“الجوع ولا قضاء الخضوع”: المفكرة تنشر أسباب إعلان 3 قضاة تونسيين إضراب جوع

“الجوع ولا قضاء الخضوع”: المفكرة تنشر أسباب إعلان 3 قضاة تونسيين إضراب جوع

في تاريخ 22-06-2022، أعلن ثلاثة قضاة معفيين من مقر جمعية القضاة التونسيين بدء إضراب جوع في نادي القضاة التونسيين. الإضراب الذي أعلنه القضاة حمادي الرحماني ورمزي بحرية والطاهر الكنزاري يأتي احتجاجا على قرار سعيّد بإعفاء 57 قاضيا بقرار إداري منه وبهدف الرجوع عنها وإلغاء المرسوم عدد 35 لسنة 2022 الذي أجازها وفرض احترام السلطة السياسية لاستقلالية القضاء. وكانت ذات المجموعة أعلنت عزمها خوض خطوتها تلك بمناسبة الجلسة العامة التي عقدها القضاة يوم 18-06-2022، والتي صادقت بإجماع الحاضرين فيها على تكليف تنسيقية هياكلهم بإسنادها.

ويبدو استعمال القضاة المعفيين لأجسادهم فيما يسمونه معركة الدفاع عن استقلالية القضاء وتلويح عدد من القضاة الآخرين بعزمهم الالتحاق بهم في مسارهم في بحر أسبوع واحد إن لم تحصل تطورات في الأزمة تبشّر بقرب حلّها، تطوّرا هامّا في حراك القضاة الرافض لقرارات الإعفاء التي صدرت عن الرئيس قيس سعيد وما سبقها من تشهير بالقضاة ومحاولات تدخل في عملهم. فبذلك، يضاف إلى الحراك الجماعي الذي عطل طيلة الثلاث الأسابيع السابقة عمل المحاكم، حراك يخوضه قضاة أفراد يضعون سلامتهم الجسدية في خطر.

ولمزيد تسليط الضوء على هذا التحرك النوعي تنفرد المفكرة بنشر النص الكامل للوثيقة التي صاغها القضاة المضربون وضمنوها تصورهم لخطوتهم النضالية وبينوا صلبها أسبابها وشروط رفعها (المحرر).

تشهد المؤسسة القضائية منذ أشهر عديدة عهدا فظيعا وغير مسبوق من الاجتياح والاستباحة من قبل السلطة التنفيذية في شخص رئيس الجمهورية الذي قام على مراحل عديدة وبالاستعانة بسلطاته على الإدارة وباستخدام الجريدة الرسمية وبالاستقواء بأجهزة الدولة الصلبة وبمرافقة صفحات فايسبوك إجرامية محمية ومُحصنة تشتغل على تمرير قراراته وتبريرها عبر ترذيل المؤسسة القضائية وتشويه منتسبيها والافتراء عليهم ، قام:

1- بالإطاحة الفعلية بدستور 2014 السند القانوني المتين الذي تقوم عليه السلطة القضائية.

 2- بإصدار الأمر الرئاسي عدد 117 الذي بوأه مرتبة فوق دستورية ومكنه من الاستحواذ على صلاحية التشريع في المجال القضائي.

3-  بحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بموجب المرسوم عدد 11 وتنصيب مجلس معين بالكامل جعله تحت سلطته وأسند لنفسه في مزاحمة للمجلس الأعلى للقضاء وإضعاف لسلطاته سلطات واسعة إزاء القضاة متعلقة بالفيتو على الحركة القضائية وعلى التسميات في الوظائف القضائية العليا، وطلب إعفاء القضاة والحلول محله عند الاقتضاء…فضلا عن ضرب الحق النقابي بالمحاكم وتحجير الإضراب…

لم يكتف رئيس الجمهورية بكل ذلك بل أصدر المرسوم عدد 35 بتاريخ 1 حوان 2022 المنقح للمرسوم عدد 11 الذي أصدره قبل أشهر قليلة فقط والذي خول نفسه بمقتضاه سلطة إعفاء القضاة بمجرد أمر وأشفع ذلك بالأمر الرئاسي عدد 516 المنشور بنفس الرائد الرسمي والذي بمقتضاه قام بإعفاء عدد 57 قاضيا والتنصيص على إحالة ملفاتهم – التي لم يُطلعهم عليها أصلا وشكلا – وجوبا على النيابة العمومية لإثارة الدعوى العمومية، مع تحصين أمر الإعفاء من الطعن إلا بعد الحصول على حكم جزائي باتّ.

لم يلبث المرسوم عدد 35، والأمر عدد 516 أن أثارا ثائرة القضاة والحقوقيين والجامعيين وكل القانونين وكل العارفين بالشأن القضائي التونسي تبعا لما احتواه النصان من خروقات قانونية وإجرائية فظيعة فضلا عن استهدافه – في غالبية الأسماء الواردة بالأمر عدد 516 – ثلة من خيرة قضاة تونس وكفاءاتها استنادا مكشوفا على تقارير أمنية يتّسم الكثير منها بالتلفيق والفبركة والافتراء والمبالغة… وقد كشفت عديد المعطيات وكذلك الشهادات العلنية لعدد من القضاة المشمولين بالإعفاء عن الخلفيات الحقيقية لكثير من القرارات منها ما تعلق ب”معاقبة” من رفض تنفيذ التعليمات السياسية والإدارية غير الشرعية المباشرة وغير المباشرة، ومنها ما تعلق ب”معاقبة” من تمسّك بالأصول المهنية للعمل القضائي الحامي للحقوق والحريات والرافض لميكانيزمات العمل الأمني البوليسي لعهد الاستبداد وقمع الحريات، ومنها ما تعلق بضرب العمل النقابي صلب القضاء وكذلك”الانتقام” من منتقدي الأداء السياسي لرئيس الجمهورية سواء فيما تعلق بالشأن الدستوري والديمقراطي أو بالشأن القضائي…

لم تتوقف الاحتجاجات على قرارات العزل منذ ثلاثة أسابيع، ولم تشتغل المحاكم وتستأنف نشاطها منذ تاريخ الإعفاءات تقريبا، ولم يكُفّ الوسط القضائي والحقوقي عن الغليان، ولم يغادر الرعب قلوب التونسيبن خوفا من انهيار قضائهم وسقوطه تماما بيد الحاكم الوحيد، ومن ثم خسارة حقوقهم وتهديد حرياتهم وزوال المناخ الديمقراطي…

لكن هل من مجيب؟ لا.

 هل من سميع؟ لا.

 هل من متفاعل؟ لا.

 هل من محترِم للقضاة؟ لا.

 هل من عابئ باحتجاجاتهم؟ لا.

 هل من باحث على حل لأزمة العدالة؟ لا.

وإزاء سياسة صمّ الآذان على صرخات القضاة بجميع هياكلهم وأصنافهم المدوية في اجتماعاتهم وجلساتهم العامة ومختلف المنابر الإعلامية…

وأمام تجاهل مواقف الرفض الصادرة عن أهم المؤسسات الحقوقية والقضائية الوطنية والدولية المُجمعة على عدم شرعية قرارات الإعفاء ومخالفتها أبجديات مبادئ استقلال القضاء وأساسيات دولة القانون.

وتبعا لإنكار مُطالبات غالب العائلة القضائية والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بالتراجع عن القرارات الظالمة واحترام المؤسسة القضائية…

وتبعا لإمعان وزيرة العدل في سياسة فرض الأمر الواقع القضائي والحقوقي والإجتماعي الكارثي المترتب عن قرارات الإعفاء عبر:   

* ضرب تحركات القضاة ومحاولة شق صفوفهم وإفشال إضرابهم عبر ممارسات الترهيب والترغيب وتكريس الزبونية مقابل استهداف منتقدي قرارات الإعفاء وأداء وزيرة العدل وخصوصا أنس الحمادي رئيس جمعية القضاة التونسيين إلى التفقدية بغاية الضغط والهرسلة وتضييق النشاط النقابي،

*  محاولتها التسويق للآثار المالية للإعفاء و”رشوة” القضاة بغرامات طرد مُهينة لشرفهم ومسيراتهم المهنية ولنضالهم القضائي حتى لا يستمروا في تحركاتهم ولا يتمسكوا ببطلان قرارات إعفائهم وبصبغتها التعسفية والكيدية،

* الإيهام بوجود تتبعات جزائية جدية ضد القضاة المشمولين بالإعفاء وزعمها أن إضراب القضاة يحول دون التعجيل بالبت في ملفاتهم وتحقيق براءتهم المؤدية لقبول طعونهم في قرارات الإعفاء حال أن الأغلبية الساحقة لقرارات العزل لم تنبنِ على ملفات تأديبية وأبحاث موجبة للتتبع الجزائي بل على تقارير إرشادية وبوليسية كيدية محررة – طبق الطلب – وبسعي من جهات مشبوهة تعمل خارج مؤسسات الدولة،

فإننا، حمادي الرحماني -محمد الطاهر الكنزاري  –  ورمزي بحرية، كقضاة مشمولين بقرارات الإعفاء الجائرة موضوع الأمر عدد 516…نُعلن دخولنا بداية من هذه الساعة في “إضراب جوع احتجاجي” انطلاقا من مقر جمعية القضاة التونسيين بقصر العدالة بتونس طلبا لــ:

أولا- إلغاء المرسوم عدد 35 المؤرخ في 1 جوان 2022 الذي يُسند لرئيس الجمهورية سلطة إعفاء القضاة وعزلهم من الوظيفة القضائية خارج كل سند دستوري قانوني وتعديا على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وخلافا لكل المبادئ الدولية وإهدارا لدولة القانون وتناقضا صارخا مع مبدأ الفصل بين السلطات.

ثانيا- الرجوع في الأمر الرئاسي 516 الذي أعفى بموجبه رئيس الجمهورية 57 قاضيا بصفة برقية ومفاجئة ومسقطة وبجرة قلم ودون تبرير ولا تعليل ولا إطلاعهم على ما يُنسب إليهم من أفعال ودون تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وفق إجراءات بحثية وتأديبية تكفل مبدأ المواجهة وحق الدفاع ورد الاتهامات وبيان صبغتها الكيدية والانتقامية وأهدافها السياسية.

ثالثا- إرجاع القضاة الواقع إعفاؤهم فورا إلى وظائفهم والاعتذار لهم ولعائلاتهم وإعادة الاعتبار لهم.

رابعا- الاعتذار للرأي العام وللتونسيين عموما على سوء استخدام “شعارات “تطهير القضاء” و”مكافحة الفساد” والانحراف بها بما أدى إلى تشويش صورة المشهد القضائي أمامهم وسمح بالإساءة إلى عديد الكفاءات القضائية ولقضاة بعيدين تماما عن الشبهات والتغطية على المكامن الحقيقية للفساد القضائي وتقويتها حال أن المؤشرات والقرائن تؤكد ضلوع رموز الفساد أنفسهم في إعداد قائمة الإعفاءات والمشاركة فيها بوجه أو بآخر.

خامسا- فتح تحقيق إداري في ظروف وملابسات إعداد قائمة الإعفاءات وضلوع وزيرة العدل وأعضادها والجهات القضائية وغير القضائية المشبوهة والقريبة منها، كالبحث في دور وزير الداخلية ودوائر النفوذ في ذلك الخصوص على خلفية الحديث الرائج عن أساليب التقارير الإرشادية والتنصت على القضاة خارج إطار القانون…كالبحث في الأهداف الحقيقية المبتغاة من “قنص” قضاة بعينهم واستهدافهم مسبقا وافتعال ملفات لهم و”تصفية” عدد كبير من القضاة المشهود لهم بالاستقلالية والنزاهة والكفاءة وحشر العديد منهم في مرمى اللبس والاتهام والإساءة المتعددة والتلطيخ الكيدي…

 سادسا- استعادة المسار الشرعي والدستوري والمؤسساتي للسلطة القضائية والالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات والتوقف عن التدخل في القضاء…

وإننا إذ نضع حياتنا وأجسادنا واستقرار عائلاتنا على ذمة النضال من أجل قضاء مستقل لا يزيغ ولا يحيد كما فعلنا دائما،

فإننا نوصي زملاءنا القضاة بمختلف الأقضية والمحاكم بالتمسك بمطالبهم المشروعة والعض عليها بالنواجذ والوقوف صفا واحدا للدفاع عن مقومات القضاء المستقل والحفاظ على وجود مؤسستهم باعتبارها الدرع الوحيد الباقي حماية للدولة والمجتمع،

كما نهيب بالتونسيين وبكافة القوى الوطنية:

1- الانتباه إلى خطورة مسار هدم السلطة القضائية ونسف مؤسساتها وضرب مبادئها ومقوماتها والهيمنة الشاملة عليها خصوصا في ظل التسويق المخيف لمفهوم “القضاء – وظيفة” المُسخّر لخدمة الحكام بديلا عن “القضاء – سلطة.

2-  الوقوف مع القضاة التونسيين في معركة التصدي لهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء وإعادة التوازن بين السلطات لإيقاف خطر انزلاق البلاد نحو الاستبداد واستبقاء زمن الحرية…

صامدون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، حركات اجتماعية ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني