المحكمة العسكرية تبرّئ حسن شعيب: “حقّي لا يزال مسلوباً”


2021-11-05    |   

المحكمة العسكرية تبرّئ حسن شعيب: “حقّي لا يزال مسلوباً”
رسم رائد شرف

ليلة 17 تشرين الأول من العام 2019، نزل حسن شعيب (28 عاماً) إلى الشارع. كلّ ما كان يريده حينها هو التعبير سلميّاً عن رفضه للواقع الاقتصادي والاجتماعي ولكنّه وجد نفسه فجأة يتعرّض للضرب العنيف والإهانة ليتمّ بعدها توقيفه وتحويله من معتدى عليه إلى معتدي بعدما تمّ الادعاء عليه من قبل النيابة العامّة العسكرية بتهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة. وبعد أكثر من عامين وتحديداً في الثالث من تشرين الثاني 2021 مثل شعيب أمام المحكمة العسكرية وحصل على حكم البراءة. 

ولكنّ الحكم رغم أنّه أراحه إلّا أنّه لم يعد له حقّه الذي سلب يوم حفظت النيابة العامّة العسكرية شكوى التعذيب التي تقدّم بها. وطالبت المحامية غيدة فرنجية إحالة محضر جلسة المحكمة إلى النيابة العامّة للتحقيق في التعدّيات التي تعرّض لها شعيب بهدف اتّخاذ الإجراءات اللازمة ولاسيّما بعد حفظ شكوى التعذيب. 

شعيب أمام القاضي: أنا من تعرّض للعنف

حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، دخل شعيب قاعة المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد سمير شحادة، وخلال استجوابه أصرّ على رفض كلّ الادّعاءات الموجّهة ضدّه المتعلّقة بالتعامل بشدّة مع قوى الأمن شارحاً أمام المحكمة أنّه لم يُقدِم على أي فعل عنفي ضدّ القوى الأمنية وأنّه بالعكس تماماً تعرّض هو للضرب المبرح والشتيمة والإهانة ومحاولة القتل من قبل عناصر قوى الأمن.

وقال شعيب خلال الجلسة التي كانت مخصّصة لمحاكمة 10 متظاهرين لم يحضر منهم سواه، إنّه نزل ليل السابع عشر من تشرين ليشارك سلمياً في التحرّكات الشعبية وسط العاصمة بيروت، وإنّه عندما بدأت بعض أعمال الشغب انسحب إلى جانب مسجد الأمين في ساحة الشهداء حيث تعرّض بشكل مفاجئ من قبل عناصر من مكافحة الشغب لضرب مبرح بالأيدي والعصي. وأضاف أنّ العناصر حاولوا خنقه بالعصي وباللّكمات التي كانت توجّه إلى عنقه مباشرة بعد إلقاء القبض عليه.

وكان شعيب تقدّم بشكوى تعذيب في شهر كانون الأوّل 2019 إلّا أنّ النيابة العامّة العسكرية قامت بحفظها مع عشرات شكاوى التعذيب الأخرى، وذلك على الرغم من أنّ كشف الطبيب الشرعي أكّد تعرّض شعيب للتعذيب وفصّل أنّه يوجد كسر في عظم الإبهام الأيسر وخدش بشكل دائري في الخد الأيمن بلون أحمر غامق واحمرار في الشفة السفلية وفي أعلى الكتف الأيسر وعدّة خدوش باتّجاه أفقي في منتصف الذراع الأيمن، فضلاً عن ارتدائه ضمادة طبية حول دعامة تجبير الإبهام لليد اليسرى وطوقاً طبياً حول العنق لحماية العمود الفقري العنقي.

وجاء تقرير الطبيب الشرعي بعد الكشف على شعيب في اليوم التالي لتوقيفه وبعدما توجّه إلى طوارئ مستشفى الجامعة الأميركية للعلاج من آثار الضرب والتعذيب، كما أوضح شعيب خلال جلسة المحكمة.

بالإضافة إلى العنف الذي تعرّض له شعيب، تحدّث أمام المحكمة عن مخالفات قانونية مورست بحقّه أثناء التحقيق معه في مخفر بيضون في الأشرفية حيث جرى التحقيق من دون وجود محام (مخالفة أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بنسختها القديمة لجهة حق الموقوف في مقابلة محامٍ) كما لم يسمح له بالاتّصال بأحد من ذويه أو أصدقائه، هذا فضلاً عن رفض نقله إلى المستشفى على الرغم من توصية الصليب الأحمر الذي كشف عليه في المخفر، بضرورة نقله إلى المستشفى للعلاج.

ويُشار إلى أنّ هذه الجلسة هي الثانية المخصّصة لشعيب والمتظاهرين التسعة إذ كانت عقدت أولى الجلسات يوم الاثنين 12 نيسان انتهت بإرجائها لأجل اكتمال التبليغات (حضر حينها اثنان فقط) وذلك بعد رفض المحكمة طلب فصل ملف شعيب عن ملفات الآخرين.

الدفاع يطلب التحقيق في الاعتداء على شعيب 

بعد إدلاء شعيب بإفادته ترافع ممثل النيابة العامّة القاضي هاني حجّار كعادته في الدعاوى التي تتعلق بالحريّات العامّة، وطلب براءة المدّعى عليه من معاملة قوى الأمن بشدّة لعدم وجود دليل ملموس. وأشار حجّار إلى أنّ الصدامات بين القوى الأمنية والمتظاهرين باتت تحصل في أيّ تحرّك مطلبي، واعتبر أنّه يجب أن يكون هناك سياسة جنائية عامّة في هذا الموضوع وأن تقارب النيابة العامّة الموضوع انطلاقاً من المعيار القانوني الذي يضمن حرية التعبير والمعيار الثقافي المتعلّق بجنوح اللبنانيين إجمالاً نحو الشدّة. لذلك اعتبر أنّ المصلحة العامّة تقتضي استيعاباً يرمي إلى حماية القوى الأمنية من الظهور كأنّهم على عداء مع المتظاهرين أقلّه إن لم يكن هناك دليل واضح ملموس على اعتداء المتظاهرين على القوى الأمنية مثل وجود عنصر أمني يؤكّد أنّه عومل بالعنف من قبل المدّعى عليهم، وإلّا وفي حال لم ترتبط الأعمال العنفية بدليل أو إذا كانت الأدلّة غير كافية فتجب البراءة للمدّعى عليهم بتهم المعاملة بالشدّة.

بعد مرافعة ممثّل النيابة العامة، ترافعت المحامية غيدة فرنجية من لجنة الدفاع عن المتظاهرين مشيرة إلى أنّها لا تطلب البراءة لشعيب بل إبطال التعقّبات بحقّه وإحالة محضر جلسة المحكمة إلى النيابة العامّة للتحقيق في التعدّيات التي تعرّض لها شعيب بهدف اتّخاذ الإجراءات اللازمة ولاسيّما بعد حفظ شكوى التعذيب التي تقدّم بها. 

وشدّدت فرنجية على أنّ شعيب هو ضحية تعذيب في أوّل تظاهرة اطلقت شرارة إنتفاضة 17 تشرين كون العنف ضدّه لم يحصل ضمن إطار حفظ الأمن بل بعدما تمّ القبض عليه وخلال نقله بآلية قوى الأمن بهدف معاقبته لممارسة حقّه بالتظاهر وأنّ هذه الممارسات تدلّل على وجود جرم تعذيب.

كما انتقدت أداء ممثّلي النيابة العامة تجاه شعيب، وأعادت التذكير بأنّ شعيب احتجز لمدّة يومين بالرغم من تعرّضه للضرب العنيف ومُنع من حقّه في الحصول على محام أو الاتّصال بأحد أفراد عائلته في مخالفة قانونية واضحة، وأنّه لم يسمح له بتلقّي العلاج، فتمّ تحويله من معتدى عليه إلى معتدي ليحاكم أمام المحكمة العسكرية.

واعتبرت فرنجية أنّ محضر جلسة المحاكمة يشكّل دليلاً على جرم التعذيب وأنّ القانون يلزم المحكمة بحفظه، طالبة منها إرسال نسخة منه إلى النيابة العامّة لإجراء التحقيقات حول الاعتداء على شعيب.

لم تعجب مرافعة فرنجية القاضي شحادة، حيث اعتبر أنّها استخدمت عبارات مسيئة وبدت وكأنّها تقول إنّ القوى الأمنية تعمد إلى استخدام طرق ممنهجة للتعامل بالشدّة مع المتظاهرين، مشدّداً على أنّ هذا الأمر غير صحيح، لتردّ فرنجية موضحة أنّها تتكلّم عن حالة محدّدة وهي حالة شعيب وتنتقد أداء خصمها أي النيابة العامّة.

وقبل انتهاء الجلسة أصرّ شعيب وبعدما طلب إعلان براءته من المحكمة على التشديد على أنّه تعرّض للإهانة والإيذاء النفسي إذ روى كيف وبعد توقيفه طلب أن يشرب الماء فطلب منه أحد عناصر القوى الأمنية أن يفتح فمه ليعود ويرمي عليه الماء ساخراً منه أمام عناصر آخرين أخذوا يضحكون ويضربونه وهم ينهالون عليه بالشتائم.

شعيب: رغم البراءة حقّي لا يزال مسلوباً

يعتبر حسن شعيب أنّ حصوله على حكم البراءة لا يعني أنّه أخذ حقّه ويقول لـ”المفكرة القانونية”: “كنت مخنوقاً، لم أتقبّل فكرة جرجرتي إلى المحاكم وأنا لم اقترف أي خطأ، بل على العكس ضُربت ضرباً مبرحاً ولم أقاوم، أنا أصلا بريء، اليوم حكم البراءة أراحني ولكنّه لم يُعد لي حقي”.

ويشير شعيب إلى أنّ حقّه سلب يوم حفظت شكوى التعذيب التي تقدّم بها، مضيفاً أنّه كان يأمل أنّ تتم محاسبة العناصر التي اعتدت عليه ومن أعطى الأمر بذلك حتى يشعر بالأمان وبأنّه في وطن يحاسب المعتدي ليس المعتدى عليه إلّا أنّ المحاسبة تبدو مستحيلة ويقول: “إذا قضية بحجم انفجار المرفأ لم تصل إلى نتيجة، كيف لي أنا أن أصل، أتمنى أن يحاسب كلّ من عنّف المتظاهرين كلّ من اعتدى على مواطن سلمي يطالب بحقه”.

ما تعرّض له شعيب من ضرب وإهانة لن يمحوه حكم براءة فهو، وحسب ما يقول، لا يستطيع أن ينسى تلك اللحظات إذ لا يزال يشعر بالغضب كلّما رأى عنصراً بلباس عسكري مشيراً إلى أنّه على المعنيين أنّ يعرفوا جيدا بأنّ العنّف الذي يمارس ضدّ المواطنين السلميين لم ولن يثنيهم يوماً عن مواصلة المطالبة بحقوقهم بل على العكس يزيدهم إصراراً ويقيناً بضرورة رفض الظلم بكافة أنواعه.   

قضية شعيب هي واحدة من مئات الادّعاءات الاعتباطيّة التي تقوم بها النيابة العامّة العسكريّة ضد متظاهرين بتهم من دون أدلة منها معاملة قوى الأمن بالشدّة، إذ ادّعت على أكثر من 250 من المتظاهرين منذ 17 تشرين الأوّل 2019 وحوكم منهم 65 متظاهراً حصل 59 منهم على حكم براءة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، المرصد القضائي ، انتفاضة 17 تشرين ، تحقيقات ، أجهزة أمنية ، المهن القانونية ، محاكم عسكرية ، محاكمة عادلة ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني