اقتراح قانون لمنع “دمج” و”اندماج” “النازحين” السوريين: أو مبدأ منع التوطين بكلمات أخرى


2022-07-25    |   

اقتراح قانون لمنع “دمج” و”اندماج” “النازحين” السوريين: أو مبدأ منع التوطين بكلمات أخرى
أطفال يلعبون أمام خيمتهم في مخيم غزة للاجئين السوريين في البقاع الغربي. (داليا خميسي)

من أبرز ما ورد على جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب المقرّرة في 26 تموز 2022، اقتراح قانون معجّل مكرّر مقدّم من النائب فادي كرم (كتلة القوّات اللبنانية) يرمي إلى منع الدمج أو الاندماج للنازحين السوريين الموجودين في لبنان. وقد ورد في مستهله حرفياً: “يُمنع منعاً باتاً أي شكل من أشكال الدمج أو الاندماج الظاهر أو المقنّع للنازحين السوريين الموجودين في لبنان، جرّاء الثورة السورية، من أيّ نوع من الأنواع”.

علاوة على ذلك، تضمّن الاقتراح تكليف الإدارات المعنية باتّخاذ عدد من الإجراءات  في هذا السياق، وهي:

  • تكليف المديرية العامّة للأحوال الشخصية في وزراة الداخلية (بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع الدولي) “إجراء إحصاء دقيق لأعداد النازحين السوريين، ومتابعة هذا الإحصاء دورياً حتى عودتهم إلى الأراضي السوريين”.
  • تكليف الأمن العام “منع أي نزوح اقتصادي إلى لبنان” من دون تعريف ما المقصود بذلك،
  • تكليف الأمن العام تزويد الأمم المتحدة “بقوائم أسماء النازحين، الذين ينتقلون بشكل دائم ومستمر بين سوريا ولبنان، لقطع الإعانات عنهم والمساعدات المرصودة”.
  • تكليف البلديات باستيفاء الرسوم المتوجبة من السوريين، وهو أمر تفرضه القوانين المعمول بها حالياً.

وقد جاء في الأسباب الموجبة للاقتراح أنّ ثمّة “مساعي حثيثة” تسعى إلى دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني وضرورة وضع حدّ لها. إلا أن الأسباب الموجبة لم تكتفِ بالتحذير من هذه المساعي بل تضمّنتْ فقرة أخرى قوامها أنّ “أسباب ومبرّرات هذا اللجوء قد انتفتْ، مع سيطرة النظام السّوري على جزء كبير من الأراضي السورية”.

وقبل المضيّ في إبداء ملاحظاتنا على الاقتراح، تجدر الإشارة إلى أنّه يتزامن مع تصاعد الخطاب الرسمي اللبناني التحريضي ضدّ اللاجئين السوريين، والذي غالباً ما يستند إلى وقائع غير صحيحة، ودعوات لإعادتهم قسراً إلى سوريا، وذلك في مواجهة خطاب الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، ومنها المفكّرة القانونية، بضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين وباحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية نظراً لعدم استقرار الأوضاع في سوريا.

هذا الاقتراح يستدعي عدداً من الملاحظات:

  • يأتي الاقتراح ضمن “خطوات منعزلة” يقترحها نوّاب لأسباب شعبوية في غياب أي تفكير أو تخطيط وطنيّ شامل، لا سيّما في ظلّ تقاعس السلطات اللبنانية عن تنظيم الاستجابة لهذه الأزمة بشكل فعّال منذ أكثر من عقد.
  • يطرح الاقتراح مفهوميْ “الدمج” أو “الاندماج” من دون أي تعريف لهما. فهل ينحصر هذان المفهومان بالتجنّس أو يشملان إجراءات أخرى كالإقامة وأذون العمل والتملّك؟ وقد بدا المصطلحان مرادفين لمبدأ منع التوطين المنصوص عنه في الدستور لا يضيفان شيئاً عليه، وبمثابة إعلان نوايا يهدف إلى حثّ الجمهور والإدارات على اتخاذ إجراءات تمييزية بحقّ السوريين المقيمين في لبنان منعًا لدمجهم أو اندماجهم.
  • يستخدم الاقتراح مجدداً مفهوم “النازح السوري”، في تجاهل متعمّد لمفهوم اللاجئ. ولا نعلم تالياً المجموعة المستهدفة منه. هل تنحصر بالمسجّلين لدى الأمم المتحدة أم تشمل جميع السوريين المتواجدين في لبنان؟ هذا مع العلم أنّ الاقتراح يتناول “النازحين السوريين” كأنّهم مجموعة واحدة متجانسة خلافاً للواقع. فهو يتجاهل واقع اللجوء من سوريا الذي يشمل أشخاصاً لجأوا إلى لبنان لأسباب مختلفة ومركّبة (القمع والعنف من جهات مختلفة رسمية وغير رسمية، الوضع المعيشي والاقتصادي…) والأوضاع القانونية المختلفة للسوريين المقيمين في لبنان والترابط الاجتماعي الوثيق بين المجتمعين اللبناني والسوري لا سيما من خلال العلاقات الزوجية، فضلاً عن مساهمتهم الضرورية في بعض القطاعات الاقتصادية في لبنان، وبخاصة في مجالي الزراعة والبناء والتمريض.
  • يستند الاقتراح إلى وقائع واستنتاجات غير صحيحة وبخاصة عند قوله بأن أسباب اللجوء قد انتفتْ بعد سيطرة النظام السوري على الجزء الأكبر من الأراضي السورية. ويستشفّ من هذه العبارة أن واضع الاقتراح يعتبر أن اللجوء تمّ بفعل فقدان سيطرة النظام السوري على الأراضي السورية وأن استعادة هذه السيطرة يلغي مبرراته، متجاهلا أن عدداً كبيراً من اللاجئين فرّوا من سوريا ويخشون العودة إليها خوفاً من استبداد النظام السوري نفسه، وهو استبداد يزداد ولا ينقص عند استعادته السيطرة على أراض سورية. يُضاف إلى ذلك أن الواقعة المذكورة في الأسباب الموجبة تتجاهل أنّ أجزاءً هامة من سوريا ما تزال تحت سيطرة جهات ومنظمات أخرى تحول دون عودة العديد من اللاجئين إليها.
  • إنّ لتكليف وزارة الداخلية بإحصاء عدد “النازحين السوريين” في لبنان أهمية بالغة في الوقت الراهن نظراً لغياب أي إحصاء رسميّ في هذا الإطار. فمنذ 2011، امتنعت السلطات اللبنانية عن اعتماد أيّ آليّة جديّة وفعّالة لتسجيل اللاجئين السوريين، وطلبت من مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوقف تسجيلهم منذ العام 2015، كما حرمت العديد منهم من الإقامة الرسمية، مما أدّى إلى إرغامهم إلى الخروج عن القانون و”صناعة هشاشة” أوضاعهم. وعليه، يأتي موجب “الإحصاء” ليضع حدّاً لسياسات الإنكار التي انتهجتها الإدارات اللبنانية ووسيلة أساسية للسّلطات لوضع سياسات فعّالة للتعامل مع اللاجئين وهي حلول لا تقتصر على العودة إلى سوريا أو الاستقرار في لبنان كما يوحي الاقتراح. وبالرغم من عدم وضوح الغاية من الإحصاء، يُسجّل للاقتراح هنا تكليفه جهة إدارية غير أمنية لإنجاز هذا الإحصاء، مما قد يخفف من مخاوف اللاجئين من غاياته، ويزيد من استعدادهم للتعاون مع القائمين به.
  • في المقابل، لا نفهم تكليف الأمن العام بمنع النزوح الاقتصادي، ولا سيما أنه لا يزال يُخضع دخول السوريين إلى لبنان إلى شروط قاسية وغير قانونية رغم إبطالها من قبل مجلس شورى الدولة في العام 2018. أما تكليفه بتزويد الأمم المتحدة “بقوائم أسماء النازحين، الذين ينتقلون بشكل دائم ومستمر بين سوريا ولبنان، لقطع الإعانات عنهم والمساعدات المرصودة”، فهو تعاون يفيد لمعالجة حالات اللاجئين المسجلّين مع الأمم المتحدة والذين يستفيدون من مساعداتها من دون الإقامة في لبنان، مع الإشارة إلى أنّ مسألة منح المساعدات تخضع لمعايير الأمم المتحدة. 
  • أخيراً، من البيّن أنّ تكليف البلديات باستيفاء الرسوم من “النازحين السوريين” هو لزوم ما لا يلزم طالما أن القوانين المعمول بها حالياً تفرض ذلك. 

خلاصة: تتطلّب مسألة إدارة اللجوء من سوريا تخطيطاً وطنياً شاملاً ولا يجدر معالجتها بموجب اقتراحات قوانين مستعجلة. من المحبّذ إسقاط صفة العجلة عن هذا الاقتراح وإتاحة المجال لمناقشته في اللجان.

لتحميل وقراءة اقتراح القانون: إضغط هنا

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، فئات مهمشة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، سوريا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني