النائب وضّاح الصادق: حلّ الأزمة يبدأ بالصندوق السيادي ولا ينتهي بالإصلاح


2022-05-27    |   

النائب وضّاح الصادق: حلّ الأزمة يبدأ بالصندوق السيادي ولا ينتهي بالإصلاح

صحيح أنّ وضّاح الصّادق يدخل الندوة البرلمانيّة للمرّة الأولى آتياً من صفوف انتفاضة 17 تشرين، إلّا أنّ اسمه معروف لدى الناس قبل هذه الانتفاضة. فهو الصحافي الرياضي الذي ترأس قسم الرياضة في قناة الجديد (1991 إلى 1993) ومن ثمّ في تلفزيون المستقبل (1993 إلى 1999)، وهو المعروف بين جماهير كرة القدم في لبنان كونه شغل منصب أمين سرّ نادي الأنصار (2005 إلى 2012). من الرياضة انتقل الصادق إلى عالم الأعمال وتحديداً الإعلانات، وهو حالياً شريك في شركة (its.communications) (Allied Advertising سابقاً)، المتواجدة في لبنان وعدد من الدول الخليجيّة.

لطالما كان الصادق “مثيراً للجدل” فرحلته بين الرياضة والأعمال ومن ثمّ الانخراط في صفوف المنتفضين العام 2019 ترافقت مع عدد من علامات الاستفهام بدءاً من الحديث عن استفادته من الحريريّة السياسية وصولاً إلى موقفه من القطاع العام وحماسته للخصخصة وأخيراً تأييده لإنشاء صندوق سيادي. وهو الذي التحق بالشارع تحت مظلّة مجموعة “خط أحمر” (التي تنحاز للقطاع الخاص على حساب القطاع العام) مروراً باتّهامات طالته في موضوع هدره أموالاً عامة تحديداً لبلدية بيروت عبر تنظيم شركته فعاليات في وسط العاصمة.

لا يجد الصادق حرجاً في الوقوف عند علامات الاستفهام التي تطرح حوله “من يملك ورقة واحدة تثبت تورّطي في هدر مال عام أو مخالفتي للقانون فليبرزها، قلت هذا الكلام مراراً وتكراراً على وسائل الإعلام” يقول لـ “المفكرة القانونيّة”، مشيراً إلى أنّ حفلة رأس السنة التي نظمتها شركته كانت بعدما تواصل معه أحد مستشاري سعد الحريري يخبره أنّ عدداً من أصحاب الأعمال وافقوا على تمويل جزء من حفلة لرأس السنة تقام وسط بيروت (2017/2018).

“كان عندي حلم أن أرى بيروت يوماً ما مثل دبي على شاشة ‘سي إن إن’ يوم رأس السنة، أخبرني المستشار أنّ “رجال أعمال” موّلوا الحفلة التي كلّفت 230 ألف دولار فقط، وأنا كانت حصّة شركتي 190 ألفاً، ولا قرشاً واحداً من البلديّة، فلتردّ البلديّة بالمستندات، ولا قرشاً واحداً من الحريري” يقول الصادق.

أمّا فيما خصّ حفل العام 2018/2019 الذي تمّ التداول بأنّه نظم بالتعاون بين شركته وجمعية «Beasts» وتخلله هدر لأموال بلدية عبر قبض الجمعية مليون دولار من بلدية بيروت وحصول شركة وضاح على 400 ألف دولار، فيشير إلى أنّ جمعيّة “بيست” التي يصفها بـ  “مشروع فساد” هي من نظّمت هذا الحفل وأنّ أصحابها  أخذوا مالاً من بلدية بيروت ومن مصرف لبنان مستفيدين من قربهم من سعد الحريري، وأنّ دوره كان إشرافياً فقط انطلاقاً من خبرة شركته وبطلب من الحريري، وأنّ تلزيم العقود الخاصة بالحفل كان عبر “بيست” ولم يحصل هو أو شركته على أيّ مال من البلدية.

من الحريريّة إلى “خط أحمر”

علاقة الصادق بآل الحريري تعود إلى الرئيس الأسبق للحكومة الراحل رفيق الحريري. فشركته كانت تدير ملف العلاقات العامة والتواصل للحريري الأب بما فيها الحملات الانتخابية من 2002 إلى 2005 (حملة سعد الانتخابيّة) وفيما يتداول البعض أنّ شركته هي التي كانت تشرف على حملات حراك الرابع عشر من آذار ينفي الصادق الأمر.

“لم أكن يوماً منتسباً إلى تيّار المستقبل، كنت مقرّباً، وعضواً في اللجنة الاقتصادية، قدّمت مشروعاً ورفض،  اكتشفتُ أنّ طريقة عملهم مختلفة عمّا أفكر فيه، بعد العام 2009 بدأت أشعر بأنني لا أفهم ماذا يحصل، لم استلم الحملة الانتخابية العام 2009 كنت ضمن فريق العمل، وضعت الاستراتيجية الإعلانية ولم تنفّذ وبدأت أبتعد. وفي الـ 2011 غادر سعد الحريري البلد للمرة الأولى”.

يعتبر الصادق أنّ لا شيء يجمعه بتيار المستقبل اليوم لا بل أنه يتعرّض لحملة منه: “المستقبل مارس عليّ كافة أنواع الإرهاب والكذب وشنّ ضدّي حملات منذ سنة ونصف السنة، وعمل على تشويه سمعتي. أسأل نفسي هل هذا المكان الذي كنت مقرباً منه يوماً، هناك صورة مشوهة، أداء المستقبل مع الأب ورغم ملاحظاتي كان واضحاً يقوم على مبادئ معينة ومتنوعاً طائفياً، اليوم الوضع مختلف” يقول وضّاح، مضيفاً “أفتخر أنّني كنت في مكان وغيّرت، لم أتمسّك عندما رأيت الخطأ، غادرت بصمت وعندما رأيت هناك موجة تغيير تشبهني انضميت وبرزت”.

برز الصادق في صفوف 17 تشرين من خلال مجموعة “خط أحمر” التي ضمّت عدداً من أصحاب وصاحبات الأعمال وأصحاب الشركات الخاصة وكان هو أحد مؤسّسيها: “نحن رأينا الانهيار قبل حصوله، وشكلنا مجموعة من “رجال الأعمال” وأصحاب الشركات قبل الثورة. وعندما نزل الناس إلى الشارع كنّا في صفوفهم، كان لدينا دور في الجمع بين المجموعات، ونحن وانطلاقاً من خلفياتنا الآتية من القطاع الخاص نملك نوعاً من النضوج بالتنسيق، أصبحنا داخل المطبخ الصغير، عندما بدأت 17 تشرين لم يكن في بالي أن أترشّح، وحتى 3 أشهر لم أكن مقرّراً، قبل شهر ونصف الشهر فقط قرّرت الأمر”.

الاقتصاد أولويّة ونعم للصندوق السيادي

يدخل وضّاح الصادق إلى المجلس النيابي بعدما حصد 3760 صوتاً على لائحة “بيروت التغيير” التي كانت ضمن تحالف “بيروت تقاوم”، وبدعم ممن وصفهم “مستقلّون مثل نعمة أفرام وسامي الجميل وميشال معوّض وبولا بعقوبيان”، كما “وتبادل للأصوات بيننا وبين حزب تقدّم” كما يقول.

ويرى أنّ الأولوية للجانب الاقتصادي في المجلس النيابي انطلاقاً من أسئلة محدّدة: “من يتحمّل الخسائر، كيف يمكن أن نحمي الناس، وكيف نعيد حقوق المودعين ولاسيّما أنّ قانون الكابيتل كونترول الذي كان مطروحاً ما هو إلّا محاولة سرقة ما تبقى من أموال المودعين”.

وفي شرحه لرؤيته لتوزيع الخسائر يعتبر الصادق أنّ “المصارف وإذا انطلقنا من نيّة صافية، طمعوا، والطمع على حساب الناس جريمة، شغّلوا 80% من أموالنا في مكان يحمل مخاطر كبيرة، ومن ثمّ المسؤولية الأعلى على مصرف لبنان لأنّه كان يعرف أنّ المصارف تأخذ أموال الناس وكان يضعها عند فاسدين بسبب مطامع سياسية ومالية لحاكم مصرف لبنان ومحيطه. أمّا المسؤولية الأكبر فهي على مسؤولي الدولة وليس الدولة. فكل من وقّع على موازنة وكل شخص سار بهندسة مالية مسؤول، ويجب أن نقاتل في موضوع رفع الحصانات حتى نحاسب”.

وفي حين يعبّر الصادق عن رفضه أيّ بيع لأملاك الدولة باعتبار الأمر جريمة أخرى تُضاف للجرائم السابقة، يشير إلى وجود مشكلتين أساسيتين، الأولى أموال المودعين والثانية الدولة التي ما أدارت قطاعاً إلّا وخسر. وبالتالي يدعم الصادق “تشكيل صندوق سيادي 70% منه ملك الدولة لتبقى هي ماسكة بزمام الأمور، 30% منه أسهم تمول الكهرباء والاتصالات والنقل العام وتكون إدارة هذه المرافق، الإدارة فقط للقطاع الخاص”، ويقول: “أنا مع إنشاء صندوق سيادي نعم، لا نملك حلولاً، لا أقول هذا هو الحل الأفضل ولكن لا خيارات أخرى، ولنبتعد عن الشعبوية، نملك الإمكانية أن نبدأ بردّ أموال المودعين بطريقة مبرمجة، وأن نحسّن مدخول الدولة ولكن يجب الذهاب إلى مجموعة إجراءات تبدأ بالصندوق ولا تنتهي بالإصلاح، وبالتأكيد يجب أن ندير قطاعاتنا بشكل صحيح”.

وفي الموضوع الاقتصادي يشير الصادق أيضاً إلى ضرورة دعم الصناعة قائلاً: “لا أتكلّم عن مشاريع تحتاج إلى وقت، بل عن تعديلات في القوانين بسيطة تحدث فرقاً، مثل فرض ضرائب أكثر على الواردات ولاسيّما البضائع الكمالية مثل السيغار والكحول، ووضع خطط ضرائبيّة أفضل، دعم السياحة، الأمر لا يتطلّب أكثر من سنة”.

لا مكان للنكايات والمشروع هو الفصل

يشير الصادق إلى أنّ صوته في المجلس النيابي سيكون على المشروع ومدى انسجامه مع طروحاته بغض النظر عمّن يتقدّم به. نحن لم ندخل من أجل النكايات”، يقول.

وفيما يميّز الصادق بين ما يسمّى كتلة وتحالفاً ولقاءً نيابياً، يلفت إلى أنّ حدود التقارب بينه وبين النوّاب يبدأ بالمحاسبة ويمرّ بالإصلاح وصولاً إلى السيادة،  مشيراً إلى أنه “وأنه من المبكر الحديث عن كتل نيابية على كلّ حال نحن منفتحون على الجميع، في ما يخدم المواطنين”.

ويعتبر الصادق أنّ مفهوم التغيير لا يعني تغيير النظام، ويشرح أنّ النائب التغييري هو من يرى أنّ طريقة إدارة هذا البلد هي التي أوصلته إلى ما هو عليه، مضيفاً: “هناك منظومة فاشلة، نظام الحكم لدينا لم يجرّب بعد، ولا نستطيع الحكم عليه من خلال أشخاص فاشلين وفاسدين أداروه، هناك مجموعة من الناس أدارت هذه البلد بطريقتها، لم تنفذ الدستور لم تنفذ الطائف، لا بدّ من تغيير الإدارة لنختبر نظامنا”.

لجنة الرياضة

عندما نسأل الصادق عن اللجنة النيابيّة التي يريد الانضمام إليها يجيب بحماسة “حتماً: لجنة الشباب والرياضة” مضيفاً: “لم ينجحوا في زراعة ملعب واحد، لا يوجد ملعب كرة قدم ليلعب عليه المنتخب الوطني، الرياضة ترفيه، الرياضة مهمة جداً، سأعمل على مشاريع تدعم من يمثل لبنان في الأولمبياد، سأعمل على تحسين الملاعب، لديّ مشاريع كثيرة في هذا القطاع”.

رؤية الصادق للرياضة تنطلق أيضاً من اعتباره إياها قطاعاً حيوياً يمكن الاستثمار فيه اقتصادياً وسياحياً: “لدينا ملعب بلدي في قلب طريق الجديدة، يمكن إدارة الملاعب بشكل صحيح، تأمين التسهيلات، يمكن لهذه المرافق الرياضية أن تحقّق عائدات، أن تُستثمر بشكل أفضل”.

السيرة الذاتية

وضّاح إبراهيم الصادق، مواليد بيروت أيلول 1968، حائز على بكالوريوس في الأعمال اختصاص “بيزنيس كومبيوتر” من الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، والده كاتب تلفزيوني (لبناني أردني الأصل) وأحد مؤسّسي الاتحاد الفني ولديه الكثير من الكتابات لتلفزيون لبنان.

يصف الصادق نفسه بالوسطي وبالآتي من بيت مناضل “والدي آت من حزب بعث ميشال عفلق، أخذت منه مفهوم النضال، بغض النظر عن الفكر الذي انتهجه. إذا كنت صاحب شركة لا يعني أنّني يميني، لم أكن يوماً مقرّباً من حزب يميني، كنت مقرّباً من الحزب الشيوعي من دون أن أنتسب إليه ولكن من خلال أصدقائي أيّام المدرسة، كنت من طلاب “المرابطون”. أنا أؤمن بالوسطية بالليبرالية، عندي النظرة الليبرالية التي تقول بالاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية”.

يتحدّث المقربون من الصادق عن شغفه بالأعمال فهو الذي عمل في محل لبيع المثلجات وكان لا يزال تلميذاً “وخرجيّته منيحة”، ومن ثمّ فتح فرنا للمناقيش وهو طالب جامعي “سيّارته لي كان يصفها على مدخل الفرن أغلى ربما من الفرن نفسه”، وهو البارع في التنسيق والتنظيم والمتابع اللجوج لمشاريعه وأي عمل يقوم به “إلى حدّ الإزعاج أحياناً” يقول صديقه.

يجمع المقرّبون من الصادق بأنّه شخصية مثيرة للجدل وخفيفة الظلّ: “صاحب نكتة، يتقن التعليق على الأمور بطريقة ساخرة، لا يمكنه إخفاء هذا الجانب من شخصيته، بالتأكيد سيظهر في المجلس” يقول صديق آخر.

بعيداً من عالم الأعمال، تبقى كرة القدم شغف الصادق الأوّل والأخير، فهو الذي كان ينتظر ساعات في ملعب “الصفا” لحضور المباريات، وهو الذي لا يزال يستذكر واحدة من أجمل لحظات مراهقته حين صعد على سطح منزله في طريق جديدة مأخوذاً بالجماهير التي كانت تهتف للاعب البرازيلي “بيليه بيلبه” الذي ارتدى قميص النجمة ولعب معها مباراة وديّة في المدينة الرياضية، على بعد أيام من بدء الحرب الأهليّة.

يحرص الصادق على متابعة مباريات كرة القدم “يجدول مواعيدها كما يُجَدول اجتماعات العمل” يقول أحد أصدقائه، يشجّع يونايتد مانشستير ونادي الأنصار ويغضب لخسارته “منذ فترة قصيرة، تعرّض لإصابة في يده، كان يتابع مباراة للأنصار، تحمّس لفرصة هدف ضائع، ضرب يده بجانب الكنبة”.

بينما كنّا ننتظر النائب الداخل حديثا إلى البرلمان (وصلنا باكراً) كان يخبر أحد أصدقائه كيف كانت المذيعة وخلال لقاء تلفزيوني تقول “سعادة النائب تفضل” وكيف لم يعتبر أنّ المذيعة تتوجّه إليه “سعادة ومعالي ألقاب تحمل التمييز، النائب لخدمة الشعب، والتغيير يبدأ من تكريس هذا المفهوم”. وبعد مرور أيام على هذا الحديث، بدأ الكلام عن إصرار النائب الجديد على أخذ نمرة زرقاء تحمل الرقم ذاته الذي كان للنائب سعد الحريري. ينفي المقرّبون من الصادق مطالبته بأي رقم مميّز للوحة سيارته مؤكدين على ما كان قاله سابقاً بأنّه لن يستخدم اللوحة الزرقاء أصلاً، وبين النفي والتأكيد، أمام الناس الذين أعطوه أصواتهم أربع سنوات ليحكموا على أدائه، ويقرّروا هم بعدها ما إذا كانوا سيعطونه مجدداً لوحة زرقاء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، مصارف ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني