الثقافة والمقاومة – إدوارد سعيد


2024-04-22    |   

الثقافة والمقاومة – إدوارد سعيد

الثقافة والمقاومة – إدوارد سعيد

دار الآداب، 2006

مع اندلاع الحرب الإسرائيليّة على غزة، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعيّ أقوال نُسبت إلى كثير من الساسة والمثقّفين، لعلّ من أهمّهم إدوارد سعيد. ومعظم تلك المقتطفات لا تمتّ إلى الكاتب الفلسطينيّ بصلة، في إشارة إلى أنّ النيّة الطيّبة وتبنّي السردية المنتصرة للحقّ الفلسطيني لا تعني بالضرورة الاطّلاع فعلا على كتابات سعيد.

قد يكون السبب كسلا فكريّا أو خوفا من الهالة التي أحيطت بأحد أهمّ المفكّرين الفلسطينيين. وقد يكون كتاب “الثقافة والمقاومة” مدخلا مقدورا عليه، في أوّل تواصل مع مُدوّنة إدوارد سعيد الخاصّة بالقضيّة الفلسطينيّة. الكتاب هو عبارة عن حوار مطوّل أجراه معه المذيع والكاتب الأمريكيّ الأرمنيّ، ديفيد بارساميان، عام 2002، وتُرجم للغة العربية بعد ثلاث سنوات.

لا يبدو طرح سعيد بعيدا عن سياق عمليّة “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها حركة حماس، في خريف عام 2023. فالمنظّر الأدبيّ الفلسطينيّ يُشدّد على أنّ “الجرح الذي انفتح عام 1948 لا يزال راعفا ولم يلتئم بعد”، مضيفا أنّه “تمّ اقتلاع مجتمع يتكوّن أساسا من العرب الفلسطينيين من جذوره”.

والانتصار للحقّ الفلسطينيّ يحتاج، بالفعل، إلماما بالسياق التاريخيّ، بما في ذلك جذور الدعم الأمريكيّ المطلق لإسرائيل. ويثير إدوارد سعيد، في هذا السياق، مسألة جماعات الضغط النافذة داخل أروقة صنع القرار السياسي. لكنّه لا يكتفي بذلك، بل يُشير إلى أنّ واشنطن، مثلما تُساند إٍسرائيل، فهي أيضا “تدعم حكّام المنطقة ضدّ تطلّعات شعوبهم”. 

ويبدو إدوارد سعيد وكأنّه يعيش بيننا، حين يتطرّق لمسألة السرديّة الإسرائيليّة وكيفيّة تبنّيها من معظم وسائل الإعلام الغربيّة، بل يذهب الرجل إلى أبعد من ذلك، فيقول: “إنّهم يريدون صمتي”. ويمضي سعيد في تعداد أسس الزيف الإسرائيليّ. فرغم عدم إنكاره الهولوكوست، يرى المفكّر الفلسطينيّ أنّ “هناك جهدا مركّزا في الولايات المتّحدة لتحويله إلى نوع من الدين الدنيويّ”. وينتهي إدوارد سعيد إلى أنّ الإسرائيليين لم يتعلّموا الدرس، إذ “ما زالوا يعتقدون أنّ منطق القوّة ودعم الولايات المتّحدة سيمكّنانهم من إعادة رسم الخريطة”. 

وإدوارد سعيد، الذي يُعتبَر أحد مؤسّسي دراسات ما بعد الاستعماريّة، يُشدّد على أنّ القضيةّ الفلسطينيّة لا تختلف كثيرا عن قضايا السكّان الأصليين، في الولايات المتّحدة، أو المحاولات الغربية الفاشلة في السيطرة على دول كأفغانستان أو مناطق كأمريكا اللاتينيّة.

وتكمن أهمّية هذا الحوار المطوّل، الذي أدلى به سعيد إلى ديفيد بارساميان، قبل أشهر قليلة من وفاته، في طرح المفكّر، الذي شغل الأوساط الأكاديميّة الأمريكية لسنوات، للخطوط العريضة لخلاصة طرحه بشأن القضيّة الفلسطينيّة، بما في ذلك اعتبار حلّ الدولتين كمأزق، إذ إنّ اتّفاقيات أوسلو لم تكن سوى إعادة تغليف للاستعمار، حسب قوله، خاصّة أنّ الوسيط الأمريكيّ يبقى، في نظره، غير نزيه.

ولعلّ الرجل يُلخّص لوحده كيف أن تكون فلسطينيّا، حتّى بعد عقود من التهجير والانغماس في النخبة الأمريكيّة، في وسط شديد العِداء لمجرّد التفكير في قضيّة حقّ باتت هي الأقدم، في التاريخ الحديث.  

( مراجعة بسّام بوننّي).

انشر المقال

متوفر من خلال:

تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني