الفيول الإيراني: الفرصة الأخيرة للحصول على الكهرباء؟


2022-09-15    |   

الفيول الإيراني: الفرصة الأخيرة للحصول على الكهرباء؟

منذ نحو شهرين كانت مسألة إمداد إيران لمعامل الكهرباء في لبنان بالفيول أشبه بمزحة. كان النائب جبران باسيل أول من طرحها علناً، بهدف الحثّ على تحريك ملفّ استقدام الغاز المصري والكهرباء الأردنية، الذي جُمّد بانتظار موافقة البنك الدولي على التمويل وموافقة أميركا على إعفاء هذه العقود من مفاعيل قانون قيصر، بعد أكثر من عام من المماطلة. عبر المنار، توجّه باسيل، في 22 تموز الماضي، إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله طالباً الحصول على الفيول مجاناً من إيران. كان باسيل واضحاً في إشارته إلى أن وضع الموضوع على نار حامية يمكن أن يُحرّك المياه الراكدة في ملف استقدام الغاز، وأن يؤدي إلى 10 ساعات تغذية يومياً، بغض النظر إن كان المصدر الفيول الإيراني أم العقد مع مصر والأردن، بانياً رأيه هذا على سابقة استقدام المازوت الإيراني ومسارعة السفيرة الأميركية إلى الإعلان عن دعمها لتوقيع عقد مع مصر والأردن. 

لكن ما حصل أن نصر الله لم يردّ الطلب. في 25 تموز، قال: أنا حاضر أن آتي بالفيول الإيراني لمعامل الكهرباء اللبنانية لكن فلتعلن الحكومة اللبنانية أنها جاهزة لاستقبال هذا الفيول. 

سريعًا بدأ الموضوع يأخذ منحًى رسميًا وجديًا، فأبدى وزير الطاقة وليد فيّاض ترحيبه بأيّ هبة تأتي من دولة صديقة في العالم، مُذكّراً أن المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية تشير إلى أن قبول الهبة يصدر بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء. وبالتوازي، راسل الوزير السفارة الإيرانية، من خلال مديرية النفط، موضّحًا حاجات المعامل اللبنانية.

ولأن أحداً لا يستطيع أن يُعلن رفضه حصول اللبنانيين على الكهرباء بأي طريقة كانت، خاصة في ظل العتمة شبه الشاملة التي يعاني منها منذ سنوات، لم يستطِع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفضه. لكن مقرّبين منه ذهبوا إلى التركيز على عدم مطابقة الفيول الإيراني للمواصفات المطلوبة في لبنان، قبل أن يعمد بنفسه إلى طرح الأمر. ومع لقائه السفير الإيراني الجديد مجتبى أماني، كرر ميقاتي السؤال: “هل هنالك فعلاً هبة؟ وهل لدى إيران المواصفات المطلوبة (بما فُسّر على أنه إصرار على مواصفات محدّدة يمكن في حالات أخرى التغاضي عنها)؟” فأتاه الجواب: “إن إيران ملتزمة بكلمة السيد حسن نصرالله، ولدى إيران أغلب المواصفات وإن لم تكن المواصفات التي يحتاجها لبنان موجودة فإيران مستعدة لتأمينها، مؤكّداً كذلك أنّ الهبة غير مشروطة”. بعد ذلك، دعا أماني إلى إرسال وفد فني رسمي للاتفاق على الحاجات اللبنانية. 

في هذا اللقاء، طلب ميقاتي أن يتواصل مع نظيره الإيراني للبحث بالأمر. ولأن لا رئيس وزراء في إيران اتفق على التواصل مع النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، وهو ما حدث فعلاً. فقد نسّق ميقاتي مع الرئيس نبيه بري المسألة، واتصلا لاحقاً بالمسؤول الإيراني من عين التينة، فأكد لهما أن إيران لن تألو جهداً في تقديم المساعدات إلى لبنان حكومة وشعباً. حينها فقط نفّذ ميقاتي وعده بتفويض فياض تشكيل وفد لزيارة طهران. وبالفعل، ما أن وصله التفويض حتى سارع وزير الطاقة إلى تشكيل الوفد برئاسة المديرة العامة للنفط أورور فغالي وعضوية مساعد المدير في منشآت النفط زاهر سليمان، مدير الإنتاج في كهرباء لبنان بشارة عطية، والإداري في المؤسسة محمد حجازي. 

في هذا الوقت، كانت بدأت تخرج أخبار تؤكد أن الجانب الأميركي أبدى عدم ممانعة في الحصول على الفيول الإيراني طالما أنّه على شكل هبة، حيث أعلن فياض أن نائب السفيرة الأميركية وكذلك الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين أبلغاه عدم ممانعة الولايات المتحدة، علماً أن السفيرة الأميركية سبق أن أبلغت فياض بأنّ القرار ليس لديه بل لدى مجلس الوزراء. 

بعد تشكيل الوفد بيومين، أي في 11 أيلول الحالي، زار السفير الإيراني وزير الطاقة بحضور أعضاء الوفد المكلّف زيارة إيران، حيث اتُفق على أن تكون الزيارة لمناقشة موضوع الهبة ونوعية الفيول والكميات. كما سيناقش الوفد مسألة بناء معامل كهرباء، عطفاً على تأكيد وزير خارجية إيران، أثناء زيارته إلى بيروت منذ نحو عام، استعداد الشركات الإيرانية لبناء معمليْ كهرباء بقدرة 1000 ميغاواط لكل منهما عن طريق Bot. كما سيناقش الوفد إمكانية مساعدة إيران على تطوير شبكة التوزيع. إلى ذلك، يُفترض أن تستلم وزارة الطاقة برنامج الزيارة من الجانب الإيراني خلال أيام، على أن يغادر أعضاء الوفد لبنان بعدها، حيث يُفترض أن يلتقوا وزيري الكهرباء والنفط، إضافة إلى مسؤولين آخرين.

من الواضح أن فياض، بعدما سدّت كل الطرق في وجهه، لم يعد يملك سوى المخرج الإيراني لإيجاد حلّ لمسألة الكهرباء. فهو بالرغم من حسمه مسألة رفع التعرفة إلا أنه يحتاج قبل ذلك إلى ما يضمن التشغيل لعشر ساعات يومياً على الأقل حتى يتمكن من الجباية على السعر الجديد، ومن ثم التمكّن من استيراد الفيول بعائدات الجباية. لذلك يرجّح أن يطلب لبنان نحو 500 ألف طن من الديزل أويل المخصصة لتشغيل معملي دير عمار والزهراني (800 ميغاواط) تكفي لنحو 5 إلى ستة أشهر (120 ألف طن شهرياً)، علماً أن هكذا كمية ستكون كلفتها ضخمة وتصل إلى نصف مليار دولار. أما في حال عدم توفّر الغاز أويل، فسيكون الحل بالحصول على الفيول أويل الصالح لتشغيل معمليْ الجيّة والزوق. لكن المشكلة أن المعملين لا ينتجان  أكثر من 270 ميغاواط، وهي كمية لن تكون قادرة على الوصول إلى الهدف المنشود، إذ بالكاد يمكنهما زيادة التغذية إلى ساعتين أو ثلاث يومياً. وإلى أن يتحقق ذلك، فإن لبنان سيبقى عملياً من دون كهرباء. حتى الساعتين اللتين كان يحصل عليهما السكان كمعدل يومي من التغذية لن يكون ممكناً، بعدما انخفضت قيمة الفيول الأسود العراقي، مقابل ارتفاع سعر الفيول المكرر عالمياً. فبعدما كان لبنان يستورد نحو 80 ألف طن من الفيول الأسود ويستبدلها بنحو 50 ألف طن من الفيول أويل، صارت الكمية نفسها اليوم تُستبدل بنحو 20 ألف طن فقط، وربما أقل. وعليه، فإن واقع التغذية اليوم قد يكون الأسوأ منذ سنتين. مؤسسة كهرباء لبنان تُنتج نحو 93 ميغاواط ساعة، 70 ميغاواط عبر المعامل المائية و23 ميغاواط عبر معمل الجية، فيما الحاجة تصل إلى 3000 ميغاواط. حيث تقتصر التغذية حالياً على القرى المحيطة بالمحطات المائية وعلى مطار بيروت وبعض محوّلات المياه، فيما تشهد بعض المناطق مدّها بالكهرباء لمدة 10 دقائق فقط خلال أيام.

كل ذلك يؤشر إلى أن “الحل” الإيراني قد يكون الفرصة الأخيرة للوصول إلى كهرباء. وهو حلّ يثق وزير الطاقة أن حظوظه تزداد، في ظل رغبة إيرانية بمساعدة لبنان، وعدم قدرة الأطراف الأخرى على عرقلة حاجة أساسية للناس. لكن مع ذلك، ثمة من ينتظر المطب الذي سيظهر في نهاية المطاف. هؤلاء يثقون أنّ عدم الممانعة إن كانت من ميقاتي أو من الأميركيين، ليست سوى خطوة تكتيكية مرتبطة بعدم القدرة على رفض أمر حيوي بالنسبة لكل اللبنانيين، مع الرهان على إحباطها في اللحظات الأخيرة إن لم تفشل لأسباب موضوعية تتعلق بالكميات أو المواصفات.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، سلطات إدارية ، قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني