انتخابات العبث: حين يصطدم “الساحر المبتدئ” بتناقضات مشروعه


2022-10-25    |   

انتخابات العبث: حين يصطدم “الساحر المبتدئ” بتناقضات مشروعه

ساعات قبل انتهاء فترة قبول الترشّحات للانتخابات التشريعيّة المزمع تنظيمها في 17 ديسمبر، أعلنت هيئة الانتخابات الإثنين 24 أكتوبر، التمديد في الآجال بثلاثة أيام. لم تقدّم الهيئة أسبابا، ولكن الظاهر هو أنّ الترشحات التي وصلت لم تكن كافية، كمّا وكيفا، نظرا لصعوبة توفير شرط التزكيات. فقد وصل عدد المترشحين مساء الإثنين إلى 1249، بمعدّل 6 مترشحين رجال ومرشحة واحدة في الدائرة الانتخابيّة، في انتظار مرورهم جميعا بغربال الهيئة الذي سيسقط على الأرجح مئات الملفات غير مكتملة الشروط.
يأتي ذلك بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيّد، في 7 أكتوبر 2022، أنّ التشريع الانتخابي الذي نقّحه بمفرده قبل ذلك بثلاثة أسابيع “لم يحقّق أهدافه”، وأنّ “الواجب الوطني المقدّس يقتضي تعديله” بعد أن صارت التزكيات “سوقا تباع فيها الذمم وتشترى”. وفي حين انتظر الجميع بعد ذلك التصريح مرسومًا جديدا يغيّر قواعد اللعبة الانتخابية بعد انطلاقها، يبدو في النهاية أنّ الرئيس- السلطان قد غيّر رأيه، من دون أن يعلن ذلك صراحة أو أن يشرح الأسباب. في الأثناء، تصاعدت “دعوات” من صفحات فايسبوكيّة قريبة من دوائر السلطة، تتحدّث عن نيّة الرئيس تأجيل الانتخابات. أمّا هيئة الانتخابات، فبعد أن تفاءلت عند فتح باب الترشحات بورود ما لا يقلّ عن 326 ألف تزكية على مكاتبها، لصالح أكثر من 1700 مترشّح محتمل، واعتبرت ذلك مؤشّرا يبشّر بمشاركة عالية في الانتخابات، فإنّها، بتمديدها آجال الترشّح، أقرّت ضمنيا بخطأ حساباتها. هيئة لا تزال إلى اليوم متردّدة إزاء السؤال حول جواز مشاركة الأحزاب في الانتخابات، في ظلّ مقاطعة أبرز القوى السياسيّة في البلاد لما تعتبره، من دون حاجة إلى المبالغة، استحقاقا عبثيّا يهدف إلى إقصائها وإنتاج غرفة برلمانيّة من الموالين، في نظام سياسي قدّه الرئيس على مقاس مشروعه الوهمي ونزعته للحُكم الفردي.

سوق التزكيات: وشهِد جميع أهلها

كما فعل عند صياغة دستوره، أصدر الرئيس بمفرده المرسوم المنقح للقانون الانتخابي، الذي حمل خياراته التي كان يدافع عنها منذ السنوات الأولى بعد الثورة، والتي تشكّلت شيئا فشيئا في مشروع البناء القاعدي. لم يستمع الرئيس للانتقادات التي اعتبرت أنّ الاقتراع على الأفراد في دوائر ضيّقة، من شأنه فتح مجال أكبر للمال الفاسد لشراء الأصوات. فإضعاف البعد السياسي في المنافسة الانتخابيّة لصالح صراع بين أفراد منتصبين لحسابهم الخاصّ، يؤدّي بالضرورة إلى تشجيع الروابط الأخرى، العائلية والعشائريّة وأيضا الزبائنية. كما أنّ تركيز “الاستثمار المالي” في رقعة جغرافيّة ضيّقة يضمن له نجاعة أكبر، وهو ما أثبتته دراسات علميّة عديدة وتجارب مقارنة خصوصا في مجتمعات شبيهة كمصر والأردن. صمّ الرئيس آذانه عن هذه الانتقادات، فعزّز في مرسومه الامتياز الممنوح لأصحاب الأموال، عبر حذف التمويل العمومي من جهة، وعبر إضافة شرط الحصول على 400 تزكية معرّفة الإمضاء، مناصفة بين الرجال والنساء، على أن يكون ربعها من الشباب. كان واضحا أنّ هذا العدد من التزكيات، بهذه الشروط التفصيليّة ومع وجوب تنقّل المزكي للقيام بالتعريف بالإمضاء، يصعب توفيره، خصوصا في دوائر لا يتجاوز عدد ناخبيها بضعة عشرات الآلاف، وأنّ ذلك يفتح الباب أمام عمليات البيع والشراء. لكنّ الفساد الانتخابي، في ذهن الرئيس، مرتبط حصرًا بالأحزاب السياسيّة، التي “تتمعّش” من الانتقال الديمقراطي عبر التمويل العمومي، ويكفي إلغاء وساطتها كي تتطهر السياسة من وسخها ويعبّر الشعب عن إرادته “الحقيقيّة”.

إلاّ أنّ رؤية الرئيس اصطدمت، كما كان متوقّعا، بواقع مناقض لها. فبمجرّد انطلاق سباق جمع التزكيات، تعدّدت الشهادات حول عمليات البيع والشراء، لتتراوح أسعار التزكيات، حسب ما راج في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بين عشرة دنانير وخمسين دينارًا. كان مرشّحو الشقوق المحسوبة على الرئيس من أوّل المندّدين بذلك، حيث وجد الكثير منهم، على الأقلّ في الأيام الأولى، صعوبة في منافسة أصحاب الأموال في هذه السوق. كما لم تكن الأحزاب المساندة لسعيّد، كحركة الشعب وحزب “تونس إلى الأمام” وحراك 25 جويلية، أكثر حظّا، فخرج قياديوها في وسائل الإعلام للتنديد بالفساد وعمليات البيع والشراء التي شابت سباق التزكيات. هيئة الانتخابات تحدّثت هي الأخرى عن تجاوزات عديدة، وتعهدت بملاحقتها بالتنسيق مع النيابة العمومية. ليخرج الرئيس، لدى استقباله رئيسة الحكومة في 7 أكتوبر، ويشتكي هو الآخر من ظاهرة “التلاعب بالتزكيات” عبر “المال الفاسد”. كما توجّهت سهام الرئيس وهيئته الانتخابيّة بطريقة مباشرة إلى المجالس البلديّة، التي اتُّهِم أعضاؤها ممن لديهم نيّة للترشح، باستعمال سلطتهم لتوجيه التزكيات لفائدتهم. جاء ذلك في سياق من التصويب المستمرّ على المجالس البلديّة، وهي السلطة الوحيدة المنتخبة التي لم يقم الرئيس بعدُ بإلغائها، حيث تعدّدت الإيقافات في الأسابيع الأخيرة في صفوف رؤساء وأعضاء المجالس البلديّة، بتعلّات متنوّعة، بالإضافة إلى تدخّل السلطة التنفيذيّة بطريقة غير مسبوقة في عمل المجالس.

لكنّ سهاما أخرى توجّهت إلى أطراف في السلطة التنفيذيّة في موضوع التزكيات، وبالتحديد إلى “وزير” في الحكومة، الذي اتهمته بعض الأحزاب الموالية لسعيّد والتي اختارت المشاركة في الانتخابات، باستعمال نفوذه لتسهيل جمع التزكيات لفائدة مرشّحين مقربين منه. اختارت هذه القيادات عدم تسمية الوزير، ربّما خوفا من ملاحقات جزائيّة استهدفت لأسباب مشابهة قيادات سياسيّة في المعارضة. إلاّ أنّ التلميح كان واضحا بما يكفي ليفهم المتابعون أنّ المعنيّ بالاتهام هو أحد أقرب الوزراء إلى سعيّد، الذي يتولى حقيبة خدماتيّة ودورا سياسيّا بارزا داخل الحكومة، والذي يتزعّم أحد الشقوق الثلاثة التي بصدد التشكّل من بين “أبناء المشروع” والحملة التفسيريّة، والتي لكلّ منها مرشحون.

أعلن الرئيس في المناسبة ذاتها عن ضرورة تنقيح المرسوم، من دون أن يقوم بذلك حتى الآن لأسباب لا تزال مجهولة. ولئن كان رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر ينسب لهيئته هذا “الإنجاز” كدليل على “استقلاليّتها”، فإنّ تصريحاته وزملائه في مجلس الهيئة حول فرضيّة التنقيح كانت في البداية مبهمة ومحتشمة، ولم يصبح الموقف واضحا إلاّ مع انطلاق قبول الترشحات، حين تأكّد تخلّي الرئيس عن الفكرة. فالأرجح، هو أنّ الحاجة لتغيير الشروط، التي ظهرت في الأيام الأولى من انطلاق سباق التزكيات، تقلّصت بمرور الوقت، مع نجاح معظم مرشحي شقوق النظام الجديد في جمع التزكيات المطلوبة. وربما تكون وضعيّة بعض هؤلاء المرشحين ساهمت في قرار التمديد في آجال قبول الترشحات ساعات قبل انتهائها.

التزكيات: ركيزة واهنة لمشروع متهافت

يبقى أنّ تعدّد الشقوق والأطراف الموالية للرئيس ومساره الانقلابي لم يضمن ترشحات كافية في كلّ الدوائر الانتخابيّة. إذ بقيت إحدى دوائر الخارج من دون أيّ ترشّح إلى غاية الإثنين، في حين قد تفضي مرحلة الترشحات إلى فوز مرشحين في بعض الدوائر لغياب المنافسين، وإلى الاكتفاء بدور واحد في دوائر أخرى لوجود مرشّحيْن اثنين فقط. لا يعود هذا العزوف فقط إلى مقاطعة أبرز القوى السياسيّة وضعف الانتشار الميداني لأحزاب الموالاة وشقوق النظام الجديد، التي عجز جميعها على تقديم مرشحين في كلّ الدوائر الانتخابيّة. وإنما يرجع أيضا إلى صعوبة توفير التزكيات. فقد اختار سعيّد في مرسومه فرض العدد ذاته من التزكيات على جميع الدوائر، بما فيها دوائر الخارج، بغضّ النظر عن عدد الناخبين المسجلين في كلّ دائرة. فإذا كان شرط التزكيات أصعب بكثير في الدوائر الأضعف ديمغرافيّا، كدائرة ذهيبة- رمادة التي يتجاوز عدد الناخبين المسجلين فيها بالكاد 11 ألفًا، مما يعني أنّ حقّ الترشح مرتبط بتزكية مسبقة من أكثر من 3،5% من الناخبين، فإنّ الأمر أعقد في بعض دوائر الخارج، على الرغم من فتح المجال للتزكية الالكترونية فيها. فكيف يمكن تلبية هذا الشرط في دوائر كإفريقيا أو آسيا وأستراليا، حيث لا يتجاوز عدد الناخبين المسجلين بضعة آلاف؟

كلّ ذلك يدلّ على أنّ شرط التزكيات، شأنه شأن تقسيم الدوائر، لم يحظَ بما يكفي من التفكير والنقاش عند صياغة المرسوم، ولا حتّى خلال سنوات تشكّل مشروع البناء القاعدي. فقد كانت التزكيات، في ذهن أصحاب المشروع، طريقة لاصطياد عصفورين بحجر واحد.
من جهة، كانت فكرة التزكيات إجابة على أحد أبرز الانتقادات التي توجهت لفكرة الاقتراع على الأفراد منذ 2011، وهي الامتياز الذي يمنحه للرجال من أصحاب الوجاهة والثروة، على حساب النساء والشباب الذين يصعب جدّا ضمان حدّ أدنى من التمثيليّة لهم. فكان سعيّد ورفاقه، الرافضون لفكرة التناصف بين الجنسين في المجالس المنتخبة، يستلبونها في محلّ يفرغها تماما من جدواها، وهي التزكيات. بل أنّ سعيّد كان يتفنّن في سنوات التبشير بالمشروع، بتغيير تفاصيل شروط التزكيات، رغبة في استمالة فئات معيّنة، كأصحاب الشهائد العاطلين عن العمل، متناسيا أنّ اشتراط تزكيات من فئة معيّنة لا يضمن لها أيّ تمثيليّة. أمّا الحجّة التي ساقها مؤخرا رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر في حواره في برنامج ميدي شو الإذاعي، وهي حالة “المترشحة” التي أتت بتزكيات نسائيّة حصرا، فهي، عدا عن أنّها لا تجيب عن سؤال تمثيليّة النساء، مناقضة أصلا لمنطوق المرسوم الانتخابي، الذي ينصّ صراحة على شرط أن يكون “نصف المزكّين من الإناث والنصف الثاني من الذكور”. وهي ليست المغالطة الوحيدة التي لجأ إليها بوعسكر، بعد أن تحوّل إلى ناطق رسمي باسم خيارات “البناء القاعدي”.

من جهة أخرى، ترتبط فكرة “التزكية” بفلسفة الوكالة الملزمة، حيث لا ينتخب النائب إلاّ بناء على اتفاق صريح مع المتساكنين الذين رشحوه، والذين بإمكانهم سحبها متى اعتقدوا بأنّه حاد عنها. وإذا كانت هذه الفلسفة، في حدّ ذاتها، تطرح أسئلة وإشكاليات عديدة من وجهة النظر الديمقراطيّة، فإنّ تطبيقها في المرسوم أفرغها تماما من معانيها. فقد ضيّق المرسوم كثيرا من إمكانيّة سحب الوكالة عبر شروط عديدة، وجعلها مرتبطة ليس بالمواطنين الذين زكّوا المرشح، وإنما بعُشر الناخبين المسجلين، حتّى وإن كانوا قد ساندوا منافسيه. حتّى الشرط المضموني، وهو “إخلال النائب بواجب النزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النيابيّة أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدّم به عند الترشح”، فيصعب جدّا تقييمه. فهل ستتجرأ الهيئات الفرعيّة على رفض لائحة سحب وكالة تستوفي الشروط الشكليّة، حين تقيّم أنّ النائب قد قام بما عليه؟

في الواقع، عرّت مرحلة جمع التزكيات تهافت مشروع البناء القاعدي. حيث أنّ أنموذج التزكية الثاني، الذي وضعته هيئة الانتخابات تفاعلا مع اقتراحات الراغبين في الترشح، يختزل طبيعة الاستحقاق، التي ستكون محلّية بامتياز. فبرنامج المترشح الذي يطلب من المزكي الإمضاء عليه، يتمثّل في مجموعة من “المشاريع”، في مجالي “التنمية الاقتصاديّة” و”التنمية الاجتماعيّة”، مع تحديد مواردها وآجالها وأثرها الاجتماعي. ليس غريبا إذن أن تكون وعود المترشح ذات طابع محلّي، كما لو تعلّق الأمر بانتخابات جهويّة أو بلديّة. إذ لا يتعلّق الأمر بسياسات وطنية، في مجالات كالجباية والضمان الاجتماعي والعدالة والأمن والصحّة العموميّة، وإنما بوعود باستثمارات محلّية. هذه الرؤية تتطابق مع “فلسفة” مشروع البناء القاعدي، إذا جاز اعتبارها كذلك، والتي تقوم على اختزال الثورة في استحقاق التنمية المحلّية، التي يكفي لتحقيقها إعادة الكلمة لأبناء المحليات الأنقياء من وسخ الانتماء الحزبي وتمكينهم من “الأدوات”. أمّا في الواقع، فقد بدأ الصراع بين المعتمديات والعشائر المكونة لدائرة انتخابيّة واحدة، فخضعت عمليّة جمع التزكيات في معظم الأحيان إلى منطق الأقربين والعصبيات القبليّة. فالمعيار الحاسم في التزكية كما في الاقتراع، ليست الأفكار السياسيّة للمترشح ولا كفاءته، وإنما العلاقات العائليّة والزبائنيّة.

الهيئة التفسيريّة لمشروع الرئيس

وإذا كان الاقتراع على الأفراد، في مجتمعات لم تنضج فيها تقاليد سياسيّة كبيرة ولم تخلق منظومة حزبية قويّة ومستقرّة، يعطي الأولوية في عمليّة التصويت لمثل هذه الاعتبارات، فإنّ هذا الأثر سيكون مضاعفا في ظلّ الاقصاء الممنهج للأحزاب من العمليّة الانتخابية، واختيار أبرز القوى السياسيّة مقاطعتها. فقد ارتأت الهيئة تطبيق تصوّرات الرئيس المتوجّس من الأحزاب السياسيّة، متجاوزا أحيانا ما نصّ عليه مرسومه الانتخابي. اعتبر بوعسكر أنّ منع الأحزاب من تمويل الحملات الانتخابية لمرشحيها ناتج عن القانون الانتخابي، وتحديدا عن الفصل 77 الذي حافظ مرسوم سعيّد على صياغته كما هي، والذي يقصي الأشخاص المعنويين، ومنهم الأحزاب، من تعريف “التمويل الخاصّ”. تناسى بوعسكر أنّ تمويل الأحزاب للحملات التشريعيّة كان، وفق القانون الانتخابي نفسه في الفصل 76، يصنّف ضمن التمويل الذاتي، مستنتجا من عبارة “القائمات” أنّ ذلك لا يمكن أن ينطبق على نظام الاقتراع على الأفراد. كما صرّح بوعسكر أنّ ورقة الاقتراع ستتضمن فقط أسماء المترشّحين، حتى من ينتمي منهم إلى أحزاب، في حين لم يحسم مرسوم سعيّد ذلك. تذرّع رئيس الهيئة المطيعة للانتخابات بأنّ نظام الاقتراع على الأفراد يفرض ذلك، وأنّ الديمقراطيات العريقة التي تعتمده تكتفي هي الأخرى بأسماء المترشحين، وفي ذلك مغالطة فاضحة، حيث أنّ أوراق الاقتراع في الانتخابات التشريعية في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، جميعها تنصّ على الانتماء الحزبي للمترشحين وفي معظم الأحيان على شعاراتها أيضا. تناسى بوعسكر أنّ التنافس الانتخابي، في كلّ الديمقراطيات وبقطع النظر عن نظام الاقتراع، يكون بين أحزاب، وليس بين أفراد مستقلّين.

هيئة الانتخابات، التي عيّن سعيّد جميع أعضائها بعد أن أزاح المجلس السابق بسلطة المراسيم، تحوّلت ليس فقط إلى أداة لتنفيذ خيارات السلطة مهما كانت مناقضة للديمقراطيّة، وإنّما أيضا إلى هيئة “تفسيريّة” تدافع عن جدوى هذه الخيارات. بدءًا بنظام الاقتراع على الأفراد، وصولا إلى الاقصاء المقنّع بالكاد للأحزاب، مرورا بتقسيم الدوائر الانتخابيّة الذي نفت عنه خرق مبدأ المساواة أمام الاقتراع جراء الاختلال الفادح للتوازن الديمغرافي بينها، وتمثيليّة المرأة التي ستكون من دون شكّ ضعيفة جدّا. بل أنّ تماهي بوعسكر مع الرئيس وحملته التفسيريّة، جعله يتبنى الخطاب المشيطن للأحزاب السياسيّة والاستحقاقات الانتخابيّة الفارطة، التي كان هو نفسه من بين المشرفين عليها، في محاولة منه لإقناعنا أنّ انتخابات 2022 ستكون الأكثر نزاهة.

لكنّ الشعار الأمثل الذي ينطبق على هذه الانتخابات هو العبث. عبثٌ مستمرّ بقواعد اللعبة وعلى رأسها الدستور والقانون الانتخابي، عبثٌ في تنظيم الانتخابات، وعبثٌ في تركيبة الهيئة المشرفة عليها، وكلّ ذلك تلبية لرغبات السلطان ومخاوفه. ذلك السلطان الذي لم يجد الوقت أو القدرة لإنضاج أفكاره التي بشّر بها طيلة سنوات، قبل أن يفرضها على شعب كامل بقوّة المدرّعات العسكريّة والأمنيّة، وتواطؤ جزء كبير من نُخب الانتقال الديمقراطي.

لقراءة المقال باللّغة الانكليزيّة، إضغط/ي هنا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني