الهبة الإيرانية تحلّ جزءاً من أزمة الكهرباء: لا بديل عن أموال الخزينة؟


2022-09-23    |   

الهبة الإيرانية تحلّ جزءاً من أزمة الكهرباء: لا بديل عن أموال الخزينة؟

عاد الوفد التقني الذي كلّفه وزير الطاقة وليد فياض زيارة إيران للبحث في تفاصيل هبة الفيول إلى لبنان. وقد سبقته معلومات تبشّر بإمكانية إحداث خرق في مسار التغذية بالتيار. “المنار” نقلت عن الجانب الإيراني إبلاغه الموافقة على تزويد لبنان ب600 ألف طن من الفيول مُقسّمة على 5 أشهر. كذلك بشّر السفير الإيراني مجبتى أماني بأن “هناك أخبارا سارة ستعلن قريباً”.

نجاح الوفد بمهمته، مقروناً بقرار رفع التعرفة، يمكن أن يعني حلاً مؤقّتا لمسألة الكهرباء، المقطوعة بشكل كامل عن معظم المناطق اللبنانية. لا أحد يتجرأ على الأمل ب24 ساعة كهرباء. أقصى الأحلام اليوم هو ما بين 8 و10 ساعات. فهل يتحقق ذلك؟ أمام هذه الخطوة مصاعب عديدة، أبرزها استمرار الحذر من احتمال عدم وصول الاتفاق مع إيران إلى خواتيمه، لأسباب تقنية وسياسية. على ما تشير المعلومات، فإن المسؤولين الإيرانيين أبلغوا الوفد استعدادهم لتقديم كل التسهيلات لحصول لبنان على الهبة التي تُقارب قيمتها نصف مليار دولار. لكن المُشكلة تتمثّل بعدم مطابقة مواصفات الفيول الإيراني للفيول المستعمل في معملي الزوق والجية الجديدين، بالرغم من مطابقته للمعايير العالمية. أما في ما يتعلق بالغاز أويل الذي يحتاجه لبنان لتشغيل معمليْ دير عمار والزهراني، فقد كان لبنان على دراية مسبقاً بعدم توفّر هذا النوع في إيران، علماً أن الوصول إلى تغذية بين 8 ساعات و10 ساعات يومياً، يتطلب إنتاج نحو 1200 ميغاواط، يؤمّن هذان المعملان 800 ميغاواط منها. ما يُحتّم استبدال الكمية التي سيحصل عليها لبنان من الفيول، والمقدرة ب120 ألف طن شهرياً، بالغاز أويل وبالفيول ذات المواصفات المناسبة لتشغيل معملي الزوق والجية، في حال رفض المعنيون تشغيلهما بالفيول الإيراني. وبذلك، يتضح أنه لن يكون ممكناً الوصول إلى عدد ساعات التغذية المقررة. وفيما لا تقدير دقيق لعدد ساعات التغذية الممكنة، بانتظار تحديد الكميات التي يمكن الحصول عليها بعد استبدال الفيول الإيراني، إلا أن الترجيحات تشير إلى نحو 6 ساعات من التغذية بالحد الأقصى، مع احتساب ما يتم الحصول عليه من عمليات استبدال الفيول العراقي (نحو 80 ألف طن من الفيول الأسود تستبدل بنحو 20 ألف طن من الفيول المستخدم في المعامل). وهذا يقود إلى أن الاعتماد على أصدقاء لبنان للحصول على الفيول لن يكون كافياً لتحقيق أهداف الخطة، ما يفرض على الحكومة تأمين التمويل الكافي لضمان الوصول إلى ساعات التغذية المطلوبة. علماً أن تشغيل المعامل يحتاج أولاً إلى إجراء الصيانات اللازمة خاصة لمعمل الزهراني (يمكن للمؤسسة دفع كلفتها في حال وافق مصرف لبنان على تحويلها إلى الدولار). كما يحتاج إلى إعادة توظيف عاملين في معملي الزوق والجية، بعدما عمدت الشركة المشغلة إلى تسريح عمالها لعدم حصولها على الأموال من المؤسسة.

حتى اليوم، يمكن القول أن لبنان سيضمن الحصول على هبة 600 ألف طن من الفيول، إذا سلكت الإجراءات الروتينية طريقها، كأن يتم توقيع اتفاقية الهبة بعد إقرارها في الأطر الدستورية، على أن يلي ذلك توقيع اتفاق مع شركة عالمية لاستبدال الفيول. لكن في لبنان ثمة من لا يزال يُصرّ أن الصفقة لن تتم ليس لأسباب تقنية بل سياسية. يقول مصدر مطّلع: “ابحث عن الخوف من العقوبات”. ويضيف: “لا أحد يصدق أن غض النظر الأميركي عن الصفقة بحجة أنها لا تتضمن دفع أموال لإيران سيستمر”. يسأل هؤلاء: “ما الذي منع وزير الطاقة من ترؤس الوفد إلى إيران؟ أليس الخوف من العقوبات؟ ويذكّر أن الوزير سارع إلى زيارة مصر للاتفاق معها على عقد استجرار الغاز المصري إلى لبنان، لكنه لم يتعامل مع زيارة إيران بالمثل، بالرغم من أنه يبدي حماسة مطلقة لنجاحها لكونها تشكل الفرصة الأخيرة لتحقيق أي إنجاز في الوزارة، وبالرغم من أن الحصول على هبة تُقدّر قيمتها بنحو نصف مليار دولار يُفترض أن تستنفر كل الطاقات لإنجاحه. لكن في الواقع فإن الخوف منع الوزير من ترؤس الوفد، والخوف هذا يمكن أن يؤدي إلى إلغاء الصفقة من البلد المستفيد من الهبة، متى صدرت أي إشارة أميركية سلبية”.

لكن إذا سارت الأمور كما ينبغي، وسلكت الهبة طريقها نحو التنفيذ، يكون نصف المشكلة قد حلّ، بحيث يمكن أن تضمن مؤسسة كهرباء لبنان الحصول على الفيول لزيادة التغذية في الفترة الانتقالية المتمثّلة ب 5  إلى 6 أشهر (هي الفترة المُعتادة لدورة إصدار الفواتير وجبايتها)، بالتوازي مع رفع التعرفة، على أن تكون المؤسسة قادرة في المرحلة التي تلي على دفع ثمن الفيول من أموال الجباية. علماً أن مجلس إدارتها أقرّ، في 5 آب، زيادة التعرفة وفقاً لخطة الطوارئ المقترحة من وزارة الطاقة. كما طلب موافقة وزارة المالية عليها، على ما ينص قانون إنشاء المؤسسة معطوفا على القانون المتعلق بمصلحة الكهرباء والنقل المشترك (م. 27). لكن خلافاً لما جرت عليه العادة (أن تطلب المؤسسة موافقة المالية مباشرة)، راسل وزير الطاقة وزير المالية، في 22 آب، طالباً الموافقة على الخطة والمصادقة على قرار المؤسسة زيادة التعرفة وفق مقترحات الخطة. وبالفعل، جاء ردّ وزير المالية في 15 أيلول، لكنه بدا مخالفاً للعادة. فلم يوافق أو يرفض المصادقة على القرار، بل جاء الرد على الشكل التالي: “لا ترى وزارة المالية مانعاً من السير بالتعرفة الجديدة التي أقرّها مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك عند الجاهزية التقنية للمؤسسة وتأكيد الرأي بوجوب سير وزارة الطاقة والمياه بآلية تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء”.

وفيما لم يُعرف كيف ستتعامل إدارة المؤسسة مع ردّ المالية، إلا أنها حتى مع اعتبار “عدم الممانعة” أو ربطها بوجوب سير وزارة الطاقة بآلية تعيين الهيئة الناظمة للكهرياء بمثابة موافقة، فهي كانت قد أوضحت في قرارها أنه لتنجح الخطة الطارئة، لا بد من تحقّق عدد من الشروط التقنية، وإلا لن تكون المؤسسة مسؤولة عن عدم تحقيق هذه الخطة لغايتها وعن تبعات ذلك. ومن هذه الشروط:

  • أن تلحظ في الموازنة العامة المبالغ المطلوبة لتغطية استهلاك الكهرباء من قبل الادارات والمؤسسات العامة ومصالح المياه باعتماد التعرفة الجديدة بقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليون دولار في السنة، حسب سعر صيرفة.
  • التزام المصرف المركزي خطياً بتأمين تحويل المبالغ المالية المتوفّرة في حساب المؤسسة بالليرة إلى الدولار الأميركي حسب سعر صيرفة.
  • تقديم الدعم المالي والتأمينات الصحية والاجتماعية لموظفي المؤسسة وتوفير المحروقات للمؤسسة لتمكينها من دفع المستحقات عليها والقيام بالمهام المطلوبة منها.
  • أن تقوم الدولة بتسديد كامل كلفة شراء النفط العراقي والمقدّرة قيمته السنوية بحوالي 460 مليون دولار.

وقد تقرر أن يكون المعدل الوسطي لسعر مبيع الطاقة نحو 27 سنتاً للكيلوواط/ ساعة، على أن تُعدّل التعرفة كل شهر أو شهرين بحسب السعر الوسطي على منصة صيرفة وكلفة الإنتاج الحقيقية المعتمدة على سعر النفط العاملي وفق معدّل الشهر أو الشهرين الماضيين. وتفصيلياً ستنقسم التعرفة على الشكل التالي:

  • 10 سنت لأول 100 كيلوواط/ ساعة.
  • 27 سنتاً لباقي الاستهلاك.
  • تعرفة ثابتة شهرية 21 سنتاً لكل أمبير، إضافة إلى 4.3 دولار بدل تأهيل، على أن يعوض مجموع الشق الثابت من التعرفة العجز المالي الناتج عن التعرفة المخفّضة لاستهلاك 100 كيلوواط/ ساعة وما دون. علماً أنه كلما تدنت مدة التغذية كلما انخفض قيمة أموال الجباية، بسبب زيادة شريحة الاستهلاك المدعوم (أقل من 100 كيلوواط/ ساعة)، وهو ما يؤدي إلى انخفاض المعدّل العام للاستهلاك عن 200 كيلوواط/ ساعة.
  • تقوم وزارة المالية ومصرف لبنان بتأمين التمويل اللازم لكميات النفط العراقي (40 ألف طن غاز أويل في الشهر، ما يعادل 38 مليون دولار)

وقد أوضحت المؤسسة أن عدم التقيّد بالشروط المذكورة يدفعها إلى رفع المعدّل الوسطي لتعرفة مبيع الطاقة إلى حوالي 37.6 سنت للكيلوواط/ ساعة من أجل تأمين التوازن المالي، علماً أنها في قرارها كانت أوضحت أنها أبدت تفضيلها رفع التعرفة بشكل تدريجي وخلال فترة زمنية محددة، يتم خلالها تغطية الفارق ما بين سعر مبيع الكيلوواط وكلفة إنتاجه من قبل الحكومة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، مصارف ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني