التنقيب عن النفط: توتال تستعد لـ”قانا”… ولطرح بديل نوفاتيك


2022-08-26    |   

التنقيب عن النفط: توتال تستعد لـ”قانا”… ولطرح بديل نوفاتيك

الحلم بالثروة النفطية لم يطُل. بعد شهريْن من بدء حفر البئر الاستكشافية في الرقعة رقم 4 (2018)، تبيّن أنها جافة. اليوم، لم يعد مهماً التشكيك بالنتيجة. نظرية المؤامرة تبنّاها كثيرون ومنهم النائب جبران باسيل الذي شكّك بنتائج الحفر، ربطاً بإبلاغه باكتشاف الغاز بكميات تجارية، قبل التراجع عن ذلك وإعلان العكس. في المقابل، كلّ التقارير الفنيّة التي اطلع عليها الوزير ريمون غجر وأعضاء الهيئة، أكّدت أن البئر جافّة بالفعل. أين الحقيقة؟ على الأرجح سيبقى كلّ عند قناعته، لكن بالنتيجة، فإنّ الحفر قد توقف ولا يزال متوقّفا. مع ذلك، كان يفترض بالتحالف الذي تقوده شركة توتال الفرنسية ويضمّ شركتيْ إيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية أن يحفر بئراً في الرقعة رقم 9 قبل 27 أيار 2021، لكنّه لم يفعل. هذه مخالفة واضحة للعقد الذي ينصّ على وجوب حفر بئر استكشافية واحدة على الأقلّ في كل رقعة، خلال 3 سنوات من تاريخ موافقة الحكومة على خطة الاستكشاف (أيار 2018). مرّت السنوات الثلاث من دون أيّ حفر. هذا كان يسمح للدولة اللبنانية بتغريم الشركة وسحب الرخصة منها والبحث عن شركات جديدة. لكن بحسب ما يردّده عاملون في القطاع، فإن لا مصلحة لا للدولة ولا للشركات في فسخ العقد، إذ لا تضمن الدولة اللبنانية تقدّم شركاتٍ أخرى، فيما توتال تفضّل المحافظة على الرخصة التي تملكها.

وعليه، تمّ التمديد للتحالف حتى 22/10/2022، بعدما تقدّمت توتال بطلب للاستفادة من أحكام قانون تمديد المهل، وبعد الحصول على رأي مجلس شورى الدولة. لكن لأن هذا التمديد ليس كافياً لإنجاز التحضيرات المطلوبة لبدء الحفر، خاصّة أن الشركة لم تقمْ بأي أعمال منذ توقف الحفر في الرقعة رقم 4، كان الاتفاق على تمديد إضافي. بصمت بدا أقرب إلى التهريب، أقرّ مجلس الوزراء في جلسة 5/5/2022 تمديد العقد مجدداً، فأضيفتْ سنة بالنسبة للبلوك رقم 4، وسنتان و7 أشهر بالنسبة للبلوك رقم 9. وكان المبرّر الذي عُرض في مجلس الوزراء هو أن التحضير لحفر البئر في الرقعة رقم 9 يحتاج إلى وقت طويل (تأمين الأنابيب وإعداد دفاتر الشروط واستقدام باخرة الحفر…). أما بالنسبة للرقعة رقم 4، فقد ارتبطت فترة السنة بعدم وجود أيّ خطّة لدى الشركة لحفر بئرٍ أخرى. فهي تهدف إلى إجراء المزيد من الدراسات، وإذا تعززت إمكانية وجود الغاز، تطلب الشركة عندها المزيد من الوقت للتحضير لعملية الاستكشاف. لكن بحسب المعلومات التي كشفتها مصادر مطّلعة، أبدتْ شركة “توتال” عدم رغبتها في حفر أي بئر في الرقعة نفسها، على اعتبار أن حفر البئر الأولى أعطى فكرة أوضح عن طبيعة التربة في تلك الرقعة، والتي يرجّح أن لا تحتوي على مكامن غازية. 

بديل نوفاتيك

كما صار معلوماً، فإنّ الشركة الروسية نوفاتيك، التي تملك 20% من التحالف، طلبتْ الانسحاب. وقد أبلغتْ وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول بشكل رسمي أنها فور انتهاء فترة التمديد الأولى (22/10/2022) ستخرج من التحالف، ولن تستفيد من فترة التمديد الثانية. أما الأسباب، على ما تردد، فرغبة روسيا في ضبط الاستثمارات الخارجية والإنفاق الخارجي في هذه المرحلة. ووفق ما أشارتْ في كتابها، فإنّ عوامل عديدة دفعتْها إلى اتّخاذ القرار منها الجوانب الاقتصادية والمالية، ولا سيّما المخاطر السياسية الدولية. من جهته، طمأن وزير الطاقة أنّ هذا الانسحاب لن يؤثّر على الاتفاقيتيْن الموقّعتيْن للحفر في الرقعتيْن 4 و9، إذ تلقّت الوزارة كتابيْن من توتال وإيني تؤكدان فيهما التزامهما بتوقيع الملحقيْن التعديلييْن للاتفاقيتيْن المتعلقتيْن بتمديد فترة الاستكشاف الأولى.

وبالرغم من أنّ وزير الطاقة لم يتطرّق في بيانه إلى مسألة بديل نوفاتيك، تؤكّد مصادر مسؤولة أن الشركة المُشغّلة في التحالف، أي توتال، ستكون معنية بإيجاد البديل، انطلاقاً من الموجب التعاقدي الذي يقضي بأن يتألف التحالف من ثلاث شركات. لكن إلى ذلك الحين، يمكن تقنيًا للدولة أن تحلّ مكان الشركة المنسحبة لفترة معينة بنسبة 0.01 % مقابل حصول كل من توتال وإيني على النسبة الباقية من ال20%. أما آلية ضمّ شركة جديدة، فتفترض أن تقترح توتال اسم الشركة، على أن يوافق عليها مجلس الوزراء بناءً على رأي هيئة إدارة قطاع البترول. وحتى اليوم، تبدو قطر بتروليوم، بحسب مصادر معنيّة، الأوفر حظاً في الانضمام إلى التحالف، أولاً لأنها تبدي اهتماماً بالدخول إلى قطاع الغاز في لبنان، وثانياً لأنها تملك المؤهلات المطلوبة (يذكر أن قطر بتروليوم كانت قدّمت العرض الأفضل في مناقصة استقدام محطات تغويز عائمة، إلا أن المماطلة باتخاذ القرار من قبل الحكومة، أدّى لاحقاً إلى إبداء الشركة عدم اهتمامها بالاستمرار).

في هذا الوقت كان ورد إلى لبنان عرضٌ تركيّ للحفر في البلوكات لحدودية، إلا أن هذا العرض لم يلقَ حماسة، انطلاقاً من الحاجة إلى شركات كبرى للاستثمار في المياه العميقة وتفضيل لبنان، سياسياً، العمل مع شركات غربية.

لا بئر جديدة في الرقعة رقم 4

أيّ تغيير في طبيعة التحالف لن يكون له تأثير على عمله المتوقف أصلاً. فقد بات واضحاً أنه لا يمكن إبعاد السياسة عن قرار الشركات بالتوقّف عن حفر أيّ بئر جديدة. فبالإضافة إلى انتشار كورونا الذي أخّر أعمال الشركات العالمية كما جعلها تسعى إلى ضبط نفقاتها وحصر استثماراتها وتفضيلها دفع الأموال على آبار مضمونة سبق اكتشافها، رُبط الاستكشاف بضغوط منعت الشركة من استكمال عملها، بانتظار انتهاء مفاوضات الترسيم مع العدو الاسرائيلي. وبالرغم من أن الشركة كانت قد قررت الاستكشاف في موقع يبعد نحو 15 كلم شمال الخط 23، بما يوحي أن توتال أخذت محاذيرها الأمنية والسياسية، عادتْ وقررت الحفر في منطقة تمرّ في الخط 23. السبب بحسب المعلومات هو إجراء مسوحات جديدة أظهرت فرصاً واعدة على حدود الخط 23 (حقل قانا الممتدّ إلى جنوب الخط 23). إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن نقل الخط ليس مرتبطاً بقرار يرمي إلى خلط الأوراق ورهن الحفر بالترسيم. فبهذا التغيير، صار صعباً الحديث عن حفر يسبق ترسيم الحدود، ما يعني أن قرار الحفر انتقل من اليد اللبنانية إلى اليد الدولية، لتشعّب المفاوضات، التي تقوم أميركا خلالها بدور الوسيط. أضِف إلى أن دورة التراخيص الثانية لا تزال تراوح مكانها للسبب نفسه، إذ لم تتقدم أيّ شركة حتى اليوم، علماً أن الدورة ستقفل في 15 كانون الأول 2022.

تجدر الإشارة إلى أن العقد مع توتال لم يُحدد أين يبدأ الحفر. الشركة اختارتْ البدء في الرقعة رقم 4. هل كان القرار صائباً؟ ثمّة شبه إجماع بين العاملين في القطاع على أن هذا القرار كان سلبياً. لا أحد يجزم بوجود ضغوط داخلية أو خارجية حينها أفضتْ إلى هذا القرار، لكن قلة تستبعدها. ما حصل قد حصل، وإن تؤكد المصادر أنه لو تم البدء بالرقعة رقم 9 لكان الموضوع قد مرّ بسلاسة، إذ لم تكن مسألة الترسيم حينها قد وُضعت على نار حامية.

في هذا السياق، وبعدما كان لبنان غير قادر على إحداث أي خرق في المفاوضات التي ترفض إسرائيل تقديم أي تنازل فيها، كانت النتيجة توقف المفاوضات لأشهر طويلة، بدا لبنان فيها الحلقة الأضعف. فهو غير قادر على استئناف الحفر بسبب فيتوات غربية، فيما إسرائيل تستمرّ في تطوير حقولها، غير آبهة بالضرر الذي يتعرّض له لبنان.

نصر الله يسرّع الترسيم

نقطة التحوّل كانت في تهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بمنع إسرائيل من التنقيب إذا لم يُسمح للبنان بالتنقيب في مياهه. وبعدما أطلق حزب الله ثلاث مسيّرات باتجاه حقل كاريش (2 تموز)، الذي كان أُعلن عن وصول باخرة الحفر الخاصة بشركة انرجيان اليونانية إليه، تبعها نصر الله، في 26 تموز بتوسيع معادلة الردع “كل حقول النفط والغاز في البحر الفلسطيني المحتل تقع ضمن معادلة ما بعد بعد كاريش ولدينا إحداثياتها”. وشدّد نصر الله على أن “المهلة غير مفتوحة وإنما حتى أيلول المقبل. إذا بدأ استخراج النفط والغاز من كاريش في أيلول قبل أن يأخذ لبنان حقه، فنحن ذاهبون إلى مشكل”. وأشار إلى أن “الدولة اللبنانية قدّمت تنازلاً كبيراً عندما تحدثت عن الخط الـ23+”.

التنازل الكبير الذي تحدث عنه الأمين العام لحزب الله يؤكده مصدرٌ مطّلع عن كثب على واقع التفاوض. يقول المصدر أنّ التنازل ليس مرتبطاً بالتخلّي عن الخطّ 29 فقط، مشيراً إلى أن العودة إلى الدراسات التي أجرتْها شركة بريطانية أيام الوزير محمد عبد الحميد بيضون في العام 2000، تؤكد أن امتداد الحدود البرية في البحر يعني أن خط الحدود يمر جنوب عكا، وهو خطّ يغطّي عملياً كاريش وتمار وتامين وبعض لفيتان. بحسب المصدر، فإن إسرائيل تدرك ذلك جيداً، وهي وضعت عدداً من خطوط الدفاع في إطار مفاوضاتها مع لبنان. الخطّ الأول هو الخط رقم واحد الذي تسوّق أنه خطّ حدودها. خط الدفاع الثاني هو الخط 23، وحتى الخط 29 هو خط دفاع بالنسبة لها لأنه لا يعطي حقوق لبنان الكاملة. وعليه، يتوقّع المصدر أن لا تتردد إسرائيل في الموافقة على الخطّ 23 مع ضم كامل حقل قانا إلى لبنان، بهدف ضمان الاستخراج من كاريش من دون عوائق أو تأخير.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، مؤسسات عامة ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني