المجلس الدستوري في خدمة نظام الفيتوات والمحاصصة: لا قرار في الطعن المقدم بقانون الانتخاب


2021-12-21    |   

المجلس الدستوري في خدمة نظام الفيتوات والمحاصصة: لا قرار في الطعن المقدم بقانون الانتخاب

ليس سقوط المجلس الدستوريّ مفاجئاً. كان يُفترض أن يكون الحصن الأخير لحماية الدستور لكنه أكد مرة جديدة أنه معرّض بفعل المحاصصة في تعيينات أعضائه للتدخّل والاستباحة وصولاً إلى التعطيل. لكن هذه المرة كانت الأمور أكثر علنية وفجاجة. فلم يكن مستغرباً ما تسرّب عن بعض الأعضاء بأنهم ينتظرون القرار السياسي ليعرفوا كيف يصوتون. أما تاريخ هذا البعض وسمعتهم التي يفترض أن تكون سبباً من أسباب تعيينهم في المجلس الدستوري، فلا قيمة لها أمام الولاءات السياسية. 

هكذا ببساطة كان المجلس الدستوري أمام خيارين: إما أن يكون بنداً من بنود صفقة مزعومة تردّد أنها تشمل قبول الطعن مقابل تشكيلات قضائية تترافق مع إزاحة المحقق العدلي طارق البيطار عن النظر في قضية المرفأ، ومن ثم عودة مجلس الوزراء إلى الالتئام، وإما أن يفشل في اتخاذ أي قرار في الطعن بفعل امتلاك رئيس المجلس النيابي نبيه برّي من خلال الأعضاء المقربين منه حق الفيتو في المجلس الدستوري. وإذ تردد أن الرئيس نجيب ميقاتي لم يسر بهذا الاتفاق، فقد كانت النتيجة خروج المجلس الدستوري في سابقة عدم القدرة على التوصل إلى قرار بالأغلبية، المحددة في قانون المجلس بسبعة أعضاء من أصل عشرة (نصاب الانعقاد ثمانية أعضاء). إذ أعلن رئيس المجلس طنّوس مشلب أنه “لم يتم التوصل إلى تأمين أكثرية سبعة أعضاء على جميع النقاط المطروحة، وبالتالي فإنَّ قانون الانتخاب ساري المفعول”. مشلب لم يتردد في تسخيف ما جرى، معتبراً أن “الموضوع مش حرزان لكلّ هالضجة ولا النتيجة بتستاهل كل هالضجة”، ليضيف: هذا الطعن لن يحل أزمة لبنان وستجري الانتخابات به أو بدونه. 

أصدق ما قاله مشلب ليس حكماً أنه “لم يطلب أحد منا أي شيء في السياسة والنقاش كان قانونيا”، بل اعتباره أن ما حصل هو سقطة للمجلس الدستوري. والسقطة هنا لا يبدو أن مفاعيلها ستنتهي بسهولة. فأي سقطة للمجلس الدستوري ليست قابلة للإصلاح أو الاستئناف، طالما أنه المرجعية الأولى والأخيرة لتحديد دستورية القوانين. 

اليوم، لم يكن النقاش القانوني هو المطروح. كان المجلس أمام الموافقة على الطعن كجزء من صفقة أو رفضه على نحو يجهض قدرته على اتخاذ قرار بفعل الفيتو السياسي. أي أن المجلس كان عليه أن يختار بين السيء والأسوأ. واللا قرار الحاصل في نهاية المطاف يشبه في عمقه النتيجة التي أسفر عنها تغيّب ثلاثة أعضاء في المجلس الدستوري السابق هرباً من قبول الطعن المقدم بقانون التمديد للمجلس النيابي في العام 2013. 

بالنتيجة، صار القانون المطعون به نافذاً، وسقطت دائرة الاغتراب المؤلفة من ستة نواب يمثلون مختلف القارات. وبالتالي، سيكون للمغتربين الحق بالتصويت في دوائر نفوسهم، لكن الأهمّ أن المجلس ترك الباب مفتوحاً أمام رئيس المجلس النيابي ليكرر فضيحة تحديد نصاب المجلس النيابي على أساس عدد أعضائه من غير المستقيلين والمتوفّين، خلافا للممارسات التي وثقتها المفكرة القانونية. 

وفي اتصال بالرئيس السابق للمجلس الدستوري عصام سليمان، أكد لنا أن المجلس كان يفترض به أن يلغي كل المواد التي لم يصوت عليها بأغلبية 65 نائباً، نظراً لوضوح النص الدستوري، لكن من دون أن يعني ذلك فتح المجال أمام تثبيت دائرة المغتربين. من وجهة نظره هذه المسألة مخالفة للدستور أيضاً، فالمادة 24 منه تشير إلى توزيع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الآتية: 

أ – بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. 

ب – نسبياً بين طوائف كل من الفئتين. 

ج – نسبياً بين المناطق.

وبالتالي فإن الفقرة ج تؤكد على النسبية بين المناطق، وبطبيعة الحال المناطق التي تشكل الجمهورية اللبنانية. وعليه، لا يجوز إضافة دوائر خارج الكيان اللبناني.

لو اعتمد هذا الخيار، لكانت تمت المواءمة بين السياسة والدستور، فقبل الطعن بمخالفة المادة 57 من الدستور، من دون أن يعني ذلك تشريع انتخاب ستة نواب يمثلون الخارج. لكن على ما يبدو فإن المطلوب كان أكثر من ذلك. المطلوب عدم كسر كلمة الرئيس نبيه بري، الذي قرر أن النصاب هو 59 نائباً.

صحيح أن المجلس الدستوري لم يثبّت هذه المخالفة بشكل نهائي لأنه لم يردّ الطعن، إلا أنه سجل سابقة عدم كبح السلطة التشريعية من مخالفة الدستور، بحجة الخلاف في الاجتهاد بين أعضائه. 

هذا يعني أن الرئيس نبيه بري سيكون قادراً على اعتماد النصاب نفسه متى يشاء معتمدا على قدرته في تعطيل المجلس الدستوري. 

وعليه، ما حصل اليوم يظهر أكثر من مرة خطورة المحاصصة بين قوى الحكم في تعيينات مجلس وُجد ليكون تحديدا رقيبا على هذه القوى. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم دستورية ، البرلمان ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني