الانتخابات البلدية حبيسة المزايدات: الكلّ يريد التأجيل ولا أحد يتبنّاه


2023-03-24    |   

الانتخابات البلدية حبيسة المزايدات: الكلّ يريد التأجيل ولا أحد يتبنّاه
رسم: رائد شرف

مع كل انتخابات، نيابية أو بلدية، يُطرح السؤال نفسه: هل ستُجرى أم تُؤجّل؟ سؤال صار ملازماً لكل الاستحقاقات الدستورية، انطلاقاً من أن المواعيد والمهل لا تعني شيئاً، طالما أنّ القرار يبقى في يد الزعماء، الذين يقيسون كلّ الاستحقاقات تبعاً لمصالحهم.

الانتخابات البلدية التي تأجلت في العام الماضي، بسبب تضارب موعدها مع موعد الانتخابات النيابية، يُفترض أن تُجرى قبل نهاية أيار 2023، موعد انتهاء الولاية الممددة للمجالس البلدية والاختيارية. لكن قبل شهرين من انتهاء الولاية وقبل أقل من شهر ونصف على الموعد المفترض للانتخابات (7 أيار)، لا أحد يستطيع أن يؤكد أن الانتخابات حاصلة فعلاً. الأسباب عديدة لكن أبرزها أنه لا يوجد بين القوى السياسية من يعتبر أن هذه الانتخابات أولويّة. قد تكون “القوات اللبنانية” الوحيدة التي تعلن أنها مهتّمة بحصولها، ظناً منها أنها ستُحرج التيار الوطني الحر. لكن في الواقع، ينتهي حماس “القوات” عندما يُحكى عن عقد المجلس النيابي لجلسة تشريعية لإقرار الاعتمادات اللازمة لإجراء الانتخابات. 

بحسب وزارة الداخلية، فإنّ الانتخابات تحتاج لإجرائها إلى 8.890 مليون دولار، تضاف إلى 2.2 مليون دولار سبق أن حصلت عليها الوزارة كهبات عينية (قرطاسية) من جهات دولية عديدة. ولأن كلفة الانتخابات البلدية لم تكن مرصودة في موازنة 2022، يتحتّم بالتالي إقرارها كاعتماد إضافي. لكن المشكلة تتعلّق بكيفيّة إقرار هذا الاعتماد في ظلّ عدم انعقاد مجلس النواب، وفي ظلّ رفض العديد من القوى المشاركة في أيّ جلسة تشريعية. هل هذا يعني أنّ التأجيل سيكون من بوابة عدم انعقاد المجلس النيابي؟ يعود رئيس لجنة الداخلية والبلديات جهاد الصمد إلى المبدأ جازماً أنه في الحالتين ثمة حاجة لانعقاد مجلس النواب. وفي حديثه لـ”المفكرة القانونية” يقول إن “إجراءها يتطلّب من المجلس إقرار الاعتمادات، وتأجيلها يتطلب من المجلس إقرار قانون يمدد للمجالس البلدية والاختيارية”. علماً أنه في ظلّ الإشارة إلى وجود سبل أخرى لتمويل الانتخابات، فإنّ الإشكاليّة تتعلق في صعوبة إيجاد مخرج للتأجيل خارج مجلس النواب.

ضغط خارجي ناعم

لذلك كانت لجنة الدفاع والبلديات واضحة، في البيان الذي أصدرته بعد اجتماعها الذي عقد في 7 آذار، في تحميلها مسؤولية إجراء الانتخابات للحكومة، مطالبة إياها “بتأمين المبالغ المطلوبة بكل الوسائل المتاحة”. وقد أكّد الصمد أن أهميّة الانتخابات الاختيارية تسبق أهميّة إجراء الانتخابات البلدية، لأنه “إن كان القائمقام يمكن أن ينوب عن البلدية، وهو الأمر الذي يجري حالياً حيث يوجد 120 بلدية منحلّة من أصل 1055 بلدية في لبنان، فإنّ لا نص يشير إلى من ينوب عن المخاتير. وبدونهم كل شيء في البلد يتعطّل، لاسيما على صعيد المعاملات التي تحتاج إلى إفادة مختار وهي كثيرة”.  

أبرز المصادر المطروحة حالياً لتمويل الانتخابات هي حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي، والتي بقي منها ما يُقدّر بـ 350 مليون دولار (كان الرئيس نجيب ميقاتي تعهد بعدم الصرف من هذه الأموال إلا بموافقة مجلس النواب وهو ما لم يحصل)، خاصة أن لا إمكانية من تمويلها من خلال النقل من احتياطي الموازنة، لأن بند الاحتياط “شبه فارغ”، بعدما خفضت قيمته بشكل كبير في موازنة 2022، لكي لا يكون العجز كبيراً. من يدعو إلى هذا الخيار، ومنهم “القوات” التي تريد أن تتجنّب حشرها في زاوية إثبات صدقها في الدفع باتجاه إجراء الانتخابات من خلال المشاركة في جلسة تشريعية، لا ينفي عدم قانونيته. وفيما تعتبر مصادر حكومية أنّه بالإمكان أيضاً الحصول على المبلغ المتبقّي من الجهات المانحة، فإن الصمد يشكّ في ذلك، انطلاقاً من أنه لم يسبق أن تكفّلت جهات مانحة بتأمين البدلات المالية للعاملين على إتمام العملية الانتخابية من قضاة ومعلمين وموظفين وقوى أمنية. هنا يطرح السؤال عن حجم الضغط الخارجي لإجراء الانتخابات. هذا المعطى قد يكون حاسماً في تحديد مصير الانتخابات، لكن المشكلة أن ثمة تضارباً في الرسائل الخارجية أيضاً. فأمام الإشارة إلى إحراج رئيس الحكومة أمام السفراء الذين يلتقيهم والذين يدعون إلى إجراء الانتخابات في موعدها، ثمّة من يؤكّد أن الدول الأجنبية مقتنعة أن الانتخابات البلدية ليست أولوية اليوم. إذ أنّ الأولوية تبقى لانتخاب رئيس جمهورية، وهي إن كانت تتمسك بموقفها الداعي إلى إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، فإن هذا الموقف لا يعني ممارسة الضغط لإنجازها.

“تسيير المرفق العام” يسري على البلديات؟

المشكلة الثانية التي تُواجه الانتخابات تتعلّق بالقدرة اللوجستيّة على إجرائها. فهي تحتاج إلى كادر بشريّ كبير لن يكون سهلاً ضمان مشاركته في ظلّ الإضرابات المستمرّة والتي قد تمتدّ إلى الانتخابات أيضاً. فإضراب الأساتذة على سبيل المثال دخل شهره الرابع من دون وجود أيّ أفق ينقذ العام الدراسي ومصير آلاف التلاميذ، وبالتالي لن يكون سهلاً استثناء الانتخابات من الإضراب. كذلك ليس مضموناً مشاركة القضاة في لجان القيد، بالرغم من تأكيد القاضية ماريز العم أمام لجنة الداخلية والبلديات أن “مجلس القضاء الأعلى عيّن القضاة في لجان القيد والقاضي الذي لا يريد المشاركة يُعيّن بديلٌ عنه، وهذه اللجان باشرت عملها”. 

يختصر النائب قاسم هاشم الموقف، في حديثه إلى “المفكرة”، بتأكيد أن المزايدات هي التي تتحكم بالمشهد اليوم. فأغلب الكتل غير مهتمّة بإجراء الانتخابات، لكن المشكلة أن لا أحد يريد أن يتحمّل مسؤولية تأجيلها. ولذلك، يخشى هاشم من الوصول بالمزايدات إلى عدم تأمين الاعتمادات لإجرائها، وفي الوقت نفسه عدم عقد جلسة لتأجيل الانتخابات. عندها يكون السؤال: هل ثمّة من يملك فتوى لإبقاء المجالس البلدية والاختيارية قائمة انطلاقاً من استمرارية المرفق العام؟ 

دعوة الهيئات الناخبة في 3 نيسان

هذا تحديداً ما يؤكد عليه وزير الداخلية بسام مولوي، الذي أعلن، في حديث لموقع”أم تي في” نشر في 23/3/2023، أنّ لا تأجيل للانتخابات إلا عبر قانون صادر عن مجلس النواب. وزيادة في الوضوح قال: “لن نقبل بأيّ فتوى أخرى تُجيز استمرار المجالس البلديّة والمخاتير بعملهم بحجة تسيير المرفق العام”. ولفت مولوي إلى أن الصعوبات اللوجستية والمادية التي قد تعترض حصول الانتخابات يمكن تجاوزها، فالدولة تدفع هنا وهناك ويمكنها أن تدفع تكاليف الانتخابات وأن تعطي القضاة والأساتذة ما يستحقّون للمشاركة في تنظيم الانتخابات، مستبعداً حصول عرقلة من وزارة المال في هذا المجال. كما أكد أنه سيدعو الهيئات الناخبة بعد ظهر الإثنين في 3 نيسان المقبل في حال لم تعقد قبل هذا التاريخ جلسة تشريعية للتمديد. 

بالنسبة للنائب حسن فضل الله، فإنّ أحداً لا يمكنه الإجابة على سؤال: هل ستجري الانتخابات البلدية في موعدها؟ لكنه يؤكد ل”المفكرة” أن حزب الله جاهز للانتخابات، وما يقال عن رغبة في تجنّب الصراع البلدي بين الحزب وحركة أمل غير دقيق، إذ ثمة اتفاقاً سابقاً بين الطرفين أنجز في العام 2016 يقضي بتوزيع البلديات بين الطرفيْن لا يزال ساري المفعول. ويحذّر فضل الله من مشكلة في حال لم تجرِ الانتخابات ولم يقر قانون التمديد، فهذا يمكن أن يشلّ البلد، إذ لن يكون هنالك قدرة على إنجاز إخراج قيد أو وثيقة ولادة أو إفادة سكن. 

“القوات” تريد الانتخابات وترفض المشاركة في تمويلها

وإذ اتّهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع “الرئيس نبيه بري وفريق الممانعة وبعض النوّاب والكتل الأخرى” بالتحضير “لمحاولة عقد جلسة تشريعيّة هدفها الفعلي والأساسي تطيير الانتخابات البلديّة والاختياريّة والتّمديد للمجالس الحاليّة”، فقد ردّ عليه النائب علي حسن خليل بالاشارة إلى أنه فيما يتحدث عن تطيير الانتخابات البلدية ويحمّل المسؤوليات يعمل هو وأعضاء كتلته بوضوح لتعطيل تأمين تمويل إجرائها في مواعيدها، قاصداً بذلك رفض القوات المشاركة في جلسة لإقرار التمويل. وأضاف: “بالمناسبة لقد تقدّمت بالأمس باسم كتلة التنمية والتحرير باقتراح قانون لفتح اعتماد إضافي لتأمين تمويل إجراء الانتخابات في مواعيدها والذي سيُحال إلى جلسة اللجان المشتركة لإقراره مع غيره من القوانين تمهيداً لعرضه في الجلسة التشريعية المقبلة” (كان بنداً أولاً في مسودة جدول الأعمال الذي وزّع أمس بشكل غير رسمي). 

وإذ يحذّر الموقف المُعلن لـ “القوّات” من تأجيل الانتخابات رافضاً في الوقت نفسه المشاركة في جلسة تشريعية لإقرار تمويلها، فإن مصادر قريبة من الكتلة ترفض الكشف عن اسمها تبلغ “المفكرة” أن مسألة حضور الجلسة من قبل الكتلة لن يكون مستبعداً إذا كان إقرار اعتمادات الانتخابات بنداً وحيداً. لكن مع ذلك، فإن المصادر نفسها ترى أنه حتى لو تقرّر إجراء الانتخابات من خلال تمويلها عبر الحكومة، فمن الممكن أن تُجرى وتفشل، انطلاقاً من الفوضى العارمة التي تعمّ البلد. إذ أنّ أي مرشح قد يحتاج لأشهر حتى يؤمّن المستندات المطلوبة للترشيح، لاسيما أن مأموري النفوس يداومون يوماً واحداً في الأسبوع. ولذلك، يرى المصدر أنه بعيداً عن الموقف السياسي الواضح للقوات، فإنه يعتبر أنه لا بدّ من تأجيل الانتخابات لسنة واحدة أو على الأقل ريثما ينتخب رئيس الجمهورية.

أمام هذا الواقع، صار واضحاً أنه مع تقدم الوقت يزداد الضغط على القوى السياسية لحسم قرارها. وإن لم يحسم وزير الداخلية الموقف من آلية تمويل الانتخابات، على اعتبار أن المهم بالنسبة للوزارة هو الحصول على الأموال، فإن الخطوة التالية المفترضة ستكون في إيجاد التخريجة المناسبة لتأجيل الانتخابات، وإلا فإن المزايدات قد تؤدي إلى إجرائها بوصفها “فلتة شوط”. أما مسألة دعوة الهيئات الناخبة، فتُقلل مصادر مطلعة من أهميتها على اعتبار أن التمديد يمكن أن يجري في الأسبوعين الأخيرين قُبيل الانتخابات أو حتى قبيل موعد انتهاء ولاية المجالس الحالية، بعدما تكون قد حسمت مسألة عدم القدرة على إجراء الانتخابات، إن كان لأسباب مالية أو لوجستية.

مقاطعة مسيحية في بيروت

لكن لأن “لو” حاضرة دائماً، كما حصل في الانتخابات النيابية التي ظلّت التوقعات بإلغائها قائمة حتى قبل شهر من الانتخابات، فإن التخوّف من أن تتحوّل إلى أمر واقع، ساهم في بدء الجميع استعداداته لخوضها، وإن بوتيرة بطيئة وحذرة، منعاً لأي مفاجآت غير محسوبة. وبعد “القوات”، أطلق “التيار الوطني” ماكينته الانتخابية. لكن المشكلة التي يُركّز عليها النائب نقولا صحناوي تتعلّق بخصوصية بلدية بيروت. يقول صحناوي لـ”المفكرة” إن تيار المستقبل كان الضامن للمناصفة في البلدية بوصفه الجهة الأكثر تمثيلاً للطائفة السنية في العاصمة، لكن بعد انسحابه من الحياة السياسية، لم يعد هنالك من ضابط إيقاع، ما يضع هذه المناصفة، وبالتالي الوجود المسيحي في العاصمة في المجهول. 

وفي هذا السياق، قدّمت ثلاثة اقتراحات ترمي إلى ضمان حصّة مسيحية في المجلس البلدي المؤلف من 24 عضواً. الاقتراح الأول الذي قدمه أعضاء  تكتّل “لبنان القوي” نقولا الصحناوي وإدكار طرابلسي وسيزار أبي خليل هدف إلى استحداث بلديتين في بيروت (الدائرتان المعتمدتان في الانتخابات النيابية) كل بلدية مؤلفة من 12 عضواً وإلغاء المجلس البلدي الحالي (12/4/2022). إلا أن النواب أنفسهم عادوا، بفعل صعوبة تسويق هكذا اقتراح في الظروف الراهنة والحاجة إلى “حلّ” سريع، إلى استبدال الاقتراح الأول بتقديم اقتراح معجّل جديد في 27/2/2023 ينصّ على انتخاب كل دائرة ل12 عضواً في المجلس البلدي الحالي، ما يؤدي عمليا إلى منح وزن متساو للناخبين المسيحيين والمسلمين رغم تفاوت أعدادهم. كما سبق للنائب هاغوب ترزيان أن قدّم اقتراحاً يسمح بانتخاب كل حي من أحياء بيروت ال12 عضوين في المجلس البلدي لمدينة بيروت، إضافة إلى 3 ممثلين في ما يسمى مجلس الحي. وعليه، يؤكد الصحناوي أنه في حال لم يُصر إلى تعديل القانون بما يضمن الحصة المسيحية، فإن المقاطعة ستكون أحد الخيارات المطروحة بقوة في بيروت، وهذا لا يشمل التيار فقط. 

أما على صعيد مبدأ إجراء الانتخابات، فيؤكد صحناوي أن التيار يتحضّر لها ومستعد لخوضها، لكنه في حال توافقت الأغلبية على أنه ليس الوقت المناسب لخوضها فلن يمانع التيار السير بهذا التوافق.

من جهته، يؤكد النائب ابراهيم منيمنة ل”المفكرة”، إلى سعي للتلاقي بين أطياف المعارضة والقوى التغييرية والمستقلّة على برنامج موحّد يخوضون فيه انتخابات العاصمة. وهو إذ يطالب بإجراء الانتخابات في موعدها، إلا أنه يدرك أن الأجواء العامة اليوم لا تشي بتوجّه السلطة إلى إجرائها، من دون أن يُعرف كيف تنوي فعل ذلك. لكن في مطلق الأحوال “يُعمل راهناً على قاعدة أن الانتخابات حاصلة في موعدها”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني