كان المشهد في شهري مارس وإبريل الماضيين في العالم المتقدم كما العالم النامي، في الديكتاتوريات كما الديمقراطيات، وفي الأنظمة ذات القادة من السياسيين الكلاسيكيين وذات القادة الشعوبيين، كالآتي: يجلس المواطنون (على الأقل من هم ضمن الطبقات الوسطى والميسورة) في منازلهم، في انتظار الدولة، والمعلومات، وخطب المسؤولين الإداريين والسياسيين التي تتضمن قرارات وخططا تتغير ما بين اليوم والآخر. حتى القطاع الخاصّ بات ينتظر برامج الدعم والأموال التي تمّ ضخّها في السوق قبل اتخاذ قرارات جذرية بتخفيض العمالة أو إعادة هيكلة العمل. حالة من الانتظار والترقب، يتبعها تساؤل حول مسؤولية ودور الفاعلين المحليين في مواجهة تلك الأزمة.
“دورك جاي“[1]؛ أول ما تردد في أذهاننا عند ظهور فيروس كورونا المستحدث (كوفيد–19)، ومن ثم انتشاره. ففي الوقت الذي توقع الجميع أن “دور” كل منا قريب سواء في الإصابة بالفيروس، أو التأثر سلباً بتوابع انتشاره على مختلف الأصعدة (الاجتماعية والاقتصادية)، ازداد التساؤل حول دور الكيانات المحلية والأفراد في تحمل جزء من مسؤولية تفاقم المشكلة في حال عدم اتباع سبل الوقاية. أو دور المشاركة في حلها بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة كون الجميع جزءاً من الكل. وعليه، ينطلق المقال ليحلل دور الدولة في أزمة كوفيد-19، وموقعها وسط العديد من الفاعلين المحليين الآخرين، وعلاقة الدولة بالمجتمع منذ فبراير وحتى تاريخه.
1- ستة أشهر من الأزمة: ملامح عامة لدور الدولة والمجتمع
لا شك أن صياغة أزمة الفيروس على أنها حرب ضد عدو غير مرئي قد فرض على الأذهان، على الأقل في البداية، تصوراً بحتمية تفرد الدولة في إدارة الأزمة. وقد تكون هذه الأزمة العالمية التي تعتبر الأولى لهذا الجيل قد أكدت جدوى الدولة كشكل عام للتنظيم الاجتماعي والسياسي. ولعلها كانت فرصة للدعوة بتوسيع دورها خاصة ليشمل توفير الخدمات الصحية والاجتماعية وعودة دولة الرفاهة[2]. ومن غير المفاجئ أن تكاثرت الآراء والتحليلات التي تفكر في دور الدولة في الأزمة؛ ما بين الأصوات القلقة على مصير السوق الحر والحريات الفردية من تزايد دور الدولة وصلاحياتها وتلك التي تعلن انتصار الدولة وتلك الأصوات التي ترى في الأزمة فرصة لتصور حياة اقتصادية أكثر عدالة وأصلح للبيئة أو فرصة لاستيعاب التحول المناخي. أو أيضاً تلك الأصوات التي ترى في الأزمة فرصة لإعادة الثقة في مؤسسات الدول كما رأينا على صفحات التواصل الاجتماعي لعدد من المشاهير والإعلان عن تبرعهم للدولة المصرية، أو تلك التي ترى في الأزمة فرصة حقيقية لفتح ملفات مثل الشفافية وإتاحة المعلومات وتدهور بعض القطاعات ذات الأولوية لحقوق الإنسان وعلى رأسها القطاع الصحي والبحث العلمي في مصر.
من ناحية أخرى وبالرغم من مركزية الدولة القومية كفاعل أصيل في إدارة الأزمة، ظهرت مبادرات المواطنين والحركة الجمعية في إطار المجتمع المدني، في البداية في شكل دعم رمزيّ للدولة والقطاع الصحي (مثلا التصفيق والتحية اليومية لأطباء والممرضين والعاملين بالقطاع الصحي) ثم في أفعال مكملة تسد الفجوة التي تتركها سياسات الدولة. ويشير تقرير لمؤسسة كارنيجي إلى الخطوط العامة للفعل المجتمعي في سياقات مختلفة وتشمل (1) الحماية الاجتماعية: مبادرات جمع التبرعات للمتضررين من الأزمة وحماية الفئات المهمشة، و(2) مبادرات لتخفيف من تأثير حجم الفوارق الطبقية الاجتماعية والتوعية بالأزمات البنيوية التي تكشف عنها الأزمة، و(3) الرقابة على سياسات الدولة والتوثيق للمحاسبة.
2- ديناميات مواجهة تداعيات الجائحة داخل أسوار المؤسسات الحكومية وتلك التابعة للعمل السياسي-المجتمعي
كان من المنطقي في البداية أن تتصدر الدولة إدارة الأزمة منذ بدايتها بمؤسساتها وما لديها من إمكانيات ومعلومات وقدرة تنفيذ سياسات على مدى واسع. وإن كنا لن نتناول سياسات الدولة المباشرة بالتفصيل فمن الممكن أن نميز بين ثلاث مراحل لإدارة الأزمة. (1) المرحلة الأولى ارتكزت على حزم من الإجراءات الاحترازية والإجراءات الوقائية، ومنها: عزل الحالات الإيجابية، وإيقاف الدراسة في المدراس والجامعات وإعلان حظر ومنع التجمعات في أماكن العبادة. (2) أما المرحلة الثانية، والتي بدأت في 16 مارس 2020، فقد ركزت على التداعيات الاقتصادية للأزمة واجراءات الحماية مع الإعلان عن حزم مالية لدعم القطاعات الاقتصادية المتضررة مع التأكيد على استعدادية القطاع الصحي بدعم من القوات المسلحة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاستيعاب الأزمة وسد الاحتياجات. وهنا تم الإعلان أيضا على مجموعة إجراءات لزيادة الإنفاق الاجتماعي. ونذكر في ذلك إصدار مبادرة جديدة من البنك المركزي للعملاء غير المنتظمين في السداد من الأفراد الطبيعيين، وتأجيل كافة الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والأفراد لمدة 6 أشهر مع عدم تطبيق عوائد أو غرامات إضافية على التأخر في السداد، وتخفيض عدد العاملين في المصالح والأجهزة الحكومية بقرار من رئاسة الوزراء. (3) أما المرحلة الثالثة، وهي مستمرة منذ بداية شهر رمضان الماضي (منذ 23 ابريل)، فيمكن وصفها بأنها مرحلة تراجع على مستوى السياسات والرهان على وعي المواطن والحركة على المستوى الفردي: فقد شهدت تخفيفا للحظر ثم الغاءه، وتخفيف الإستعدادات على مستوى القطاع الصحي.
بالإضافة إلى تلك السياسات المباشرة التي تنشرها تباعاً وزارة التخطيط والتنمية المحلية على موقعها الرسمي تحت عنوان “مرصد إجراءات الحكومة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد“، نجد مساحات فعل أخرى تقاطع فيها فاعلو الدولة الرسميون مع فاعلين مجتمعيين. وهنا نطرح ثلاث ملاحظات على هذه المساحات المشتركة:
أ- “المبادرات”: آلية سياسات غير واضحة المعالم
أطلقت عدة وزارات ما سمي بالمبادرات بالشراكة مع المجتمع المدني. فمثلاً أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن مبادرة مصر هتعدي؛ لدعم الفئات الأكثر تأثرًا بتداعيات الجائحة، وذلك بالتعاون مع مؤسسة تروس مصر؛ وبدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومشاركة مختلف القطاعات. ونذكر أيضا مبادرة أهالينا التي أطلقها مجلس الوزراء لمساندة الأسر الأقل دخلا ودعم العمالة غير المنتظمة المتضررة من الأزمة، والتي تتيح للجميع إمكانية التبرع للمساعدة في هذا الملف، تحت شعار “إيد مع إيد تساعد”.
من غير الواضح موقف تلك المبادرات ووضعها: هل هي تندرج تحت برامج سياسات؟ وما علاقتها بالسياسات القائمة؟ تكاملية؟ أم تبادلية؟ وفي هذه الحالة من يحاسب ويراقب عملية جمع التمويل وكيفية الإنفاق؟ من يدير تلك المبادرات؟ ولماذا تحتاج الدولة لجمع التبرعات بهذا الشكل؟
في الواقع، إن آلية “المبادرات” تهيمن بشكل كبير على صناعة السياسات في مصر بشكل عام حيث تأتي العديد من البرامج في شكل “مبادرة ” من رئيس الجمهورية بشكل شخصي، مثل برامج تأهيل الشباب وبرامج صحة المرأة وأيضا المشروع القومي حياة كريمة، الذي تقوم بإدارته وزارة التضامن الاجتماعي بمساعدة وزارة التنمية المحلية، وتحت أعين وزارة التخطيط والتنمية المحلية. كما جاء صندوق تحيا مصر في شكل “مبادرة” تساهم في تمويل بعض الأنشطة المدرجة تحت مشروع حياة كريمة، ودوره في المسؤولية المجتمعية.
ب- أصحاب الأعمال والشراكة ذات المنفعة المتبادلة
منذ بداية الأزمة لعبت قطاعات المسؤولية المجتمعية للشركات دورا في إطلاق عدة مبادرات خيرية موجهة ناحية العمالة اليومية والأسر الفقيرة مع توفير تغطية إعلامية والإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي لها (مثل إطلاق تحدي الخير بين الشركات حيث تتحدى كل شركة الأخرى في تقديم مساعدات وتبرعات). لكن في نفس الوقت، ظهرت تباعاً بيانات لبعض أصحاب الأعمال الذين يدعون بإصرار إلى إعادة فتح المجال العام، وفك كافة القيود التي تتسبب في وقف عجلة الإنتاج. صاحب هذا الخطاب المرحلة الثانية من السياسات وهي التوجه نحو الفتح مع تحديد إجراءات وقائية. كما ذكر رئيس الجمهورية في خطابه الثاني منذ بداية الأزمة بالدور الذي قام به أصحاب الأعمال داعيا الكل للمشاركة في مبادرات الدولة والتبرع ” بحسب محبته لله وللوطن”.
وهكذا أكدت أزمة الكورونا توجها ذا مدى أبعد في علاقة الدولة بالقطاع الخاص: وهو الشراكة ذات المنفعة المتبادلة مع الدولة[3]. من ناحية تدعم سياسات الدولة القطاع الخاص لتقديم تسهيلات وتوجيه أولويات الإنفاق، ومن ناحية أخرى تلعب الشركات دور الشريك في مشروعات الدولة وتوجهات التنمية ومبادرات السياسات.
ج- الحركة الجمعية لكيانات سياسية: تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين وحزب مستقبل وطن
ظهرت أيضا منذ بداية الأزمة أدوار لكيانات سياسية مثل حزب مستقبل وطن والكيان المسمى بتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وأعلنت هذه الكيانات السابق ذكرها إطلاق عدة حملات توعوية ومبادرات مختلفة مثل مبادرة البالطو الأبيض لتأهيل طلاب الكليات الطبية للمساهمة في إدارة الأزمة وغيرها من مبادرات لجمع التبرعات وتوزيعها.
وهنا نقف أمام تساؤل أساسي عن الدور الذي تلعبه هذه الكيانات ال “سياسية” من تنظيم حملات توعية وتبرعات في ظل تضييق سياسي شامل. كما نتساءل عن مواردها وعن التغطية الإعلامية التي تحظى بها وأخيرا عن دورها في احتكار الحركة الاجتماعية والسياسية باسم الشباب.
3- مستويات الفعل المجتمعي في مصر في ظل أزمة كوفيد-19 وعلاقتها بالدولة
اختلفت أشكال الفعل المجتمعي في مصر في ظل الجائحة[4]، ولكن كان من أبرزها: استكمال بعض المؤسسات غير الحكومية في دعم الدولة ومؤسساتها في ظل الأزمة، وظهور فاعلين جدد في العمل التنموي عملوا على تذليل العقبات للمصابين بفيروس كورونا من خلال توظيف خدمتهم بشكل مثير للإعجاب، بعدما كان دورهم غير ملحوظ بشكل واسع، وأيضا مبادرات المصريين التي تتميز بروح الدعم والمساندة، يقتصر بحثنا هنا على التركيز على بعض تلك الأشكال فقط وخاصة تلك التي حازت على زخم مجتمعي.
أ- نموذج المؤسسات المساندة دائماً للدولة: مؤسسة مصر الخير، ومؤسسة الأورمان وبنك الطعام المصري
انقسم دعم المؤسسات غير الحكومية الكبيرة؛ التي تتواجد مكاتبها في معظم محافظات الجمهورية ويترأس مجلس إدارتها لواءات جيش سابقين، أو شيوخ ذو شأن مثل مؤسسة مصر الخير، أو مؤسسة الأورمان أو شباب متميز مثل بنك الطعام المصري؛ من حيث الدعم أثناء الجائحة إلى عدة مجالات، تضمنت الدعم الغذائي أو المادي للأسر الأقل حظاً والأكثر تضرراً بتضرر الوضع الاقتصادي، أو دعم القطاع الصحي. ونذكر في ذلك إطلاق مؤسسة مصر الخير وماونتن فيو مبادرة “سهم في دعم الفريق الطبي لمستشفيات العزل والحميات“، بهدف حث الأفراد على التبرع لصالح دعم الأطقم الطبية من خلال توفير المستلزمات الطبية والوقائية للفريق الطبي، وكانت تكلفة السهم 200 جنيه مصري. كما أطلق بنك الطعام المصري في مارس الماضي مبادرة “دعم العمالة اليومية مسؤولية“؛ لتوزيع 500 ألف كرتونة طعام كدعم غذائي. ولحقت بتلك المبادرة الخاصة بمساندة دعم العمالة اليومية جمعية الأورمان أيضا التي اتبعت نفس النهج من خلال إعلانها عن مبادرة لدعم العمالة اليومية في 50 قرية مصرية.
وفي ضوء قراءة دور هذا النموذج من المؤسسات، نرى أن المبادرات المذكورة، رغم أهمية دورها الذي لعبته في ظل الجائحة، لم تحتوِ على خطط لاستدامة تقديم تلك الخدمات للفئات المختلفة المستهدفة، بل اكتفت المؤسسات التي تتمتع بصيت تنموي في مصر بلعب دور مُسكِّن للوضع القائم، مستندة في ذلك على تمويل الأفراد والقطاع الخاص. يتركنا ذلك أمام تساؤل حول دور تلك المؤسسات في دعم خطط التنمية المستدامة للدولة وعلاقتها بالدولة. ويذكرنا ذلك بمحاولة الوزارات بالتعاون مع المؤسسات غير الحكومية في توفير المسكن الآمن، في إطار المشروع القومي “حياة كريمة”، حيث تصارعت المؤسسات في 2019 على محاولة توفير مساكن أمنة خاصة في المحافظات الأكثر فقراً كنوع من أدوات إرضاء الحكومة لإنجاح مشروعها القومي الذي أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي كمبادرة رئاسية. إلا أنه مع غياب النتائج المرجوة لتلك المبادرات حتى الآن، وبعد إعادة افتتاح بعض مؤسسات المجتمع المدني لمشاريع سبق افتتاحها منذ سنوات، والتسويق لها على أنها جزء من مشاركتهم في هذا المشروع القومي، ظهرت مرة أخرى محاولة لإحياء مشروع الدولة القومي من قٍبل كيانات ترتبط بالدولة. ففي الأشهر الماضية، ساند المشروع القومي حياة كريمة كل من: صندوق تحيا مصر، وبعض أصحاب الأعمال (مثل الشركة المتحدة) خاصة في شهر رمضان الماضي/ مايو 2020. وذلك من خلال إطلاق مبادرة تحت مظلة المشروع القومي حياة كريمة، تستهدف توفير دعم غذائي للأسر الأكثر احتياجاً، حيث تم دعم تلك المبادرة الممولة من الشركة المتحدة بشكل إعلامي كبير في رمضان، ونشر مقاطع مصورة لشباب يضعون لوجو كل من الشركة المتحدة وحياة كريمة معاً، يقومون بتوزيع كراتين غذائية في حي الأسمرات، في تسليط واضح للضوء على إنجازات الدولة في هذا الحي، ومتابعة مساندة قاطنيه.
في الواقع، يصعب الإكتفاء بتقييم تلك المؤسسات من خلال هذه المبادرات الأخيرة التي تشبه العمل الخيري أكثر من كونه التنموي، خاصة وأن معظمها يعمل في عدة مجالات ذات التأثير القوي مثل المجال التعليمي (الذي حققت فيه مؤسسة مصر الخير خطى واضحة في السنوات الماضية).
ب- نماذج متفردة: مؤسسة أهل مصر للتنمية ومؤسسة مرسال
ثم تأتي في المرتبة الثانية من حيث التواجد الواسع جغرافياً مؤسسات مثل مؤسسة أهل مصر للتنمية، التي تترأسها سيدة أعمال شابة، حيث قامت بجذب العديد من الشباب العامل في مجال التنمية على مدار الأعوام الماضية للإنضمام للمؤسسة التي تخصصت في مجال الحروق دون غيره (عكس النموذج الأول). ويشبه هذا النموذج أيضا مؤسسة مرسال التي تترأسها شابة مصرية، والتي تتخصص في مجال الدعم الصحي، وتقوم بتنفيذ معظم الخدمات بشكل مباشر من دون الإعتماد على مؤسسات صغيرة محلية مما يسهل عملية تتبع الخدمات لحين وصولها للمستحقين بمعزل عن الوسطاء. تدعم المؤسسات المذكورة مؤسسات الدولة بشكل وطني ولكن بشكل مختلف عن النموذج الأول. فعلى سبيل المثال، في ابريل 2020، أعلنت مؤسسة أهل مصر للتنمية عن تحويل 3 مباني تابعة لها، لمستشفيات حجر صحي تحت تصرف وزارة الصحة. تبع هذا القرار قرارات أخرى منها افتتاح مؤسسة أهل مصر للتنمية مع بنك القاهرة مركز للحجر الصحي متكامل لاستقبال الحالات المصابة بطاقة استيعابية تتضمن 200 سرير، والتعاون مع جهات متخصصة لإنشاء خط إنتاج خاص للبدل الوقائية، بل ودعم تكلفة شراء تلك البدل (يتم بيعها بأقل من سعر التكلفة بـ 200 جنيه مصري). أما مؤسسة مرسال، فقد انتشر اسمها في كافة البيوت المصرية نتيجة الجهود التي بذلتها لتوفير أماكن في المستشفيات الخاصة لمرضى فيروس كورونا، هذا بالإضافة لافتتاحها رعاية خاصة بها لاستقبال الحالات.
انقسمت الخدمات التي قدمها هذا النموذج من المؤسسات إلى خدمات سريعة، ذات طابع خيري، وأخرى ذات طابع طويل الأمد، وأكثر استدامة من خلال توفير أكثر من غرفة رعاية صحية كاملة الأجهزة والمعدات يمكن إعادة استخدمها بأشكال أخرى بعد الأزمة على سبيل المثال، أو من خلال توفير أجهزة تنفس للمستشفيات. لذلك تميز هذا النموذج عن النموذج الأول.
ج- نموذج إنساني وطني: مبادرات المواطنين
تعددت المبادرات، والجدير بالذكر إنها لعبت دورا جليا في محاولة تسهيل فترة الذروة التي شاهدناها في شهري مايو ويونيو. ونجح صدى بعض مبادرات المواطنين “المبادرات الشعبية” في جمع المال وتوحيد الجهود وانقسمت إلى: (1) توفير الدعم للمصابين بفيروس كورونا من خلال توفير وجبات للمرضى وتوصيلها للمنازل، (2) المبادرات التي عملت على مساندة الأطقم الطبية، من خلال توفير بدل وقاية متعددة الإستخدام للأطقم الطبية في مستشفيات العزل أو توفير الأدوية (التي تبين أنها كانت غير متوفرة في العديد من الأوقات[5]، سواء بسبب تعرضها للسرقة من خلال أمناء المخازن أو بسبب استنفاذها نتيجة الضغط على المستشفيات)، أو من خلال مساندة المرضى وشراء أجهزة تنفس. (3) مساعدة الأسر التي فقدت مصدر رزقها نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية واستغناء العمل عن رب/ة الأسرة أو من يعيلها، والتي جعلت من الجميع مسؤول عن تقديم دعم مادي لتخطي تلك الأزمة مثل التكفل بإيجارات المسكن، (4) مبادرات الأطباء لدعم المصابين أثناء العزل المنزلي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو تقديم زيارات منزلية في حال اقتضى الأمر. (5) مبادرة تكريم ودفن ضحايا الفيروس.
الخلاصة
في الدول التي تجمع بين السلطوية وضعف الإمكانيات لتنظيم المجتمع وتوزيع الموارد، تشكل الأزمات محكا أساسيا لعلاقة الدولة والمجتمع[6]. ففي ظل تضييق عامّ على العمل السياسي والحقوقي والمجتمع المدني في مصر تظهر أشكال مختلفة من الفعل المجتمعي ومعها مساحات جديدة من التقاطع بين الدولة والمجتمع. إلا أن هذه المساحات تظلّ في معظمها مفتوحة بالأساس لمن يعمل في إطار مكمل بل تابع للدولة التي تحتفظ باليد العليا في صنع القرار وتحديد الأولويات والتوجهات. وسيكشف الوقت والمتابعة ما إذا كانت هذه المساحات ستوفر قنوات للتعبير عن احتياجات وأولويات المواطنين وإدخالها في خطط الدولة التنموية.
[1] جملة مقتبسة من إحدى أغاني الراب المصرية الحديثة والتي يعبر من خلالها بعض الشباب على مساحتهم في الحركة مقابل غيرهم من الفنانين.
[2] دولة الرفاهة (Welfare state) مصطلح يعود علي الدولة التي تلعب دورا في تلبية احتياجات مواطنيها من تأمين صحي واجتماعي
[5] بناء على حديث سريع مع مسؤول مستشفى حكومي رفض ذكر اسمه.
[6]Amr Adly, COVID-19 Tests the Limits of Arab State-Society Relations, Asfari Institute, Active Arab voices, April 2020