الامتحانات الرسميّة بحكم الأمر الواقع: عدالة التعليم درس محذوف أيضًا


2023-05-18    |   

الامتحانات الرسميّة بحكم الأمر الواقع: عدالة التعليم درس محذوف أيضًا

بداية تموز المقبل سيتوجّه تلامذة لبنان، وبحكم الأمر الواقع، لإجراء الامتحانات الرسميّة في الشهادتين المتوسّطة والثانويّة بعدما أصرّت وزارة التربية على إجرائها ضاربة عرض الحائط مبدأ عدالة التعليم بين تلامذة الخاص والرسمي ولجهة المهارات والمعارف التي تمكّنوا من اكتسابها في ظلّ الإضرابات المتواصلة. وبعد فشل الوزارة ومن خلفها الحكومة في تأمين أدنى المقوّمات التي تضمن انتظام العام الدراسي في القطاع الرسمي، ووضع خطة تربوية شاملة تأخذ في عين الاعتبار الفاقد التعلّمي الذي نتج عن إقفال كورونا في القطاعين الرسمي والخاص، ارتأت أنّ “الحلّ” يكون بتقليص المناهج وتوزيع مواد الامتحانات بين إلزامية وأخرى اختيارية من دون مراعاة تأثير ذلك تربويًا.

وكانت الوزارة في بداية العام الجاري أعلنت على خلفية توقّف التعليم الرسمي قبل الظهر، توقف الدروس بعد الظهر في المدارس الرسمية لغير اللبنانيين عملًا بما أسمته حينها “مبدأ المساواة” (التعليم عاد بعدها بأسابيع)، ولكنّ هذا المبدأ/الحجّة غاب تمامًا عن الوزارة حين قرّرت إجراء الامتحانات الرسميّة في هذه الظروف من دون أن تؤمّن أدنى المعايير التي تضمن انتظام العام الدراسي الرسمي، وبعدما عمدت إلى تقليص المناهج لتكون الكفايات (competencies) التي حصل عليها التلامذة في المدارس الرسميّة أقل بكثير من تلك التي حصل عليها تلامذة الخاص.

إصرار وزارة التربية على إجراء الامتحانات الرسميّة بهذه الطريقة وتحديدًا الشهادة الثانوية حيث لم ينتظم التدريس بعد، يصفه بعض الأساتذة بـ “المجزرة التربوية بحقّ تلامذة الرسمي كرمى لعيون الخاص” فيما يضعها آخرون في إطار “فخّ نُصب لتلامذة الرسمي”، عبر إعطائهم شهادات لن تمكّنهم عمليًا وفي ظلّ نقص المعارف والمهارات من إكمال مسيرتهم التعليميّة”.

ويطرح إجراء الامتحانات في هذه الظروف عددًا كبيرًا من التساؤلات بدءًا ممّا هو بديهي وهو مدى جهوزيّة التلامذة في القطاع الرسمي، مرورًا  بالنقص في المهارات والمعارف الذي ستكون عائقًا أمامهم في مسيرتهم التعليميّة، ومبدأ عدالة التعليم وصولًا إلى كلفة الامتحانات الرسمية وهل كان بالإمكان إنقاذ العام الدراسي لإجراء امتحانات أكثر عدالة وشفافيّة.

هل التلامذة جاهزون؟ 

“نحن لم ندرس شيئًا، ليس هذا العام فقط بل منذ ثلاثة أعوام في الصف العاشر كنّا عن بعد والكلّ يعرف المشاكل التي واجهناها، في الصف الحادي عشر كان العام كلّه إضرابات، وهذا العام درسنا أوّل شهرين ومن ثمّ أضرب الأساتذة 4 أشهر، وعدنا لنكمل ما علينا بسرعة، لا أعرف إن كنّا قادرين على خوض امتحانات رسمية، والأهم ماذا عن المهارات والكفايات التي اكتسبناها هل ستمكّننا من دخول الجامعة؟ أشكّ في ذلك”، هكذا تُجيب جوليا طالبة الصف ثالث ثانوي في ثانويّة رسمية في قضاء الشوف عند سؤالها عمّا حصّلته خلال هذا العام وعن مدى استعدادها للامتحانات.

تشرح جوليا في اتصال مع “المفكرة القانويّة” كيف يتمّ جمع الشُّعب (إنكليزي وفرنسي) بسبب عدم التزام جميع التلامذة بالحضور وامتناع عدد من المعلمين عن التدريس “معظم التلامذة يدرسون في المنزل، لا يملكون كلفة الوصول إلى المدرسة، ومن يملكها يخشى تضييعها لا سيّما أنّ ساعات التعليم غير منتظمة، أستاذ يحضر وأستاذ لا”، تقول جوليا ملخّصة أبرز المشاكل التي يعانيها قطاع التعليم الرسمي وضياع حقّ أساسي من حقوقها أي حقّ التعلّم. وتسأل: “أنا من 3 سنوات نقلت عالتعليم الرسمي، أبي يعمل عملين ليرسلني إلى المدرسة حيث بالكاد أتعلّم، أين عدالة التعليم؟ وهل سأتمكن من اجتياز امتحانات الدخول في أيّ جامعة؟”

عند الحديث عن انتظام التدريس، تصرّ جوليا على لفت النظر إلى أنّه لا يزال هناك أساتذة لا يدرّسون فتقول إنّه على سبيل المثال في صف العلوم العامّة، أستاذ الفيزياء وهي مادة أساسية لا يزال مضربًا، وبالتالي فتلامذته لم يدرسوا شيئًا من المادة. وتُضيف: “أمّا نحن الاقتصاد والاجتماع، فعاد أساتذتنا للتعليم ولكن لم ننهِ المطلوب حتى اللحظة (وفق الحلّ الذي ارتأته الوزارة)، والمطلوب أصلًا أقلّ من نصف المنهج الأساسي، ولكن هل يسأل أحد كيف ننهيه؟ ننهيه لننهيه فقط، وبسرعة، نشعر معها بأننا ضحايا تمامًا مثل الأساتذة”.

ما تقوله جوليا يكرّره معظم التلامذة الذين تواصلت معهم “المفكرة” منهم علي التلميذ في ثانوية بالهرمل الذي يقول: “نحن لم ندرس 20% من المنهج حتى اللحظة، أكثر الأيام نتعلّم بحدود ساعتين”. وتتحدّث سابين أيضًا وهي تلميذة اقتصاد واجتماع عن “إنهاء مقرّري الاجتماع والاقتصاد في أسبوعين وعلى عجل” وعن “عدم قدرة التلامذة على تحليل سؤال، وعن امتحانات تجرى بشكل شكلي”، “المهم ما نخلّي الورقة بيضا، نحن مثلًا لم ندرس لغات بالشكل المطلوب منذ الصف السادس واليوم قرروا إعطاءنا كلّ شيء، نحن لا نتعلّم، لا نفهم حتى السؤال”، تقول مستنكرة.

كم تعلّم التلامذة: الرسمي vs الخاص

عند سؤالنا وزارة التربية عن الكفايات وعن مدى جهوزيّة التلامذة لتقديم امتحانات، توضح رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحق أنّه حتى نهاية العام الدراسي الحالي سيكون التلامذة في صفوف الشهادات في المدارس الرسمية قد غطّوا 13 أسبوع تدريس، وأنّ ما حُذف من المنهج هو 40% فقط، أي أنّ التلامذة سيغطون 60% منه. وفي حين لا تنكر إسحق تأثير هذا الأمر على الكفايات الأساسيّة المطلوبة، تُشير إلى أنّ “التقليصات التي حصلت على المنهج أخذت بعين الاعتبار المعارف الأساسية، وراعت موضوع التتابع، وأنّ ما ذهب إليه المركز هو أفضل المتاح وبطبيعة الحال ليس ما نطمح إليه”.

ويعتمد المركز التربوي في تحديد الأيام أو النسبة التي تمّت تغطيتها من المناهج على استبيانات أرسلها إلى المدارس اطّلعت “المفكرة” على نتائجها وبيّنت أنّه حتى آذار الماضي أنهت صفوف الثالث ثانوي في المدارس الرسمية، ما يقارب من 35% من المنهج بينما تجاوزت النسبة في القطاع الخاص 53%. 

ولكن في تفاصيل الأرقام يتبيّن مثلًا أنّ نسبة تغطية المنهج في صفوف الثالث ثانوي 38% في المدارس الرسمية و55% في الخاص، ولكنّ نسبة تغطية المادة الأساسية في هذا الصف أي علوم الحياة كانت 26% و36% (إنكليزي – فرنسي) بينما الجغرافيا 43% 49% والتربية 41% و37% وفي اللغة العربية 53% و55%، ما يعني أنّ ارتفاع النسب في مواد غير أساسية  في المدارس الرسمية يرفع النسبة العامّة. وهذا يقودنا إلى السؤال عن الكفايات التي كسبها هؤلاء التلامذة في مواد سيختارون على أساسها اختصاصهم الجامعي. 

وتعلّق أستاذة اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية كلارا اللقيس إنّه في المدارس الثانوية كان هناك 80% من الأساتذة مضربين 100% عن التعليم و20% بشكل جزئي، عادوا (وليس كلّهم) في شهر نيسان الذي كان كلّه عطلًا مدرسية، فمنطقيًا لا يمكن أن يكونوا قد أنهوا أكثر من 20% إلى 40% وهذا يعتمد على كيفيّة إعطاء الدروس فإذا أراد الأستاذ إعطاء المنهج من دون إعطاء التلميذ فرصة للتطبيق قد يصل إلى 40% ولكن على حساب التلميذ.

وفي الإطار نفسه يقول أستاذ اللغة العربيّة والنقابي حسن مظلوم في اتصال مع “المفكرة” أنّ التلامذة تعلّموا أوّل 3 أسابيع بداية العام ومن ثمّ بدأ الإضراب الذي استمر في 80% في الثانويات حتى نيسان حين عاد معظم الأساتذة. ويضيف أنّه “حتى اللحظة التعليم الفعلي لم يتجاوز 5 أسابيع، وما يتبقّى هو 4 أيضًا، أي أنّه في أفضل الأحوال لن يتعدّى عدد الأسابيع 11 أسبوعًا، مع الإشارة إلى أنّ هناك مدارس تعلّم يومين في الأسبوع والتلامذة لا يحضرون بانتظام، والتدريس في المدارس التي فتحت غير منتظم أيضًا.

وليس بعيدًا ترى أستاذة الفيزياء في التعليم الثانوي فيكتوريا السمعاني أنّ المواد التي تبقّت بعد التقليص لا تغطي 60% من المنهج فكيف يمكن أن يكون التلامذة غطّوا 60% من المنهج. وتشير السمعاني إلى موضوع التتابع والمعارف فتوضح مثلًا أنّها تعطي وبعد التقليص التلميذ معلومات غير مكتملة في مادة الفيزياء، وكأنّ الهدف فقط هو إعطاء التلميذ ما يختبر فيه بغض النظر عن المعارف “نحن نقول للتلميذ دروس هول ورح يجوا بالامتحان، دروس لتنجح في الشهادة ولكن ليس لتدخل إلى الجامعة”.

تقليص المنهج من دون دراسة

وعلى الرغم من تأكيد إسحق في حديث مع “المفكرة” أنّ المركز التربوي لم يعتمد التقليص بشكل فجائي أو على عجل، إذ وضع وفي بداية العام الدراسي إمكانيّة حصول ظروف تمنع إنهاء المنهج، وطلب من الأساتذة منذ بداية العام اتّباع ترتيب معيّن يراعي التقليص في حال حصوله، والتتابع وتغطية المعارف الأساسيّة، يرى الأساتذة أنّ التقليص لم يراعِ موضوع التتابع وجاء في اللحظة الأخيرة، وأنّ الأمر لا يتعلّق بالعام الحالي فقط بل بالنهج المتّبع منذ جائحة كورونا.

ويرى أستاذ الفلسفة فراس حريري أنّ المشكلة الأساسيّة أنّه من وقت كورونا حتى اليوم لم تر الوزارة ولم تقتنع بوجود أزمة تربويّة بل هي تنظر إلى الأزمة على المستوى المالي والمالي فقط، فالمشكلة بالنسبة لها هي أجور المعلمين وأوضاعهم والتكاليف التشغيلية للمدارس والامتحانات الرسمية.

ويعطي حريري مثالًا على هذا الأمر ما حصل في العام 2019 وكان واضحًا أنّ هناك أزمة كبيرة ستؤثّر بشكل كبير على القطاع التربوي، اشتغلت الوزارة وعلى عجل على مواد رقمية (عمل عليها الأساتذة بشكل مجاني في العام الأول، ولم يدفع لهم مقابل في السنة التالية رغم أنّه كان يجب أن تكون مدفوعة) بدلًا من وضع خطة متكاملة تضمن سير العام الدراسي وتراعي كلّ مكوناته.

ويرى حريري أنّ تقليص المناهج يقع دائمًا في الشهر الأخير، وإنّ دلّ هذا الأمر على شيء فعلى غياب التخطيط التربوي في وزارة التربية، مضيفًا في اتصال مع “المفكرة” أنّ التقليص لا يتمّ على أسس تربوية، ما يؤثّر تحديدًا على المواد التي يحكمها التتابع يعني المواد العلميّة واللغات بشكل أساسي.

وردًا على سؤال عن السبب الذي يدفع الوزارة إلى تقليص المناهج في اللحظة الأخيرة، يرى حريري أنّه بالإضافة إلى عدم اعتماد المعيار التربوي، هناك مصالح بعض الأساتذة النافذين في اللجان فـ “تقليص المناهج يعني تقليص الساعات لعدد من الأساتذة الذين يعطون في المدارس الخاصة، لا سيما مدارس النخبة، وتقليص الدروس يعني تقليص الساعات، لذلك يعتمد التقليص آخر الوقت”.

ترى السمعاني أنّ ما يحصل حاليًا هو “مجزرة تربوية” وأنّه لا بدّ للأهالي والمعنيين الوقوف ضد إجراء الامتحانات بهذه الطريقة التي تضرب عدالة التعليم وتحرم التلامذة من مهارات تؤهلهم لإكمال مسيرتهم التعليميّة في الجامعة. تعبير “مجزرة تربوية” يستخدمه أيضًا الأستاذ مظلوم عمّا يرتكب بحقّ تلامذة الرسمي على وجه الخصوص، معتبرًا أنّه كان يمكن للحل أن يكون بتمديد العام الدراسي وإعطاء الأساتذة مستحقّاتهم.

عدم عدالة التعليم نهج قديم والأكثر فقرًا أقل حظًا 

بالعودة إلى النسبة من المنهج التي غطاها طلاب الثانوي في المدارس الرسمية والخاصّة حتى آذار، تؤكّد هذه النسب وتقليص المناهج على عدم حصول تلامذة الرسمي وتحديدًا الثانوي على الكفايات المطلوبة وهذا الأمر لا يتعلّق بالعام الدراسي الحالي وحده بل بالسنوات الثلاث الماضية، ما يقودنا تلقائيًا إلى السؤال عن فرص استكمال تلامذة الرسمي تعليمهم المدرسي ومن ثمّ الجامعي لا سيّما في ظلّ وجود الكثير من الدراسات التي تربط بين نقص الكفايات وبين التسرّب وأيضًا بين الأخيرة والمستوى الاجتماعي.

وهنا يمكن ذكر دراسة أجراها البنك الدولي صادرة عام 2018 ربطت بين التسرّب المدرسي والفئات الاجتماعية، ورأت الدراسة أنّ أطفال العائلات الأكثر ثراء يبقون في المدارس لفترة أطول من أطفال الأسر الفقيرة.

ويُشار هنا إلى وجود قانون صدر قبل أكثر من 10 سنوات حدّد إلزامية ومجانيّة التعليم من الصف الأول حتى التاسع بعد أن كان للصف السادس، ولكن المرسوم التطبيقي لهذا القانون لم يصدر حتى العام 2022، ويرجّح معنيّون في قطاع التعليم أنّ تأخير صدور المرسوم التطبيقي كان بهدف إخفاء نسب المتسرّبين العالية بين الصف السادس والتاسع التي تبدأ بـ 20% في الصف السادس وتصل إلى 40% في التاسع حسب دراسة لمركز “الدراسات اللبنانيّة”.  

وبيّنت الدراسة وارتكازًا على النشرات الإحصائيّة للمركز التربوي للأعوام 2010/2011 حتى العام 2021/2022 أنّ 57% فقط من الملتحقين في الصف الأول يصل إلى الصف التاسع، أما بقية الملتحقين  فيصبحون خارج التعليم النظامي وخارج تطبيق قانون التعليم الإلزامي. وبيّن أيضًا أنّ نسب المستمرين في التعليم العام بعمر 15 سنة أي صف التاسع تبقى مرتفعة 80% لدى الفئات الاجتماعية الوسطى والمرفهة بينما تنخفض لدى الفئات الفقيرة إلى أقل من 20%.

إذًا عدم عدالة التعليم ليست وليدة الأزمة الاقتصادية الحالية بل هي سياسة معتمدة في لبنان وذلك يمكن استنتاجه بشكل واضح إذا ما قارنّا إنفاق الدولة على التعليم الرسمي والتعليم الخاص فبحسب دراسة مركز الدراسات تصل مساهمات الدولة للقطاع الخاص غير المجاني 800 مليون دولار سنويًا (قبل الأزمة) على الأقل تُدفع من خزينة الدولة أو من رسوم مباشرة وغير مباشرة من خلال التقديمات المدرسية لموظفي القطاع العام وصناديق التعاضد ودعم المدارس المجانيّة. ويستفيد حسب الدراسة نفسها ذوو الدخل العالي من 64% من قيمة هذه المساعدات أما الفقراء والأكثر فقرًا فيستفيدون فقط من 16% من التقديمات المدرسية.

ويشرح الباحث في المركز نعمة نعمة في اتصال مع “المفكرة” أنّ ما تنفقه الدولة على التعليم العام هو نفسه تقريبًا ما تنفقه الخزينة والمجتمع على التعليم الخاص، إذ إنّ الموازنة العامة تتحدّث عن مليار و394 مليون ليرة كموازنة وزارة التربية، منها حوالي 303 ملايين مدفوعات للجامعة اللبنانية والتعليم الجامعي، أي ما يتبقى للتعليم ما قبل الجامعي مليار.

ويُشار هنا إلى أنّ نحو 30% من مجمل التلامذة في لبنان يلتحقون بالتعليم الرسمي و52% في التعليم الخاص غير المجاني و14% في التعليم الخاص المجاني، وبسبب الأزمة الاقتصاديّة ارتفع عدد الملتحقين بالتعليم الرسمي إلى 46% خلال العام الدراسي 2020 2021 ثم عاد وانخقض في السنة التالية بسبب تعثر العام الدراسي الرسمي، واستمر هذا التراجع العام الحالي مع تقديرات بارتفاع نسب التسرّب.

وعند الحديث عن التعليم العادل يرى نعمة أنّ لبنان أصبح أمام ثلاث فئات من التعليم إذ إنّ القطاع الخاص أصبح فئتين المدارس التي تخضع لمناهج أجنبية اعتمدت مناهج متسارعة وعوّضت نقص كوفيد، ومدارس قلّصت الأيام إلى 120 يومًا ومن ثمّ 96 يومًا بعدما أعطتها الوزارة الخيار فاعتمدت التقليص بسبب الأزمة ولتوفّر بدل النقل على الأساتذة، والمدارس الرسميّة.

وسألت المفكرة “اليونيسيف” التي تموّل جزءًا من كلفة الامتحانات الرسميّة عن مراعاة موضوع عدالة التعليم فجاء الجواب بأنّها تعمل بجد في لبنان، مع وزارة التربية وشركائها، لسد الفجوة بين ما يتعلمه الطلاب وما يحتاجون إليه من أجل الازدهار في مجتمعاتهم ووظائفهم المستقبلية، وأنّ التعلّم الجيد يتطلّب بيئة آمنة وودية ومعلمين مؤهلين ومحفَزين ولا شيء يجب أن يقف أمام تعلّم الأطفال ويؤثّر على نجاحهم وتقدّمهم في الحياة.

التمويل وهدر الأموال بدلًا من إنقاذ العام الدراسي 

أثارت مؤخرًا كلفة الإمتحانات الرسميّة تساؤلات حول الهدر والفساد إذ ذكر تقرير مالي نشرته وزارة التربية على موقعها أنّها خصّصت 8.9 مليون دولار لتمويل حوافز الأساتذة للمشاركة في الامتحانات الرسمية، إضافة إلى 812 ألف دولار للتجهيزات للامتحانات من قرض وهبة مشروع S2R2 (دعم برنامج رايس 2) الممول من البنك الدولي (100 قرض و104 هبة)، وذلك في وقت كانت دائرة الامتحانات حدّدت في تقرير كلفة امتحانات العام الماضي بمليوني دولار.

وفي حسبة بسيطة، إذا ما اعتبرنا أنّ تمويل الامتحانات كان من هذا المشروع وحده أي بما قيمته 9 ملايين و700 ألف دولار، يتبيّن أنّ الفارق بحدود 8 ملايين دولار هذا إذا لم نضف أيضًا مبلغ 700 ألف دولار الذي أكّدت اليونيسيف أنّها حوّلته أيضًا لصالح عدد من العاملين مقابل أعمال متعلّقة بإجراء الامتحانات العام الماضي.

وفي هذا الإطار تسأل النقابيّة وأستاذة الثانوي سهام أنطون أنّه بعدما أعلنت الوزارة هذا العام أنّها قادرة على إجراء الامتحانات بمبلغ 2 و3 مليون دولار، لماذا احتاجت مبلغًا يقارب 10 ملايين دولار، وأين ذهبت هذه الأموال.

وتعتبر أنطون أنّه كان يمكن إنقاذ العام الدراسي،  إذ كان يمكن تحويل جزء من أموال الهبة من مشروع S2R2 لتأمين ما يضمن سير العام الدراسي، وهذا ممكن كما يؤكّد البنك الدولي، فأصلا تمّ تحويل 37 مليون دولار في العام الماضي و10 ملايين دولار العام الحالي لدفع حوافز للأساتذة.

وترى أنطون أنّ الوزارة تتكتّم على المبالغ المتبقيّة من الهبة والتي تقدّر بـ 40 أو 50 مليون دولار، وهي قادرة أن تحوّل وجهة استخدامها حسب الأولويات، والتي تتمثّل حاليًا بضمان سير العام الدراسي المقبل بدلًا من هدرها لإنتاج  دروس نموذجيّة يسمّونها “مناهج” وهي نماذج ستوضع على عجل وسترمى لاحقًا على الأرجح، لأنّ الوزارة منذ العام 2016  يوم حصلت على التمويل لم تنتج مناهج وخرجت في العام 2022 بإطار وطني أي عناوين. 

وتوضح أنّه حتى هذه العناوين وبعدما لاقت انتقادات واسعة عادت الوزارة واعترفت أنّها غير مكتملة، وأعلنت أنها تعمل على  12 ورقة لإكمال الإطار. وتسأل أنطون كيف يمكن لمن لم يستطع إنتاج مناهج خلال 6 سنوات أن ينتجها الآن بعدما مدّد القرض حتى شباط 2024، مشيرة إلى أنّه ضمن هذا المبلغ هناك 5 و4  4 ملايين دولار لتجربة النماذج في المدارس، ما يدفع أيضًا إلى سؤال عن أي مدارس يتحدثون لنجرّبها.

وكانت اليونيسيف أوضحت لـ “المفكرة” أنّ وزارة التربية تعمل على إعداد الميزانية الإجمالية للتكاليف المتعلقة بالامتحانات الرسمية وتحديد مصادر التمويل بما في ذلك التمويل الداخلي والخارجي. ومن المتوقّع أن تشارك اليونيسف في تمويل قسم من تكاليف امتحانات هذا العام أيضاً.

وأوضحت اليونيسيف أنّه وسط الأزمة الاقتصادية الحالية، تدعم اليونيسف الوزارة في إجراء الامتحانات الرسمية حتى لا يفقد الأطفال في لبنان هذه الخطوة المهمّة للغاية في مسار رحلتهم التعليمية، وأنها تقوم بمراجعة ما هو متوفر من تمويل من المصادر الحالية المتاحة أو الجديدة لدعم تكاليف معينة (وليس كلها) بناءً على مناقشة مفصلة مع وزارة التربية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني