البرلمان يعدّل “السرية المصرفية” للمرة الثالثة: سقطت قدسية السرية المصرفية ولكن…

البرلمان يعدّل “السرية المصرفية” للمرة الثالثة: سقطت قدسية السرية المصرفية ولكن…
رسم رائد شرف

أقرّ المجلس النيابي قانون رفع السرية المصرفية مع بعض التعديلات استجابةً لملاحظات رئيس الجمهورية ميشال عون. وبذلك يقرّ المجلس تعديلات على هذا القانون للمرة الثالثة، علما أن رئيس الجمهورية كان أعاد التعديلين السابقين إلى المجلس النيابي عملا بصلاحياته الدستورية.

تعود المرة الأولى إلى 28 أيار 2020 حيث أقرّ البرلمان اقتراح قانون مفرغا من أي مضمون بعدما حصر صلاحية رفع السرية المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان (يرأسها حاكم مصرف لبنان نفسه)، ليعيده إليه رئيس الجمهورية في حزيران 2020 طالبا منح النيابات العامة والقضاء صلاحية مماثلة. استغرق الأمر سنة و4 أشهر، قبل أن تحسم لجنة المال والموازنة برئاسة إبراهيم كنعان موقفها من الملاحظات، حيث عملت على منح القضاء صلاحية الولوج إلى السرية المصرفية في قضايا الإثراء غير المشروع وفق الأصول المعتمدة في قانون 189/2020 (وهي تحتم المرور بهيئة التحقيق الخاصة) وأيضا في قضايا الغش الانتخابي (التي يصعب تصور أنها تجري من خلال الحسابات المصرفية). وقد بدا إذ ذلك أن تعديلات اللجنة هي فارغة من أي مضمون.

في آذار 2022، ورد مشروع قانون لتعديل أحكام السرية المصرفية من الحكومة في إطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي. تم إقرار هذا المشروع للمرة الأولى بعد تعديلات هامة أدخلتها لجنة المال والموازنة ومن بعدها الهيئة العامة لمجلس النواب في تموز 2022 وسط فوضى عارمة. وهنا أيضا تمت صياغة القانون على نحو يوحي بتوفر آليات عدة لرفع السرية المصرفية، وهي آليات تثبت عند التدقيق فيها أنها غير كافية وأنها تؤدي مجددا في الكثير من الحالات إلى الرجوع إلى هيئة التحقيق الخاصة، هذا فضلا عن إضافة إحالة إلى المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (التي تولي صلاحية الادعاء العام للنيابة العامة المالية التي يرأسها القاضي علي إبراهيم وهو عضو في هيئة التحقيق الخاصة منذ أكثر من عشر سنوات). وهنا أيضا أعاد رئيس الجمهورية المشروع الذي تمّ إقراره لأسباب عدة أسهبت المفكرة القانونية في تبيانها، وقد ورد مرسوم الإعادة في موازاة رفض صندوق النقد الدولي للتعديلات معتبرا إياها غير كافية. كما خصصت المفكرة القانونية مقالا لتبيان كيفية تعامل لجنة المال والموازنة مع هذه الملاحظات. ثم عادت ودعت مع لجنة حماية حقوق المودعين لدى نقابة المحامين في بيروت وكلنا إرادة والجمعيّة اللبنانية لحقوق المكلّفين إلى مؤتمر صحافي في 17 تشرين الأول 2022 للتنبيه إلى الثغرات الواردة في مشروع القانون كما عدّلته لجنة المال والموازنة، وذلك في عشية الجلسة التشريعية للنظر فيه. وقد عادت المنظمات المذكورة ونشرت بيانا مشتركا، مقترحة إضافة أحكام محددة على مشروع القانون في سعي منها لضمان تحقيق أهدافه.

ماذا حصل في جلسة مناقشة مشروع قانون السرية المصرفية؟ وما هي التعديلات التي انتهت إليها الهيئة العامة للمجلس النيابي؟ هذا ما سنحاول الإحاطة به، مع إبداء التحذير الدائم من أن التعديلات التي نتناولها هنا هي التعديلات التي رصدناها من المراقبة المباشرة لأعمال الهيئة العامة، وقبل الاطلاع على الصياغة النهائية لها التي لم تنجز بعد. 

كما يجدر التنبيه بداية إلى أن مشروع القانون تم إقراره برفع الأيادي، بعدما رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب النائب نديم الجميل التصويت بالمناداة للتأكد من توفر الأغلبية المطلقة، وهي الأغلبية المطلوبة عند التمسك بمشروع قانون أعاده رئيس الجمهورية خلافا لملاحظاته كليا أو جزئيا.

التعديلات التي تمّ إقرارها

كانت المفكرة القانونية بمعية شركائها في تنظيم المؤتمر الصحافي ركزت على عدد من النقاط سنتناولها لنرى ما هي النقاشات التي دارت بشأن كل منها.

مسألة التأكيد على أحقية رفع السرية المصرفية في إطار الاستقصاء عن الجرائم: وجوب تعديل عبارة “دعاوى التحقيق”

هنا، أثنت المفكرة القانونية على ملاحظات رئيس الجمهورية بضرورة أن يتمّ تمكين النيابة العامة من الوصول إلى المعلومات التي تسمح لها بتكوين الملفّ قبل إحالته إلى قضاء التحقيق، معتبرةً أن لجنة المال والموازنة تجاهلت هذه الملاحظة بالكامل. وقد جاء التعليق هنا اعتراضا على حصر مشروع القانون المُعاد سلطة القضاء في طلب معلومات مصرفية في “دعاوى التحقيق”. فهذا المفهوم الغريب الذي لا نجد مثيلا له في قانون أصول المحاكمات الجزائية إنما يُشير إلى عدم إمكانية القضاء طلب معلومات إلا في حال وجود “دعوى تحقيق”، بمعنى أنه يمكنه ذلك فقط بعد إقامة الدعوى وليس في سياق الاستقصاء أو السعي لتكوين دعوى. وخطورة هذا الأمر تكمن في أنه يجرّد النيابات العامة من الحصول على معلومات تخولها مباشرة دعاوى الحق العام في الكثير من الجرائم المالية فضلا عن أنه يجعل النفاذ إلى الأسرار المصرفية المتصلة بالموظفين العامين وقفا على الحصول على إذن مسبق بالملاحقة من رئيسهم الإداري، طالما أن الدعوى لا تعدّ منعقدة أصولا إلا بعد الحصول على هذا الإذن. وقد استعاد عدد من النواب هذا الانتقاد، أبرزهم النائبان وضّاح الصادق وأسامة سعد.

في هذا الصدد، يسجل أنه خلال المناقشات، تمّ التوافق على تعديل عبارة “القضاء المختص في دعاوى التحقيق في جرائم الفساد…” إلى “القضاء المختص في جرائم الفساد” حتى لا يُفهم أنّ صلاحية رفع السرية المصرفية محصورة فقط بقضاء التحقيق بل أنها تشمل جميع القضاء المختص، بما فيهم قضاة النيابة العامة والحكم.

أمر آخر مهم جدا وهو يتمثل في استبدال الإحالة إلى الجرائم المعددة في المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (والتي تشير إلى صلاحية النيابة العامة المالية) بالجرائم الواقعة على الأموال، بناء على اقتراح النائب حسن فضل الله.

مسألة أحقية المراجع بالحصول على معلومات مصرفية من دون المرور بأي مرجع قضائي أو إداري

هنا أيضا أثنت المفكرة القانونية على ملاحظة رئاسة الجمهورية وصندوق النقد الدولي لجهة وجوب إضافة فقرة تخول القضاء والمراجع المخولة طلب معلومات مصرفية القيام بذلك من دون الحاجة للمرور بأيّ مرجع قضائيّ أو إداريّ آخر. وقد جاء في ملاحظات كلا المرجعين تأكيد على ضرورة صوغ نصوص القانون بصورة واضحة “تأمينا لتطبيقه بصورة سليمة وتلقائية”. وتستمدّ هذه الملاحظة مبرر وجودها من القوانين سارية المفعول والتي كانت عمدت إلى فرض هيئة التحقيق الخاصّة كمعبر ضروري للحصول على معلومات مصرفية في الكثير من الحالات، وتحديدا في جرائم تبييض الأموال وجرائم الإثراء غير المشروع وجرائم الفساد المشمولة في قانون مكافحة الفساد في القطاع العام (بالنسبة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد). وقد نبهت المفكرة إلى أنه رغم أهمية هذه الملاحظة، فإن لجنة المال والموازنة كانت تجاهلتها بالكامل. 

في هذا الخصوص، تمّ إضافة نص يسمح للجهات المخولة رفع السرية الحصول على المعلومات المصرفية مباشرة من المصارف من دون المرور بأي جهة قضائية أو إدارية، بطلب من النائبة بولا يعقوبيان. وكان رئيس المجلس أكّد أنّه أينما وجدت الصلاحية الحصرية في مواد مشروع القانون سيتمّ العمل على إزالتها، وذلك بعدما أدلى عدد من النواب رفضهم لحصر صلاحية رفع السرية بهيئة التحقيق الخاصة ومنهم وضّاح الصادق وأسامة سعد وحليمة قعقور.

كما يسجل أن النائب إبراهيم كنعان كان استهلّ النقاش بمرافعة أخذت طابعا دفاعيا نفى فيها الانتقادات حول حصر صلاحية رفع السرية المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان معتبرا هذه الانتقادات منفصلة عن الواقع وكأنّها تتحدّث عن قانون آخر ولجنة أخرى. “فاللجنة، وعلى عكس ما يتم تداوله عبر الإعلام عن حصر رفع السرية بهيئة التحقيق، قد منحت الصلاحية للقضاء المختص والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والإدارة الضريبية، فأين احتكار الصلاحية برفع السرية المصرفية وسوء النية؟ هذا كلام أكثر من مؤسف”. وقد بدا هذا التصريح ردا على ما أثارته المفكرة القانونية من سوء نية في التشريع المتمثلة في وضع قوانين عدة أدت كلها إلى حصر هذه الصلاحية في هيئة التحقيق الخاصة بصور ملتوية وبخاصة في الإحالة إلى هذه التشريعات في مشروع القانون بتعديل أحكام السرية المصرفية. كما أضاف كنعان أن المطالبة “بحقوق ناسنا” لا تعني المطالبة بحقوق محتكر، في إشارة إلى احتكار صلاحية رفع السرية لدى مصرف لبنان، وأنّ تقويض رفع السرية يفيد حفظ الحق بالخصوصية ل “ناسه”. وقد لقي كلام كنعان ردودا كثيرا أكدت على حصرية صلاحية هيئة التحقيق الخاصة في مجالات عدة كما سبق بيانه.

مسألة صلاحيات الإدارة الضريبية

هنا أيضا أثارت المفكرة القانونية في انتقاداتها مسألة تجاهل لجنة المال والموازنة ملاحظات صندوق النقد الدولي لجهة ربط صلاحية السلطات الضريبية بقضايا مكافحة التهرب الضريبي، على خلفية أن مهمة تحصيل الضرائب تتطلب توسيع صلاحيات هذه السلطات لتشمل المعلومات المصرفية والتدقيق فيها، وضمنا المعلومات التي لا توجد بشأنها أي شبهة تهرب ضريبي.

واستباقا لأي نقاش هنا، سارع إبراهيم كنعان إلى اقتراح يستجيب لهذه الملاحظة، في اتجاه تخويل الإدارة الضريبية طلب معلومات مصرفية في معرض تحققها من “الالتزام الضريبي والتدقيق”.

وكان كنعان انتقد مطلب إعطاء الإدارة المالية صلاحية الدخول إلى الحسابات، معتبرا أنّ الإدارة المالية وضعها سيء وألّا ضمانات تجاه المودعين. وقد تابع مؤكدا بانفعال أنّ المجلس يضمن في تحديد صلاحيات هذه الإدارة حقوق المودعين بالخصوصية، وليس المصارف ولا حزب المصارف، مضيفا أنّه بالتأكيد يريد قوانين إصلاحية، إلّا أنّ هذه الإصلاحات يجب أن “تتناسب مع مجتمعنا ونظامنا القانوني”. ونستشفّ من كلام كنعان أنه يوافق على التغيير التشريعي ليس عن قناعة ولكن فقط استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي.  

مسألة صلاحية الهيئات المصرفية بالولوج إلى السرية المصرفية 

هذه المسألة أثارها كل من رئيس الجمهورية وصندوق النقد الدولي، وهي تتمثل في وجوب منح السلطات المصرفية (لجنة الرقابة على المصارف، مصرف لبنان، المؤسسة الوطنية لضمان الودائع) سلطة رفع السرية المصرفية تمكينا لها من أداء عملها بصورة سليمة. وقد برر مرسوم الرد ضرورة منحها الصلاحية المذكورة بأن “الأزمة لم تنشأ فقط عن الجرائم المالية إنما أيضا عن مخالفات مصرفية متعدّدة ومزمنة”. وقد سجلت المفكرة القانونية في هذا الصدد تردد لجنة المال والموازنة في الاستجابة لهذه الملاحظات من ثلاث زوايا:

  • أنها عمدت إلى ربطه بحاجات إعادة هيكلة المصارف. ويفهم من ذلك أن الصلاحية لا تتصل بالمخالفات المصرفية إنما فقط بالحاجات الآنية لإعادة هيكلة المصارف. كما يفهم منها أن هذه الهيئات تفقد هذه الصلاحية فور الانتهاء من عملية إعادة الهيكلة،
  • أنها جعلت المعلومات المطلوبة معلومات عامة لا تتصل بحساب أو عميل معين،
  • أنها فتحت باب الاعتراض على الطلب الوارد من هذه الهيئات من قبل الأشخاص المعنيين أمام القضاء المستعجل مع الإشارة إلى أن الاعتراض يوقف نفاذ الطلب. وقد وضعت اللجنة هذا الضابط ضمن التعديلات المقترحة منها على أنه اختياري فقط. واللافت هنا أن اللجنة التي عمدت إلى تهميش دور القضاء في طلب المعلومات، أعادت للقضاء دوره في وقف طلبات المعلومات، فكأنها تتصور القضاء على أنه مرجع لحماية السرية المصرفية أكثر مما هو مرجع للتحقيق في الجرائم التي تخفيها. كما من اللافت أن لجنة المال والموازنة نصت على وقف نفاذ الطلبات في حال الاعتراض وذلك خلافا لمبادئ القانون الإداري التي تعدّ القرارات الإدارية نافذة ما لم يقرّر القضاء وقف تنفيذها.

وهنا يسجل أن الإيجابية الوحيدة التي حصلت في الهيئة العامة تمثلت في توسيع صلاحيات هذه الجهات لتشمل بالإضافة إلى حاجات إعادة هيكلة المصارف ممارسة دورها الرقابي.

بالمقابل، تمسكت غالبية نيابية في رفض إعطاء هذه المراجع صلاحية الوصول إلى معلومات مصرفية خاصة بحساب مصرفي بعينه. كما يسجل هنا مداخلات من النائبين جورج عدوان وميشال معوض، اللذين رفضا قطعا تمكينها من ذلك، وذلك على نقيض موقف نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي الذي أكّد أنّ صندوق النقد الدولي يطالب بإمكانية منح هذه الجهات صلاحية رفع السرية عن حسابات معينة.

كما أيدت غالبية النواب إمكانية الاعتراض على الطلبات الواردة من هذه المراجع  أمام القضاء المستعجل، رغم تحذير النائب جورج عقيص من خطورة أن يؤدي ذلك إلى منح قاضي الأمور المستعجلة، وهو ليس بقاضي أساس، صلاحية تعطيل عملية إعادة هيكلة المصارف بمجرّد قبوله اعتراض على رفع السرية. كما تمّت إضافة فقرة تُفيد إمكانية استئناف قرار قاضي الأمور المستعجلة خلال مهلة 15 يوما.

أسوأ من ذلك، رُبطت آلية ومعايير منح المعلومات لهذه الهيئات بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وذلك بطلب من النائب حسن فضل الله إضافة إلى كنعان. ويعني ذلك عمليا تعطيل تنفيذ هذه المادة إلى حين تشكيل حكومة والتئامها وأن تُقرّر ساعة تشاء أن تُصدر هذا المرسوم، مع ما يُمكن أن يعتريه من ثغرات حينها، كما أنّه لم يتم تحديد الجهة المختصة عن اقتراح المرسوم، ما قد يزيد من إمكانية التقاعس وتقاذف المسؤوليات حياله لاحقا. وكان النائب علي فياض قد طالب بأن توضع الآلية بمرسوم عادي إلّا أنّ طلبه لم يلقَ أيّ تجاوب.

مسألة الفئات المستثناة من حماية السرية المصرفية

هنا أثارت المفكرة القانونية عددا من المسائل أهمها إسقاط السرية المصرفية عن فئات معينة (الموظفين والمسؤولين العامين ورؤساء الجمعيات السياسية والمرشحين للنيل وكالة عامة) من دون إسقاطها عن أصحاب المصارف ومدرائها. كما أثارت مسألة توسيع رفع السرية المصرفية ليشمل عوائل رؤساء الجمعيات السياسية من دون أن يشمل مجمل الموظفين العامين أو المرشحين لنيل وكالة عامة. كما أثارت مسألة  إعادة ربط رفع السرية هنا بقوانين الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال ومكافحة الفساد في القطاع العام، على نحو يسبب مجددا اللغط حول مدى وجوب المرور من خلال هيئة التحقيق الخاصة.

وهنا سجلت التعديلات الآتية:

  • بناء على اقتراح النائب علي فياض، تمّ إضافة مدراء المصارف ومجالس إدارتها إلى لائحة من تمّ رفع السرية المصرفية عنهم المذكورين أعلاه. وعادت النائبة حليمة قعقور وقدمت اقتراحا في هذا الشأن أيضا مع إضافة أصحاب الوسائل الإعلامية، من دون أن يؤخذ به. 
  • بناء على اقتراح النائب علي حسن خليل، تمّ تعديل المادة الثانية الجديدة، بحيث بات يشمل رفع السرية المصرفية أزواج والأولاد القاصرين للموظفين العموميين أو أي شخص يؤدّي عملا عاما، بعدما كان رفع السرية على العوائل يشمل فقط رؤساء الجمعيات السياسية. كما تمّ إضافة جمعيات المجتمع المدني وهيئاتها الإدارية بناء على اقتراح علي حسن خليل مطالبا لأنّ “شغلة تلات رباعهم الهبج واللّف”.
  • بناء على اقتراح النائبة بولا يعقوبيان، بات يشمل رفع السرية المذكور أعلاه الأشخاص المستعان بهم والأوصياء وأصحاب الحق الاقتصادي أيضا. كما أُضيف بناء على اقتراحها رفع السرية عن أعضاء الهيئات الإدارية في الجمعيات السياسية، بعدما كان الرفع مقصورا على رؤساء هذه الجمعيات.
  • تمّت الموافقة على اقتراح النائب مروان حمادة إرجاع بدء رفع السرية المصرفية سنة إلى الوراء إلى العام 1988 بعدما كان المشروع ينصّ على أنّ مفعول رفع السرية يبدأ من 22/11/1989 أي تاريخ اغتيال رئيس الجمهورية الراحل رينيه معوّض. برّر في هذا الصدد النائب إبراهيم كنعان اختيار هذا التاريخ أنّه كان الأبعد مدى بين 3 اقتراحات وردت إلى لجنة المال، في حين اعتبر النائب ملحم خلف أنّ هذه التواريخ لا قيمة لها تبعا لمرور الزمن خلال 10 سنوات، مقترحا أن تكون مدة ال10 سنوات هي المعتمدة.

مسألة التطبيق الرجعي للقانون

في هذا الخصوص، يجدر التذكير بداية بأن تطبيق مبدأ عدم رجعية القوانين ينحصر في الحالات التي تنشئ جرائم جديدة أو تشدّد عقوبات على جرائم سابقة، وأنه تاليا لا ينطبق على القوانين الآيلة إلى إلغاء جرم أو تضييق حالاته (جرم إفشاء السرية) أو المتصلة بوسائل الإثبات أو الاطلاع على مستندات كما هي حال قانون رفع السرية المصرفية أو الحدّ منها. ففي هذه الحالة، ينطبق القانون فور صدوره وبصورة رجعية ومن دون الحاجة لذكر ذلك صراحة. فمثلا، إذا نص قانون جديد على أصول لتفتيش المنازل من دون ورود نصّ صريح على رجعيته، لا يتخيّل أنه يطبّق فقط على تفتيش المنازل التي يتمّ تشييدها بعد صدوره بل يطبّق فور نفاذه على جميع المنازل بمعزل عن تاريخ إنشائها ويكون أي قول معاكس مجرّد عبث. وهذا تحديدًا ما ذهب إليه الرأي القانونيّ الصادر عن صندوق النقد الدولي الذي ذكر أن القانون يكون من حيث المبدأ قابلا للتطبيق على الحسابات والقيود السابقة أيضا طالما أنه لا يرتّب أي التزامات عن الماضي، حتى ولو لم يتضمن نصّا صريحا بهذا الشأن وإن انتهى إلى الترحيب بوضع نص صريح بهذا الشأن منعا لمزيد من اللغط.

إلا أنه رغم ذلك، بقي الخطاب داخل الهيئة العامة ملتبسا، بحيث امتنعت عن وضع نص صريح يحسم اللغط في هذا الشأن، فضلا عن أن لجنة المال والموازنة كانت أوحت بتقريرها أن رجعية القانون تنحصر في الفئات التي أسقطت عنها حماية السرية المصرفية دون الفئات الأخرى. 

مسألة عقوبة الحبس على خلفية الإفشاء بالسرية المصرفية

هذه المسألة أثارها صندوق النقد الدولي الذي عبر عن خشيته من أن تشكل عقوبة الحبس لمن يفشي الأسرار المصرفية أو يشرع بذلك عاملا رادعا ومعطلا للقانون الذي يرمي على العكس من ذلك إلى توسيع حالات الكشف عن المعلومات المصرفية. وفي حين اكتفت اللجنة بتخفيض عقوبة الحبس القصوى من سنة إلى 3 أشهر، من دون أن تلغيها بالكامل، اكتفت بدورها الهيئة العامة إلى تخفيض عقوبة الشروع (محاولة) بإفشاء السرّية إلى النصف، بعدما كانت عقوبتها هي نفس عقوبة إفشاء السرية.

ويسجل هنا أن النائب وضاح الصادق طالب بإلغاء العقوبات المترتّبة على إفشاء السرّية لا بل وجوب التحفيز على كشفها وكشف الفساد.

مطالب بإلغاء السرية المصرفية برمتها

كما يذكر في هذا السياق أن بعض النواب (وضاح الصادق، فراس حمدان) ذهبوا حدّ المطالبة باعتماد بند واحد منتهاه إلغاء قانون السرية المصرفية برمته. وفي حين وافق النائب حسن فضل الله على طرح إلغاء السرية المصرفية كاملة، إلّا أنّه عاد واعتبر أنّ ذلك غير ممكن حاليا لأنّه يجب مناقشة ردّ رئيس الجمهورية وفق المواد التي علّق عليها، ما يُلزم المجلس بمناقشتها حصرا.

في الاتجاه نفسه، دعا النائب جورج عقيص إلى إلغاء السرية بالكامل وربطها بإقرارها كحزمة واحدة مع قانون استقلالية القضاء لتجاوز تخوّف البعض من “استنسابية القضاء”، إضافة إلى تعديل يطال قانون البيانات الشخصية والمعاملات الإلكترونية لضمان الحق بالخصوصية الذي لطالما أثاره النائب إبراهيم كنعان. أمّا النائبة بولا يعقوبيان وإضافة إلى ملاحظاتها على القانون، ومع تأكيدها على ضرورة رفع السرية بالكامل، فقد اعتبرت أنّ ربطه بإقرار قانون استقلالية القضاء في ظلّ التوازنات الحالية في المجلس هو مجرّد هروب إلى الأمام.

كما أكّد النائب إبراهيم منيمنة فقد أكّد أنّ الحاجة للسرّية المصرفية قد انتفت وأنّها أصبحت عبئا على الاقتصاد ومساعي مكافحة الفساد، وأنّ الثقة بالقطاع المصرفي سقطت ولا يتم إحياؤها بالسرّية. وفي حين أكّد على ضرورة رفع السرية كاملة، أكّد منيمنة أنّ ما يحصل هو “ترقيع” بمعزل عن خطة شاملة، وأنّه لا يُمكن بناء مستقبل على استثناءات في قوانين من هنا وهناك. وقد ذهب في الاتجاه نفسه النائب فؤاد مخزومي.

وفي حين وافق النائب حسن فضل الله على طرح إلغاء السرية المصرفية كاملة، إلّا أنّه عاد واعتبر أنّ ذلك غير ممكن حاليا لأنّه يجب مناقشة ردّ رئيس الجمهورية وفق المواد التي علّق عليها، ما يُلزم المجلس بمناقشتها حصرا.

بالمقابل، اعتبر النائب سيمون أبي رميا مطلب إلغاء السرية المصرفية برمّتها مطلبا شعبويا لا آليات واضحة له.

ملاحظات على هامش النقاشات التشريعية

فضلا عما تقدم، تجدر الإشارة إلى أنّ وزيريْ العدل والمال غابا عن الجلسة، علما أنّهما معنيّان بشكل مباشر بهذا القانون. وقد أثّر هذا التغيّب على سير الجلسة إذ يُفترض أنّ النواب كانوا سيحملون أسئلة لهم تتعلّق بالقانون، وقد تجلّى ذلك باستعانة رئيس المجلس النيابي بوزير الداخلية بسام المولوي (قاضٍ سابق) لسؤاله عن أحد المواضيع المتعلّقة بقضاء العجلة.

كما توجّه النائب ملحم رياشي بالنقد إلى صندوق النقد الدولي، معتبرا أنّه على الصندوق إرسال خبراء أكفأ من الذين يرسلهم إلى لبنان بخاصة لأنّ أعمار بعضهم صغيرة و”أزمة لبنان أكبر منهم” وأن لبنان ليس أصلا مستعمرة للصندوق. تدخّل هنا رئيس المجلس النيابي معتبرا أنّ الكلام خطير، وأنّ السرية يجب أن تُرفع لئلّا يبقى الجميع متّهما بالفساد، ورفض اعتبار أنّ صندوق النقد يتحكّم بالبلد. النائب جورج عدوان كان موقفه واضحا أيضا ضدّ الصندوق مؤكدا على سيادة المجلس وحرّية قراره وعدم خضوعه لطلبات الصندوق.

خلاصة

شهدت الهيئة العامة تحويرا كبيرا في نص مشروع القانون، أدى إلى تصويب عدد من مواده. إلا أنه يبقى من المهم انتظار النسخة النهائية لمشروع القانون للتأكد من تدوين مجمل النقاط التي تمّ إقرارها فيه، قبل اتخاذ أي موقف نهائي منه. فلنراقب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، مصارف ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني