التحقيق في أحداث الطيونة: أربعة موقوفين و17 دعوى لكفّ يد القضاة


2022-09-13    |   

التحقيق في أحداث الطيونة: أربعة موقوفين و17 دعوى لكفّ يد القضاة

لا يزال ملف أحداث الطيونة التي وقعت في تشرين الأول 2021، ودفع الشعب اللبناني ثمنها سبع ضحايا، إلى اليوم في يد قضاء التحقيق العسكري. وفي حين أطلق سراح معظم الموقوفين، ما زال هناك أربعة مدعى عليهم موقوفون، هم جورج توما من منطقة عين الرمانة، ونبيه بري وعلي مبارك وبلال سلوم من منطقة الشياح.

وما فرّقته السياسة جمعته الإنسانية، فأهل الموقوفَين من كلا الطرفين مبارك وتوما، على تواصل دائم، يلتقون دائماً خلال مواعيد زيارة الموقوفين ويناقشون تبعات القضية. تشعر يولا زوجة توما مع والدة مبارك “أنا كمان عم حسّ فيها بعرف أديش صعبة، حوّلولنا القصة سياسية وما عارفين نخلص”.

وكانت مناطق الطيونة والشياح وعين الرّمانة شهدت في 14 تشرين الأوّل 2021،  اشتباكات عنيفة بعد مرور مجموعة من مناصري حزب الله وحركة أمل في طريقهم للمشاركة في تظاهرة احتجاجيّة أمام قصر العدل ضدّ ما يصفونه تسييس التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت. وسقط في الاشتباكات 7 قتلى غالبيتهم من أنصار الثنائي بالإضافة إلى عشرات الجرحى. 

وعلى إثرها، كلّف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي مخابرات الجيش بإجراء التحقيقات الأوّلية، وادّعى بناء عليها على 68 شخصاً بجرائم القتل ومحاولة القتل وإثارة الفتنة الطائفية، من ضمنهم عدد من الموقوفين، وأحال الملف إلى قاضي التحقيق العسكري الأوّل فادي صوّان الذي أطلق سراح معظم الموقوفين لغاية الآن وأصدر عدداً من مذكرات التوقيف الغيابية. وقد بلغ مجموع عدد الموقوفين من عين الرمانة حوالي 22 موقوفاً منهم أربعة كانوا في المستشفيات، وحوالي سبعة موقوفين من الشياح، وفقاً وفقاً للمحامي جوزيف الأسمر، وكيل الموقوف توما. 

وقد أصبح الملف رهن التجاذبات السياسية بخاصة على أثر ادّعاء عقيقي في آذار الماضي على رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع من دون أن يتّضح لغاية الآن مصير هذا الادّعاء. وكمعظم الملفات التي تتحوّل إلى “قضية رأي عام”، تخلّل مسار التحقيق في جريمة الطيونة عدد من العراقيل، لا سيما بسبب تقدّم الأطراف المعنية بعدد كبير من الدعاوى لردّ القضاة المعنيين  بالتحقيق. 

أجرت “المفكرة” مقابلات واتصالات بالمحامين المتابعين للتحقيق وبأهالي الموقوفين الأربعة الباقين، باستثناء الموقوف نبيه بري الذي تمنّع ذووه عن الإدلاء بأي تصريح. وقد أجمع الأهالي أنّ القاضي صوّان يرفض جميع إخلاءات السبيل التي يتقدّم بها المحامون الموكلون عن أبنائهم، وأنّ الملف بات سياسياً وأنّ أحزاب معيّنة هي من ترفض إخلاء سبيل أولادهم. 

طلبات الردّ عرقلت مسار التحقيق

تواصلت “المفكّرة” مع وكلاء الضحايا والمدّعى عليهم للاستيضاح حول مسار التحقيق والعراقيل التي يواجهها. وأفاد الوكلاء بأنّ الخصوم تقدّموا بعدد من الدعاوى لردّ القضاة المعنيين بالتحقيق. 

بعد مراجعة دفتر الأساس في محكمة الاستئناف المدنية في بيروت المختصّة بالنظر في طلبات ردّ القضاة التابعين لها، تبيّن وجود 15 طلب ردّ يتعلّق بقضية الطيونة من 26/10/2021 ولغاية 19/7/2022. وقد توزّعت هذه الطلبات على الشكل التالي: 8 طلبات مقدّمة من تسعة من المدّعى عليهم والموقوفين من عين الرمانة بوجه مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي، 5 طلبات مقدّمة من قبل وكلاء الضحايا (علماً أن الضحايا لا يشاركون في التحقيق أمام القضاء العسكري) بوجه ثلاثة قضاة هم: قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان ورئيس غرفة محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في طلبات الردّ نسيب ايليا ورئيس محكمة التمييز العسكرية الناظرة في قضايا الجنح صقر صقر، بالإضافة إلى طلبين اثنين مقدّمين من قبل أحد المدعى عليهم الموقوفين من الشياح (سلّوم) بوجه صوّان وإيليا. وقد تمّ رفض جميع هذه الطلبات باستثناء طلبين اثنين بوجه عقيقي لا يزالان قيد النظر. 

كذلك تبيّن وجود دعويين على الأقل أمام غرف محكمة التمييز: الأولى مقدّمة من أحد أهالي الضحايا (همدر) الذي طلب نقل الدعوى المتعلقة برد صوّان من محكمة الاستئناف المدنية إلى محكمة أخرى، لكن محكمة التمييز المدنية رفضت الطلب؛ والثانية مقدّمة من أحد الموقوفين (توما) الذي طلب نقل الدعوى من عقيقي إلى قاضٍ آخر لكننا لم نتمكّن من التثبت من مصيرها في قلم محكمة التمييز الجزائية.

فعلى ماذا استندت هذه الدعاوى وما كان تأثيرها على مسار التحقيق؟ وفقاً للمحامي أنطوان سعد، وهو وكيل عدد من المدّعى عليهم من عين الرمانة، استندت طلبات رد عقيقي إلى أنّ “القاضي عقيقي خالف الأصول القانونيّة خلال إشرافه على التحقيقات الأوّلية لناحية عدم التزامه بالمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية التي تعطي الموقوفين حق حضور محام التحقيق والاتصال بأهاليهم، كما خالف أيضاً المهلة القانونية لناحية التوقيف الاحتياطي والتي أقصاها 4 أيّام”. ووفقاً للمحامي جوزيف الأسمر، استندت الطلبات أيضاً إلى العلاقة العائلية بين عقيقي ورئيس مجلس النوّاب وحركة أمل نبيه بري (زوج ابنة شقيقته). وأدّت هذه الدعاوى إلى كفّ يد عقيقي مؤقتاً خلال النظر في هذه الطلبات، فتولّى القاضي كلود غانم مهام النيابة العامة خلال هذه الفترة. وقد رفضت محكمة الاستئناف معظم هذه الطلبات إما شكلاً لتقديمها خارج المهلة القانونية أو في الأساس لعدم قانونيّتها.

أما المحامي حسين بشارة وكيل ذوي الضحية مريم فرحات همدر، فيؤكّد لـ “المفكرة” أنّ التحقيقات في ملف الطيونة توقفت حوالي ثلاثة أشهر من تشرين الثاني 2021 حتى آذار 2022، وذلك بسبب طلبات رد القضاة التي توّجهت ضد القاضي صوّان ورئيس محكمة الاستئناف في بيروت، القاضي نسيب إيليا، الذي ينظر في طلب رد صوّان. وقد أفاد أن الطلبات استندت إلى طائفة القاضيين المسيحية على أثر مقابلة تلفزيونية لسمير جعجع ضمن برنامج “صار الوقت” على “إم تي في” التي اتهم فيها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي بالتبعية لحزب الله، وهو ما يبرز المقاربة الطائفية للملف من قبل الأطراف المعنية. وقد رفضت المحكمة طلب ردّ صوّان، مما أدّى إلى استمرار الملف بعهدته.

أهالي الموقوفين يخشون أن يكونوا كبش فداء  

يعتبر أهالي الموقوفين علي مبارك وبلال سلوم وجورج توما، أنّ السياسة تتحكّم بقضيّتهم. 

تذرف زوجة جورج توما الدموع قهراً على زوجها الذي تجاوز الستين من عمره، تندم “على اللحظة” التي حاول فيها “الدفاع عن منطقتهم” بحسب قولها، تقول “إنشالله كانوا فاتوا وكسّروا الدنيا، أنا عم موت برّا وهو عم بيموت بالحبس، ماي مسقعة ما عم يخلّونا نفوّتلو، محطوط تحت الأرض”. تأتي صعوبة التوقيف في ظل الأزمة الاقتصادية والحاجة إلى المال والعمل، “أنا مكسورة على اشتراك الموتور”، وتلقي اللوم على القضاء “المسيّس” الذي يرفض طلبات إخلاء السبيل.

وتقول مايا مبارك شقيقة الموقوف علي لـ”المفكرة”، إنّ الإفراج عن شقيقها بات مرتبطاً بالإفراج عن الموقوف جورج توما من عين الرمانة، “هنّي حاطين واحد مقابل واحد”، كذلك يرى ناصر سلّوم شقيق الموقوف أنّ قضية شقيقه باتت قضية رأي عام والإفراج عنه يحتاج قراراً سياسياً. 

لم تلق القوى الأمنية القبض على الموقوفين الثلاثة من منطقة الشياح، مبارك وسلوم ونبيه برّي، مباشرة بعد أحداث الطيونة، بل تم توقيفهم من قبل مخابرات الجيش بعد حوالي شهرين من اندلاع الأحداث. وتقول شقيقة مبارك الذي كان مطلوباً بتهمة إطلاق النار بأنّه تعرّض خلال التوقيف للضرب والتعذيب، حتى اعترف أنّه شارك في أحداث الطيونة عبر إطلاق النار في الهواء. وكيل مبارك، المحامي جهاد البيروتي الذي استلم الملف قبل حوالي شهرين أفاد أنّه تمّت تسوية جميع التهم الموجهة إليه باستثناء التهم المتعلقة أحداث الطيونة. 

تؤكّد مايا مبارك أنّه لا يوجد دليل مادي ضدّ شقيقها “ما في ولا فيديو ولا صورة أو أي شي بيثبت إنّو شارك”. وتضيف مايا أنّ شقيقها سيكون “كبش فداء كونه الحلقة الأضعف” لأنّه على الرغم من مرور ستة أشهر على توقيفه في سجن الريحانية لم يحرّك أحد ساكناً. وتتحدّث عن ظروف قاسية في السجن وإجراءات مشدّدة تمنع إدخال الطعام وتفرض المواجهة من وراء الزجاج، “صرلنا 6 أشهر مش عابطينو لعلي وهو صبي وحيد، إمي عم بتدوب”.  

أما ناصر سلوم شقيق الموقوف بلال سلوم فيقول إنّ بلال، قبل أحداث الطيونة، كان مطلوباً بتهم إطلاق نار فتمّ إلقاء القبض عليه وأضيفت إلى ملفّه دعوى الطيونة. وقال المحامي محمد عيسى، وكيل سلّوم، إنّ التهم التي وجهت إلى سلّوم هي إطلاق نار وحيازة أسلحة، وإثارة النعرات الطائفية والسلم الأهلي، وتشكيل مجموعات تخلّ بهيبة الدولة، وأنّه لا وجود لدعاوى سرقة أو اتجار بالمخدرات كما يشاع. 

وكان أهالي مبارك وسلّوم قد نفذوا وقفة تضامنية أولى بتاريخ ، وكان من المفترض تنفيذ وقفة ثانية  في 24 من حزيران الفائت، إلاّ أن قيادات حزبية تدخّلت لمنع التحرّك، بحسب قول مايا، وتمنّوا عليهم إلغاءها “كونها تمسّ بصورة الحزب”. وتعتبر مايا أنّ “حزب الله” لا يريد الإفراج عن جورج توما، والقضاء “المسيّس” برأيها لن يخلي سبيل مبارك طالما توما موقوف. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، محاكم عسكرية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني