبرني أنّه تعرّض للاعتداء وساهم بكشف المجرم وواجهه، ما أسعى إليه الآن العدالة وحماية ابني وتأمين كلّ الدعم له” يقول والد أحد الضحايا.

وفي إطار حماية الأطفال يشير مطر إلى أنّ حساسية الموضوع تفرض خروجه من أي نوع من المزايدات وأنّ “كسر الصمت” مطلوب، ولكن مع المرجعيات المعنيّة والمؤهلة من جمعيات ومؤسسات من جهة ومن متابعة القضاء من جهة أخرى.

ويشير مطر بأنّ هناك تواصلاً وتنسيقاً مع الجمعيات المعنيّة لتأمين الحماية المطلوبة للأطفال، جميع الأطفال وذويهم، وأنّ اتحاد حماية الأحداث تواصل مع البلديّة وأنّ المجلس الأعلى للطفولة ينسق مع وزارة التربية ووزارة العدل، وأنّ هناك عملاً على تضافر الجهود من أجل حماية الأطفال وتأمين كافة الدعم لهم.

وفي السياق نفسه توضح سينتيا زرازير أنّ نواب قوى التغيير تبنّوا القضية كأنّها قضيتهم مؤكدة الاتجاه إلى تشكيل لجنة مع وزارة الشؤون الاجتماعية لمتابعة حماية الضحايا وذويهم وتقديم العناية الاجتماعية والنفسية للأطفال وعائلاتهم وأنّها والنائبة نجاة صليبا ستكونان في هذه اللجنة، فضلاً عن الطلب من نقابة المحامين تشكيل فريق لتأمين التوكل القانوني المجاني لأهل الضحايا.

كما أكّدت زرازير أنّها ستعرض القضيّة في أول اجتماع للجنة حقوق المرأة والطفل البرلمانية لاتخاذ كلّ الخطوات والإجراءات المطلوبة لدعم وحماية الضحايا وذويهم.

وفي موضوع الحماية أيضاً، تشير مديرة منظمة “أبعاد” غيدا عناني في حديث مع “المفكرة” أنّه وعند مقاربة موضوع الدعم والحماية في هذه المرحلة على المؤسّسات والجمعيات أن تتنبّه بشكل أساسي إلى عدم العشوائية في الخطوات، والتنسيق مع كل المؤسسات والجمعيات وذلك انطلاقاً من مراعاة مصالح الأطفال الفضلى، لافتة إلى أنّه ومن أجل تكامليّة الخدمات سيتم إنشاء خلية أزمة تنسيقية تجمع كل الأطراف المعنية وعلى رأسها اتحاد حماية الأحداث.

وتشير عناني في حديث مع “المفكرة” إلى ضرورة التنبّه عند التعامل مع جريمة الاغتصاب هذه إلى أنّنا نقارب صدمة جماعيّة تحتّم الانتباه إلى أمور تتعلّق بالوصمة ومنها وصمة المنطقة كأن نستخدم أو نسوّق لتعبير “مجرم القاع”  أو “سفّاح القاع” أو “أطفال القاع” على سبيل المثال لا الحصر، وأنّه مع أهميّة أن يسلّط الإعلام الضوء على مثل هذه القضايا يجب التنبّه إلى عدم ذكر أي معلومات تشير إلى هوية الأطفال أو ذويهم أو نشر صور أو بيانات أو حتى أخبار تتسبّب بأي ضرر. 

وفي حين توضح عناني أنّ أبعاد تضع كلّ خدماتها وخبراتها في خدمة الأهالي والضحايا، تشير إلى ضرورة  إصلاح المواد المتعلّقة بما يسمّى الاعتداء على العرض في قانون العقوبات في الفصل الأوّل من الباب السابع، إذ إنّ هناك جملة من المواد بحاجة إلى مراجعة لناحية التشدّد بالعقوبات المنصوص عليها من جهة ولناحية التوسّع بالتخصصية من جهة أخرى.

 وتعتبر عناني أنّ القانون لا يؤمّن الحماية ولا التخصّصية الكافيتين في هذا النوع من الجرائم التي وقعت على أطفال، وأنّ مصالح الأطفال الفضلى تحتاج إلى تخصّصية من المحاكم المدنية بشكل أساسي.

وتشدّد أيضاً في موضوع الحماية على الحيّز الوقائي والتوعوي بموضوع التربية الجنسية موضحة أنّ هناك تعاوناً مع وزارة التربية والمركز التربوي بشكل أساسي لمراجعة المناهج المدرسية من عدسة جندرية وإدماج موضوع التربية الجنسية بالأنشطة اللا صفيّة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أجهزة أمنية ، قرارات قضائية ، فئات مهمشة ، حقوق الطفل ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني