انتهاء قضية تزوير إختبارات الإنتساب لنقابة محامي طرابلس: تطبيق نادر لاتفاقية مكافحة الفساد صوناً للمستقبل

انتهاء قضية تزوير إختبارات الإنتساب لنقابة محامي طرابلس: تطبيق نادر لاتفاقية مكافحة الفساد صوناً للمستقبل

في 11-2-2016، أصدرت محكمة إستئناف طرابلس قرارها بالأكثرية بردّ الدعوى التي عرفت بدعوى تزوير نتائج امتحانات الإنتساب لنقابة محامي طرابلس. وكان أربعة نقباء سابقون قدموا هذه الدعوى ضدّ نقابتهم لإبطال قرار مجلسها بإعلان أسماء الناجحين في امتحانات الإنتساب إليها. وقد بنوا دعواهم على مجموعة من الحجج، أبرزها أنه لم تتمّ دعوتهم أصولاً إلى جلسة المجلس لإقرار النتائج علماً أنهم أعضاء حكميون فيه. كما بيّنوا أنه تم تزوير النتائج وإنجاح أشخاص خلافا لنظام النقابة الداخلي، وتحديداً اِلأشخاص الذين كانوا رسبوا في اختبارات الدخول إلى النقابة أكثر من مرتين. وقد ردت النقابة مطالبة بإعلان عدم اختصاص المحكمة للنظر في الطعن المذكور على اعتبار أن النظام الداخلي يمنع الطعن في نتائج الإمتحانات إلا في حالة الخطأ في احتساب العلامات. وفي الأساس، أدلت النقابة بثلاث حجج: أولا أنه لا يتم عرفا إبلاغ النقباء السابقين موعد جلسات المجلس وأنه بأية حال فإن غيابهم لا يؤثر في القرارات المطعون بها على أساس أنها مجرد إقرار لنتائج الإمتحانات من دون أي سلطة تقدير؛ وثانيا أنه لا دليل على حصول التزوير وخصوصاً أنها أتلفت مسابقات الناجحين مما يجعل التثبت من حصوله مستحيلاً؛ وثالثا، أنها كانت عدلت نظامها الداخلي في أيلول 2015 للسماح بقبول ترشيحات الراسبين في الإختبارات السابقة مهما بلغ عدد المرات التي رسبوا فيها وذلك استثنائيا ولمرة واحدة. وقد شهرت النقابة هذا التعديل وكأنه يضع حدّا للدعوى رغم أنه ثبت في الملف أن التعديل المذكور لم يتم إبلاغه للنقباء السابقين أو نشره في أيّ مكان داخل النقابة أو خارجها. والمشترك بين دفوع النقابة في الأساس هو أنها كلها تتصل بمخالفة مبدأ الشفافية بشكل أو بآخر. فالنقابة تارة تجد أن عدم اتباعها إجراءات الشفافية لا يؤثر في الدعوى، كما هي الحال بخصوص عدم دعوة أو حضور النقباء السابقين، أو تعديل النظام من دون نشره. وتارة تجد أن من حقها حصد ثمار عدم اعتماد هذه الأصول كما نستنتج من تذرعها باتلاف مسابقات الناجحين المدعى بتزويرها.

وقبل الغوص في تفاصيل الحكم، تجدر الإشارة إلى أن المحكمة أصدرت قرارها كما سبق وأسلفنا بأكثرية ثلاثة أصوات، بمعنى أن المحكمة انقسمت إلى فريقين: فريق الأكثرية الذي قرر ردّ الدعوى، وفريق الأقلية الذي رأى في مخالفته على العكس من ذلك وجوب وقف تنفيذ القرار وإعادة الدعوى إلى جدول المرافعات. وكنا قد سجلنا الإنقسام نفسه في القضية نفسها بين أعضاء المحكمة بشأن القرار المتخذ في 22-12-2015 برد طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وقد ذكرناآنذاك بأن غرفة المحكمة الناظرة في استئناف قرارات نقابة محامي طرابلس تتألف من ثلاثة قضاة ومن محاميين من أعضاء مجلس نقابة الشمال، مما يجعل هذين الأخيرين في موقع الخصم (حيث أنهما شاركا في اتخاذ القرار المطعون فيه) والحكم في آن[1]. وبالطبع، تزداد هذه التركيبة قابلية للإنتقاد حين يتخذ القرار بأكثرية الأعضاء، وتحديدا حين يرجح رأي على آخر داخل المحكمة بفعل صوتي هذين العضوين (الخصمين الحكمين) كما حصل في هذه الدعوى. فالأقلية المعارضة للقرار تكوّنت من مستشاري الغرفة القاضيين منير سليمان ونازك الخطيب، فيما تكونت الأكثرية من رئيس الغرفة (القاضي ناجي عيد) وعضوي مجلس النقابة. وفي حالة كهذه، يصبح الحكم معيوباً لتعارضه مع مبدأ أساسي هو مبدأ حيادية المحكمة واستقلاليتها. وبذلك، وبفعل هذه المخالفة، تمكنت النقابة من تحصين قرارها ضد تحقيقات التزوير والإبطال والتفلت من أي مساءلة.

إلا أنه ورغم هذه النتيجة المخيبة، سجّل الحكم والمخالفة التي أعقبته مجموعة من الأمور بالغة الأهمية والتي لا بد من التوقّف عندها. ولا نبالغ إذا قلنا أن نصّ المخالفة يشكل ما يشبه الإدانة للنقابة على خلفية عدم مراعاة أصول الشفافية كما نبين أدناه.

 
إيجابيات محدودة للحكم

أهم الإيجابيات في هذا الصدد هو أن المحكمة وافقت على ردّ الدفع الشكلي المتصل بعدم قابلية القرار بإعلان نتائج الإمتحانات للطعن. فإزاء الدفع المتصل بتضمين النظام الداخلي للنقابة مادة تمنع الطعن بنتائج إختبار كفاءة طالبي التدرج إلا في حالات الخطأ الحسابي في جمع العلامات، رأت أكثرية المحكمة أن للمحكمة صلاحية شاملة بموجب الفقرة الرابعة من المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة بالنظر في الطعون في مجمل قرارات مجلس النقابة وأنه لا يمكن للنظام الداخلي أن يحدّ من نطاق تطبيق النص القانوني، وأنه في حال حصول خلاف ما بينهما فإنه ينبغي تغليب النص القانوني والأخذ بأحكامه. وبالطبع، وافقت الأقلية على هذا التوجه ضمناً من خلال قبول اختصاص المحكمة بالنظر في هذه الدعوى.

وبذلك، تكون المحكمة قد أخضعت في حكمها النظام الداخلي لنقابة المحامين في طرابلس لرقابتها، مانعةً النقابة من تضمينه ما يخالف هذا القانون. وهي بذلك حذت حذو محكمة استئناف بيروت في حكمهاالصادر في 25-6-2012 في قضية الطعن الذي قدمه المحامي محمد المغربي لإبطال قرار شطبه من الجدول العام، حيث رأت المحكمة أن جعل قرارات الشطب نافذة على أصلها بموجب النظام الداخلي لنقابة المحامين في بيروت باطل لتعارضه مع قانون أصول المحاكمات المدنية[2].

كما من إيجابياته قبول صفة النقباء السابقين في الإدعاء، على اعتبار أن للنقيب السابق للمحامين، بصفته عضواً دائماً حكماً في مجلس النقابة، مصلحة في الحفاظ على مستوى علمي معيّن لدى المنتسبين الجدد للنقابة. وقد ذهب القاضيان المخالفان أبعد من ذلك بحيث رأيا أنه يعود لكلّ محام تضرّر بمصالحه المادية أو المعنوية، طلب إبطال هذا القرار.

أما فيما عدا ذلك، فقد ردت الأكثرية الطعن بالأساس لأسباب عدة، منها أن حضور النقباء السابقين لا يؤثر في المداولات طالما أن القرار المطعون فيه استند على علامات الامتحانات من دون سلطة تقدير، وأنه تمّ تعديل النظام الداخلي لجهة قبول الراسبين لمرات عديدة، ولغياب أي دليل على حصول تزوير للإمتحانات أو إمكانية للتحقق من ذلك بعد إتلاف مسابقات الناجحين.

 
المخالفة: هذا النقص في الشفافية

من يقرأ المخالفة، سرعان ما يتبين أنها تهدف بشكل خاص إلى نقض دفوع النقابة المتصلة بعدم تقيدها بأصول الشفافية، وهي الدفوع التي انبنى عليها دفاع النقابة في الأساس كما سبق بيانه. وقد بدا ذلك واضحا من إستناد المخالفة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي صادق لبنان عليها في 22-4-2009. وهي المرة الثانية التي ترصد فيها المفكرة ذكر هذه الإتفاقية في حكم قضائي[3]. ولم تكتفِ المخالفة بهذا الحدّ، بل عملت على تعداد المبادئ التي يقتضي تطبيقها على هذه القضية والتي تجعل النقابة في موقع المشتبه به. ومن أول هذه المبادئ "أن أحكامها تشمل الموظف العمومي أو من هو بمثابة العمومي أو القائم بخدمة عامة"، مما يعني أنها ملزمة للمحامين ولنقابة المحامين. أما المبدأ الثاني فهو أنها تفرض على النقابة "إعتماد مبادئ الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وضمان تيسير حصول الناس على المعلومات". وقد غمزت المخالفة من خلال ذلك إلى انتقاد تصرفات مجلس النقابة "غير الشفافة"، سواء لجهة عقد إجتماعات سرية من دون دعوة النقباء السابقين (وهم أعضاء حكميون فيه) بل مع منع الراغبين منهم بالحضور عن ذلك أو لجهة إتلاف مسابقات الناجحين قبل انقضاء مهلة الاستئناف أو لجهة تعديل النظام الداخلي للنقابة دون نشره أو إبلاغه لأي كان. وقد ذهبت المخالفة هنا أبعد من ذلك حين استعارت من الإتفاقية وصفها لعملية إتلاف المستندات مشيرة إلى أن الإتفاقية تعتبر "من مظاهر الفساد الإتلاف المتعمّد للمستندات التي يمكن على أساسها أن تجري المحاسبة". ولا يحتاج القارئ إلى كثير من التدقيق ليتبين حجم الإنتقاد شبه المباشر إلى أداء نقابة المحامين في هذا المجال.

وما أن انتهت المخالفة من هذا العرض حتى انتقلت إلى تذكير القضاة أنفسهم (ومنهم أكثرية المحكمة) بدورهم في مكافحة الفساد والتحقيق بشأن الأفعال التي تثير الشبهات حولها وفرض الإلتزام بالنصوص القانونية للحدّ من الفساد وحماية ضحاياه والمبلغين عنه". وبعدما ذكرت أن أحكام الاتفاقية بخصوص مبدأ الشفافية هي تلقائية وتعلو على القانون الوطني، خلصت إلى القول بشكل يخلو من أي التباس بأن "مجرّد الشك بصحة القرار لعدم اعتماد الشفافية كافٍ بحدّ ذاته لإبطاله".

في الاتجاه نفسه، ذهبت الأقلية حين اعتبرت أن تعديل شروط الإنتساب إلى النقابة من خلال إتاحة المجال لقبول ترشيح راسبين مرتين في إختبارات سابقة أساء في توقيته لمبدأ مساواة المواطنين في حقوقهم وواجباتهم المنصوص عليه في المادة 7 من الدستور. وقد علّلت ذلك بأن إجراء التعديل بعد إغلاق باب الترشيحات ومن دون إعادة فتح هذا الباب، شكّل تمييزا ضد الراسبين الذين لم يترشّحوا لاعتقادهم أنّ وضعهم لا يسمح لهم بذلك، وهم كانوا ربما ترشّحوا لو علموا بهذا التعديل.

من هذه الزوايا كافة، بدت المخالفة وكأنها توجيه ودرسٌ للمستقبل يؤمل أن تستمع إليه نقابة محامي طرابلس ومجمل المؤسسات العاملة في المجال العام لتعديل شروط عملها بما يتوافق مع إجراءات الشفافية. وهي في الوقت نفسه إنذارٌ بوجوب القيام بذلك تحت طائلة تعريض مقرراتها للإبطال. فإذا تمكنت النقابة هذه المرة من حصد ثمار عدم الشفافية (إتلاف المسابقات وتغييب النقباء السابقين عن جلساتها والتذرع بتعديلات سرية لقواعد عملها) نتيجة أعراف معينة، فعلى الأرجح أن تكون الأمور مختلفة جداً المرة القادمة. وبهذا المعنى، تظهر المخالفة وكأنها ترمي إلى ضمان المستقبل ومنع تكرار الأفعال المعروضة أمامها، بعدما نجحت الأكثرية، بفعل عدم حيادية إثنين من أعضائها، في تحصين الماضي. ومفاعيل المخالفة المستقبلية لا تقتصر على موجبات النقابة أو سواها من المؤسسات العامة، إنما، وربما هذا هو الأهم، من شأنها أن تمهّد لإرساء اجتهاد جديد أكثر صرامة والتزاماً بمكافحة اللاشفافية التي غالباً ما تكون للأسف المدخل الأوسع للفساد.
 

للإطلاع على المخالفة، إضغط/ي على الرابط أدناه.



[1] رانيا حمزة، قضية تزوير امتحانات الانتساب لنقابة المحامين في طرابلس: فيك الخصم والحكم، منشور في الموقع الإلكتروني للمفكرة القانونية في
24-12-2015. https://legal-agenda.com/article.php?id=1348&lang=ar
[2] 25-6-2012، وعنه، كارلوس داوود، محكمة الاستئناف ألغت شطب المغربي من جدول المحامين: نقابة المحامين في بيروت مدعوة لتعديل نظامها الداخلي التزاما بالقانون، منشور في الموقع الإلكتروني للمفكرة القانونية، https://legal-agenda.com/print.php?id=505&folder=articles&lang=ar
[3] نزار صاغية، حرية التعبير في لبنان فضحاً للفساد في قرارات قضائية حديثة: أو حين غلّب القضاء المصلحة العامة على اعتبارات الكرامة الشخصية، المفكرة القانونية-لبنان، عدد 24. https://legal-agenda.com/article.php?id=966&lang=ar
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني