النزاع الانتخابي للاستفتاء: الطعون الجدّية رُفضت شكلاً


2022-09-29    |   

النزاع الانتخابي للاستفتاء: الطعون الجدّية رُفضت شكلاً

رفضتْ المحكمة الإدارية، ابتدائيًّا واستئنافيًا، الطعون الثلاثة المقدّمة ضدّ نتائج الاستفتاء، من قبل كلّ من حزب “الشعب يريد” وحزب “آفاق تونس” ومنظّمة “أنا يقظ” (نيابة عن شخص طبيعي مشارك في الحملة).

ويفسّر العدد القليل للطعون بأنّ القانون الانتخابي لا يفتحُ الحقّ في الطعن إلاّ للأحزاب المشاركة في الحملة، التي كانت في غالبيتها الساحقة مساندةً للدستور، في حين قاطعتْ معظم الأحزاب المعارضة الاستفتاء. وقد سها الرئيس، عند تنقيحه القانون الانتخابي بمرسوم وسّع من خلاله حقّ المشاركة في الحملة لكي لا تقتصر على الأحزاب البرلمانيّة، عن تنقيح الأحكام المنظّمة للنزاع الانتخابيّ التي ظلّت مقتصرةً على الأحزاب. وقد دافعت منظمة “أنا يقظ” على امتلاكها الصفة والمصلحة للطعن، ممثّلةً لشخصٍ طبيعيّ مشاركٍ في الحملة.

وفي حين رفضت المحكمة طعنيْ “آفاق تونس” و”أنا يقظ” شكلاً، اقتصر نظرها في الأصل على الطعن المقدّم من حزب “الشعب يريد”. وقد تعلّق المطعن الوحيد لهذا الحزب، الذي دعا إلى التصويت بـ”لا”، بمخالفة الهيئة القانون عبر سماحها باستعمال اسمه وشعاره من طرف حزبٍ منافس ينتمي إلى شقّ الـ”نعم”، وهو ما “أربك الناخبين”. وقد اعتبرت المحكمة، تماشيًا مع فقه قضائها في مادّة النزاع الانتخابي، أنّ البون الشاسع في نتائج الاستفتاء بين الإجابتين، وغياب ما يدلّ على أنّ الخرق المُثار أثّر بشكلٍ جوهريٍّ وحاسمٍ على النتائج، يتعيّن معه رفض الطعن أصلًا.

أمّا العريضتان المقدّمتان من “أنا يقظ” و”آفاق تونس”، فقد تضمنتا مطاعن عديدة في الأصل. وقد اشتركتا في الدفع بعدم دستوريّة النصوص المتعلّقة بالاستفتاء، سواء الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021، أو المرسوم عدد 22 لسنة 2022 الذي نقّح أحكام قانون الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، أو الأمر المتعلّق بدعوة الناخبين. كما أثارت عريضة “أنا يقظ”، من جهتها، عدم حياد “الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات”، بالنظر إلى تعاملها السلبي إزاء التجاوزات والخروقات الصادرة عن رئيس الجمهورية ومناصريه، وعدم حياد الإدارة بصفة عامّة، عبر انخراط وزير الشباب والرياضة في الدعاية للدستور، وسلبيّة الأمن العمومي أمام الاعتداءات التي طالتْ المعارضين للدستور. واستندتْ “أنا يقظ” إلى خرق الصمت الانتخابي من قبل رئيس الجمهوريّة والتلفزة الوطنية يوم الاستفتاء، واعتبرتْ أنّه أثّر جوهريا على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، فصّلت العريضة الخروقات المرتكبة من مناصري “نعم”، ومن بينها الإشهار السياسي الممنوع واستعمال علم البلاد في معلّقاتٍ ولافتاتٍ كبرى من دون أن تتدخّل الهيئة لرفعها. كما أثارتْ مخالفة القانون عبر نشر “المذكّرة التفسيريّة” بعد انطلاق الحملة الانتخابيّة، وعدم نشر الهيئة القرار المتعلّق بتحديد سقف الإنفاق الانتخابي، مما يعطّل الرقابة على الحملة. كما دفعتْ بخرق الصّيغ القانونيّة في قرار التصريح بالنتائج الأوّلية، الذي لم يستند في اطّلاعاته إلى الأمر المتعلّق بدعوة الناخبين. أخيرًا، اعتبرتْ عريضة “أنا يقظ” أنّ محضر جمع نتائج الاستفتاء، الذي لم يضمّ إلاّ 4 إمضاءات لأعضاء من مجلس الهيئة، في حين يشترط قانونها حضور 5 أعضاء على الأقلّ لكي تكون اجتماعاتها صحيحةً، هو بذلك جديرٌ بالإلغاء. 

أمّا حزب “آفاق تونس”، فقد طلب إلغاء نتائج الاستفتاء بالنظر إلى الاختلاف بين نسبة المشاركة المصرّح بها بعد غلق مكاتب الاقتراع (27،5%)، والنتائج الأوّلية المصرّح بها في اليوم الموالي (30،5%) والاختلالات التي شابتْ ذلك، وطلب بصفة “احتياطيّة جدّا”، إعادة احتساب النتائج.

لكنّ طعنيْ “آفاق تونس” ومنظّمة “أنا يقظ” رُفضا شكلًا، فلم تنظرْ المحكمة في كلّ ما أثاراه من مطاعن في الأصل. فقد اعتبرتْ المحكمة أنّ منظمة “أنا يقظ” ليست لها الصفة للطعن، لأنّ الشخص الطبيعي المقام في حقّها الطعن لم تُصرّح بموقفها الأصلي من الدستور في الآجال التي حدّدتها الهيئة، وفقدتْ تاليًا صفة المشاركة في الاستفتاء، على الرّغم من توجيهها تصريحًا بتغيير موقفها من نصّ الدستور بعد تعديله. أمّا الطعن المقدّم من حزب “آفاق تونس”، فقد رُفض شكلًا بحجّة أنّ العارض اقتصر على توجيه طعنه ضدّ هيئة الانتخابات فقط، ولم يقمْ بتبليغ رئيس الجمهورية كجهةٍ مصدرةٍ للمشروع وداعيةٍ للاستفتاء، أو الأطراف المناصرة التي عاب عليها مجموعةً من الخروقات. كما تحجّجت المحكمة في السياق ذاته، بأنّ ملفّ الطعن لم يُثبت حصول التبليغ السليم، حيث اقتصر على “نظير” من محضر التبليغ، خالٍ من إمضاء الطرف المُبلّغ إليه. بناءً على ذلك، لم تحتجْ المحكمة الإداريّة إلى مناقشة المطاعن الجدّية التي تضمّنتها عريضتا “آفاق تونس” و”أنا يقظ”، وتفادتْ بذلك الحرج السياسيّ الذي كان من شأن قرارها أن يُثيره بالنظر لأهمّية الرهان، في حين لم تجد صعوبةً في رفض طعن “الشعب يريد” نظرا لضُعفه.

نشر هذا المقال في العدد 25من مجلة المفكرة القانونية – تونس. لقراء مقالات العدد اضغطوا على الرابط ادناه

 جمهوريّة الفرد أو اللاجمهوريّة

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، أحزاب سياسية ، تونس ، دستور وانتخابات ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني