الاختصاصي في علم الزلازل د. طوني نمر: فالق اليمونة لم يتحرّك وعقلية الجهوزية مطلوبة دائمًا


2023-02-10    |   

الاختصاصي في علم الزلازل د. طوني نمر: فالق اليمونة لم يتحرّك وعقلية الجهوزية مطلوبة دائمًا
خريطة الصفائح والفوالق في المنطقة

على وقع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، شهد لبنان هزّات أرضية بدرجات متفاوتة، وإن لم تحصد ضحايا ودماراً، إلا أنّها كانت كفيلة بأن توقظ في ذاكرة اللبنانيين لحظات الهلع عينها التي تلت دوي تفجير مرفأ بيروت.

منذ فجر الإثنين، انبرت الألسن الكاذبة تتنبّأ بحلول تسونامي سيبتلع الساحل اللبناني ويغمر مدنه، كما انتشرت أحاديث عن فالق اليمونة المرتقب تحرّكه، والذي أشيع بأنّه إذا ما استيقظ سيدمّر لبنان..

أيام عصيبة مرّت على لبنان نتيجة تصريحات غير دقيقة ومعلومات مغلوطة، ما أرسى حالة من الذعر والرعب لدى سكان المناطق التي شعرت بالهزّات الأرضية أو تصدّعت بيوتها وبخاصة في الشمال، حالة تعزّزت عقب الهزّة الأخيرة التي كان مركزها الهرمل وبلغت قوّتها 4.2 درجات على مقياس ريختر.

بلبلة وارتباك شديدان ودعوات للتأهّب دفعت بالبعض إلى حزم الحقائب استعداداً للانتقال إلى أماكن ارتأوا أنها أكثر أماناً، وبعضهم بدأ رحلة البحث عن مأجور في مناطق جبلية صنّفها ملجأ له لبعدها عن خطوط الفوالق الزلزالية أو مراكز تحركّها تاريخياً، أما البعض الآخر ممن لا يملك خياراً فقد خرج يفترش الطرقات ويلتحف السماء وفق دعوات عشوائية إلى اللجوء إلى الأماكن المنبسطة والمفتوحة خوفًا من انهيار المباني والبيوت.  

وسط سيل الأخبار التهويلية والتوقعات العشوائية وبعد الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وأثّر على لبنان، تقابل “المفكرة القانونية” الاختصاصي في علم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور طوني نمر، الذي شدّد على أنّ الزلزال الذي ضرب تركيا يقع على فالق الأناضول الشرقي، المختلف تماماً عن فالق البحر الميت الذي يمر بلبنان والبالغ طوله 1000 كلم، والذي يعرف القسم اللبناني منه بـ” فالق اليمونة”. ولكنّ فالق الأناضول الذي تحرّك يوم الإثنين، وإن كان مختلفًا عن خط الزلازل في لبنان إلّا أنه متّصل به، ويشرح: “يشكل فالق البحر الميت الذي يمرّ بلبنان، الحدود الغربية للصفيحة العربية، أما حدودها الشمالية فهي فالق الأناضول الشرقي حيث وقع الزلزال”.

“لبنان بمنأى عن تردّدات الزلزال التركي”

وبخصوص الهاجس القائل بتأثّر فالق البحر الميت وبالتالي لبنان بحركة فالق الأناضول، يوضح د. نمر بأنّ الزلزال التركي وقع على فالق مختلف أي على “انكسار قشرة أرض” مختلف، وبالتالي لا علاقة مباشرة له بفالق البحر الميت أو اليمونة، ما يعني لبنان بمنأى عن تردّدات الزلزال التركي من حيث تحرّك الفوالق التي يقع عليها. ويضيف: “إذا كان من منطقة قد تتأثرّ، لا سمح الله، فهي منطقة الشمال السوري”.

ولدى استفسار “المفكّرة” عن إمكانية توقّع مواقيت الزلازل أو تحديد مراكز وقوعها وهو ما أوحته الكثير من الشائعات التي انتشرت في الأيام الماضية، فيحسم د. نمر أنّ: “علم الزلازل لا يسمح لنا بتوقّع متى سيقع الزلزال، تحديد الوقت ليس بالأمر الصعب وحسب، بل مستحيل”، ويعتبر أنّ جلّ ما يمكن أن يتوصّل إليه علم الزلازل هو عملية تقدير ذلك على مدى سنوات، أو عقود أم قرون طويلة.

ولدى سؤال “المفكّرة” عن مدى جديّة أو خطر وقوع تسونامي، يطمئن د. نمر اللبنانيين جازماً: “التسونامي صار ورانا” إلّا أنّه لم ينف قابلية منطقتنا للتعرّض لموجات تسونامي ويستذكر تلك التي دمّرت العاصمة بيروت عام 551 بعد الزلزال الذي شهدته حينها. إلّا أنّه يعود ويوضح أنّ وقوع تسونامي يشترط أن تكون نقطة ارتكاز الزلزال في البحر: “الانكسار بقشرة الأرض بدّو يكون بالبحر مش بالبر”.

ويتابع نمر حديثه لـ “المفكّرة”: “في حالة الزلزال الأخير كلّنا يعلم أنّ مركزه البر التركي، ولم يسهم في أي تحرّك على الأرجح في المنطقة البحرية”، مشيرًا إلى أنّ الزلزال التركي لم يتسبّب بأي ارتجاجات للمياه، وبالتالي لم يولّد تسونامي. ويعود د. نمر ليقطع الشك باليقين: “لو ولّد تسونامي كان حصل ذلك في الدقائق الأولى التي تلت الزلزال، وليس بعد 24 ساعة ولا بعد أيام”.

ماذا عن الهزّة الأخيرة التي ضربت لبنان؟ هل سجّل وقوعها تحرّكاً لفالق اليمونة؟

يرى د. نمر أنّ الهزّة التي ضربت الهرمل تُسجّل وفق السياق الطبيعي وليست بخارجة عن المألوف، وأنّ لا علاقة لها بتاتًا بفالق اليمونة، وإنّما هي “بفعل تداعيات تحرّك صفائح قشرة الأرض نتيجة زلزال تركيا، ولكي تهدأ قشرة الأرض تحتاج إلى وقت”. ويوضح: “كون الزلزال كبيرًا بقوّة 7.7 درجات على مقياس ريختر، وصلتنا الموجات الزلزالية وشعرنا بها.. كذلك الصخور والفوالق في لبنان التي تتكون منها قشرة الأرض، رجفت واهتزّت لفترة، وهي تستغرق قرابة أسبوع أو 10 أيام لتعود إلى حركتها السابقة المعهودة قبل زلزال تركيا وترتاح”. ويضيف بإيجاز: “لا داعي للقلق .. تأثرت الفوالق قليلًا وهي الآن تتنفّس.. هناك ضغط في الأرض والأفضل أن يتنفّس من خلال هزّات صغيرة”.   

ومن ثم يشير نمر إلى تاريخ لبنان الناشط زلزالياً وإلى فالق البحر الميت الذي أسهم بتكوّن لبنان بتضاريسه وطبيعته المعهودة، من جبال وسهول وأودية، سبق أن تشكّلت بفعل حركة فالق البحر الميت وتحركات “صفائح قشرة الأرض” التي هي في حركة دائمة، طبيعية ومعروفة، والتي لا يمكن إيقافها كونها مرتبطة بعوامل خارجة عن نطاق تحكّم الإنسان.

الجهوزية مطلوبة لاستباق الكوارث

استهل د. نمر توصياته “للمفكرة” “لا نريد أن يغيب عن بالنا أنّ لبنان على خط زلازل البحر الميت، الممتد من خليج العقبة حتى تركيا ويمرّ بلبنان تحت اسم فالق اليمونة، وقد وقعت عليه زلازل عديدة عبر التاريخ” ويحدد نمر: “وقع آخر زلزال ضخم على فالق اليمونة قبل 800 عام وهو فالق رئيسي نشط ومتحرّك يعود ويتفرّع إلى 3 فوالق فرعية: فالق راشيا، فالق سرغايا وفالق روم”.

ويتابع :”بالحسابات العلمية نحتاج بحدود 200 سنة ليحصل عندنا زلزال كبير.. ولكن لا يمكن أن نعرف.. بعد سنة، 100 أو 200، يجب أن نستعدّ قبل وقوع الكوارث”.

 يختتم د. طوني نمر حديثه لـ “المفكّرة” بالتشديد على أهمية دور الصحافة والإعلام في نشر الوعي، لا بث الرعب في النفوس وأنّ الهدف ليس أن يعيش اللبناني في حالة دائمة من الاستنفار والقلق أو أن يفترش الطرقات لشدة الهلع، ولكن من الجدير أن ندرك حقيقة وجود لبنان في منطقة معرّضة للزلازل.

كما أوصى د. نمر بضرورة البدء بالتفكير جدّيًا بكيفية نشر الوعي حول عقلية الجهوزية، حيث اقترح الانطلاق بحملات توعية في المدارس، تعمّم من خلالها الفكرة على الطلاب الذين يشكلون بدورهم سفراء ينقلون هذه المعرفة إلى عائلاتهم، وبالتالي إلى المجتمع في أسرع وقت وأقل كلفة، كخطوة أولى في رحلة زيادة الوعي وتطوير القدرات. والمطلوب من الدولة اللبنانية بأن تقارب الواقع بما تقتضيه السلامة العامة على أراضي لبنان الممتدة في “منطقة معرّضة للزلازل” والتخطيط للكوارث قبل وقوعها من خلال خطوات احترازية تحد من مخاطرها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، تحقيقات ، لبنان ، سوريا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني