أقر مجلس النواب قانون السرية المصرفية بعد مسار دام ما يقارب ثلاث سنوات، مسار متعرّج حكمته الباطنية وسوء النية في التشريع. فبعدما فقد الدفاع عن السرية المصرفية حججه، انبرت قوى نيابية وازنة إلى مواجهة مطالب رفعها بالمواربة والمخادعة. حاولت “المفكرة” فضح النوايا السيئة طوال هذا المسار، محطة فمحطة. المحطة ما قبل الأخيرة تمثلت في التعديلات التي أدخلتها لجنة المال والموازنة على مشروع قانون تعديل أحكام السرية المصرفية. وإذ ظننا أن جلسة المناقشات العامة هي المحطة الأخيرة حيث شهد الجميع تنازلا من غالبية النواب عن العديد من مواقفهم في اتجاه التخفيف من السرية المصرفية، دهشنا باكتشاف محطة أخرى غير متوقعة، محطة قوامها وضع الصيغة النهائية للقانون في الكواليس وكل ذلك بعيدا عن رقابة الرأي العام. محطة استغرق التوقف عندها زمنا قياسيا وصل إلى ستة أيام ووصلت فيها سوء النية حدّ التزوير، حذفا وإضافة على العديد من المواد التي أسفرت عنها النقاشات النيابية، كل ذلك بهدف تحصين جدار السرية المصرفية والحدّ من مجالات خرقها. وبالطبع، ما كان لهذه الأساليب أن تنجح في تشويه الصيغة النهائية لولا حال الفوضى التي تخيم على العمل التشريعي وإدارة الهيئة العامة للمجلس. وعليه، تنشر المفكرة هنا الصيغة الأخيرة لهذا القانون بعدما أجرت تقييما له مع منظمات أخرى، داعية إلى التوقف مليا عندها، بالنظر لما ترشح عنه من مساعٍ لقوى نيابية وازنة لإجهاض أي مسعى إصلاحي، ولو بطرق ملتوية وغير مشروعة. فما معنى العمل البرلماني إذا كان بإمكان قلة من النواب تشويه ما وصلت إليه مناقشات الهيئة العامة في اتجاه فرض ما يريدون؟
من أخطر الحذف الحاصل، حذف التأكيد على أن للمراجع المعنية طلب المعلومات المصرفية من دون المرور بأي مرجع قضائي أو إداري. ومنها أيضا حذف تخفيض العقوبة عن فعل الشروع في إفشاء السرية المصرفية إلى النصف.
من أخطر الإضافات إضافة جرم جديد وهو معاقبة إفشاء “بيانات استحصل عليها بمعرض تطبيق هذا القانون” وهو جرم يعاقب عليه حتى 3 أشهر من دون تمييز المعلومات التي يتمّ الحصول عليها في إطار تحقيق سريّ أو في إطار محاكمة علنيّة. ومن شأن هذا الجرم أن ينطبق على نشر أي من البيانات المسلمة مثلا في إطار التحقيق مع رياض ورجا سلامة وأن يحدّ من إمكانية الكشف عن الفساد فضلا (وهذا الأخطر) أن يعرّض المراجع المعنية بطلب معلومات لمسؤوليات محتملة في حال الكشف عن المعلومات المصرفية التي في حوزتها. ونؤكد هنا أن هذه العبارة أضيفت على صيغة مشروع القانون من دون أن تكون خضعت لأي مناقشة أو مصادقة من قبل المجلس وفي مصادرة واضحة للإرادة العامة.
من أخطر مواقع التلاعب مسألة رفع الحصانة عن عوائل الفئات المستثناة من حماية السرية المصرفية وشبكات الشركات المرتبطة بها. فبدل اعتماد المعيار نفسه في هذا الخصوص، ذهبت الصيغة النهائية إلى اعتماد معايير مختلفة لكل فئة، وصولا إلى إبقاء السرية المصرفية بالنسبة إلى عائلات أصحاب المصارف ومدرائها والشركات المرتبطة بهم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.