اقتراح لإعادة إحياء “وزارة التصميم العام”

اقتراح لإعادة إحياء “وزارة التصميم العام”


هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ينشرها المرصد البرلماني في الأيام المقبلة لتقييم أبرز اقتراحات قوانين 2021 التي لم تُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. وتمّ اختيار الاقتراحات هذه بناء على أهميّتها أو خطورتها، واختيار الاقتراحات هذه أتى بناء على أهميّتها أو خطورتها، ولأنها لم تكن مشمولة ضمن تقييم المرصد لجَلسات الهيئة العامة.

تقدّم عدد من نوّاب كتلة “لبنان القوي”[1] في 1/2/2021 باقتراح قانون يرمي إلى إنشاء وزارة التخطيط وتنظيمها وتحديد صلاحياتها، بالتزامن مع إلغاء مجالس وهيئات وصناديق مختلفة. ولم تتمّ إحالة هذا الاقتراح إلى اللجان من قبل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي حتى تاريخ اليوم.

يُنشئ هذا الاقتراح وزارة التخطيط على صورة مستَلهمة عن وزارة التصميم العام (التي كانت قد أنشئت عام 1954 وأُلغيت بموجب المرسوم الاشتراعي 5/77 الذي أنشأ مجلس الإنماء والإعمار).

كما يُلغي الاقتراح العديد من الكيانات، وهي مجلس الإنماء والإعمار، مجلس الجنوب، الصندوق المركزي للمهجّرين، الهيئة العليا للإغاثة كما إدارة الإحصاء المركزي المنشأة لدى مجلس الوزراء التي وُلدت مع إلغاء وزارة التصميم. وكان قد تمّ توزيع جميع وظائف وزارة التصميم على هذه الكيانات المختلفة. ويعيد الاقتراح بذلك لوزارة التخطيط دورها ومكانتها المركزية في رسم السياسات العامة.

يرتبط هذا الاقتراح بشكل وثيق بالاقتراحات المتعلّقة بمكافحة الفساد، حيث اعتبر مقدّموه في الأسباب الموجبة أنه “لو بقيت هذه الوزارة كما كانت عليه في منتصف الخمسينات، لما حصل إنفاق عبثي وغير مجد، ولما طغى الريع على الإنتاج (مضاربات عقارية وعمليات مالية بدلا من الزراعة والصناعة والسياحة…)، حتى أن وزارات بأكملها كان انتظم عملها نتيجة وجود خطط ومشاريع تطبيقية وإحصائيات دقيقة (على غرار وزارة الشؤون الاجتماعيّة والأموال الطائلة التي تدفع لجمعيات ظرفية أو وهميّة). إن مهام وزارة التخطيط التي يجب أن يتم إحياؤها من جديد هي حاجة ملحة طالما أنها البديل لمجالس وصناديق ثبت عدم فعاليتها هذا إن أردنا إنهاض الدولة من جديد وسدّ مزاريب المحسوبيات والمحاصصات الطائفية والمناطقية ووقف هدر المال العامّ”. كما اعتبروا أن صفة وزير الدولة لشؤون التخطيط بقيت دون مسمّى ودور.

وتتوزع اليوم العديد من صلاحيات وزارة التصميم السابقة على وزارات مختلفة مثل وزارة الطاقة والمياه بشكل خاص؛ مديرية المنشآت والنفط في ما خص تأمين النفط والرقابة عليه؛ ووزارة البيئة والأشغال في ما خصّ المقالع. وبالفعل سمَحَت لامركزية التخطيط بالهدر خاصة في مجال الطاقة والبُنى التحتية، الذي كانت تُشرف على تطويره والإنفاق عليه وزارة التصميم العام قبل إلغائها. كما شكّل كل من صندوق المهجّرين، ومجلس الجنوب، ومجلس الإنماء والإعمار نماذجَ للإنفاق الطائفي والمناطقي، وبالتالي غير المجدي وغير الفعّال بطبيعته.

صلاحيات وزارة التخطيط

يحدّد الاقتراح مهامّ مهمّة جداً لوزارة التخطيط، لا سيّما في “إحصاء موارد البلاد وحاجاتها وإمكانيّاتها ووضع تصميم شامل لإنماء مرافقها ورفع مستوى المعيشة فيها وتقديم اقتراحات بشأن سياسة مالية واقتصادية وإنشائية موحّدة”. كما لها “إجراء البحوث والدراسات على أنواعها المتعلّقة بالتنمية البشرية والمخططات التوجيهيّة”، ووضع برامج مفصلة في المجالات والقطاعات الأساسية[2]. وهي تقوم ب “تقييم الأداء الاقتصادي والإنمائي لمختلف قطاعات الدولة”.

كما لها “تقديم الاقتراحات إلى مجلس الوزراء بشأن الموارد المالية والفنيّة اللازمة لتنفيذ البرامج بما في ذلك تطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ”، واقتراح مشروع موازنة للمشاريع الإنشائية والتنموية بما يحقّق العدالة في التوزيع والإنماء المتوازن والمستدام”، ورفعها جميعها إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب لإقرارها.

ولها “إبداء الرأي بجميع المشاريع المتعلّقة بأوضاع البلاد المالية والاقتصادية والاجتماعية والانشائية”.

ويُناط بها “إعداد خطط التعاون مع المنظمات غير الحكومية والإقليمية والدولية”، و”وضع أسس التفاوض مع الدول والمصارف والصناديق المانحة، بالتنسيق الكامل مع الوزارات والإدارات المعنية”، و”المساهمة في وضع خطط التعافي المالي والاقتصادي عند الاقتضاء”.

وتتابع تنفيذ البرامج والخطط والمشاريع الانمائيّة. ويضع الاقتراح على الإدارات المعنيّة موجب تقديم تقارير دوريّة مفصّلة إلى هذه الوزارة عن “سير التنفيذ ومدى مطابقته للخطط الموضوعة، وعن المعوّقات في حال وجودها”.

واللافت أن الكتلة السياسية التي قدمت هذا الاقتراح (وهي أكبر كتلة نيابية) إنّما بقيت جعبتها خالية من أي مقترحات أو خطط عملية للخروج من أزمة الانهيار الاقتصادي والمصرفي والمالي أو التخفيف من حدّتها. وعليه، بدا مُقترحها بإنشاء وزارة تخطيط على أهميّته بمثابة إعلان نية الإصلاح مستقبلا من دون أيّ خطوة عملية لمعالجة أزمات الحاضر، أو ربما بمثابة ستار للعجز الراهن في تقديم أي حلول.   

هيكلية وزارة التخطيط واستقلاليتها المالية

أما لناحية هيكلية وزارة التخطيط، فهي على غرار وزارة التصميم من قبلها تتكوّن من:

  • مجلس التخطيط والإنماء: الذي يضع التوجهات والمرتكزات العامة للسياسات والخطط التي يُطلب من الوحدات المعنيّة في وزارة التخطيط الالتزام بها وتنفيذها.

وهو يتشكّل بصيغته المقترحة من ستة أعضاء هم  وزير التخطيط (رئيسا له)، المدير العام لوزارة التخطيط، مدير الدراسات والتخطيط بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء من ذوي الاختصاص في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعية يعينون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير التخطيط. ويتخذ قراراته بأكثرية عدد أعضائه مع ترجيح صوت الرئيس في حال التعادل.

وتجدر الإشارة إلى أن المجلس المقابل ضمن وزارة التصميم العام المُلغاة كان يشمل، بالإضافة إلى الوزير والمدير العام، مدير عام وزارة المالية ومدير عام وزير الاقتصاد بالإضافة إلى ستة أعضاء ممثلين عن الوزارات يكون عضوا كل في الأمور المتعلقة بوزارته. وكانت لتؤمنّ إضافة مديري وزارتي المالية والاقتصاد دراسة أشمل لوظائف الوزارة، خاصة لناحية توفر الموارد المالية.

  • المديرية العامة: التي تتألف بدورها في الاقتراح من ثلاث مديريات وهي المديرية الإدارية (المعنية بالشؤون الإدارية وشؤون الموظفين)، مديرية الإحصاء المركزي التي تحلّ مكان إدارة الإحصاء المركزي[3]، ومديرية الدراسات والتخطيط التي تتولى تنسيق المعلومات الاحصائيّة وتحليلها بصورة مستمرّة خاصة في ما يتعلّق بموارد البلاد الطبيعيّة وإمكانية تنميتها في شتّى القطاعات، والنظم الاقتصاديّة والمالية والاجتماعية والانمائية وتطويرها وفقا للاحتياجات الوطنيّة، وتقييم علاقات لبنان المالية والاقتصادية والتجاريّة بالدول الأجنبيّة وتأثيرها في الاقتصاد الوطني وفي تنمية الموارد العامة. وتمارس هذه الوظيفة الأخيرة بالتنسيق الكامل مع وزارة الخارجية والمغتربين والوزارات المعنيّة. كذلك تقدّم اقتراحات بشأن التعاطي مع الخبراء الدوليين عند الحاجة، والتوصيات بشأن أية مشاريع تموّل بواسطة الدول والصناديق المانحة أو المقرضة والبطاقة التمويلية أو التموينية التي تمنحها الدولة اللبناني لأصحاب الدخل المحدود بالتنسيق الكامل مع الإدارات المعنيّة.

وطبعاً، تأتي هذه المهام الأخيرة المقترحة نتيجة الفوضى الكبرى التي عمّت نموذج الاقتراض المعتمد من الدولة اللبنانية آخر ثلاثة عقود، لا سيْما في المجال التنموي، وعدم توفّر قواعد البيانات الضرورية لتنفيذ المشاريع (لا سيّما مشاريع البطاقة التمويلية).

وللإشارة، كانت المديرية العامة لوزارة التصميم العامة سابقا تتشكّل من الديوان، ومصلحة الإحصاءات العامة، ومصلحة التنسيق والارتباط[4]، مصلحة مراقبة التنفيذ[5]، مصلحة المحروقات ومراقبة شركات البترول والمصافي[6]، مصلحة المعادن والأملاك العمومية[7]، دائرة المعارض[8] وأخيرا دائرة المحاسبة[9].

ويتبدّي من مقارنة هيكليتي تنظيم وزارة التصميم العام سابقا ووزارة التخطيط بالصيغة المقترحة حاليا، أنّ وزارة التصميم كانت تضمّ أبرز القطاعات والمجالات ضمن الاقتصاد اللبناني (من نفط، سياحة، أملاك عموميّة…) بما يسمح فعليا بالتخطيط الشامل، بعيدا عن التجاذبات السياسيّة، أقلّه إلى حين طرح المشاريع على مجلس الوزراء.

وكان ضمن المالية العامة (وزارة المال)، صندوق خاص بوزارة التصميم العام يُدعى “صندوق التجهيز العام”، غايته تمويل الدراسات والمشاريع المُقترحة. وكان هذا الصندوق يتمتع بالاستقلال المالي ولا تسري على أعماله القاعدة السنوية المطبقة على الموازنة العامة. إلا أن هذا الصندوق لم يُلحظ في النموذج المقترح لوزارة التخطيط وهو ما يلغي هذا الهامش من استقلاليتها.

أما لناحية الشفافية، فيُخضع هذا الاقتراح وزارة التخطيط لقانون الحق في الوصول للمعلومات ما عدا في ما يتعلّق بأي خطط تُعطى صفة السرية في مجلس الوزراء. وتُعتبر هذه المادة لزوم ما لا يلزم، حيث يطبّق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات والاستثناءات التي ينشئها على كافة الإدارات العامة.

لتحميل إقتراح إنشاء وزارة التخطيط وتنظيمها


[1] فريد البستاني، سيزار أبي خليل، ابراهيم كنعان، آلان عون، ماريو عون، انطوان بانو، جبران باسيل، حكمت ديب، ادكار طرابلسي، نقولا صحناوي.

[2] الإنشاءات والأشغال العامة، الزراعة ، الصناعة، التجارة الداخلية والخارجية، المصارف، السياحة والاصطياف، الانماء الاجتماعي في ميادين الصحة العامة والتربية والسكن والضمانات والتقديمات الاجتماعيّة

[3] المنشأة لدى مجلس الوزراء بموجب مشروع القانون موضوع التنفيذ بموجب المرسوم 1793/79

[4] المادة 7 من ​​قانون تنظيم وزارة التصميم العام وتحديد صلاحياتها (تاريخ 30/11/1954).

[5] المادة 8 من القانون نفسه.

[6] المادة 9 من القانون نفسه.

[7]المادة 10 من القانون نفسه.

[8] المادة 11 من القانون نفسه.

[9] المادة 12 من القانون نفسه.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، سياسات عامة ، البرلمان ، سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني