الضمان الاجتماعيّ: سياسة الترقيع لا تمنع خطر الانهيار


2023-09-12    |   

الضمان الاجتماعيّ: سياسة الترقيع لا تمنع خطر الانهيار
رسم رائد شرف

كان الضمان الاجتماعي حتى الأمس القريب الضمانة الوحيدة لذوي الدخل المحدود. كلّ من يضطرّ إلى الدخول إلى المستشفى يدرك أنّ الصندوق سيتكفّل بما بين 85 إلى 100% من كلفة الاستشفاء والأمر نفسه يحصل في حالة الطبابة. الضمان يدفع نسبة كبيرة من أجرة الطبيب ونسبة كبيرة تصل إلى 80% من كلفة الدواء. المضمون يُدرك أيضًا أنّه عندما يصل إلى سنّ التقاعد سيكون له تعويض نهاية خدمة قادر على إعالته لفترة من الزمن. 

هذا لا يعني أنّ الأمور كانت وردية. الفساد كان ينخر جسد الضمان إلى جانب المحسوبية والتواطؤ اللذين لطالما شكّلا تهديدًا لاستمراريّته. كذلك، فإنّ البيروقراطية مقترنة بفوضى إدارية عارمة ساهمت في جعله رعبًا للكثير من أصحاب الحقوق. بين الزحمة والتأخير الذي قد يمتدّ سنوات للحصول على تعويضات، لم تبحث إدارة الضمان عن وسيلة للتخفيف عن كاهل المضمونين مشقّة المطالبة بحقوقهم. لكن بقي الأمر واضحًا للجميع: في البلد ضمان اجتماعي، على علّاته، يمكن أن يكون السند عند الملمّات. 

منذ نهاية العام 2019، انقلبتْ الدنيا رأسًا على عقب. والضمان لم يكن ليسلم من الانهيار الذي طال القطاع المصرفي. فصار السند بحاجة لمن يسنده. أمواله، وهي في الأصل أموال المضمونين، تبخّرت بعدما فقدت قيمتها، فتحوّل الأمان إلى كابوس، بخاصة أنّ أموال الضمان المقدّرة بـ 12 ألف مليار ليرة (بما فيها تعويضات نهاية الخدمة) في معظمها موجودة في المصارف بالليرة اللبنانية. والدولة التي لم تكن تدفع متوجّباتها للضمان والمقدّرة بـ 3000 مليار ليرة، لم تكتفِ بذلك بل فرضت على الصندوق الاستثمار في سندات الخزينة بالليرة وبفوائد تقارب الصفر عندما كان السياسيون وكبار المودعين يحصلون على 17% فائدة. وبينما كان الانهيار يتجذّر، حوّلتْ إدارة الضمان القليل من الأموال إلى الدولار، ليكون مجموعها، إضافة إلى ما كان يملكه أصلًا، 300 مليون دولار بالعملة الأجنبية. لكن هذا المبلغ كما غيره حُجز في المصارف ولا يزال… ولم تعترض إدارة الضمان، كما لم يهتمّ أيّ من المسؤولين السياسيّين الذين ظلّ همّهم الطاغي تهريب أموالهم الشخصية. 

في تقرير الوضع المالي، قوّم الصندوق المبلغ على سعر الصرف الرسميّ ما يعني التخلّي عن المطالبة به كمبلغ “فريش”. وقد ترافق ذلك مع تدهور التقديمات وانهيار قيمة التعويضات وانتشار المآسي التي تطال المضمونين. حتى بات طبيعيًا أن ينام مضمون مصاب بمرض مزمن بلا دواء وألّا يتمكّن مريض من الدخول إلى المستشفى لإجراء عملية. وحتى مرضى غسيل الكلى الذين كان يتكفّل الضمان بـ 100% من كلفة علاجهم تُركوا لمصيرهم بسبب الفروقات الكبيرة بين كلفة العلاج وبين ما يدفعه الضمان. يجزم موظف مسؤول في الضمان أنّه لو أجريَتْ دراسة مستقلّة على أوضاع المضمونين بعد انهيار التقديمات لظهّرت أرقامًا صادمة عن عدد الوفيات. 

ببساطة كان كل شيء يدلّ على أنّ مؤسسة الضمان انتهت: مخاطرة بحياة مليون و400 ألف مضمون أغلبهم غير قادر على الحصول على الخدمات الصحية والاستشفائية من مصادر أخرى. لكن بالتوازي، بدا لافتًا تباهي إدارة الضمان بتحقيق فوائض مالية غير واقعية نتجتْ عن الانخفاض الشديد في قيمة التعويضات مقابل زيادة طفيفة في الاشتراكات. 

الأدوية المزمنة ترتفع 14 ضعفًا

أمام هذا الواقع ولوقف النزيف، يقول رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله إنه كان ينبغي على إدارة الضمان الاستنفار واتخاذ قرارات تحدّ من الانهيار وتساهم في حصر الأضرار على المضمونين، وعلى الضمان نفسه. لكن الأخيرة لم تفعل شيئًا. وبالرغم من تعديل الاشتراكات، لم تتغيّر التقديمات. فبقي الدواء مسعّرًا على سعر 1500 ليرة للدولار وكذلك لم تتغيّر تعرفة معاينة الأطباء ولا كلفة الاستشفاء، حتى صحّ القول إنّ هذه التعرفات تعود إلى زمن آخر. على سبيل المثال: الدواء الذي كان سعره 75 ألف ليرة أي ما يعادل 50 دولارًا يدفع منها الضمان 85% ارتفع سعره اليوم إلى نحو 4 ملايين ليرة لكن الضمان لم يحرّك ساكنًا فلا عدّل الأسعار ولا عدّل نسبة المساهمة. لتكون النتيجة استمراره في دفع الـ 85% على أساس السعر القديم، أي ما يعادل 67 ألف ليرة عن الدواء بما يقارب 1.5% من قيمته. حتى التسعيرة التي تصدرها وزارة الصحة، وهي للمناسبة مخالفة للقانون إذ يفترض أن تكون هذه المهمة منوطة بالوكالة الوطنية للدواء التي لم تشكّل حتى اليوم، لم يعد الضمان يعتمدها بعدما كان يلتزم بها كما هي. فبعد الأزمة، جمّد الضمان اللائحة القديمة، قبل أن يعمد إلى زيادة لا تُذكر (ضعفان ونصف على أدوية الأمراض المزمنة)، لم تُحفّز المضمونين على السعي إلى الحصول عليها لكونها لا تعوّض حتى كلفة البنزين. الزيادة الفعلية الأولى والأخيرة أعلن عنها في حزيران الماضي وتمثّلت في زيادة تسعيرة الضمان القديمة 15 ضعفًا بالنسبة لأدوية الجينيريك و12 ضعفًا بالنسبة لأدوية “البراند”. لكن كما في السابق، طالتْ هذه الزيادة أدوية الأمراض المزمنة حصرًا، والتي بلغ عددها 600 دواء من أصل 3000 دواء مسجل في لوائح الضمان، ما يعني بقاء نحو 2500 دواء على الأسعار القديمة من دون أي تعديل. علمًا أنّ مصدرًا في الضمان يرفض الكشف عن اسمه يعتبر أنّه كان بإمكان الضمان، أسوة بأغلب الهيئات الضامنة في العالم، تخفيض عدد الأدوية المعترف بها من 3000 إلى 500 على سبيل المثال، بحيث تغطي هذه الأدوية المتنوعة التي يمكن أن يكون أغلبها جينيريك، كل الأمراض، على أن يترك الخيار للمضمون إذا ما أراد دفع ثمن دواء من خارج اللائحة. 

يقرّ المدير العام للضمان محمد كركي أنّ ربط بعض التقديمات بإقرار مجلس الوزراء تعديل السقف الخاضع للاشتراكات من الدخل، أحدث إرباكًا لدى المضمونين ظنًّا منهم أنّ الأدوية مشمولة بقرار الربط، الذي شمل مساهمة الضمان في الأعمال الطبية والاستشفائية داخل المستشفى وخارجها، إضافة إلى كلفة زيارة الأطباء. 

الضمان يغطّي 30% من كلفة الاستشفاء

في المستشفيات كانت الفضيحة أكبر. أغلب المستشفيات لا تستقبل مرضى الضمان إلّا إذا دفعوا مبالغ نقدية على الحساب. فالضمان الذي كان يوقّع مع المستشفيات اتفاقات لتحديد الأكلاف، توقّف عن ذلك بعد انهيار العملة. جلّ ما فعلهُ أنّه زاد تعرفة الاستشفاء 3 أضعاف ثم 10 أضعاف بدءًا من الأوّل من أيلول الجاري، بغضّ النظر عن الزيادة الضخمة التي طرأتْ على تعرفة المستشفيات ومن دون أنْ يضع لوائح جديدة للأسعار. علمًا أنّ حسبة بسيطة تشير إلى أنّه طالما أنّ السبب الأساسي لرفع الأسعار كان انهيار سعر الصرف، فإنّ العشرة أضعاف توازي رفع سعر الدولار من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة، في حين أنّ السعر الفعلي للدولار الذي على أساسه تُحدّد المستشفيات تكلفة الاستشفاء هو 90 ألف ليرة، أي أنّ التعرفة توازي 60 ضعف التعرفة السابقة. هذا الفارق مسؤول عنه المريض وحده. يقول رئيس نقابة موظفي الضمان حسن حوماني إنّ المضمونين، ومنهم موظّفي الضمان أنفسهم، حوصروا بين خيارين: إمّا الموت على أبواب المستشفيات أو بيع ما يمكن بيعه لتغطية كلفة عملية طارئة. والأمر نفسه يحصل مع أدوية الأمراض المزمنة. ويضيف: “أغلب الزملاء توقف عن شراء الدواء معرّضًا حياته للخطر”.

مليون ليرة تعرفة معاينة الطبيب

القرارات الصادرة في 7 حزيران 2023 لم تتطرّق إلى الأدوية فقط بل طالتْ أيضًا تعرفات الأعمال الطبية والاستشفائية في فرع ضمان المرض والأمومة. واستنادًا إلى اقتراح اللجنة الطبية الاستشارية زيدت التعرفات داخل المستشفى وخارجها 3.4 مرّات “نتيجة تحسّن مالية الصندوق بسبب زيادة الاشتراكات”. إلّا أنّ هذه الزيادة الهزيلة، بخلاف الأدوية، لم تطبّق مباشرة بل ربطت بنشر مرسوم زيادة السقف الخاضع للاشتراكات في فرع المرض والأمومة إلى 18 مليون ليرة (جزء من الراتب يُدفع الاشتراك على أساسه). وهذا المبلغ كان حُدّد قبيل الأزمة بـ 2.5 مليون ليرة يدفع منه 11% كاشتراك (8% على صاحب العمل و3% على الأجير). بعد الأزمة كان يفترض زيادة الجزء الخاضع للاشتراك أو فرض تسديد الاشتراك عن قيمة الأجر كاملًا أو حتى زيادة الاشتراكات. لكنّ المبلغ الخاضع للاشتراك رفع إلى 5.6 مليون ليرة أولًا، وفي 18/8/2023 رفع مجلس الوزراء الحد الأقصى للكسب الخاضع للحسومات لفرع الضمان والأمومة ليصبح 216 مليون ليرة سنويًا أي ما يعادل 18 مليون ليرة شهريًا. وهو مبلغ غير منصف لذوي الدخل المحدود ولا يميّز بينهم وبين من يتقاضى أجورًا عالية.

اللافت أنّ تعديل الاشتراكات لم يطل الأطباء على سبيل المثال فهؤلاء كانوا يدفعون مبلغًا مقطوعًا بقيمة 99 ألف ليرة شهريًا بسبب تحديد الكسب الخاضع للاشتراك لديهم بـ 1.1 مليون ليرة شهريًا وهو مبلغ لم يتمّ تعديله حتى اليوم. ويسجّل سابقة في تاريخ الضمان إذ لم يسبق أن كان الكسب الخاضع للاشتراك أدنى من الحد الأدنى الذي صار محددًا بـ 9 ملايين ليرة. لكن كركي يؤكد أنّ هذا الأمر يحتاج إلى موافقة مجلس الإدارة وهو لم يبتّ به بعد، أسوة بالتعويضات العائلية التي لم يطرأ عليها أي تعديل، بسبب عدم بتّ المجلس في اقتراح المدير العام زيادة التعويضات عشرة أضعاف بحيث تصبح 600 ألف ليرة للزوجة و333 ألف ليرة للولد. 

مع ذلك، فقد فتح هذا المرسوم الطريق أمام تنفيذ قرار رفع التعرفات الذي أقرّه كركي الذي يقول إنّ التوقعات تشير إلى تحصيل نحو 8000 مليار ليرة من الاشتراكات. وهذا المبلغ تمّ توزيعه بين تغطية مرضى غسيل الكلى بنسبة 100% وبين الزيادات على الأعمال الطبية والاستشفاء. كما أبلغ “المفكرة” عن توقيعه 150 قرارًا موجّهًا إلى كلّ مستشفيات لبنان بوجوب الالتزام بالتسعيرة الجديدة. لا ينكر المدير العام للضمان أنّ الزيادة لا تزال أدنى بكثير مما يدفع المضمون في المستشفيات لكنه يقول إنّ المساهمة تحدّد بالتناسب مع العائدات، مؤكدًا أنّ كلّ العائدات الإضافية للضمان ستنعكس تقديمات للمضمونين. بالنتيجة، تشير تقديرات كركي إلى أنّ الضمان سيغطي 30 إلى 40% من كلفة الاستشفاء من دون المستلزمات الطبية التي تتقاضى المستشفيات ثمنها بالدولار من المريض، بعدما كانت تقتصر على ما دون 10%. لكن كركي لا ينكر أنّ الضمان لا يزال بعيدًا عن تقديماته السابقة، معلّلًا ذلك بعدم زيادة عائدات الضمان أكثر من 10 أضعاف بالمقارنة مع زيادة التعرفات 60 ضعفًا. وعليه، يدعو كركي إلى رفع الجزء الخاضع للاشتراكات من الراتب مجددًا أو إلغاء هذا التمييز بحيث يكون الراتب كلّه خاصعًا للاشتراكات. علمًا أنّ كركي أصدر قرارًا في 6 أيلول 2023 عدّل بموجبه تعرفة معاينة الطبيب خارج المستشفى، فبعدما كانت محدّدة في قرار حزيران بـ 450 ألفًا للاختصاصي و300 ألف للطبيب العام، صارت مليون ليرة للطبيب الاختصاصي و650 ألف ليرة للطبيب العام (20 ضعف التعرفة القديمة)، على أن يدفع منها الضمان 80% كما جرت العادة. وهو ما يتوقع أن يساهم في عودة المضمونين إلى تحصيل التعويضات عن الأعمال الطبية التي يخضعون لها. 

تعويض نهاية الخدمة يتبخّر أيضًا

تعويض نهاية الخدمة بدوره تبخّرت قيمته. وهذا لا يعود حصرًا إلى انهيار قيمة الليرة بل إلى سوء الإدارة أيضاً. محاولة وحيدة قام بها المدير العام للضمان محمد كركي تمثلت في الطلب إلى مصرف لبنان دفع التعويضات على سعر 3900 ليرة لكن المصرف لم يستجب، فسلّمت إدارة الضمان بالأمر الواقع بدلًا من السعي إلى الحلول من الداخل، أي تطبيق قانون الضمان. ببساطة يؤكد مدير في الضمان طلب عدم الكشف عن اسمه أنّ الحل لا يكون بتحسين قيمة التعويض نفسه طالما أنّ الشركات لا تصرّح عن الرواتب الفعليّة بتغطية من مجلس الإدارة. يذكّر المصدر أنّ التعويض يُقبض على أساس آخر راتب حصل عليه المضمون. بمعنى آخر، إذا ارتفع راتب موظف من 3 ملايين ليرة على سبيل المثال إلى 50 مليون ليرة مؤخرًا، يفترض أن يحتسب التعويض على أساس الـ 50 مليون ليرة. أي بعد 20 سنة من الخدمة يحقّ للموظف، في حال بقي في وظيفة واحدة، الحصول على تعويض تقاعدي يساوي 50 مليونًا ضرب 20 سنة أي مليار ليرة. لكن لأنّ الضمان يدفع التعويض من الاشتراكات التي يدفعها صاحب العمل ينشأ ما يسمّى “التسويات” وهي الفارق بين المبلغ المتراكم من الاشتراكات والتعويض المستحق للعامل عند إحالته إلى التقاعد. ولمّا كان الفارق كبيرًا بين الرواتب السابقة للراتب الأخير بسبب انهيار سعر الصرف فقد صارت التسويات التي يدفعها صاحب العمل، تضمّ مبالغ كبيرة. وبالرغم من أنّ هذا الفارق هو بالليرة أي أنّه لا يشكّل مبلغًا ضخمًا بالدولار، فقد ثارت الهيئات الممثلة لأصحاب العمل (المسماة الهيئات الاقتصادية)، رافضة تسجيل الرواتب الفعلية خلافًا للقانون، لتسجّل أغلب الرواتب في الضمان بمبالغ قريبة من الحدّ الأدنى الجديد أي 9 ملايين ليرة. 

أما في ما يتعلّق بالرواتب بالدولار، فبالرغم من تعامل الضمان مع الرواتب كقيمة، إلّا أنّ أحدًا لم يهتمّ بالقيمة التي يوازيها الراتب بالدولار. وهكذا بدلًا من احتساب هذه الرواتب على سعر منصّة “صيرفة” على الأقل، احتسبت الرواتب على سعر 1500 ليرة (كان سعر “صيرفة” في ذلك الحين، أي في العام 2020، يساوي 18000 ليرة)، بعد الحصول على استشارة من هيئة الاستشارات والتشريع تؤكّد صحّة ذلك والأمر نفسه حصل في ديوان المحاسبة. وبقي الأمر على ما هو عليه حتى عدّل السعر الرسمي لليرة، فاحتسب الاشتراك علر سعر 15000 للدولار. ويقود ذلك التلكّؤ والتواطؤ بين إدارة الضمان وأصحاب العمل إلى حصول من يقضي عمره موظفًا على ما لا يزيد عن 1000 دولار بالحدّ الأقصى.

يؤكد المدير العام للضمان محمد كركي أنّ هنالك غبنًا كبيرًا يتعرّض له المتقاعدون، مشيرًا إلى أنّه لمواجهة هذا الغبن أجرى الضمان دراسة تفصيلية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية. تمحورت الدراسة حول وضع مشروع تحويل تعويض نهاية الخدمة إلى راتب تقاعدي. وقد حوّله كركي بعد إنجازه إلى مجلس الإدارة الذي لم يبتّ به حتى اليوم، بالرغم من أنّ الاتحاد العمالي العام كان أبرز داعميه وأنّ الهيئات الممثلة لأصحاب العمل وافقت عليه بعدما قدّمت لهم حوافز عديدة منها إمكانية تقسيط التسويات. لكن يخشى كركي أن يكون الملف قد أقفل لأسباب سياسية، ما يضع المتقاعدين مجدّدًا أمام خيارات مؤلمة بسبب تبخّر قيمة تعويضاتهم، علمًا أنّ المشروع كان يستهدف كلّ من أحيل ويُحال إلى التقاعد منذ بداية العام 2022 وحتى نهاية العام 2026. 

تضامن المضمونين لحماية الضمان

كلّ ما سبق يحصل بمعيّة أصحاب العمل. هؤلاء ومن يدعمهم في مجلس الإدارة لا مصلحة لهم بإعادة تعويم الضمان. باختصار مخطّط ضرب الضمان لمصلحة شركات التأمين لم يتوقف يومًا وهو اليوم يزداد رسوخًا. هذا ما يردّده حوماني ومدراء في الضمان وكذلك يبدي كركي خشيته منه. المشكلة أنّه إن وجد هذا المخطط أو لم يخرج عن إطار التمنيات بالنسبة للبعض، فقد بدأ يتحقّق فعلًا على ما يؤكد حوماني، مشيرًا إلى أنّ أغلب المؤسسات وقّعت عقودًا مع شركات التأمين الخاصة. حتى “كهرباء لبنان” و”أوجيرو” فعلتا ذلك. وكل موظف في الضمان يستطيع تحمّل كلفة التأمين، فعل ذلك. ليخلص إلى أنّ المُستهدف الأوّل والأخير هي ديمومة المؤسسة، التي يحوّلونها إلى لزوم ما لا يلزم. 

يدرك حوماني أنه إذا لم يتكاتف المضمونون جميعًا وليس الموظفون فقط فلن يسأل أحد عن حقوقهم. فالتعويضات والتقديمات كلها مُجمّدة بفعل العناد في مجلس الإدارة. وهم يرفضون تسيير أمور الضمان بحجج مختلفة. أما بالنسبة للإضراب، فالموظفون مستمرّون به وهم يستثنون منه يومي الثلاثاء والأربعاء في مسعى منهم لتلبية حاجات المضمونين قدر الإمكان وبما يتيسّر، بخاصّة أنّ الكهرباء تكون غالبًا غير متوفرة وإن توفّرت فالورق أو الحبر قد لا يتوفّران. تصعيد الإضراب ممكن بالنسبة لحوماني لكنه لن يشمل التوقّف تمامًا عن العمل. فهذا أمر يتمنّاه أصحاب العمل على حدّ قوله وينتظرونه إذ يلتغي حينها موجب براءة الذمّة التي يتعيّن على كل مؤسسة تأمينه سنويًا لتتمكّن من الاستيراد. لكن مع ذلك، فإنّ سطوة أصحاب العمل تتخطّى مجلس إدارة الصندوق لتصل إلى مجلس الوزراء. وهذا ما تجلّى في القرار الصادر عن مجلس الوزراء في تاريخ 7 أيلول 2023 بتمديد مفعول براءات الذمة الصادرة عن الصندوق لمدة ثلاثة أشهر. وفيما لم يعلّل المجلس قراره، فقد بدا واضحًا أنّ هذا القرار سيسمح لأصحاب العمل بتأخير دفع مستحقات الضمان علمًا أنّ من شأن كل يوم تأخير أن يفقدها من قيمتها وبخاصّة في حال استمرّ انهيار العملة الوطنية. 

وفي اليوم التالي من صدور هذا القرار، أصدر الاتّحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان بيانًا حذّر فيه من هذه الخطوة التي تحرم الضمان من 4000 مليار ليرة كانت ستُساهم في طبابة المضمونين. وسأل الاتّحاد الوزراء: “هل سياساتكم بعدم تفعيل مجلس إدارة الضمان الاجتماعي وتقاسم ولعب الأدوار فيه حتى تصلوا اليوم إلى هذه البدعة لتكون المخرج لتآمركم على الضمان الاجتماعي؟” وأضاف: “ما زلتم مستمرّين بقرار سرقة أموال الضمان والمضمونين كما كان واردًا في موازنة 2023 بشطب أكثر من 3000 مليار من المتوجّبات عليكم؟” وقد طالب الاتحاد الحكومة بالعودة عن هذا القرار، مذكّرًا أنّه تقدّم بعشرات الشكاوى على الشركات والمؤسسات التي لم تقمْ بواجباتها بدءًا من التصريح عن العمّال وصولًا إلى عدم التصريح عن كامل الأجور إضافةً إلى الشركات والمؤسسات المكتومة وغير المُصرّح عنها للضمان. 

وأخيرًا، أكد الاتّحاد وقوفه إلى جانب تفعيل دور الضمان ودعمه بدل تدميره، معلنًا أنّه سيتمّ الطعن بالقرار، بعد دراسته وتمحيصه قانونيًا، أمام مجلس شورى الدولة.

نشر هذا المقال في العدد 70 من مجلة المفكرة القانونية- لبنان

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، قرارات إدارية ، الحق في الصحة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني