العنف البوليسي في تونس والعدالة الغائبة


2022-04-06    |   

العنف البوليسي في تونس والعدالة الغائبة
من التظاهرة أمام المحكمة الابتدائية بولاية بن عروس (جنوب العاصمة) للمطالبة بتحقيق العدالة لعمر العبيدي، إ

خلف المتاريس الأمنية احتشد المئات من المتظاهرين أمام المحكمة الابتدائية بولاية بن عروس (جنوب العاصمة) للمطالبة بتحقيق العدالة لعمر العبيدي، إحدى ضحايا العنف البوليسي الذي لقي حتفه منذ أربع سنوات إثر مطاردة أمنية خارج الملعب الأولمبي برادس[1]. شارك في الوقفة الاحتجاجية مجموعات التشجيع الكروية المساندة لقضية عمر العبيدي. كما حضرها نشطاء من حملة “تعلم تعوم” (تعلّم السباحة) وعدد من الجمعيات ومنظمات حقوق الانسان، من ضمنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وجمعية النساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. 

انعقدت محاكمة عمر العبيدي تحت حضور أمني مكثف، رافقها منع العديد من المحتجين من الوصول أمام قاعة المحكمة. ولم تخلُ أيضا من المناوشات بين قوات البوليس ومجموعات التشجيع الكروية. وقد تزامنت المحاكمة التي انعقدت يوم 31 مارس مع مرور الذكرى الرابعة لوفاة عمر العبيدي. وفي هذا السياق، طالبت حملة “تعلّم عوم” وعدد من المنظمات والجمعيات بإقرار هذه الذكرى يوما وطنيا لمناهضة الإفلات من العقاب. واعتبرت عريضة إلكترونية مواطنية أطلقتها الحملة أن هذا المطلب يهدف إلى “التصدي للإفلات من العقاب وإن كان بخطوة رمزيّة قصد تحميل الدولة مسؤولياتها، وتخليدا لذكرى ضحايا جرائم البوليس وتذكيرا لأهم المبادئ التي جاءت بها ثورة الحرية والكرامة”.

ماء العدالة لعمر العبيدي

تزامنا مع محاكمة المتهمين في قضية عمر العبيدي، نظّمت “حملة تعلم عوم” حركة رمزية أطلقت عليها “ماء العدالة”. وتجسّدت هذه الحملة أساسا في تعبئة أوعية مياه (صنف 5 لتر) من وادي مليان بمنطقة بن عروس الذي غرق فيه عمر العبيدي، ثم وضع ملصقات على الأوعية تحمل صور عمر العبيدي وتطالب بتحقيق العدالة.

وبخصوص هذه الحركة الرمزية أفاد أيوب عمارة، الناطق الرسمي باسم الحملة، قائلا: “تزامنت الحركة الرمزية مع فترة انقطاع المياه في ولاية بن عروس. وكان المكان الوحيد الذي يوجد به ماء هو مكان وفاة عمر العبيدي (واد مليان). قمنا باستجلاب الماء من الوادي ووزّعناه على الأحياء الشعبية المجاورة. أردنا أن نقول بهذه الحركة الرمزية أن الوادي بصدد الاستغاثة تضامنا مع عمر العبيدي لأنه المكان الشاهد على الجريمة. أما العدالة ما زالت لم تتحقق بعد”.

تسببت هذه الحركة الرمزية في اعتقال أعضاء من حملة “تعلّم عوم”. هذا بالإضافة إلى توجيه استدعاءات أمنية لأربع صحفيين من أجل التصوير دون ترخيص. وفي هذا السياق قال المحامي التومي بن فرحات “إن الخطير في الأمر هو اشتراط التصوير في أي فضاء خارجي بترخيص من وزارة الداخلية أو من فوضت له وزارة الداخلية ذلك”.

الإفلات من العقاب ظاهرة مستمرة   

بدأت إجراءات التقاضي في ملف عمر العبيدي منذ أربع سنوات تقريبا. وقد قرّرت المحكمة الابتدائية ببن عروس في الآونة الأخيرة تأخير الجلسة إلى يوم 16 جوان 2022 من أجل المرافعات، كما رفضت المحكمة جميع مطالب هيئة الدفاع. ويُذكر أن هناك 14 عون أمن متهما في قضية عمر العبيدي، لم يحضروا الجلسات السابقة التي التأمت في 13 جانفي و17 فيفري الفارطين.

في هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم حملة تعلم عوم: “أربع سنوات والمتهمون الرئيسيّون في ملف عمر العبيدي في حالة سراح ويتمّتعون بالترقيات في مسارهم المهني ولم يتمّ ايقافهم عن العمل. ولم يتمّ إخضاعهم للبحث الإداري أو إحالتهم على مجالس التأديب. الإفلات من العقاب ثقافة محسوبة على القوات الحاملة للسلاح، وهناك على الأقل 12 ضحية جريمة قتل، كل المورطين فيها من أعوان الأمن وكلهم في حالة سراح”. 

من جهته، أوضح التومي بن فرحات، رئيس هيئة الدفاع في قضية عمر العبيدي، قائلا: “أصبح ملفّ عمر العبيدي رمزا للإفلات من العقاب. تمّ تمطيط الإجراءات وتمّت إحالة المتهمين بنصوص ضعيفة لا ترتقي إلى مستوى الجريمة، التي ما زلنا مصرّين على أنها جريمة قتل عمد نظرا لمعطيات ووقائع الملف”. وأضاف بن فرحات: “ما أن يتمّ إيقاف أمنيّين، حتى يتم الضغط على القضاء من أجل إطلاق سراحهم. في الملفات التي يُدان فيها أعوان الأمن لا يكون مسار التقاضي عاديا. والنقابات الأمنية لعبت دورا كبيرا في هذا الضغط عبر تطويق مقرات المحاكم بالسيارات الأمنيّة من أجل إطلاق سراح زملائهم”.

العنف البوليسي وإنكار جرائم التعذيب وسوء المعاملة

جلبت قضية عمر العبيدي إليها صور ضحايا آخرين، لقوا حتفهم في مراكز الاحتجاز أو تعرضوا إلى سوء المعاملة من قبل قوات البوليس، لكنهم لم يجدوا سبيلهم إلى تحقيق العدالة. في هذا السياق، نشرتْ منظمة العفو الدولية في فترة سابقة وقائع وشهادات توثّق انتهاكات أمنية وقعت ضد مواطنين تونسيين. وقد أبرزت الشهادات المذكورة أشكالا مختلفة للعنف البوليسي: “استخدام قوات الأمن القوة غير الضرورية والمفرطة. استهداف أعوان الأمن شبّانا عقب فعاليات رياضية بشكل خاص بهجمات أدت إلى إصابات خطيرة ترقى إلى مرتبة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة وربما التعذيب. مخالفات أحاطت بالتحقيقات في انتهاكات أعوان الأمن بما يتضمن فقد تقارير طبية وحرمان ضحايا استخدام القوة المفرطة أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة من الرعاية الطبية أو التأخر المتعمد في توفيرها لهم”. وقد لاحظ التقرير ذاته أن الأغلبية الساحقة من التحقيقات بشأن أعوان الأمن قلما اجتازت مرحلة قاضي التحقيق ولم تفضِ إلى الإجراءات اللازمة لمقاضاة الجناة.

من جهتها نشرت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب شهادات توثق اعتداءات ارتكبتها قوات البوليس ضد مواطنين تونسيين تحت عنوان “إلى متى؟”. وهناك بعض الاعتداءات وقع توثيقها بالفيديو والصور. وقد تعددت مظاهر الانتهاكات في الشهادات المذكورة بين الاحتجاز غير القانوني والتعذيب من أجل اقتلاع اعترافات وإهمال طبي نجمت عنه حالة وفاة وخطف واعتداء بسبب الدفاع عن حقوق الإنسان.  


[1] للوقوف أكثر على تفاصيل ملف عمر العبيدي، انظر المفكرة القانونية: أميمة مهدي. حملة “تعلم عوم” في مواجهة النقابات الأمنيّة: “يا القاضي طالبين الحقّ، ملّينا الكلام الفاضي”
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني