المجلس يناقش رسالة نهاية العهد: منع حكومة تصريف الأعمال من الانعقاد أو معالجة مخاطر الفراغ بمزيد منه


2022-11-03    |   

المجلس يناقش رسالة نهاية العهد: منع حكومة تصريف الأعمال من الانعقاد أو معالجة مخاطر الفراغ بمزيد منه

وجه رئيس الجمهورية ميشال عون في 30 تشرين الأول المنصرم رسالة إلى مجلس النواب عملا بصلاحيته المنصوص عليها في الفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور اللبناني. وبغض النظر عن مضمون هذه الرسالة، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الصلاحية هي إحدى خصائص الأنظمة البرلمانية وهي معبرة جدا كونها من الصلاحيات القليلة التي يستطيع رئيس الدولة ممارستها وحده من دون حاجة إلى توقيع وزاري إضافي.

وقد قرر رئيس الجمهورية توجيه الرسالة ليس مباشرة عبر حضوره الشخصي، بل بواسطة رئيس المجلس ما يجعلها تدخل في أحكام الفقرة الثالثة من المادة 145 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على التالي: “أما إذا كانت الرسالة موجهة بواسطة رئيس المجلس، فعليه (أي رئيس المجلس) أن يدعو المجلس للانعقاد خلال ثلاثة أيام لمناقشة مضمون الرسالة، واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب”. وبالفعل، قرر رئيس مجلس النواب دعوة مجلس النواب للانعقاد نهار الخميس في 3 تشرين الثاني 2022 لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية السابق علما أنها المرة الأولى التي سيتوجب على المجلس التباحث في رسالة لرئيس انتهت ولايته.
وقد تناولت الرسالة بشكل خاص العوائق التي اعترضت رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، وبخاصة ما اعتبره هذا الأخير عدم رغبة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة. وقد جاء فيها في وصف هذا الأخير أنّه “لم يأبه، ولم يعر اذناً صاغية حتى للوسطاء لبذل اي جهد على صعيد التأليف. ما رسّخ يقيننا بأنه غير راغب في تأليف حكومة بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف اعمال والمراهنة والرهان على الوقت كي تشغر سدّة الرئاسة. فيستحيل عندئذٍ التأليف بغياب الشريك الدستوري الكامل في تأليف الحكومة”.

وأمام هذا الواقع، أعلن رئيس الجمهورية في رسالته أنه قرّر التوجّه إلى مجلس النواب “بصورة عاجلة وماسة” كي يتم اتخذ من دون إبطاء “الاجراءات التي تقتضيها هذه الرسالة والظروف الخطيرة التي دفعتنا اليها، (…) فينتخب رئيس جمهورية أو تؤلّف حكومة في اليومين المتبقيين من ولايتنا ونتفادى جميعنا حافة الهاوية التي اعتمد سياستها من ائتمنتم على تأليف حكومة جديدة”.

تطرح رسالة رئيس الجمهورية إشكاليات عديدة لا بد من تفنيدها كي نتمكن من معرفة تداعياتها الدستورية ومدى جدواها وتأثيرها على الحياة السياسية اللبنانية. لذلك لا بد لنا من إبداء الملاحظات التالية:

أولا: التشابه مع الكتاب الذي أرسله عون بشأن تكليف سعد الحريري

ليست المرة الأولى التي يوجه فيها رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة إلى مجلس النواب بسبب خلافه مع رئيس الحكومة المكلف إذ سبق له أن اتخذ الخطوة ذاتها في 18 أيار 2021 عندما وجه رسالة حول “العوائق أمام تأليف الحكومة الجديدة” مطالبا مجلس النواب باتخاذ الخطوات الضرورية لمعالجة رفض رئيس الحكومة المكلف حينها سعد الحريري تشكيل الحكومة. وبالفعل اجتمع مجلس النواب في 22 أيار 2021 وقرر بعد مناقشة مستفيضة الرد على رسالة رئيس الجمهورية وفقا للتالي : “استنادا إلى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور، ولما لم يرد أي نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه (…) وباعتبار أن أي موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا الآن بصدده، ولأن مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح إلى فصل السلطات وتعاونها، وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصا على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصاديا وماليا واجتماعيا تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات. يؤكد المجلس على ضرورة المضي قدما وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعا إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.

وهكذا يتبين لنا أن مجلس النواب اعترف صراحة في سنة 2021 أنه لا يستطيع دستوريا أن يقدّم أيّ حلّ لحالة عدم التوافق التي قد تنشب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. فرسالة رئيس الجمهورية الجديدة التي تطالب أيضا، من دون الإشارة إلى ذلك صراحة، بسحب تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، ستواجه على الأرجح المصير نفسه وهي لذلك من دون جدوى ولا مفاعيل دستورية لها إذ أنه من الظاهر أن هدفها هو سياسي بامتياز عبر القاء اللوم كاملا على الرئيس المكلف وتنصل رئيس الجمهورية من تحمل أي مسؤولية عبر رمي الكرة مجددا في ملعب مجلس النواب رغم معرفته المسبقة بسابقة رد المجلس سنة 2021.

ثانيا: رسالة بطلب مستحيل

يعلن رئيس الجمهورية في رسالته بعد التهويل بخطورة الفراغ ضرورة اتخاذ الخطوات العاجلة من أجل إما انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو تشكيل حكومة في اليومين المتبقيين من ولايته. وفي حال وضعنا جانبا اعتبار رئيس الجمهورية ضمنيا أن ولايته تنتهي مع انقضاء نهار 31 تشرين الأول، لا بدّ أولا من تسجيل الموقف المتناقض الذي ينطلق منه رئيس الجمهورية إذ أنه يطالب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في حين أن فريقه السياسي الذي لديه كتلة نيابية وازنة ممثلة في مجلس النواب تعمد إلى الانسحاب دائما من جلسة الانتخاب من أجل إفقاد الجلسة نصابها وعرقلة المسار الدستوري الطبيعي والديمقراطي.

إضافة إلى ذلك، لا بد ثانيا من الإشارة إلى المثالية المبالغ بها التي تعبّر عنها الرسالة إذ تأمل وبكل سذاجة اتخاذ الخطوات التي تسمح بتشكيل الحكومة خلال اليومين المتبقيين من ولاية الرئيس عون. وهذا مطلب يفتقر إلى الواقعية كون ذلك يفترض موافقة مجلس النواب على سحب تكليف الرئيس ميقاتي ومن ثم دعوة رئيس الجمهورية لاجراء استشارات نيابية ملزمة من أجل تكليف رئيس جديد للحكومة لا أحد يعلم هويته، ومن ثم حصول توافق غير مضمون إطلاقا بين الرئيس المكلف الجديد ورئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، هذا دون نسيان ضرورة قيام رئيس الحكومة المكلف بدوره باستشارات نيابية مع الكتل البرلمانية المختلفة قبل التشكيل على أن يتم الانهاء من كل ذلك في أقل من يومين.

وفي حال غضينا الطرف عن مثالية الرسالة لا يمكن لنا إلا التشديد على طبيعتها المتناقضة إذ تصر بالحاح شديد على اتخاذ مجلس النواب لخطوة ما في حين أن رئيس الجمهورية وجهها وفقا له قبل يوم من انتهاء ولايته (والصحيح أنه وجهها في يوم انتهاء ولايته الواقع في 30 تشرين الأول 2022) في حين أن رئيس مجلس النواب ملزم بدعوة المجلس إلى الانعقاد خلال ثلاثة أيام على أن يتم نشر جدول الأعمال وتبليغه إلى النواب قبل انعقاد الجلسة بأربع وعشرين ساعة على الأقل عملا بأحكام المادة الثامنة من النظام الداخلي، أي أن مجلس النواب عمليا لا يمكن له أن يجتمع إلا بعد انتهاء ولاية الرئيس عون ما يجعل رسالته دون جدوى إذ لا يعقل سحب التكليف من الرئيس ميقاتي في ظل شغور رئاسة الجمهورية ليس فقط لعدم وجود رئيس كي يقوم بالاستشارة النيابية الملزمة من أجل تكليف رئيس جديد للحكومة بل أيضا لأن تكليف الرئيس ميقاتي تنتهي صلاحيته مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الذي كلفه ولا بد من إجراء استشارات نيابية ملزمة جديدة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ثالثا: فرضيات مغلوطة وتناقضات منطقية

تنطلق رسالة رئيس الجمهورية من مجموعة من الفرضيات الدستورية المغلوطة من الضروري الإضاءة عليها من أجل تظهير خطورتها السياسية وهي التالية:

• تفترض الرسالة أن مجلس النواب هو الذي كلف الرئيس نجيب ميقاتي وأنه يحق له سحب التكليف وهذا موقف دستوري خاطئ. صحيح أن رئيس الجمهورية ملزم بنتيجة الاستشارات النيابية التي يجريها على الرغم من أن الدستور جاء خاليا كليا من تحديد أي آلية تشرح ما هي الغالبية المطلوبة التي يتوجب على الرئيس المكلف أن ينالها كي يصبح رئيس الجمهورية ملزما بتكليفه، لكن الدقة الدستورية تفرض التمييز بين مجلس النواب من جهة والنواب من جهة أخرى. فالاستشارات الملزمة يجريها رئيس الجمهورية مع النواب وليس مع مجلس النواب الذي يختلف كليا عن النواب كأفراد. فالمجلس لا يمكن له ِأن يمارس صلاحياته إلا ضمن شروط دستورية تتعلق بالعقود والنصاب وأصول التصويت بينما النواب لا شرط إطلاقا ينظم كيفية استشارتهم وبالتالي هم من الناحية الدستورية يختلفون كليا عن مجلس النواب حتى لو كان هذا الاختلاف لا يهم من الناحية السياسية. فالذي يكلف رئيس الحكومة هو رئيس الجمهورية بالاستناد إلى استشارات ملزمة يجريها مع النواب وليس مع مجلس النواب، وإلا لكان هذا الأخير قد اكتفى باختيار الرئيس المكلف عبر انتخابه مباشرة، وهي فكرة طرحت خلال المداولات التي سبقت اتفاق الطائف ولكن لم يتم الأخذ بها. وبالتالي يظهر لنا أن رئيس الجمهورية الذي يعلن دائما تمسكه بصلاحياته لا يدرك فحوى هذه الصلاحيات بل هو برسالته يكون قد تخلى عنها إذ لو أراد أن يسحب تكليف الرئيس ميقاتي كان عليه أن يجتهد في هذا المجال ويتبع قاعدة توازي الصيغ فيدعو النواب من تلقاء نفسه إلى استشارات نيابية جديدة تهدف إلى سحب التكليف بينما يعلن صراحة في الرسالة أنه في حال عدم اعتذار الرئيس المكلف يتوجب على مجلس النواب المبادرة لنزع التكليف كونه “هو من أعطاه اياه”.
• تحتوي الرسالة على نبرة عالية تشدد على خطر الفوضى الدستورية والفراغ معتبرة أن الحكومة المستقيلة “انمّا هي حكومة فاقدة الشرعية الشعبية وبالتالي الشرعية الدستورية والميثاقية، سيّما في ضوء هذه الظروف القاسية وغير المسبوقة التي يمر بها لبنان وشعب لبنان”. وبشيء من البلاغة تضيف الرسالة الآتي: “إن الفوضى الدستورية التي تهدّد الكيان والميثاق مرفوضة منّا طالما أنّنا في سدّة الرئاسة وقد أقسمنا يمين الإخلاص لدستور الأمة اللبنانية وقوانينها. وعند خلّو سدّة الرئاسة من دون انتخاب رئيس، تخلو الساحة للممارسات والأعراف من دون رقيب أو حسيب، فيُفرّغ الميثاق وتتفاقم الأخطار في مرحلة قد تكون الأخطر في حياتنا العامة”. وهكذا تعكس هذه الرسالة المشروع السياسي الذي دافع عنه الرئيس عون وفريقه منذ عودته في لبنان والذي يتجلى بما يمكن أن نصفه بإيديولوجية الميثاقية. فالرسالة دون أن تشير إلى ذلك صراحة تعتبر أن خلو سدة الرئاسة هو انتقاص من دور المسيحيين في النظام ما يجعل الحكومة التي ستناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة فاقدة للميثاقية أي للتوازن الإسلامي المسيحي. وهكذا يظهر جانب جديد في هذه الرسالة وهو طبيعتها التحريضية التي تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية عبر إظهار أن خلو رئاسة الجمهورية هو اعتداء على المسحيين.
• جاء في موضوع الرسالة التالي: “تأكيد حالة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق للحكومة التي يرأس (ميقاتي) راهناً والتي اعتبرت مستقيلة عملاً بالمادة 69 (فقرة 1، بند هـ)”: لم تكن رسالة رئيس الجمهورية هي الخطوة الوحيدة التي اتخذها بل أقدم في النهار نفسه على سابقة خطيرة قوامها إصدار مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة. لكن الرسالة كما تشير في الموضوع تعلن التأكيد على حالة تصريف الأعمال ما يطرح علامات استفهام حول مرامي رئيس الجمهورية والغاية من توقيعه مرسوم الاستقالة في حين أنه يعتير في الرسالة أن الحكومة ستستمر بتصريف الأعمال. ربما حلّ هذا اللغز يكمن في هذا النص الذي نجده في الرسالة والذي يعلن التالي: “رئيس حكومة تصريف الأعمال، المكلّف والممتنع عن التأليف، يرغب في عقد جلسات لمجلس الوزراء ورقابة مجلسكم منعدمة، مخالفاً مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق ومبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وهو من ركائز نظامنا الدستوري الديمقراطي البرلماني”. فهل يقصد رئيس الجمهورية أنه بتوقيعه على مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة يُمنع على مجلس الوزراء الانعقاد؟ في حال كانت هذه غايته لا بد من القول أنها غاية متناقضة إذ كيف يعقل القبول بقيام الحكومة عبر الوزراء بتصريف الأعمال ومن ثم رفض اجتماع مجلس الوزراء من أجل تصريف الأعمال عندما يتطلب الأمر ذلك، علما أن مجلس الوزراء في حال تمكنه من الانعقاد نظرا لاحتمال فقدان نصابه بمقاطعة جلساته، سيقوم بتصريف الأعمال وهو لن يمارس فعليا من صلاحيات رئيس الجمهورية سوى صلاحية إصدار المراسيم وهي صلاحية لا علاقة لها بتصريف الأعمال. فالموضوع يعتبر تصريفا للأعمال أو لا بغض النظر عن الشكل القانوني الذي يرتديه سواء صدر على شكل قرار من وزير أو قرار من مجلس الوزراء أو على شكل مرسوم. ثم كيف للرسالة أن تحذر من مخاطر الفراغ إلى حدّ التهويل لتعود وتضع خطوطا حمراء مثل منع الحكومة من الانعقاد ما من شأنه صناعة المزيد منه؟

في الختام، نلاحظ أن رسالة رئيس الجمهورية هي عبارة عن مجموعة من التناقضات الدستورية التي تهدف إلى تحقيق مصالح سياسية عبر تبني خطاب تهويلي وهي تنطلق من فهم مغلوط للدستور. ولا شك أن هذه الرسالة تبلغ ذروتها في نهايتها إذ تعلن بطريقة أقرب إلى الرؤية الأخروية أهمية الاستجابة لمطالب الرئيس من أجل ضرورات: “الإنقاذ من الأخطار التي تتهدّد لبنان وشعبه وميثاقه ودستوره وكيانه، والتخفيف من معاناة شعب لبنان الذي أولاكم سلطاته وسيادته – منذ أشهر قليلة، فتتحقّق من خلال مجلسكم الكريم الشراكة الوطنية وضرورات “ميثاق العيش المشترك الذي لا شرعيّة لأي سلطة تناقضه”، وأن يتّخذ مجلسكم الموقف أو الإجراء أو القرار اللازم تفادياً لهذا الأمر. ونشهد انّا بلّغنا.”

وهكذا يختم الرئيس الجمهورية رسالته وكأنه يختم عهده أيضا ملوّحا أن الانهيار الشامل هو النتيجة الحتمية لانتهاء ولايته إذ معها يصبح الكيان والميثاق في خطر شديد. فوحدها نهاية على هذا القدر من الدراماتيكية والبلاغة الخطابية تليق بنهاية ولاية الرئيس ميشال عون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني