النسوية الفلسطينية: مناضلات من أجل التحرّر الوطني والاجتماعي


2023-11-24    |   

النسوية الفلسطينية: مناضلات من أجل التحرّر الوطني والاجتماعي

في معرض دفاعه عن الحرب الهمجية على غزة، يصرّح المحتلّ بأنّها حرب قوى الخير ضدّ قوى الشرّ والظلامية. فهي حرب الصهاينة “الديمقراطيين” ضدّ حركة حماس الرّجعية التي تقمع الفلسطينيين في غزّة وعلى رأسهم النّساء. ويقع ترديد سرديّة المحتلّ على لسان أنصاره بمواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح الإصطفاف معه انتصارًا لقيم الحداثة والمساواة والحضارة، مقابل الرجعية والتطرّف والمحافظة. منطق لا إنساني ذو خلفية عنصرية وباترياركية٬ فهو لا يتردّد في تبرير أبشع جرائم القتل والتهجير، باستعمال ضحاياه أنفسهم، عبر تصويرهم كضحايا لفصائل المقاومة، مفعول بهم ولا قدرة لهم على العزم والإرادة للدفاع عن حقوقهم وأفكارهم. وهو بالأخصّ يستعمل مقاربة خبيثة تستغلّ قضايا عادلة كالحقوق والحريات الفردية والقضايا النسوية لتبييض المجازر الوحشية والجرائم ضدّ الانسانية ومنحها شرعية مستحيلة، في محاولة لتقديم صورة وهمية عن المحتلّ. فمن ناحية٬ تُغفل هذه السردية واقع الدولة الاستيطانية وانتهاكها للحريات العامة والخاصة وانتهاجها لسياسات تمييزية في الداخل المحتلّ فما بالك خارجه. وتنفي من ناحية أخرى واقع الاضطهاد المركّب الذي بُلي به أصحاب الحقّ في السياق الفلسطيني وعلى رأسهم النساء الفلسطينيات وكيفية مواجهتهم له. وسط هذا المزيج المقيت من الغسيل السياسي لمحتلّ استيطانيّ عنصريّ وامتداد أشكال الهيمنة والتمييز، تُغيّب أصوات وتجارب النسويات الفلسطينيات رغم إسهاماتهنّ المتميزة ونضالاتهنّ المتجددة في سبيل التحرّر. تجيب النسويات الفلسطينيات على سردية المحتلّ عبر مسيرة نضالية طويلة عرفت بداياتها قبل النكبة وتطوّرت دون انقطاع طيلة 75 سنة فأثبتن التزامهنّ بالقضايا النسوية وبقضايا الوطن في آن واحد. نضال نسويّ أخذ على عاتقه مواجهة أنظمة الهيمنة والقمع والتمييز فالتزم بتحقيق التحرّر بجانبيْه، الوطني والاجتماعي.

المعاناة المضاعفة وتحدّياتها

حين يتعلّق الأمر بحقوقهنّ٬ تتحمّل الفلسطينيات معاناة وتعقيدات مضاعفة، فقد فُرض عليهنّ مواجهة المحتلّ وبطشه من جهة وتكسير ما يفرضه الواقع الاجتماعي من قيود من جهة أخرى. يُضاف ذلك إلى ما يتحمّلنه من تشكيك ومحاولات للسطو على نضالهنّ من قبل النسويات الإسرائيليات أو المتحالفة مع الاحتلال بهدف ضرب القضية الوطنية. لكنّ ما يلفت الانتباه، هو قوّة وعي الحركات النسوية الفلسطينيّة بواقعها وتعقيداته ورهاناته.  نستشفّ ذلك مثلا من البيان الموقّع من طرف أكثر من 100 نسوية فلسطينية، ناشطات وأكاديميات وصحفيات وممثلات عن جمعيّات ومنظمات نسويّة، على إثر تلقيهنّ طلب الانضمام لمبادرة نسوية من قبل إسرائيليات. فقد كتبن: “نستهجن النفس الاستعماري المتجسد في طلب بعض النسويات الإسرائيليّات منا التوقيع على بيان لصالح المثل الليبرالية، “الحوار” و”التعايش”، وضد حركات التضامن الفعالة مع نضال شعبنا. تكمن المشكلة هنا في افتراض أن المرأة الفلسطينية والمرأة الإسرائيلية تقفان على قدم المساواة وتستطيعان التعايش في ظل استمرار نظام الاحتلال والاستعمار والأبارتهايد.” وأضفن بكل وضوح: “لن نقبل بمقعد الأقلية المطيعة الذي يتعين شغله في المؤتمرات أو البيانات الإسرائيلية. نحن نناضل من أجل حقوقنا، كل حقوقنا، الوطنية والاجتماعية، وضد كل اضطهاد، ولا نقبل بأقل من حريتنا وكرامتنا.”

رافقت إشكالية ربط النضال الاجتماعي بالنضال الوطني مسيرة كفاح الفلسطينيات من أجل تحررهنّ. فعبّرن من خلال كتاباتهنّ ونضالهنّ الميداني طيلة هذه السنوات عن وعي عميق لمدى ارتباط قضيتهنّ الحقوقية بالقضية الوطنية. تنخرط النسويات في معركة التحرّر الوطني ويتصدّين لسرديّة المحتلّ واستراتيجيات ما سمي “الغسيل البنفسجي” (purple washing) الهادفة في الحقيقة لضرب نضالات الشعب الفلسطيني باسمهنّ وترويض وكبح جماح المناضلات من أجل التحرير. فهنّ يُدركن جيدا محاولات الاحتلال تفكيك القاعدة الاجتماعية المنخرطة في معركة التحرّر الوطني بهدف إضعاف الفلسطينيين والفلسطينيات والسيطرة عليهم. تدافع الأكاديمية الفلسطينية رباب عبد الهادي عن هذا الموقف قائلة أنّ  «المستعمِر ينتصرُ حين تتبنّى الشعوب المستعمَرة خطابه».

أدركت النسويات الفلسطينيات الارتباط العضوي بين التحرر الوطني والاجتماعي واخترن المضيّ والنضال على الجبهتين لوعيهنّ العميق بعدم تفاضلية كلّ قضايا الحرية ومدى تلازمها خصوصا في ظلّ سياق استعماري استيطاني.

الاحتلال كانتهاك لحقوق للنساء

لا يمثّل الكيان المحتلّ جريمة في حق الأرض والوطن فقط بل تمتدّ انتهاكاته مباشرة لكلّ الفئات الاجتماعية ولكلّ فرد من الشعب الفلسطيني. تمثّل النساء هدفا هامّا في مشروع الاستيطان الصهيوني الذي يقوم على الهيمنة والإبادة العرقية، لأسباب عدة. أوّلا٬ بالنظر إلى أهمّية الرهان الديمغرافي في المشروع القومي الصهيوني، تُستهدف النساء لكونهنّ مُنجبات محتملات أو فعليّات لأجيال قادمة من السكان الأصليين والمقاومين المهدّدين لاستمرارية الكيان الاستعماري. ثانيا٬ لمكانتهنّ العددية في القاعدة الاجتماعية للمقاومة وللأدوار المحورية التي يضطلعن بها على هذا الأساس. وثالثا، لما تقوم عليه بُنية التوجه الاستعماري الاستيطاني من ذكورية مقيتة مكثّفة بالعنف الجنسي[1].

بذلك تصبح النساء وأجسادهنّ هدفا مركزيّا للمحتلّ، وتتعدّد أساليب انتهاك حقوقهنّ، بما في ذلك المتعلقة بجنسانيتهنّ. على سبيل المثال، تواجه الفلسطينيات الاعتقال (تمّ اعتقال 153 امرأة سنة 2022)، والتعذيب في سجون الاحتلال، مثل الرجال الفلسطينيين (وإن بأعداد أقلّ)، ولكنّهنّ يتعرّضن لأساليب إذلال وتعذيب خاصة. فتُحرم الأسيرات الفلسطينيات على سبيل المثال من الفوطة الصحية أيام الحيض، ويتمّ اختيار أيام محاكمتهنّ في الأيام المطابقة لفترة الحيض بل والإمعان في تعذيبهنّ عبر إرسالهنّ إلى المحكمة في سيارات نقل ذات مقاعد حديدية غير مغطاة بإسفنج وتقديمهنّ أمام عائلاتهن بثياب ملطخة بالدماء حتى أصبحن يرفضن الذهاب إلى المحكمة[2]. كما ينتهج المحتلّ ضدّ النساء ما يسمّى “بالإسقاط” للعمالة وهو عبارة عن عمليات ابتزاز بالاستعانة بصورٍ عارية لهنّ أو بمعلومات حول حياتهنّ الخاصة لإجبارهنّ على التعاون معه، فيستغلّ بذلك الطابع المحافظ للمجتمع الفلسطيني. ولعلّ ما يتمّ توثيقه من جرائم إنجابية خلال الحرب الحالية على غزة يثبت الاستهداف المباشر لأجساد النساء بصفتهنّ مُنجبات، فيتمّ حرمانهنّ من التخدير عند القيام بالعمليات القيصرية ويضطرّ الأطباء لاستئصال أرحامهنّ بعد الولادة لإيقاف النزيف بسبب فقدان الأدوية الخاصة. كلّ ذلك بالتوازي مع تداول متواصل لسردية مضللة ولاإنسانيّة، تتّهم الأمهات الفلسطينيات بتلبّد المشاعر وتنزع عنهنّ الأمومة[3]. علاوة على القائمة الطويلة للشهادات المتعلّقة بالعنف الجنسي وجرائم الاغتصاب على وجه الخصوص والتصفية المباشرة التي تمّ توثيقها طيلة كافّة سنوات الاحتلال.

وتتعدّد أوجه الاضطهاد لتشمل ما  يقوم به المحتلّ من انتهاك ممنهج ومتواصل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء، كالحرمان من المسكن عبر التهجير والطرد وتهديم البيوت لإنشاء المستوطنات، الذي شمل أكثر من 17 ألف امرأة في 2021. كما تتعمّد سلطات الاحتلال التضييق عليهنّ اقتصاديا، مما ساهم في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف النساء في غزة على سبيل المثال إلى 68٬6%، وتضرّر المشاريع النسوية بنسبة 90% بسبب الحصار[4]. كما تُحرم الفلسطينيّات  من حقّهنّ في التنقّل بسبب الحصار في غزة وعزل القدس عمّا جاورها وجدار الفصل الذي يقسم ويقضم أراضي الضفّة الغربية والحواجز التي تمثّل خطوط المواجهة اليومية مع قوات الاحتلال، سواء لنساء الضفة أو اللاتي يعملن بالأراضي المحتلة.

في الآن ذاته، تقارع الفلسطينيات مجتمعا ذكوريا يكرّس علاقات الهيمنة عليهنّ، وسلطة انتهازية لا تعترف بحقوقهنّ وواجب حمايتهنّ، وفصائل وسياسيين يغلّبون صراعاتهم وانقساماتهم على الانتصار لقضايا العدالة الاجتماعية فيتعيّن عليهنّ مواجهة واقع العنف والتمييز على أشكاله بما في ذلك التمييز الاقتصادي والسياسي. فلا تتمتّع الفلسطينية بإرثها، وتُعطّل مشاركتها في الحياة السياسية وتُمنع عنها حقوقها المدنية، فضلا عن حصول جرائم قتل تذكر بتقاليد استباحة جسد المرأة من قبل العشيرة أو العائلة على مذابح الأعراف والشرف.

في رسم أشكال النضال الوطني والاجتماعي

تقابل النسويات الفلسطينيات الظلم المضاعف بالنضال المضاعف. فتبدع الفلسطينيات في فنّ المقاومة ويُعدن إنتاجه وفق استراتيجيات وخطوات مختلفة تدمج محوري التحرّر الاجتماعي والوطني ليجعلن منهما نسقا واحدا يتّبعنه. فعلى سبيل المثال٬ لا تعترف النسويات الفلسطينيات بالتقسيم الجغرافي الذي يريد المحتلّ به قطع أوصال المجتمع الفلسطيني وتمزيقه. فيكرّسنَ مبادئ التضامن والوحدة (وحدة الأرض والشعب والقضية) فيما بينهنّ عبر العمل المشترك الذي يضمّ النسويات بالضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 وحتى الفلسطينيات بالشتات وخصوصًا في لبنان والأردن. وذلك بدءًا من الأنشطة النسوية المتعلّقة برسم استراتيجية وخطاب يهتم بمشاكل الفلسطينيات أينما كنّ على التراب الفلسطيني أو حتى بالمهجر (وما يفرضه السياق الجغرافي عليها)، وصولا إلى تنظيم حوار نسوي فلسطيني، عبر المبادرة النسائية للحوار والعمل المشترك (التكتل النسوي سابقا)، وهي “منصّة حواريّة ديمقراطيّة تعدّدية غير رسميّة، تعكس تنوّع التيارات والاتجاهات النسائية والنسوية في المجتمع الفلسطيني”. ساهم هذا الحوار في تجاوز حالة الانقسام السياسي بين الفصائل، ليقدّم أطروحته ومقترحاته فيما يخصّ الشأن الوطني والاجتماعي.

على المستوى الاجتماعي العفوي٬ تُساند الفلسطينيات المقاومة الشعبية ويُعاضدن نضالات بنات شعبهنّ أينما كنّ. فتنظّم الأطر النسوية بالفصائل الفلسطينيّة في غزّة وقفات احتجاجية لمساندة نساء المخيّمات بالضفة. وتتظاهر نساء الضفة مطالبات برفع العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزّة، فيواجهن بذلك قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية التي لا تكتفي بالقمع البوليسي للمظاهرات فقط بل تستهدف أحيانا أجسادهنّ عبر العنف الجنسي اللفظي والجسدي. وهو ما دفع فلسطينيات الضفة لابتداع أساليب جديدة لضمان استمرارية تحرّكاتهنّ النضالية لعلّ أكثرها إيلاما وتضحية تلك المتعلّقة بالفصل الذهني فتقول إحدى الناشطات: “أنا أهيئ نفسي ذهنيًا قبل المظاهرة، فأقول لنفسي ’جسدي اليوم ليس ملكي‘”.[5] بينما تواصل نساء الشتات نضالهنّ المستمرّ كحَافظات وناقلات للذاكرة للأطفال والأحفاد الذين نشأوا بعيدا عن وطنهم وثقافتهم وفي ذلك تجارب وشهادات عدة. فنجد في أغلبها تمسّك النساء بزرع بذور الالتزام بالقضية الوطنية عبر التشبّث بالهوية والثقافة الفلسطينية (وإن كان حتّى على مستوى الأكل والملبس واللغة فقط)٬ وعبر إبقاء محنة الوطن حيّة في الذاكرة الشعبية من خلال السّرد المتواصل لذكريات الأحبّة وتجارب التهجير وتكثيف المعاني الرمزية لكلّ ما يتعلّق بتلك الأراضي المحتلّة. ولعلّ توارث مفاتيح البيوت القديمة بأراضي 48 خير دليل على التداول الجيلي المتشبّث بحقّ العودة والملتزم بقضية التحرير الوطني.

تبدع الفلسطينيات أيضا في استنباط أشكال مقاومة جديدة يتحدّيْن بها كلّ مؤسسات الهيمنة. فالمقاومة بالنسبة إليهنّ ممارسة متعدّدة٬ متجذّرة ومتجدّدة. ولعلّ أعلى درجات الابتكار تتجلّى في ممارسة تهريب نُطفات الأزواج الأسرى من السجون. إذ تحرّر الفلسطينيات نطفات أزواجهنّ عبر تهريبها وتحقيق الحمل عبر إجراءات طبية شديدة الحساسية والدقة ومن ثمّ تحمّل مسؤولية تربية الأطفال بكلّ استقلالية في وطن يواجه الاحتلال الاستيطاني والتقسيم السياسي والانهيار الاقتصادي والحروب التي لا تنقطع. تفتكّ بذلك الفلسطينيات أمومتهنّ المسلوبة رغم ما يواجهه ذلك أحيانا من رفض من العائلات والعشائر وامتعاض المؤسسة الدينية وتشكيك جزء من المجتمع في “شرفهنّ” وبطش المحتلّ وعقابه الذي يصل إلى حدّ منع الزوجات والأطفال المُنجبين من زيارة الأب الأسير. بمثل هذا الإصرار والشجاعة، تمكّنت الفلسطينيات من إنجاب 110 طفلا من 76 أسيراً داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي في مختلف المحافظات في الضفة وقطاع غزة والقدس المحتلة في غضون 10 سنوات فقط منذ بداية هذه الممارسة. فالفلسطينية تتجاسر على كلّ تفاصيل السياق الخطير المحيط بها وتواجه المؤسسات الاجتماعية المحافظة فتشعر٬ حسب دراسة سوسيولوجية لوسيلة محمد عيسى[6]٬ بالأمل مع إنجاب طفلها وبالفخر والقوة باعتبار أنّ وجود هذا الطفل يمثّل تحدّيا جديدًا للاحتلال.

ولم يكن النضال النسوي ببعديْه الوطني والاجتماعي بوازع المغالاة أو المزايدة وإنما هي مسؤولية عظيمة تحمّلتها النسويات الفلسطينيات من دون تردّد، وهو في الأساس اختيار وجودي يجد جذوره في الممارسة وتقييماتها العلميّة. ففي محاولتها للإجابة على السؤال المركزي “هل يكفي التحرر الوطني لتحرير المرأة؟”، حلّلت فيحاء عبد الهادي[7] انخراط الفلسطينيات في المسيرة التاريخية للنضال الوطني (من قبل النكبة ثمّ خلال الانتفاضة الأولى والثانية٬ وفي تنظيمات كمنظمة التحرير الفلسطينية٬ الخ) وانعكاساته على واقع النساء الاجتماعي ومدى تحقيقهنّ لتغييرات اجتماعية لصالحهنّ. خلُصت الباحثة إلى أنّ معظم التغيّرات الاجتماعية التي اكتسبتها النساء الفلسطينيات لصالحهنّ من خلال انخراطهنّ بقضية التحرّر الوطني (تقسيم جديد للعمل بين الجنسين وإضافة مهمّات جديدة للنساء كالكفاح المسلّح٬ قبول الزواج الديني المختلط٬ تسييس موضوع الشرف ليصبح الشرف السياسي أهمّ من الشرف الشخصي، وغيرها)، لم تدم كثيرًا. فمعظم هذه التغيرات الاجتماعية كانت مرتبطة باللحظة السياسية التي اقتضتها ولم تتحقّق كظاهرة اجتماعية دائمة. فأكّدت الباحثة على أهمية تجذير هذه التغيرات واستدامتها عبر الانخراط الواسع لفئات اجتماعية متنوعة على المستويين الجيلي والطبقي. وهو ما يستدعي حسب عِبارَتها “التفاعل الخلاق بين السياسي (دحر الاحتلال وانجاز المهمة الوطنية) والاجتماعي (النضال الطبقي والنوع الاجتماعي)”.

ينعكس فهم الارتباط العلائقي بين النضال الوطني والاجتماعي على مستوى الممارسة والمنجزات. فبالإضافة للانخراط في العمل السياسي وأشكال المقاومة المرئية وغير المرئية٬ حققت النسويات الفلسطينيات العديد من المكتسبات القانونية والمؤسساتية رغم الانقسام السياسي والتنظيمي والجغرافي. فتمّ على سبيل المثال٬ تحقيق الترفيع في سنّ الزواج من 12 سنة إلى 18 سنة٬ والإجازة للأمّ بفتح حسابات مصرفية لأبنائها القاصرين والإشراف عليها٬ والتخفيض في جرائم قتل النساء باسم “الشرف” بعد تنقيح النص القانوني الذي كان يعفي مرتكبها من العقوبة٬ وفرض الكوتا عند الترشيح في الانتخابات والكفاح ضدّ العنف عبر تأسيس بيتأمانلاستقبال النساء المعنّفات في غزة وغيرها من الانتصارات.

من أجل تحقيق التحرّر الوطني والاجتماعي اقتحمت الفلسطينية كل أبواب التحرير وخاضت أشكالا نضالية عدة تبدأ من الكفاح المسلّح والفداء للوطن وتنتهي بالمقاومة اللامرئية التي يخُضنها يوميا ضد قوات الاحتلال على الحواجز أو عن طريق مقاطعة منتجاته. فتراها تقف٬ طيلة هذه المسيرة النضالية٬ تحمل الوطن في كفة وحريتها في الكفة الأخرى بينما تُسكن هذا الشعب في أحشائها وتحفظ ذاكرته في عقلها وتكرّس إصراره بصيحاتها.


[1] سهاد ظاهر ونادرة شلهوب٬ الرغبات الجنسية في آلة الاستعمار الإسرائيلية الاستيطانية٬ مجلة الدراسات الفلسطينية٬ 2015.

[2] جنى نخال٬ “رباب عبد الهادي: النسوية لا تنفصل عن الصراع مع الاستعمار”٬ الأخبار٬ 2019.

[3] لمى غوشة٬ الأمومة المنزوعة في غزة! أمهات في مواجهة الحرب٬ مؤسسة الدراسات الفلسطينية٬ 2023.

[4] مخرجات الحوار النسوي الفلسطيني «معا نحو استعادة الوحدة وتعزيز مشاركة المرأة والحفاظ على السلم الأهلي»٬ ماي 2023.

[5] يارا هواري٬ تهميش المرأة الفلسطينية سياسيًا في الضفة الغربية٬ شبكة السياسات الفلسطينية٬ 2019.

[6] وسيلة محمد عيسى طعمة٬ الأبعاد الاجتماعية والقانونية لانجاب زوجات الأسرى عبر النطف المهرّبة: دراسة حالة شمال الضفة الغربية٬ 2019.

[7] فيحاء عبد الهادي٬ نحو رؤية نسوية فلسطينية : ربط الوطني بالاجتماعي٬ مجلة الدراسات الفلسطينية٬  2004.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني