الدوائر المتخصصة للعدالة الانتقالية تعقد أول جلساتها: إحتفاء بعدالة طال انتظارها


2018-05-31    |   

الدوائر المتخصصة للعدالة الانتقالية تعقد أول جلساتها: إحتفاء بعدالة طال انتظارها

بتاريخ 29-05-2018، عقدت الدائرة المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية بقابس أول جلساتها لتكون بذلك أولى هذه الدوائر في مباشرة النظر في القضايا المحالة إليها. نظرت المحكمة في جلستها تلك في قضية كمال المطماطي التي تتمثل وقائعها في "أنه وبتاريخ 07-10-1991 وفي إطار الملاحقات التي كان يتولاها النظام القائم حينها ضد منتسبي حركة النهضة، تولّت وحدة أمنية تابعة لمصالح الأمن الوطني بقابس إلقاء القبض على الضحية من مقر عمله بشركة الكهرباء والغاز بقابس واقتادوه إلى مقر خلية الأبحاث الخاصة بالأمن الوطني بقابس. هنالك، تولى الأعوان علي بوستة وأنور بن يوسف ورياض الشابي وأسامة بوجاه ومصطفى عون الله تحت إمرة رئيس المصلحة علي زعتوري تعذيبه، مما أفضى لوفاته في ذات اليوم حسبما عاينه الطبيب علي عامر الذي كان معتقلا معه.

إثر ذلك، اتصل رئيس الخلية برئيسه بوزارة الداخلية المدير العام للاستعلامات حسن عبيد وأعلمه بالواقعة، فأشار عليه بتكليف عونين بنقل الجثة إلى مستشفى قوات الأمن الداخلي بالمرسى وتسليمها للطبيب أحمد غطاس. وهو ما تم فعلا في ذات الليلة. بعدئذ، وفي محاولة للتمويه على الجريمة، أوهمت مؤسسات الدولة أسرة الضحية بكونه في حالة فرار. ولهذه الغاية، تمت إحالته على المحاكمة أمام الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بقابس لمقاضاته من أجل جرائم ذات علاقة بانتمائه لحركة النهضة. وقد صدر بحقه تبعا لذلك حكم غيابي بتاريخ 20-05-1992 في القضية عدد 292 بالسجن لمدة أربع عشرة سنة[1].

افتتح رئيس الدائرة جلسته التي دامت زهاء ست ساعات بالمناداة على المتهمين الأربعة عشر[2] والذين لم يحضر أي منهم. ثم باشر مناداة أسرة الضحية عارضا عليهم تمتيعهم بحماية من خلال سماعهم في جلسة سرية، إلا أنهم رفضوا مبديين تمسكهم بأن يقع الاستماع لهم علنيا. بعد ذلك، تم تلاوة قرار الإحالة الذي عهدت بموجبه وحدة التحقيق لدى هيئة الحقيقة والكرامة المنسوب لهم دائرته[3]. وقد أنهت الدائرة الجلسة التي استمرت ست ساعات بتلقي إفادات عائلة الضحية وجانبا من شهود الإثبات. ومن أبرز هؤلاء، والدة الضحية التي تحدثت مطولا عن رحلة بحثها لمعرفة حقيقة مصير إبنها، وهو من أكثر ما أكد عمق الضرر الذي تولد للضحايا. بالمقابل، كانت إفادة الشاهد علي عامر صادمة لجهة تصويرها  كيف تحوّل التعذيب إلى وسيلة إمتاع للجلاد[4].  

حظيت جلسة المحاكمة التي أشاد المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين "بحسن إدارة رئيسها لها" وبحسن تنظيمها بمتابعة هامة من ضحايا الحقبة الاستبدادية وناشطي المجتمع المدني المساندين لمسار العدالة الانتقالية بما كانت معه محطة من محطات رد الاعتبار للضحايا بما كشفته من تضامن مجتمعي معهم. وتجاوز صداها النطاق المحلي بعدما أصدر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين بلاغا بتاريخ 30-05-2018، إعتبرها فيه ʺ لحظة تاريخية، تبدأ من خلالها تونس مرحلة جديدة في مكافحة الإفلات من العقابʺ[5].

وبالنظر لأهمية "منع الإفلات من العقاب" في منع تكرار الانتهاكات، فإن المفكرة القانونية تشيد بدورها بانطلاق مسار المحاسبة وتأمل في حوار مجتمعي وحقوقي تونسي شامل حوله يضمن استجابته لمعايير المحاكمة العادلة وينتهي لضمان استمرار مسار العدالة الانتقالية وفق مبادئه.

 

 


[1]  الوقائع كما وردت بقرار الاحالة الذي تلاه رئيس الدائرة جلسة

[2]  المتهمون هم "زين العابدين بن علي بصفته رئيسًا للجمهورية،عبد الله القلال بصفته وزيرًا للداخلية،عزالدين جنيح بصفته مديرًا لأمن الدولة،محمد علي القنزوعي بصفته مديرًا عامًا للمصالح المختصة،حسن عبيد بصفته مديرًا عامًا للاستعلامات،سمير الزعتوري بصفته رئيسًا لمصلحة الفرقة المختصة بقابس،علي بوستة بصفته رئيسًا لفرقة الأبحاث الخاصة بقابس،أنور بن يوسف، ورياض الشابي، وأسامة بوجاه، ومصطفى عون الله وفرحات بن عمر بوصفهم أعوان أمن في فرقة الأبحاث الخاصة بقابس،أحمد الغطاس بصفته طبيبًا

[3]  التهم التي تتم مقاضاة المنسوب لهم الانتهاكات لأجلها هي:

أولًا/ القتل العمد المسبوق بجريمة التعذيب والمتبوع بجريمتي إخفاء ما تثبت به الجريمة وجثة المجني عليه وفق الفصل 204 من المجلة الجزائية،

الفاعلون الأصليون: علي بو ستة، وأنور بن يوسف، رياض الشابي، أسامة بوجاه ومصطفى عون الله.

المشاركون: فرحات بن عمر، سمير زعتوري، أحمد الغطاس، حسن عبيد، محمد علي القنزوعي، عبد الله قلال، عزالدين جنيح وزين العابدين بن علي.

ثانيًا/ التعذيب الناجم عنه الموت على معنى الفصلين 101 مكرر و101 ثانيا من المجلة الجزائية،

الفاعلون الأصليون: علي بن ستة، وأنور بن يوسف، رياض الشابي، أسامة بوجاه ومصطفى عون الله.

المشاركون: سمير زعتوري، حسن عبيد، أحمد الغطاس، عزالدين جنيح، محمد علي القنزوعي، عبد الله قلال، زين العابدين بن علي.

ثالثًا/ الاختفاء القسري وفق أحكام المواد 1 و3 و6 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري

الفاعلون: مصطفى عون الله، وفرحات بن عمر، وعلي بوستة، وأنور بن يوسف، ورياض الشابي، وأسامة بوجاه، ومصطفى عون الله، وأحمد الغطاس وحسن عبيد.

وأيضًا على كل من سمير زعتوري، وعزالدين جنيح، ومحمد علي القنزوعي، وعبد الله قلال، وزين العابدين بن علي بوصفهم مشاركين ومسؤولين عن أفعالهم السلبية والتقصير في اتخاذ ما تقتضيه وظائفهم من إجراءات.

وكذلك اعتبارهم مكونين للجرائم المكونة للاختفاء القسري المعاقب عليها بمقتضى أحكام المجلة الجزائية كما يلي،

1/ الإيقاف التعسفي والاحتجاز الذي تبعه موت على كل من مصطفى عون الله، وفرحات بن عمر، وسمير زعتوري وعلى بوستة، وعلي المشاركين لهم وهم حسن عبيد، وعز الدين جنيح، ومحمد علي القنزوعي، وعبد الله قلال وزين العابدين بن علي وفق أحكام الفصلين 250 و251 والفقرتين 2 و4 من الفصل 32 من المجلة الجزائية.

2/ إخفاء ما تبثت به الجريمة واخفاء جثة على من حسن عبيد وأحمد الغطاس، والمشاركة لهما بالنسبة لكل من فرحات بن عمر، وأسامة بوجاه، وسمير زعتوري، وعزالدين جنيح، ومحمد علي القنزوعي، وعبد الله القلال، وزين العابدين بن علي وفق أحكام الفصل 158 و170 و32 من المجلة الجزائية.

[4]   انتهت هذه الجلسة الأولى بقرار الهيئة الحكمية تأخيرها لجلسة ثانية يوم 10-07-2018 يتم فيها إعادة استدعاء المتهمين والشهود الذي لم تبلغهم إستدعاءات الحضور.

[5]   زيد يشيد بإفتتاح ملف أول قضية متعلقة بإنتهاكات الماضي لحقوق الإنسان من قبل دائرة متخصصة بتونس  – بلاغ نشر بتاريخ 31-05-2018 بالصفحة الرسمية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بتونس

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني