الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية: هل تعاد الدورة الأولى أم يُباشر بالدورة الثانية؟


2022-10-07    |   

الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية: هل تعاد الدورة الأولى أم يُباشر بالدورة الثانية؟

وجه رئيس مجلس النواب دعوة من أجل عقد جلسة ثانية مخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 13 تشرين الأول المقبل بعد فشل الجلسة الأولى التي عقدت في 29 أيلول المنصرم في انتخاب الرئيس بسبب فقدان النصاب وفقا للتفسير الذي يعتمده مختلف أركان النظام السياسي اللبناني لمسألة الغالبية والنصاب. وهنا لا بد من التذكير إلى مقالي السابق الذي رفضت فيه هذا التفسير وبينت أن رئيس الجمهورية ينتخب وفقا لغالبية تحتسب انطلاقا من عدد النواب الذين يشاركون في الجلسة وليس العدد القانوني لمجموع النواب.

لكن في حال وضعنا هذه المسألة جانبا وسلمنا جدلا بالتفسير المعمول به، لا بد لنا من معالجة إشكالية أخرى تتعلق بجلسة الانتخاب المقبلة: هل الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية في 14 من الشهر الجاري تعتبر جلسة جديدة أم جلسة مكمّلة للدورة الأولى؟ ففي حال كانت جلسة جديدة، يتوجّب انتخاب الرئيس في دورة أولى جديدة بغالبية الثلثين عملا بالمادة 49 من الدستور. أما إذا اعتُبرت دورة ثانية مكملة للجلسة القديمة، فيجب عندئذ الاكتفاء بالغالبية المطلقة لحصول الانتخاب عملا بتتمة هذه المادة.

وبالفعل طرحت هذه الإشكالية لأول مرة في جلسة 31 تشرين الأول 2016 التي شهدت انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية علما أها كانت الجلسة الثانية التي تمكن مجلس النواب من عقدها بينما الجلسة الأولى كانت قد عقدت في 23 نيسان 2014 وهي لم تسفر عن نتيجة حاسمة كون أيّ من المرشحين لم ينل حينها غالبية الثلثين، لكن المجلس لم يتمكن من الانتقال إلى الدورة الثانية بسبب انسحاب عدد من النواب ما جعل الجلسة تفقد النصاب المعمول به.

وقد حسم رئيس مجلس النواب هذه الإشكالية من دون أي نقاش أو أي قرار صريح من مجلس النواب فاعتبر أن جلسة 31 تشرين الأول 2016 هي جلسة جديدة وبالتالي يتوجب إعادة الدورة الأولى. وبالفعل لم يتمكن ميشال عون من الحصول على غالبية الثلثين في الدورة الأولى وجرى انتخابه في دورة ثانية بحصوله على الغالبية المطلقة من الأصوات.

وهكذا يتبين لنا أن هذه الإشكالية ستعيد طرح نفسها مجددا في الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس الجمهورية بتاريخ 14 تشرين الأول. فهل يجوز العمل بتفسير رئيس مجلس النواب مرة أخرى واعتبار الجلسة الثانية بمثابة جلسة جديدة وأن الدورة الأولى التي حصلت في 29 أيلول وكأنها لم تكن، وبالتالي يتوجب إجراء دورة أولى جديدة تتطلب غالبية الثلثين من مجلس النواب؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال العودة إلى التجربة الفرنسية خلال الجمهورية الثالثة، فالمادة الثانية من القانون الدستوري الفرنسي تاريخ 25 شباط 1875 نصت على انتخاب رئيس الجمهورية بالغالبية المطلقة من دون التفريق بين الدورات[1]، أي ان الغالبية ذاتها هي المطلوبة في جميع دورات الاقتراع التي تجريها الجمعية الوطنية ما يؤدي إلى انتفاء الفرق بين الدورة الأولى والدورة الثانية.

لكن التجربة الفرنسية تصبح صالحة في حال درسنا كيفية انتخاب رئيس مجلس النواب. فقد نصت المادة السابعة من النظام الداخلي لمجلس النواب الفرنسي الصادر سنة 1915 أن رئيس المجلس ينتخب بالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين في الدورتين الأولى والثانية بينما يتم الإكتفاء بالغالبية النسبية في الدورة الثالثة. فالغالبية المطلوبة لانتخاب رئيس المجلس ليست واحدة إذ هي تصبح مختلفة بعد الدورة الثانية، وهو الأمر عينه في لبنان اليوم بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية بين الدورة الأولى التي تحتاج إلى الثلثين والدورة الثانية التي تحتاج فقط إلى الغالبية المطلقة. فهل كان رئيس مجلس النواب في فرنسا عندما لا ينتخب من الدورة الأولى ويتم تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق يحتاج إلى اجراء دورة أولى جديدة، أو تعتبر الجلسة الجديدة استكمالا للجلسة الأولى وبالتالي يتوجب الانتقال إلى الدورة الثانية أو الثالثة؟

والجواب يعطينا إياه “أوجين بيار” إذ يقول أن لا شيء يفرض على مجلس النواب إجراء كل الدورات في النهار نفسه بل يمكن للمجلس أن يقرر إرجاء الدورة الثانية أو الثالثة إلى جلسة يتم تحديد موعدها لاحقا[2]. ما يعني ان الجلسات التي يعقدها مجلس النواب لاحقا تعتبر مكملة للجلسة الأولى والدورات تحصل بشكل متعاقب بين هذه الجلسات ولا يمكن إعادة الدورة الأولى واعتبارها كأنها غير موجودة.

فالدورة هي واقعة مادية حصلت وفقا للنص الدستوري وانتهت ولا يمكن بأي شكل من الأشكال إعادتها كون ذلك يهدد المنطق الديمقراطي نفسه إذ يمكن عبر عملية تعطيل النصاب، كما بات يحصل في لبنان، البقاء أبديا في دورة أولى تحتاج إلى ثلثي مجلس النواب أي أن الآلية التي أرادتها المادة 49 من الدستور من أجل حسم التنافس بين المرشحين بشكل ديمقراطي تصبح معطلة واقعيا ويتم استبدالها بالتوافق السياسي بين الجهات المسيطرة على مجلس النواب.

وهذا الأمر نجده ليس فقط  في التجربة الفرنسية، بل أيضا  التجربة الإيطالية التي ينص دستورها في المادة 83 على انتخاب رئيس الجمهورية بغالبية الثلثين في أول ثلاث دورات من الاقتراع بينما يتم الاكتفاء بالغالبية المطلقة في الدورات التالية[3].

ففي الانتخابات الرئاسية التي حصلت سنة 2015 عقد البرلمان الايطالي جلستين في 29 و30 كانون الثاني  لم تسفرا عن فوز أي شخص بغالبية الثلثين في دورات الاقتراع الثلاثة الأولى ما دفع المجلس للانعقاد في جلسة ثالثة في 31 كانون الثاني وانتخب “سيرجيو متريلا” في الدورة الرابعة وبالغالبية المطلقة فقط.

إنّ المثلين الفرنسي والإيطالي يؤكدان أن دورات الاقتراع تتعاقب بغض النظر عن تاريخ الجلسة. فجلسة الانتخاب هي الحيّز الزمني الذي تجري خلاله عملية الاقتراع شرط أن تنعقد ضمن الشروط الدستورية. وبمجرد حدوث ذلك، تكتسب الدورة مفاعيلها القانونية التي لا يمكن أن يتم إلغاء نتائجها بحجة عقد جلسة جديدة بسبب فقدان الجلسة السابقة للنصاب.

جراء ما تقدم يتبين لنا أن جلسة 14 تشرين الأول تعتبر، في حال عقدت وتأمن نصابها[4]، دورة ثانية مكملة للدورة الأولى وكل تأويل مخالف يعتبر تعطيلا للمادة 49 من الدستور إذ يسمح بإخضاع الانتخابات للأهواء السياسية لهذه الجهة أو تلك بحيث يتم تجميد مجلس النواب في دورة أولى أبدية تتكرر دائما في حال لم يتمكن المجلس من انتخاب الرئيس في جلسة واحدة، أي عمليا إلى الغاء الانتخابات الديمقراطية واستبدالها بالتسويات السياسية بين الزعماء خدمة لمصالحهم السلطوية.


[1] “Le Président de la République est élu à la majorité absolue des suffrages par le Sénat et par la Chambre des députés réunis en Assemblée nationale”.

[2]« Rien dans le règlement n’oblige les Chambres à faire les trois tours de scrutin le même jours. Le ballotage, comme le second tour de scrutin peuvent être renvoyés à une séance ultérieure si l’Assemblée le décide »  (Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, p. 458.)

[3] « L’élection du Président de la République a lieu au scrutin secret à la majorité des deux tiers de l’assemblée. Après le troisième tour de scrutin, la majorité absolue est suffisante ».

[4]  هنا لا بد من طرح سؤال يتعلق بجدوى مقاطعة الجلسة الثانية من أجل عدم تأمين النصاب. ففي حال سلمنا بتفسير رئيس مجلس النواب بضرورة إعادة الدورة الأولى ما يعني أن المرشح لا ينتخب إلا إذا حصل على ثلثي مجلس النواب، يمكن حينها دائما تكرار ما حصل في الجلسة الأولى بحيث يتم اجراء دورة أولى ومن ثم يقوم بعض النواب بمغادرة الجلسة ما يفقدها نصابها ويتم تأجيل الانتخاب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني