الإفلاس الجماعي للمصارف ليس إفلاسًا؟


2024-04-17    |   

الإفلاس الجماعي للمصارف ليس إفلاسًا؟

أصدرت المحكمة الابتدائيّة في بيروت (النّاظرة في قضايا الإفلاس) في تاريخ 8/1/2024 حكمًا بردّ دعوى الإفلاس التي قدّمها أحد المُودعين ضدّ أحد المصارف، على خلفيّة تخلّفه عن تسديد وديعته. وقد علّلت المحكمة موقفها بأنّ المُشرّع قد وضع قانونًا خاصًّا يتّصل بإعلان إفلاس المصارف انطلاقًا من التأثيرات الخطيرة لهكذا إعلان على الائتمان المالي والاقتصاد الوطني، الأمر الذي يوجب على المحكمة عدم الاكتفاء بالتثبّت من واقعة التوقّف عن دفع دين تجاري بمعزل عن ارتدادات أيّ قرار قد تتّخذه في هذا الشأن. 
وقد رأت بالنتيجة، أنّه في ظلّ الأزمة الحاضرة، “ما ينطبق على مصرف معيّن… ينطبق على جميع المصارف” بنتيجة تخلّف مصرف لبنان عن تسديد ودائعها لديه رغم كون الدولة مسؤولة عن تغطية خسائره عملًا بالمادة 113 من قانون النقد والتسليف. وعليه، فإنّ توقّف المصرف المدّعى عليه عن الدفع لا يعكس أزمة مالية خاصّة لديه إنّما يأتي نتيجة “أزمة شاملة” و”وضع نظامي”. وعليه، رأتْ المحكمة عدم جواز تطبيق أحكام إفلاس المصارف في هذه القضية، طالما أنّها وُضعت لمعالجة “حالات فردية شاذة عن الوضع العادي المفترض توفّره في المصارف، الأمر الذي يختلف لدى توافر حالة جماعية ناشئة عن وضع نظامي ككل”. ويُذكر أنّ المحكمة وصلتْ إلى هذه النتيجة استنادًا إلى معلومات عامّة بشأن الأزمة المصرفية، من دون إجراء أيّ بحث حول مالية المصرف المذكور أو كيفية توزيع استثماراته. 
وقد رأتْ المحكمة بنتيجة ذلك أنّ طبيعة هذه الأزمة تتطلّب تدخلًا شاملًا متكاملًا، معتبرةً أيّ تدخّل من قبل القضاء في هذا المجال قد يكون له ارتدادات لا يمكن التكهّن مسبقًا بحجمها وأثرها على الوضع الاقتصادي. واللافت أنّ المحكمة شدّدت مرّتين على ضرورة انكفاء القضاء عن أيّ دور في هذا المجال رغم أنّها أقرّت في خاتمة حكمها أنّ السلطات السياسية العامّة ما تزال متلكّئة عن القيام بدورها في إيجاد حلّ شامل متكامل، بل في التدخّل بأيّ شكل في هذه الأزمة. 

هذا الحكم يقبل انتقادات عدّة أبرزها الآتية: 

  • إنّه ضخّم بصورةٍ غير منطقيّة مفاعيل إعلان إفلاس المصرف مقابل حجبها تمامًا مخاطر عدم حصول هذا الإعلان. فعدا عن أنّ زعزعة الاقتصاد والثقة الائتمانية حصلا فعليًّا بفعل توقّف المصارف عن الدفع بمعزل عن إعلان ذلك أو عدم إعلانه، فإنّ من شأن عدم إعلان إفلاس المصرف المدّعى عليه أن يُبقي لمدرائه حرّية التصرّف بأموالهم وأموال المصرف وإعمال التمييز بين المودعين، فضلًا عن حرمان هؤلاء من طلب إبطال أيّ تصرّف قام به المصرف وأدّى إلى تهريب أموال ضمن الفترة المشبوهة.
  • إنّه حجب مسؤولية المصارف في توظيف النسبة الأكبر من الودائع لدى مصرف لبنان خلافًا لقواعد حسن إدارة المصارف. ولا يردّ على ذلك بأنّ أزمة المصارف أزمة “نظاميّة شاملة” لا تنمّ عن شذوذ أحدها، لاحتمال أن يكون الشذوذ والتواطؤ مع مصرف لبنان جماعيًا، بهدف الحصول على أرباح سريعة هائلة بنتيجة الفوائد المجزية للهندسات المالية التي تكثر الأدلة على طابعها الجرمي. وعلى فرض صحّ أنّه يستحيل إعلان إفلاس مصرف لبنان لكون الدولة مسؤولة عن تغطية خسائره، فإنّ ذلك لا ينفي أنّ الدول التي تتعرّض لأزمات مالية قوامها استحالة سداد ديونها، تقوم بإجراءات معيّنة منها شطب جزء من الديون أو تأخير تسديدها، بالنظر إلى أولوية استمرارها وبقائها.
  • يُلحظ أخيرًا أنّ المحكمة أعلنت ضرورة انكفاء القضاء عن أي تدخّل في هذا المجال لوجوب معالجة الأزمة بصورة متكاملة وشاملة، رغم إقرارها الصريح بأنّ السلطات السياسية لم تتّخذ أيّ إجراء في هذا المجال من أيّ نوع كان. وهي بذلك تركت المتقاضين الذين لجأوا إليها محرومين من أيّ حماية.

نشر هذا المقال في العدد 72 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان

لتحميل العدد بصيغة PDF

للاطلاع على الحكم الذي أصدرته المحكمة الابتدائية في بيروت

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مصارف ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني