الصندوق “السيادي” يقونِن الاعتداء على الأملاك العامة 


2022-06-10    |   

الصندوق “السيادي” يقونِن الاعتداء على الأملاك العامة 

عمدت الحكومات المتعاقبة على لبنان، أقلّه منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى تضخيم مفهوم الملكيّة الخاصة على حساب العامّة، وإلى تهميش المفاهيم المرتبطة بالمساحات العامة والمشتركة … ولعلّ المثل الأكثر دلالة على ذلك هو الاعتداءات على الأملاك البحرية التي أفقدت المواطنين حقّهم في الوصول إلى الشاطئ بشكل متساو، وحرمت مناطق عديدة من مشاريع اقتصادية كانت لتعود بالنفع على شريحة كبيرة من المواطنين وباتت اليوم محصورة بفئة صغيرة استملكت هذا الشاطئ بشكل غير قانوني.

واليوم وفي ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي تحاول السلطة قضم ما تبقّى من الأملاك العامة وهذه المرّة ليس عبر مراسيم استثنائيّة أو قرارات مؤقّتة، أو بشكل مخالف تساهم في خلقه ومن ثمّ تتراخى عن معالجته، بل عبر الترويج لصندوق تسمّيه “سيادياً” وتروّج له تحت شعار شعبوي تضليلي وهو إعادة أموال المودعين، على حدّ تعبير الصحافي الاقتصادي محمد زبيب، ولكنه في الواقع “صندوق لنهب ثروات الأجيال المقبلة، ولا علاقة له لا بسيادة ولا بحفظ ثروات”، بحسب المدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونية” نزار صاغية. 

كلام زبيب وصاغية جاء خلال ندوة نظّمتها نقابة المهندسين في بيروت شاركت فيها أيضاً المهندسة عبير سقوق المديرة المُشاركة في استوديو أشغال عامّة وبحضور النقيب عارف ياسين تحت عنوان “أراضي وأصول الدولة ملك المجتمع، كيف نحافظ عليها؟”. وهي جزء من سلسلة ندوات ومحاضرات تعتزم النقابة تنظيمها إيماناً منها بدورها في المواجهة “التي يجب أن تستمر بكل الوسائل الممكنة”، حسب ياسين، ضدّ السياسات الاقتصادية التي أوصلت البلد إلى الانهيار وتحاول السلطة اليوم استكمالها عبر مدّ اليد إلى أصول الدولة.

الصندوق ليس “سيادياً” ولن يردّ أموال المودعين

صحيح أنّ الحديث عن “الصندوق السيادي” يأتي استكمالاً للسياسات التي انتهجتها السلطة لقضم الأملاك العامة إلّا أنّ “الطرح الجدي لهذا الصندوق كان في أيّار 2020  عبر وثيقة صدرت عن جمعية المصارف تحت عنوان” مساهمة جمعية المصارف بخطة الحكومة للتعافي المالي”، وعلى خلاف عنوانها لم تهدف هذه الوثيقة إلى المساهمة في خطة التعافي بل إلى أمرين اثنين حسب ما يرى الصحافي محمد زبيب وهما على حدّ تعبيره “إسقاط خطة التعافي التي كانت أقرّتها حينها حكومة حسان دياب، والثاني مساهمة الدولة في إنقاذ المصارف وبالتالي منع إعلان إفلاسها”، إلّا أنّ هذه الوثيقة لم تستخدم تعبير “الصندوق السيادي” بل “صندوق حكومي لتخفيف الديون”، وهي الوثيقة الوحيدة التي تضمنت إجراءات محدّدة إذ إنّه وعلى الرغم من الحديث المستمر عن الصندوق السيادي لا توجد وثيقة أخرى تبيّن كيف يمكن للصندوق إعادة أموال المودعين، حسب زبيب.

وفي حين يذكّر زبيب بما قاله نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعادة الشامي من أنّ الصندوق يحتاج إلى 70 عاماً لإعادة أموال المودعين، وهو أي الشامي من المفترض أن يكون الشخص الأكثر اطّلاعاً على هذا الصندوق، يشرح (زبيب) أنّه إذا ما اعتمدنا على وثيقة جمعية المصارف باعتبارها الوثيقة الوحيدة المتاحة حول الصندوق يتبيّن أنّ هذا الصندوق يحتاج إلى 200 عام لإعادة أموال المودعين وليس 70 فقط.

ويشرح زبيب أنّ الوثيقة تتحدّث عن مساهمة الحكومة بهذا الصندوق من خلال الأصول العامة بقيمة 40 مليار دولار (مع العلم أنّ هناك خلافاً إن كان لبنان يملك أصلاً أصولاً تقدّر بـ 40 مليار دولار، حيث يقدّرها البعض بـ 12 مليار والبعض الآخر بـ 7 مليارات)، ويصدر الصندوق، حسب الوثيقة، أوراقاً مالية مضمونة مدرّة للفائدة وطويلة الأجل يحملها مصرف لبنان مقابل تسوية دين الحكومة لمصرف لبنان بشكل نهائي، ما يعني عملياً تنازل مصرف لبنان للصندوق الحكومي عن كامل محفظة سندات الدين ويشطبها بمقابل الأصول التي ساهمت فيها بالصندوق.

ويضيف زبيب بأنّه إذا “صدقنا ما جاء في وثيقة جمعية المصارف وتناسينا دقة المبلغ الذي وضعته (40 مليار دولار) واعتمدنا السيناريو الذي وضعته في الوثيقة، وإذا احتسبنا القيمة الفعلية للدين، نستطيع التوصّل إلى نتيجة مفادها أنّ هذه الحفلة لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بإعادة ودائع الناس” وذلك انطلاقاً من الحقيقة التي تقول إنّ قيمة دين الدولة لمصرف لبنان بالدولار 5 مليارات دولار فقط، أمّا بقيّة الدين فهو بالليرة اللبنانية وقيمته اليوم 60 تريليون ليرة، وإذا احتسبناه على سعر صرف السوق السوداء أي 28 ألف ليرة حالياً فيساوي ملياري دولار. أي أنّ دين الدولة على المصرف هو 7 مليارات (5 +2)، وإذا احتسبنا قيمة الفائدة عليها بمعدلات الفائدة التي كانت سائدة في السابق 7% يصبح المبلغ 450 مليون دولار سنوياً كعوائد للصندوق الذي من المفترض أنّ يتمّ على أساسه إعادة أموال المودعين بالعملة الأجنبيّة المفقودة في المصارف والمقدّرة بـ 100 مليار دولارـ أي أنّنا في حسبة صغيرة نحتاج إلى 200 سنة لإعادة الودائع.

وانطلاقا ممّا تقدّم، يعتبر زبيب أنّ الوظيفة الوحيدة لإنشاء الصندوق في ضوء إفلاس المصارف (غير المعلن) هي تعويض أصحاب المصارف “الأقوياء بشكل خيالي” عن ما يعتبرونه خسارة رساميلهم من خلال استخدام أصول وإيرادات عامة يتم استخدامها لإعادة رسملة المصارف على المدى المتوسط والبعيد، وبالتالي العودة إلى التحكّم بالجهاز المصرفي والتحكّم برقاب الناس والقول ما مضى مضى، ومن يطالب بوديعته يُقال له “إلك دين عنا منشوف إذا بالحياة التانية منرجّعه”.

ويلفت زبيب خلال حديثه إلى أنّ الوثيقة حدّدت ماذا تقصد بالأصول العامة فتقول: “تشمل الأصول العامة بعض أو مجموع الأسهم في شركات تملكها الدولة.. وأراضي عامة وأصول عقارية وحقوق وامتيازات استثمار” وتذكر على سبيل المثال لا الحصر شركة الاتصالات مع أنّ القصد يطال أيضاً الريجي والكهرباء وكازينو لبنان والـ “ميدل إيست” وغيرها، عملياً يعني كل الدولة بما تملك من أصول ولهدف واحد هو إعادة رسملة المصارف.

مقابل انعدام قدرة الصندوق المطروح من جمعية المصارف عملياً على إعادة ودائع الناس وخطورته بما يحمل في طيّاته من نيّة للاستيلاء على الأملاك العامة، يرى زبيب أنّ هناك حلولاً أخرى تعيد الودائع، منها على سبيل المثال الاعتراف بإفلاس المصارف وإعلان هذا الأمر قائلاً: “يستخدم موضوع إفلاس المصارف كفزّاعة، هي فعلاً مفلسة، وإذا تمّت تصفيتها اليوم وانطلاقاً من الحسابات لميزانيات المصارف توجد أصول وموجودات بالعملة الأجنبية لا تزال قائمة وقابلة للتسييل على المدى القصير بقيمة تتراوح ما بين 35 و40 مليار دولار ما يعني أنّها تعيد وفوراً بين الـ 35 و40% من ودائع الناس”، مضيفاً: “ليس الكذب فقط بالقول إنّ الصندوق يُعيد الودائع بل أيضاً بالترويج أنّ إفلاس المصارف يضيّع الودائع بينما العكس هو الصحيح”.

ويرى زبيب أنّ التضليل والكذب أيضاً يتعلّق باستخدام السلطة تعبير “صندوق سيادي” لحفلة الاستيلاء على الأملاك العامة، موضحاً بأنّ “الصندوق السيادي” بمفهومه المتعارف عليه هو إمّا صندوق توظّف فيه فوائض تحققها الدولة على سبيل المثال من النفط والغاز انطلاقاً من أنّ الأجيال المقبلة لها حق في هذه الثروة الناضبة التي يتمّ استنزافها، وبالتالي يكون هدف الصندوق حفظ حقّهم من خلال وضع الفائض بالصندوق وتوظيفه، وإماّ يكون الصندوق السيادي بإدارة المصرف المركزي من خلال توظيف فوائض ميزان المدفوعات أو فوائض الاحتياطات الأجنبية الموجودة. ويضيف: “نحن لا نملك ثروة نفطية، وميزان المدفوعات يسجّل عجزاً منذ العام 2011 إلى اليوم، أمّا في ما يتعلّق بالاحتياط من العملات الأجنبية فلدينا فجوة مالية قيمتها 60 مليار دولار، نحن نستخدم اللحم الحي من أصول الدولة وممتلكاتها ونضعها داخل الصندوق لنجيّرها من الشعب إلى فئة صغيرة جداً من المنتفعين، إذاً كلمة الصندوق السيادي حتى بالمعنى التقني لا علاقة لها بالصندوق الذي يروّجون له”. 

ويعتبر زبيب أنّ ما يحاول الصندوق فعله هو ترسيخ سياسات توزيع عكسية اعتمدت طيلة الفترة الماضية بحيث يُحوّل من لا يملك شيئاً جهده وتعبه إلى من يملك، يعني الفقراء إلى الأثرياء، المنتجون إلى الريعيين بطريقة عكسيّة، في وقت تقتضي طريقة التوزيع العادلة العكس تماماً أي أن يحوّل من يملك لمن لا يملك، وتحويل موارد الريع للإنتاج لتعزيز الاقتصاد.

وبينما يتحدّث زبيب عن الصندوق السيادي يلفت إلى ما أسماه “سرديّة خاطئة سوّقت بين الناس وبُنيت عليها كل الحلول منها الصندوق السيادي”، ويشرح أنّ السردية تقول إنّ الناس أودعت مالها  في المصارف، المصارف وضعت المال في المصرف المركزي، والمصرف المركزي موّل الدولة والدولة أهدرت هذا المال، وبالتالي لحلّ القصة يجب أن نعكس العملية أي الدولة (ومن خلال أصولها في طرح الصندوق السيادي) تعيد الأموال للمصرف ليدفع بدوره إلى المصارف لتعيد هي الأخيرة ودائع الناس، مضيفاً “هذه سردية يجب دحضها، لأنّ الحقيقة الموثقة تقول إنّه على مدى 25 عاماً جرى تمويل المصارف وأرباحها من خلال المال العام، فالأرقام ومن خلال قطوعات حسابات الموازنة، تبيّن أنّ 50% من إيرادات الدولة دُفعت للمصارف، وكلّ ليرة دفعناها للدولة غصباً عنا أو برضانا كان نصفها يذهب للمصارف والمودعين”.

وفي السياق يشير زبيب أيضاً إلى التضليل عبر استخدام عبارة المودعين وكأنّهم فئة واحدة ولا سيّما أنّ 50% من الودائع موجودة في حسابات تشكل 0.8% من مجمل الحسابات، وبالتالي عندما نتكلم عن 50% من الإيرادات التي خسرناها كمجتمع يجب أن نعلم أنّ من أخذها هو عدّد قليل من أصحاب المصارف وعدد قليل من أصحاب الحسابات المصرفية الضخمة والعالية التي تراكمت ثرواتهم من ضرائبنا”. 

انسحاق الدولة أمام الأملاك الخاصة 

يلخّص المدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونيّة” نزار صاغيّة الصندوق السيادي المطروح بالقوّل “باختصار بدلاً من إعلان إفلاس المصارف يريدون إفلاس الدولة، الصندوق السيادي هو عادة يهدف إلى حفظ حقوق الأجيال المقبلة، وما يحكى عنه حالياً هو صندوق لنهب ثروات الأجيال المقبلة، وبالتالي لا علاقة له لا بسيادة ولا بحفظ ثروات”، مشيراً خلال مداخلته في الندوة إلى أنّ الحديث عن هذا الصندوق بدأ قبل الأزمة الاقتصادية، فمشروع القانون الذي كان مقدماً للإثراء غير المشروع قبل العام 2019 كان يتضمّن مواد تقول على سبيل المثال إنّ كل الأموال التي تسترد من الأموال المنهوبة توضع في صندوق وإن لم يسمّوه حينها سيادياً بل صندوقاً للرد للدائنين.

 ولشرح مفهوم “الصندوق السيادي” ذكّر صاغيّة بموضوع احتياط الذهب الذي وُجد نتيجة مسؤولين في الدولة كان لديهم فائض في الموازنة ففكّروا في الأجيال المقبلة لافتاً إلى أنّه “حالياً لا نعرف قيمته إذ إنّه آخر مرّة سُئل فيها نائب حاكم مصرف لبنان عن احتياطي الذهب كان في اللجان المشتركة أواخر العام 2020  ليكون جوابه “عم نعدّن، آخر حسبة كانت العام 1996”.

ويضيف صاغيّة “ومن سنة ونصف السنة لم يسأل أحد إن كان انتهى العدّ أو بعد، مع العلم أنّ قيمة احتياطي الذهب بالمبدأ يجب أن تكون أكثر من أصول الدولة وذلك إذا اعتمدنا على حسبة العام 1996، هذا الذهب ورثناه كمجتمع عندما كان هناك فائض بالموازنة، أثناء الحرب برزت محاولات لبيعه، وتمّ إقرار قانون ليمنع البيع، ربما سُرق الذهب، السرقة لا تحتاج إلى قوانين”. 

طريقة تعاطي المسؤولين عن الدولة مع موضوع احتياط الذهب تبيّن كيفيّة تعاطيهم مع الأملاك العامة والتي انعكست بطبيعة الحال على نظرة الناس لمفهوم هذا الملك، إذ يقول صاغيّة “عندما تحدّثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن بيع اليونان لجزرها كمخرج للأزمة الاقتصادية التي تعيشها، شهدت اليونان ردّة فعل شعبية أظهرت تمسّك الشعب بالملك العام أمّا في لبنان وعندما طُرحت فكرة بيع أملاك الدولة لم نشهد ردة فعل مشابهة، هناك إشكالية تتعلّق بكيف يرى اللبناني دولته، وبعلاقته بالأملاك العامة، إذا أردنا تطوير مقاومة ضد الصندوق السيادي لا بدّ من العمل على المفاهيم، وبناء العلاقة بين الملك العام والأشخاص وبين الفرد والدولة”.  

وفي السياق نفسه، يشير صاغية إلى وجود مفهوم معزّز يقول إنّ الملك الخاص مقدس والملك العام ليس كذلك، وإنّ الدستور يحمي الملكية الخاصة ولا يحمي الملكية العامة وهذا كلّه بهدف تكبير قيمة الملكية الخاصة على حساب العام، وتهشيم الملكية العامة، على الرغم من أنّ المجلس الدستوري أقر أنّ المادة 15 من الدستور لا تحمي فقط الملك الخاص ولكن أيضاً الملك العام.

ويوضح صاغيّة أنّ سياسات التخلّي عن الملك العام ليست جديدة، وأنّ الحديث حالياً عن الصندوق “السيادي” هو استمرار لعقود من التخلّي والاعتداء على الأملاك العامة الذي كان يأخذ أشكالاً عدّة، منها قانون معالجة الاعتداء على الأملاك البحرية عبر وضع غرامة زهيدة ومهلة لمن يريد معالجة هذا الاعتداء مشيرا إلى أنّ هذه المهلة التي تمّ تمديدها مراراً انتهت في تشرين الأول العام 2019 ولكنّ المعتدين على الأملاك العامة حصلوا على مهلة إضافية عندما شملهم قانون تعليق المهل، مع العلم أنّ هذا القانون يهدف إلى حماية حقوق الناس، وليس لتأبيد الاعتداء.

ويكمل صاغيّة أنّه في العام 2021 انتهت المهلة، وعندما طالب المهتمّون بتنفيذ القانون لم يتحرك أحد وكانت الحجّة أنها أملاك تعود لـ “معترين” على الرغم من أنّ هناك 640 شخصاً لم يقدموا ملفاً، وبالتالي يجب أن تستردّ منهم الدولة أملاكها، 75% منهم لا يمكن أن يكونوا “معترين” إمّا لأنّهم يملكون عقاراً قرب العقار المعتدى عليه، أو لأنّ الاعتداء غير سكني أو سكني بمساحة تفوق الـ 300 متر.

وفي إطار الاعتداء الممنهج على أملاك الدولة يذكّر صاغيّة بأنّ النيابة العامة التمييزية ووزارة المالية ووزارة الأشغال العامة اجتمعت لوضع دفاتر شروط للمعتدين من أجل المزايدة على الأملاك العامة المعتدى عليها، ولكنّ إدارة المناقصات رفضت الأمر لأنّه غير قانوني فكيف يمكن المزايدة على مبان غير قانونية.

ويضيف صاغيّة أنّه وفي قضايا أخرى، لم يكن التخلّي فيها عن الأملاك العام من الدولة فقط بل من القضاء ومجلس شورى الدولة، تماماً كما حصل في موضوع مطمر صيدا حيث رُدمت بشكل غير قانون آلاف الأمتار ضمن عقد وقّع مع الحكومة اعتبر أنّ ملكيّه الأرض تعود للشركة التي تعالج النفايات. ويُكمل أنه عندما قُدّمت دعوى من ناشطين يأتي القرار بعد سنوات بأنّ “لا صفة لنا كمواطنين وناشطين، ومن يدافع عن الدولة هم المسؤولون في وزارة الاشغال”.

وانطلاقاً ممّا تقدّم يقول صاغيّة: “لا يوجد مسؤول يريد حماية الملك العام، ولا يحق للمواطن المطالبة بحمايته، وبالتالي يقطعون الطريق أمام أي حماية لهذا الملك”.

ويعطي صاغيّة نموذجاً يبيّن كيف ينظر بعض المشرّعين إلى أملاك الدولة فيقول: “في جلسة نيابيّة، وخلال نقاش يتعلّق بإعادة أسهم تملكتها الدولة بعدما صادرتها أواخر العام 2013،  يقول النائب هادي حبيش حرفياً “من الضروري انسحاق الدولة أمام الملكية الفرديّة” بينما يتحدّث النائب السابق إيلي الفرزلي “عن فزاّعة التأميم” وسيزار أبي خليل “عن مصادرة الدولة أملاك خاصة كمخالفة دستوريّة” بينما يوضح علي حسن خليل أنّ مصادرة أملاك خاصة لم تكن على خاطر النواب ولكن سببها كان الضغط من المجتمع الدولي”.

وعلى الرغم من حجم تخلّي من هم في موقع المسؤولية عن الأملاك العامة يشير صاغيّة إلى سابقة استرداد  30 ألف متر مربع من الميناء، معتبراً أنّ الفضل كان لانتفاضة 17 تشرين وأنّ استرداد هذا الشط يشكّل نقطة بداية لاسترداد الأملاك العامة.

وانطلاقاً ممّا تقدّم يسأل صاغيّة كيف يمكن لصندوق أن يحسّن الإدارة، ولا سيّما أنّ المال العام كان يهدر بفعل فساد أشخاص في الدولة لا يُحاسبون، مشدّداً على أنّ تحسين إدارة واستثمار الأملاك العامة يبدأ بتحسين هيئات الرقابة العامة وضمان استقلالية القضاء وتحديداً استقلال مجلس شورى الدولة والقضاء الإداري، وإذا لم نفعل ذلك فعملياً نحن ذاهبون نحو عمليّة نهب جديدة، ولا سيّما أنّنا نعرف كيف تُنشأ الصناديق في لبنان وتشرف عليها هيئة تُشكّل على طريقة المحاصصة، ليبدأ النهب ومن يعترض يذهب إلى القضاء لقول له ليس لديك صفّة للتحدّث بالأملاك العامة.

الأملاك العامة وبعدها الاجتماعي

فيما يدور الحديث عن الجدوى من بيع أصول وأملاك الدولة وعن قيمة هذه الأملاك وإن كانت فعلاً تعيد أموال المودعين، يغيّب المسؤولون والمتحمّسون لإنشاء هذا الصندوق عن قصد دور هذه الأملاك ولا سيّما العقاريّة منها في تكوين البيئة الطبيعيّة وتشكّيل مصدر رزق وسكن لشريحة واسعة من الناس إذ إنها ترتبط مباشرة بطرق الحياة والمعيشة المتنوعة على امتداد المناطق اللبنانيّة.

وفي هذا الإطار، عرضت عبير سقسوق المديرة المُشاركة في استوديو أشغال عامّة نتائج دراسة أعدّها الاستديو تبيّن أنّ أملاك الدولة العقاريّة تشكّل جزءاً أساسياً من محفظة أصول لبنان العامة وأنّ قيمتها قد تفوق قيمة الأصول الأخرى، إذ تتراوح مساحتها بحسب التقديرات بين 20 إلى 23% من إجمالي مساحة لبنان، مشيرة إلى أنّ فهم دور هذه الأملاك الاجتماعي أساسي لفتح نقاش استراتيجي ضدّ خصخصتها ومن أجل إطلاق مسار يسعى إلى صون المجال العام والحفاظ عليه كحقّ أساي للأجيال المقبلة.  

وشرحت سقسوق الفرق بين أملاك الدولة العمومية وأملاك الدولة الخصوصية لناحية نوع الحقوق التي تكتسب على هذه الأراضي، إذ في حين يسمح للدولة التصرف بالأملاك الخصوصية لا يسمح لها التصرف بأملاكها العمومية لأنّها معدّة لاستعمال الجميع ولا تباع ولا تتغير طبيعتها ولا تستطيع الدولة التصرف بها بأي شكل. وتوضح أنّ الدولة عمدت ومنذ العام 1920 إلى اليوم إلى ابتكار مخارج مقوننة تسمح لها التخلي عن أملاكها عبر إصدار مراسيم من خلالها تسقط صفة المنفعة العمومية عن الأملاك لتتحوّل إلى أملاك دولة خصوصية حتى تستطيع استثمارها أو تأجيرها أو بيعها، والملفت أنّ 79%  من طلبات الإسقاطات قُدّمت من جهات خاصّة. 

وتركّز سقسوق على دور أملاك الدولة الخصوصية التي تتوزّع بدورها على ما يسمّى أراضي الملك والأراضي الأميريّة والأراضي المتروكة مرفقة والأراضي الوات، مع إبراز أهميّة الأراضي الأميريّة كونها تشكّل النسبة الأكبر من الأراضي (52%) وكونها أراض تملكها الدولة ويعطى للناس حق التصرّف بها ويضمن وجودها إمكانية الوصول إلى الأرض كمورد للانتاج الزراعي أو السكن لشريحة كبرى من الناس ولا سيّما الفئات غير القادرة على الاستئجار أو التملك لهاتين الغايتين من ذوي الدخل المحدود، ولا سيّما أنّ اكتساب حق التصرف في أرض من النوع الأميري يجري من دون دفع أي بدل للدولة.

وتشير سقسوق إلى أنّ قضاء بعلبك يشمل وحده أكثر من 33% من مجمل الأراضي الأميرية في حين يقع حوالي 23% منها في قضاء البقاع الغربي و17% في قضاء راشيا (ما يعني 80% يتركز في البقاع وعكار).

وتطرح سقسوق سؤالاً أساسيّاً حول معنى خسارة  هذه المساحة باستثمارها أو بيعها ولاسيّما أنّه  حسب بيانات وزارة الداخلية هي أراض مخصّصة للسكن، في وقت نحن بحاجة إلى هذه العقارات لتكون جزءاً من الاستراتيجيّة الوطنية لحلّ الأزمة السكنيّة وتأمين السكن الميسّر خصوصاً في ظل الانهيار وتداعياته على أزمة السكن. 

بالإضافة إلى الأراضي المخصّصة للسكن هناك 125 عقار بيدر وفوق الـ 400 عقار مخصّصين كمراع و1253 عقاراً تحت اسم عموم أهالي بلدة معيّنة وفوق الـ 2500 عقار مسجّل تحت اسم مشاع، وهذه العقارات هي أراض يشترك ويتشارك في استعمالها عامّة الناس بالتساوي وتستخدم لغايات زراعية أو للرعي، وتشير سقسوق إلى خطورة خسارة هذه الأراضي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، مصارف ، أملاك عامة ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني