“
بتاريخ 14 تموز 2019، تعرّضت إبنة النائب السابق نواف الموسوي (وهو أحد نواب حزب الله وهو مقرر لجنة الإدارة والعدل النيابية) ومعها طفليها وشقيقتها، لاعتداء على أوتوستراد الدامور من قبل طليقها حسن المقداد. وفيما تولى مخفر المنطقة التحقيق بما حدث، تم تسريب محضر تحقيق لرئيس المخفر تحدث عن قيام الموسوي مع عناصر تابعة له بمداهمة المخفر والاعتداء على طليق ابنته. تركت الحادثة ذيولها ومعها ما أسماه البعض إحراجاً ليس للموسوي فحسب كنائب يمثل الأمة ويساهم في وضع تشريعات، وإنما أيضا لحزب الله والفريق السياسي الذي يمثله. بعد أيام من الحادثة، وتحديدا في 19 تموز 2019، استقال الموسوي ، وهو النائب المسلم الوحيد الذي كان وقّع على اقتراح تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري الذي قدمته “كفى” إلى المجلس النيابي في 26 تشرين الثاني 2018. وكان سبق للموسوي أن روى في جلسات للجان برلمانية، تبحث في تعديل مواد قانونية تخص العائلة والنساء، وفي لقاءات مع منظمات نسائية وحقوقية، مظلومية ابنته ومعاناتها سواء في الحصول على طلاقها ومن ثم معاناتها في تنفيذ الحكم بالمشاهدة.
المفكرة حاورت الموسوي في شقين: يتعلق الأول بالجزء الشخصي المتعلق بقضية ابنته غدير ومعاناتها كإمرأة في ظل القوانين الموجودة وآليات تنفيذها أيضاً، والذي لا ينكر الرجل أنه أثّر في مجمل سعيه لنصرة المرأة ك”كائن مستضعف”، فيما يركز الشق الثاني على مقاربة إمكانية التغيير الإيجابي في التشريع المرتبط بالعائلة والنساء وأداء القوى السياسية في البرلمان تجاهها على وقع التباين في الرؤية والنظرة بين السقف المدني وما تقبله الطوائف ومرجعياتها.
ننشر اليوم الجزء الأول الشخصي الخاص من الحوار مع الموسوي، فيما سينشر الجزء الثاني في عدد خاص يصدر عن المفكرة قريباً حول العنف المرتكب ضد النساء (المحرر).
كيف لرجل أن يبدو مرتاحاً بعدما تخلى عن سلطة يتمتع بها دون عامة المواطنين، ومعها حصانة نائب في مجلس النواب اللبناني؟
نعم، يبدو نواف الموسوي، النائب الذي اختار أن يعود مواطناً، مرتاحاُ عن ذي قبل. هل لأن “يده حرة الآن”، كما قال في لقائه مع المفكرة القانونية ردا على سؤال وماذا تغيّر بعد الإستقالة؟ جواب استولد حكماً سؤالا ثانيا: هل علينا جميعنا أن نستعمل أيادينا لنحصّل حقوقنا، أو لنحمي بناتنا في هذه البلاد؟
يرد الموسوي بهدوء: “من يقول أن المرأة محمية في لبنان، ولا تحتاج إلى قانون يحميها بقوة، أقول له ضُبّ حالك وفلّ من البلد”. ويذهب أبعد من ذلك ليقول: “ولا ينفع القانون إذا لم تكن الأجهزة المولجة إنفاذه صالحة”، ويسارع إلى القول أنه يقصد بذلك القضاءين “الديني والمدني”، وطبعا القوى الأمنية العاملة على الأرض.
هذا في العام والخطوط العريضة. في الخاص الذي لا يخوض فيه الموسوي كثيراً، بل يقاربه بحذر وتأنِ، يبدو أن الرجل لا يواجه “خصماً” عادياً، بالأحرى لا يواجه صهراً بل سلطة أخرى موازية. هنا يتخطى الأمر خلافات روتينية بين صهر و”بيت حماه” يحرصون عبثاً على حماية ابنتهم وحقها في رؤية أطفالها، في بلد لا تصان فيه حقوق النساء، والأهم لا يتمتعن فيه بآليات حمائية رادعة مستمدة من قانون مدني يحترم كامل منظومة حقوق الإنسان.
فحسن المقداد، طليق غدير، ابنة الموسوي، ليس هنا فقط الشاب سليل إحدى العشائر، بل، وهذا الأهم، هو إبن مدير “مكتب الوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي في لبنان”. وعليه، لو لم يجد “التغطية والحماية لما تمادى”، كما قال الموسوي. هنا تبدو المفاضلة بين سلطة وسلطة واضحة: “لقد لجأنا إلى القضاء، وحاولنا حماية ابنتي وتحصيل حقوقها وللأسف لم يحصل ذلك”.
عندما يشتكي نائب ظلم القانون الذي يساهم في تشريعه لعامة الناس، وفساد القضاء معه، فماذا نفعل نحن المواطنون العاديون، الذين لا حول لنا ولا قوة إلا بهما؟ نسأل الموسوي.
“أعرف”، يجيب بحسرة، “وأعرف أن حالات العنف والقتل بحق النساء أكبر بكثير مما يُفصح عنه، ولكنه لا يخرج إلى العلن، تُفضل المرأة أن تُضرب وتُعنف على أن تفضح نفسها، وكونها لا تصل غالباً إلى نتيجة، هذا ما يؤكد حاجة النساء إلى الحماية الفعّالة”، يؤكد الموسوي انطلاقاً من تجربته الشخصية في محاولته حماية ابنته.
عام و4 أشهر من المعاناة
في رأس الموسوي الذي قدم استقالته خلال إحدى جلسات مناقشة موازنة والتصويت عليها، وتحديدا في جلسة 19 تموز 2019، قضايا كثيرة، لكنه كان في يوم اللقاء بالمفكرة، يفكر في أمر وحيد: “هل ستتمكن ابنتي من رؤية أطفالها اليوم؟ أم سنعيد السيناريو نفسه كما في المرة السابقة بكل مساوئه والتسويف الذي شهدناه ومعه التنمير”، يقول وهو ينظر إلى الساعة وهي تقترب من السادسة مساء موعد استلام غدير، ابنته، ولديها، تنفيذاً لقرار المحكمة بحقها برؤيتهما يوماً في الأسبوع، بعد تطليقها زوجها بحكم الخلع.
“حافظي ع عيلتك”
أدركت غدير مبكراً أنه لا يمكنها الإستمرار بزواجها نظراً إلى ما كانت تعانيه. لجأت إلى “المراجع الدينية المختصة” فجاءها الجواب “حافظي ع عيلتك”، إلى أن بلغ الأمر “حداً لا يطاق” مع رفض زوجها فكرة الطلاق من أساسها. هنا، تلمس الموسوي فعلياً إحدى المشاكل الفعلية في قانون الأحوال الشخصية لدى الشيعة: “لا يوجد عندنا طريقة وخيارا للزوجة لإنهاء عقد الزواج برغبتها. الأمر كله بيد الزوج، هو من يقرر ساعة يشاء أن ينهي العلاقة، وهذا غير عادل”، يؤكد، ليشير إلى أنه “يجب أن تتمتع المرأة كما الرجل بحقها في إنهاء الزواج كي لا تعيش سنوات طويلة من المعاناة”.
ونعم لجأت غدير إلى المرجعيات المختصة في القضاء الجعفري، وحاولت الحفاظ على عائلتها كما نصحوها في المراحل الأولى. ولكنها، وحينما لم تعد الأمور تُطاق “تحركت لرفع دعوى طلاق خلعي”. استغرق الطلاق وقتاً “ولكن بوجود أحد القضاة المتفهمين والفهيمين تمكنا من إنهاء هذا الموضوع”، وفق ما يؤكد الموسوي. ولكن طلاق غدير بالخلع لم يمر مرور الكرام: “اشترط طليقها تنازلها عن حق حضانة ابنتها التي لم تكن قد قطعت سن الحضانة لأمها بعد، لكي يوافق على قبول الطلاق”.
هنا أيضاً لمس الموسوي مظلومية أخرى للمرأة: “هذا ما يجعلني أقول أنه حتى عندما يتم إكراه الأم على التنازل عن أولادها، يجب أن يبقى حق الحضانة مكفولاً، وهذه من التصويبات التي نطالب بها، ويجب أن لا يمس إكراهها على التنازل عن أولادها بحق الحضانة، يجب إلغاء هذه الإمكانية، وعدم إسقاط حق الأم بحضانة أطفالها أبداً”.
بعد معركة الطلاق، بدأت المشكلة حول حق رؤية الأطفال. بحسب صيغة الطلاق الخلعي، يحق للأم يوماً واحداً لرؤية أطفالها في الأسبوع. من هنا بدأ طليق غدير “اللعب” على متى يُحدد هذا اليوم؟ وكيف يكون هذا اليوم؟ لتمضي ابنة الموسوي “أشهراً طويلة من دون أن تتمكن من تنفيذ قرار المحكمة بحقها برؤية طفليها ليوم واحد حتى”.
نسأل الموسوي عن كيفية تصرف القضاء في هذه الحالة؟
“لم يفعل شيئاً” يقول، “لم يكن لدى القضاء الشرعي حَولٌ ولا طَولٌ، ولا قدرة على تطبيق قرارته حتى”. هنا لجأت غدير إلى القضاء المدني. من حسن الحظ، نظر في الملف “قاض متنور يعرف حيثيات هذا الأمر، واستطاعت غدير أخذ الأولاد، بعدما تم سجن الزوج من أسبوع إلى 10 أيام لمخالفته القرار القضائي، سندا إلى مادة قانونية تتعلق بمخالفة الأب أوالأم قرار حق الرؤية، إلى أن إلتزم بالقرار، وبقي ملتزما ما دام المحضر مفتوحا، فكانت تتم عملية التسليم دون عراقيل”.
لدى الذهاب إلى المرحلة الثانية من تثبيت حق غدير برؤية ولديها، والإنتقال من القرار المؤقت إلى قرار نهائي، استأنف طليقها ما اعتاد فعله منذ اتخاذها القرار بتطليقه “قبل وقوع الطلاق وبعده لم يتوقف عن التحرش بها، وهذا الأمر مستفز بالنسبة لي، ولا أقبل به، ولكنني وبوجود الحواجز الشرعية لم استطع أن أتصرف كما يجب. كما كنت محاصراً بحقيقة كوني نائباً، لم أشأ أن أفتح أبوابا من مستوى ماذا فعل مع فلان الذي كان صهره للأسف”.
ولكن كيف تصرف القضاء المدني والأجهزة الأمنية حيال ما تتعرض له غدير؟
مع محاولة ترك الأمر للقضاء والأمن، كان الحل يقتصر “على توقيع الطليق على تعهد بعدم التعرض لها ثانية، فيما لا تفعل القوى الأمنية شيئا، وخذوا على تعهدات”. ووصل الأمر إلى يوم الحادثة ” وما رأيته بعيني في مخفر الدامور، يؤكد أن المرأة غير محمية في المخافر”، يقول الموسوي ليوثق “غالبا هناك ميل جنساني لصالح الرجل، بمعنى تفهّم الرجل الغاضب وتبرير أفعاله”. “إنه معليش طلع خلقه وسب له كلمتين”، أو “إلا ما تكون هي عاملة شي حتى صار هيك”، كأن يكون رد فعل بعض العناصر في المخافر. يشير الموسوي ليسجل “للأسف القوى الأمنية بالعموم غير مؤهلة لحماية المرأة، وطبعا هناك إستثناءات، ولكن يجب أن يكون لدينا قوى نسوية تقوم بهذا الدور، وهو حماية النساء من العنف، في الإطار الزوجي كما بعد الطلاق”.
المخفر ذكورية وانحياز؟ ذهبت إلى المخفر لإخراج ابنتيّ المعتدى عليهما
مع وصول تسجيل الفيديو لما حصل مع ابنتيه ومعهما طفلي غدير، هرع الموسوي “لإحضارهم من المخفر”، وفق ما قال “لا يعقل أن يتركوها في المخفر إلى ما بعد منتصف الليل، ومن يتحمل مسؤولية هذا الأمر؟ أخذوا إفادتها ولكنهم أبقوها لنحو ساعتين، فهل كان يجري التحقيق معها؟ ومن هو مرتكب الإعتداء؟ هي أم هو؟ ولماذا تتم معاملتها بهذه الطريقة؟”. كل هذا وتم تعريض ابنتيه للخطر و”وحفيديّ، وهما طفليه أيضاً، (طفلي طليق غدير) إذ كان من الممكن أن تصدمهم جميعهم سيارة إثر إيقافهم بالقوة في منتصف الطريق السريعة”.
هل تقول أنه كان هناك تأثير لسلطة والد طليق ابنتك، وهو مدير مكتب السيد الخامنئي في لبنان؟
يقول الموسوي “دعونا لا نتطرق لهذا الأمر، ما يمكنني قوله هو أنه لو لم يجد التغطية والحماية لن يتجرأ على التمادي، وهو أصغر من أن يتمادى طبعاً، ولن أدخل في التفاصيل، ولكن لا أحد يجرؤ على فعل ما فعله لو لم يكن محمياً وخاصة في وجه نائب”.
يحز في نفس الموسوي تحويل كل معاناة ابنته التي توسلت القضاء حلاً لمشاكل أغرقها بها طليقها، ولم تجد حلاً يحميها، إلى “هجوم نائب على مخفر”، يقول الموسوي: “ذهبت لأعود بابنتيّ إلى المنزل”. وأريد أن أسأل “كيف تم تهريب الموقوف (الزوج) من السجن ليلة الحادثة؟”، مؤكداً منح طبيبين شرعيين تقارير كاذبة بإصابة طليق ابنته بيده، فيما هو لم يصب بشيء”.
اليوم، عندما يسمع الموسوي أماً تتحدث عن عدم قدرتها على رؤية أولادها لأشهر طويلة، يرى نفسه وابنته في الخندق عينه مع كل النساء المقهورات: “قلت لإحدى النساء في ندوة حول الموضوع، أنا أيضاً مثلك لم أتمكن من رؤية أحفادي منذ ستة أشهر”. و”هذا أمر غير طبيعي ويجب أن لا يستمر”، يضيف.
“نعم وقعت على اقتراح تعديل قانون حماية النساء من العنف الأسري بصفة شخصية”، يقول الموسوي في معرض رده على تأثير ما حصل مع ابنته على كامل أدائه في التعاطي مع التشريعات التي تخص النساء.
ولدى سؤاله عن تأثير أدائه هذا ودوره، حيث يُعتبر منفتحا ومختلفاً عن توجه التيار السياسي الذي يمثله في المجلس، في قرار حزب الله بتجميد نيابته في شباط 2019، ينفي الموسوي أي علاقة للأمر بقرار الحزب “قيادة الحزب قالت أن السبب هو ما قلته في جلسة مجلس النواب (كلامه عن بشير الجميل) وأنا أصدقهم، هنا تقال الأمور بيننا بكل شفافية”.
“