اقتراح قانون إنشاء الصندوق البلدي المستقل: تعزيز مبدأ اللامركزية بعد عقود من استنسابية الحكومة


2023-03-22    |   

اقتراح قانون إنشاء الصندوق البلدي المستقل: تعزيز مبدأ اللامركزية بعد عقود من استنسابية الحكومة

تقدم النائب رازي الحاج من تكتل الجمهورية القوية بتاريخ 25 كانون الثاني 2023 باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى إنشاء “صندوق بلدي مستقل” يحلّ محلّ الصندوق البلدي المستقل المنشأ بالمرسوم رقم 1917 تاريخ 6 نيسان 1979.

ويحدد الاقتراح الآلية التي من شأنها ضمان هذه الاستقلالية وذلك عبر استحداث  مجلس إدارة للصندوق (له شخصية معنوية واستقلالية مالية وإدارية) مشكّل من رؤساء البلديات القائمة بمعدل إثنين يتم انتخابهم عن كلّ قضاء. ومن أبرز بنود هذا الاقتراح التأكيد على أن تكون الأموال المستحقة للصندوق في حساب خاص في مصرف لبنان، يتم تحريكه بقرار من مجلس إدارة الصندوق، على أن تخصّص الأموال حصراً للبلديات واتحاداتها من دون حسم أي أموال من أجل تغطية نفقات أخرى من أي نوع كانت.

كما ينصّ الاقتراح على وجود آلية رقابة خارجية، إذ ينص البند 16 أن الصندوق ملزم بالتعاقد مع مكتب محلي للتدقيق بحسابات الصندوق بشكل سنوي وتبلغ نسخة عن تقرير التدقيق إلى مفوّض الحكومة. كما يجعل الاقتراح من القرارات المتعلقة بتوزيع أموال البلديات واتحادات البلديات قابلة للطعن أمام مجلس شورى الدولة.

يأتي هذا الاقتراح وفقا لأسبابه الموجبة كي يعالج الإجحاف الحاصل بحقّ البلديات لجهة قيام السلطة المركزية باقتطاع قسم من الأموال المخصصة للبلديات واتحادات البلديات واستعمالها من أجل تغطية “نفقات الرواتب والأجور والتعويضات التي يتقاضاها عاملون من خارج الملاك في وزارة الداخلية والبلديات، ونفقات اللوازم والأشغال والخدمات التي تخصص لجميع البلديات وغيرها”. كما أشار الاقتراح في أسبابه الموجبة إلى قيام الحكومة منذ سنة 1992 باقتطاع أموال عائدة للبلديات لشراء سندات خزينة أو تسديد ما يتوجب عليها من مستحقات مالية من دون الرجوع إلى البلديات واتحاداتها من أجل أخذ موافقتها أو حتى إعلامها. وخير مثال على ذلك، الأموال التي اقتطعت من الصندوق البلدي المستقل لصالح شركة سوكلين عن غير وجه حق، وقد حاولت الحكومة إيجاد صيغة قانونية لتشريع هذا الإقتطاع عبر المادة 64 من قانون الموازنة العامة رقم 326 الصادر في بتاريخ 28 حزيران 2001 التي أجازت استعمال أموال الصندوق البلدي المستقل لمعالجة النفايات في البلديات المعنيّة بعقود شركة سوكلين[1].

ويظهر هذا الأمر وفق مقدّم الاقتراح التناقض الحاصل بين استقلالية البلديات المثبتة بالقانون والتي تجعل منها سلطات لامركزية مستقلة عن الجهاز المركزي للدولة، بينما يأتي المرسوم 1917 المذكور آنفاً ويخرج أموال الصندوق البلدي المستقل من سلطة البلديات ليضعها في قبضة السلطة التنفيذية التي لها حرية التصرف بها دون رأي البلديات، ما يعتبر انتقاصاً من استقلاليتها المالية. هذا فضلا عن واقع يفاقم من تبعية الصندوق للسلطة المركزية وهو يتعلق بالتأخير الذي يحصل في توزيع عائدات البلديات والاتحادات من أموال الصندوق[2].

وإذ يعتبر النائب الحاج في الأسباب الموجبة أن البلديات هي نواة اللامركزيّة الإداريّة التي تستدعي مقابل استلامها صلاحيات إدارية منحها القدرات المالية، فإنه يوضح أنه يهدف إلى إعادة تنظيم عملية توزيع الأموال العائدة للبلديات وذلك بشكل مؤقّت، إلى حين إقرار قانون جديد حول اللامركزية الإدارية.

جراء ما تقدم يصبح من الضروري وقبل التعليق على تفاصيل الاقتراح من شرح النظام القانوني الحالي الذي يحكم عمل الصندوق البلدي من أجل تبيان ما هو الخلل الذي يحاول هذا الاقتراح تداركه.

استنسابية توزيع الأموال من قبل الحكومة بغطاء قانوني

لا شكّ أنّ محدوديّة استقلال هذا الصندوق وفقا لنظامه القانوني النافذ حاليا تظهر بشكل جلي في المرسوم رقم 1917 والتعديلات اللاحقة التي طرأت عليه. فعلى الرغم من أن المادة الأولى من المرسوم المذكور تنصّ صراحة على أن أموال هذا الصندوق تتألف من الرسوم التي تستوفيها الدولة والشركات لحساب جميع البلديات، لكن المادة الثانية سرعان ما تشير إلى أن هذه الأموال يجب إيداعها في مصرف لبنان في حساب باسم الخزينة اللبنانية يتم تحريكه بموجب آلية تحدد بقرار مشترك من وزيري المالية والداخلية، أي أن البلديات، بالرغم من تمتعها بالشخصية المعنوية وبالاستقلاليْن المالي والإداري، لا تملك سلطة مباشرة على هذه الأموال التي باتت خاضعة قانونًا لوصاية السلطة التنفيذية.

علاوة على ذلك، خضع المرسوم رقم 1917 لتعديلات مختلفة على مرّ السنين هدفت جميعها إلى توسيع صلاحيات الحكومة. فالنصّ الأصلي للمادة الرابعة كان يشير فقط إلى حسم قيمة النفقات الخاصة بمصلحة الشؤون البلدية والقروية في وزارة الداخلية من مجموع أموال الصندوق على أن تحدد هذه النفقات بموجب موازنة سنوية مستقلة تصدر بمرسوم. وقد تم تعديل المادة الرابعة سنة 1991 بموجب المرسوم رقم 1783 تاريخ 10 تشرين الأول 1991 بحيث جرى ليس فقط توسيع مجالات الاقتطاع من الصندوق بل أيضا تعديل آلية تحديد النفقات الواجب اقتطاعها التي باتت تتم سنويا بقرار مشترك من وزيري المالية والداخلية. وفي 19 أيار سنة 2000 صدر المرسوم رقم 3038 الذي أضاف إلى اقتطاع النفقات التي تشمل جميع البلديات، النفقات المتعلقة باللوازم والأشغال والخدمات التي لا تشمل جميع البلديات والتي “تقتضيها مصلحة عامة ضرورية بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء” ما يعني عمليا منح الحكومة سلطة استنسابية لتحديد ما هي النفقات الضرورية التي يمكن تغطيتها من أموال الصندوق البلدي التي ستتقلص حكما ما سينسحب تأثيره على جميع البلديات بغض النظر عن مدى استفادتها من هذه المشاريع.

وفي السياق نفسه، يتضمن المرسوم رقم 1917 لا سيما في مواده 7 إلى 11 آلية لتوزيع أموال الصندوق البلدي المستقل، وذلك بحسب نسب مئوية تحدد حصة البلديات وحصة الاتحادات، ومن ثم نسب تحدد توزيع الأموال على كلّ من هاتين الجهتين. إلّا أنه بالرجوع إلى مراسيم توزيع الأموال الصادرة عن رئيس الجمهورية لا سيما المرسوم الأخير رقم 9930 الصادر في تاريخ 29 آب 2022، يتبيّن لنا أن المرسوم لا يحترم نسب التوزيع بدقّة في الحالتين (أي التقسيم الأولي بين الجهتين والتقسيم في كل جهة على حدة). ويعود ذلك إلى هامش من التحرّك يتركه المرسوم 1917 الذي ينص على “ألّا تزيد” نسبة الأموال المخصصة لاتحادات البلديات عن 25% من مجموع أموال الصندوق و”ألّا تقلّ” نسبة الأموال المخصصة للبلديات عن 75% من هذه الأموال. وعلى سبيل المثال، ينص المرسوم 9930 على نسبة معيّنة وهي 12% من الأموال فقط للاتحادات و83% منها للبلديات (مع اقتطاع 5% للصندوق المستقلّ للدفاع المدني). وقد أوضحت المفكرة في مقال سابق لها أن الحكومة تعتبر هذه النسب توجيهية وليست ملزمة بها. وقد أدّى ذلك بحسب المقال المذكور إلى عشوائية في توزيع الأموال وحرمان البلديات من الموارد المتاحة لها لحاجات التنمية بشكل كبير.

هل نجح الاقتراح في تحقيق استقلالية الصندوق؟

استقلالية فعلية لكن ضمن إطار إداري غير مكتمل

يتضمن الاقتراح مجموعة من البنود التي تجعل من استقلالية الصندوق استقلالية فعلية. إذ يتبين لنا أن تعبير “الصندوق البلدي المستقل” وفقا للأحكام القانونية النافذة اليوم لا يعني استقلالية الصندوق عن السلطة المركزية عملا بمبدأ اللامركزية الإدارية لكن بالعكس هو يشير إلى استقلال الصندوق عن البلديات وانفصاله عن مالية هذه الأخيرة. وإذا كان الاقتراح يعطي الصندوق استقلاليته الفعلية ويحرره من تدخل السلطة التنفيذية لكنه في المقابل يفشل في إيجاد إطار تنظيمي واضح من أجل إدارة الصندوق، وهذا ما سنحاول استعراضه في الفقرات التالية:

  • استقلالية جديدة مفتوحة على المجهول

لا بد أولا من التذكير بأن الإدارة الجديدة المقترحة للصندوق تبقى عملا بالاقتراح إدارة مؤقّتة إلى حين إقرار قانون اللامركزية الإدارية. وهو أمر يشي بأن النظام القانوني الجديد الذي يجب أن يرعى عمل الصندوق يتسم بالطبيعة الانتقالية ما يضعف من مبدأ الاستقرار التشريعي الذي من المفترض أن يشكل ضمانة من ضمانات الاستقلالية المفترض توافرها في كل سلطة لامركزية. لذلك كان من الأفضل التأكيد على الطبيعة النهائية لتلك التعديلات بدل ربطها بإقرار قانون مستقبلي مجهول المعالم، هذا فضلا عن طبيعته الإشكالية وصعوبة حصول توافق حوله من قبل مختلف أركان السلطة السياسية.  

  • مجلس إدارة للصندوق الجديد مبهم المعالم

ينص الاقتراح في البنود 3 إلى 6 على إنشاء مجلس إدارة منتخب للصندوق المستحدث، يتولى بدوره انتخاب رئيس ونائب رئيس وأمين سرّ ويكون للرئيس تنفيذ قرارات الصندوق والتوقيع عنه. إلّا أن صياغة الاقتراح غير واضحة لجهة تكوين مجلس الإدارة، إذ إنّه ينصّ على أن المجلس يتألف من رؤساء البلديات القائمة، ما قد يحمل عدد الأعضاء إلى أكثر من ألف عضو، غير أنّه يردف قائلاً أنّه يتوجب انتخاب اثنين من رؤساء البلديات عن كلّ قضاء من قبل رؤساء البلديات أو من يحلّ محلّهم قانوناً (وفقاً لنظام أكثري بسيط). فالتفسير المنطقي للنص يكون بأن يتألف مجلس الإدارة من الممثلين المنتخبين عن كلّ قضاء فقط، وليس مجموع رؤساء البلديات كما توحي به هذه الصياغة المبهمة. أي أن النص يفترض وجود هيئات عامة متعددة تتألف من كل رؤساء البلديات في كل قضاء، على أن تتولى هذه الهيئات المتعددة انتخاب أعضاء الصندوق. لكن الاقتراح لا يأتي على ذكر هذه الهيئات المتعددة ما يفقده وضوحه ويجعله غير مكتمل من الناحية التشريعية إذ يمكن استنتاج أن الانتخاب يتم في كل قضاء كون دعوة رؤساء البلديات للانتخاب تتم من قبل المحافظ الذي يمارس صلاحياته قانونا ضمن نطاق محافظته فقط التي تتألف من الأقضية.

ويكتنف الغموض أيضا الفقرة الثالثة من البند السادس التي تنص على التالي: “يجري انتخاب مجلس الإدارة والرئيس ونائب الرئيس وأمين السر بحضور نصف الأعضاء الفعليين ممن يتألف منهم”. فإذا كان المقصود أن انتخاب الرئيس ونائب الرئيس وأمين السر لا يمكن أن يتم إلا بحضور نصف أعضاء مجلس الإدارة كيف يمكن لنا أن نفهم بداية النص التي تقول بانتخاب مجلس الإدارة؟ فمجلس الإدارة هي الهيئة التي ستتولى توزيع الوظائف بين الأعضاء لذلك يقع النص في تناقض كونه يوحي في فقرة واحدة بوجود جهة أخرى تقوم بانتخاب مجلس الإدارة بينما توزيع الوظائف على أعضاء مجلس الإدارة يتم بالانتخاب من قبل مجلس الإدارة نفسه.

ومن المفيد الإشارة إلى أن النص لا يتضمن آلية لتدارك حالات إخلال أعضاء المجلس بواجباتهم أو استقالتهم أو عزلهم أو فقدانهم لصفتهم القانونية كرؤساء للبلديات. كما إنه لا ينص على أحكام خاصة تتعلق بالترشيح لعضوية مجلس الإدارة ما يفهم منه أنه يمكن انتخاب شخص لم يعلن عن رغبته بذلك.

ينص الاقتراح أيضاً على أن ولاية مجلس إدارة الصندوق تبدأ وتنتهي بالتزامن مع ولاية المجالس البلدية، على أن ينتخب أوّل مجلس إدارة فور نفاذ القانون. وقد يفتح الموجب الأخير باباً للإعتباطية إذ كان من الأفضل وضع مهلة للمحافظ تفرض عليه توجيه الدعوة ضمن فترة زمنية محددة.

  • الصندوق يأخذ بعضاً من معالم الهيئات المستقلة

يضيف الاقتراح أن الصندوق الجديد المستحدث غير خاضع لنظام المؤسسات العامة. ما يستشفّ منه نيّة بعدم إخضاع الصندوق إلى وصاية السلطة التنفيذية المتأتية عن هذا النظام، بل ينص الاقتراح على أن يكون للصندوق طبيعة خاصة من دون توضيح ماهيّة هذه الطبيعة.

يهدف الاقتراح إلى نزع إدارة أموال الصندوق البلدي المستقل من أيدي السلطة التنفيذية ليضعها في يد البلديات، التي وبالرغم من امتلاكها الشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية، فهي لا تتمتع بأي سلطة على أموال الصندوق، كما ذكرنا سابقاً.

وقد نص الاقتراح على ذلك صراحة إذ أعلن أن توزيع الأموال على البلديات بات من صلاحيات الصندوق ولم يعد يدخل في اختصاص السلطة التنفيذية. وشدد البند الرابع عشر على منع صرف أي أموال من الصندوق لدفع أي نفقات غير تلك المتعلقة بتوزيع الحصص على البلديات واتحاداتها، واضعا بذلك حدّا نهائيا للممارسات السابقة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في التصرف استنسابيا بأموال الصندوق كما شرحناه أعلاه.

وبالتدقيق في الاقتراح، يتبيّن لنا أنّ الصندوق المستحدث بات يتمتّع باستقلاليّة تشبه تلك التي تتمتع بها الهيئات الإدارية المستقلّة لا بل قد تفوقها في بعض الأحيان. فأعضاء مجلس إدارة الصندوق بحسب الاقتراح مستقلّون تماماً عن السلطة السياسيّة المتمثلة في الحكومة، وذلك بقدر أكبر من الهيئات المستقلة التي تبقى سلطة التعيين فيها لمجلس الوزراء، بينما مجلس الصندوق يتكوّن من أعضاء منتخبين من البلديات بمعزل عن أي تدخل خارجي. لكن ذلك لا يجب أن ينسينا أن التبعية السياسية للعديد من رؤساء البلديات قد تؤدي إلى تحويل مجلس إدارة الصندوق إلى مكان إضافي تمارس فيه السلطة السياسية بمختلف أركانها نفوذها وفقا لمنطق المحاصصة والزبائنية.

كما يتمتع الصندوق لأداء مهامه ولحاجة تمويل مجلس إدارته باستقلالية مالية تامّة، أوّلاً من ناحية الموارد إذ إنها محددة في القوانين وبالتالي لا سلطة للحكومة على تغييرها. ويفصل الاقتراح أموال الصندوق عن سلطة وزيري المالية والداخلية وينشئ حسابا خاصاً به في مصرف لبنان يتم تحريكه وفقا لأصول يضعها مجلس الإدارة نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، يتضمن الاقتراح موجبا على عاتق محتسب الخزينة المركزي في وزارة المالية وعلى المحتسب المركزي في المديرية العامة للجمارك، كل بما يختص به، بتصفية حصص البلديات من الرسوم التي تستوفيها الدولة في نهاية كلّ شهر وإيداعها لدى مصرف لبنان في حساب الصندوق البلدي المستقل. ويقع الموجب الإيداع المباشر أيضاً على عاتق المؤسسات العامة والخاصة والمختلطة والمصالح المستقلة بخصوص عائدات الضريبة على القيمة المضافة.

هذا يعني أن أموال الصندوق غير متعلّقة بقانون الموازنة العامة الذي لم يصدر بشكل منتظم في لبنان منذ سنة 2006. وهذا أيضاً من مظاهر الاستقلالية التي تفوق تلك التي تتمتع بها الهيئات المستقلة التي تبقى مرتبطة بموازناتها بمشروع الموازنة العامة الذي يوزّع فيه مجلس الوزراء الموارد على مختلف الأجهزة والمؤسسات والهيئات والذي يخضع للتعديل والمصادقة من قبل مجلس النواب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصندوق يتفرّد في وضع نظامه الداخلي دون أن يحتاج هذا النظام إلى موافقة أي جهة أخرى ما يساهم بتعزيز استقلاليته وعدم تعليق مباشرته لمهامه بموافقة جهة أخرى. لكن الاقتراح يعود وينص على  أن الجهاز الإداريّ الخاصّ بالصندوق يتألف من موظفين وعاملين في البلديات ينتدبون وفقاً للأصول لهذه الغاية على أن تراعى في اختيارهم معايير المساواة والعدالة في التمثيل بين الأقضية كافة دون أن يحدد بشكل واضح المهلة الزمنية التي يتوجب خلالها انتداب هؤلاء ما قد يساهم بعرقلة عمله في حال تأخر انتدابهم لأسباب سياسية أو إدارية.

يبقى أن الاقتراح ينصّ على أن تعيّن الحكومة مفوّضاً عنها لدى الصندوق،  يكون له مهام تحدد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء ولا يكون له حقّ التصويت على أن تكون رقابته مؤخّرة أي أنه في المبدأ لا يحق له تعليق نفاذ القرارات التي يتخذها الصندوق. وعلى الرغم من عدم خضوع الصندوق إلى سلطة الوصاية كالمؤسسات العامة كما أوضحنا أعلاه، إلّا أن وجود مفوّض الحكومة قد يحدّ من هذه الاستقلالية كون صلاحياته غير محددة في اقتراح القانون الذي يكتفي بالقول أن الرقابة التي يمارسها هذا الأخير هي مؤخرة وأن صلاحياته تحدد لاحقا بمرسوم دون أي شرح للأسس التي يجب أن ترعى هذه الرقابة.

ملاحظات شكلية خاتمية

جاء الاقتراح على شكل مادة وحيدة، ويعود ذلك إلى إلزامية تقديمه عملا بالنظام الداخلي لمجلس النواب بهذا الشكل لكي يتخذ صفة المعجل المكرر. غير أن مراجعة النص تبيّن أن هذه المادة الوحيدة مكوّنة من 18 بنداً، ما يطرح علامة استفهام حول صوابيّة الصيغة المعمول بها، لا سيما لجهة مدى العجلة في هكذا اقتراح يحدث تغييراً جذريًّا في إدارة أموال الصندوق البلدي المستقل.

ومن الواضح أن تغييرا كهذا يحتّم القيام بنقاشات وتدقيق لمضمون الاقتراح في اللجان النيابية، لا سيما أن الاقتراح يحمل جوانباً مبهمة، ما يؤكّد عدم ملاءمة هذا الاقتراح مع الصيغة المقدم بها وذلك بغض النظر عن مدى ضرورته وأهميته في الظروف الراهنة.

علاوة على ذلك، نص الاقتراح في بنده الأول على أن يحلّ هذا الصندوق محلّ الصندوق الحالي المنشأ بالمرسوم رقم 1917 بجميع مهامه وصلاحياته لكنه عاد لاحقا وأدخله في نص الاقتراح من باب مهام الصندوق إذ أورد في البند الخامس عشر على أن المرسوم 1917 يطبق في ما يتعلق بأصول وقواعد تنظيم أموال الصندوق البلدي المستقل المستحدث في ما لا يتعارض مع بنود القانون المنوي إقراره. بينما أشارت الفقرة الثانية من البند نفسه صراحة إلى انتقال صلاحيات توزيع الأموال على البلديات من الحكومة إلى مجلس إدارة الصندوق لكن مع الإبقاء على النسب المحددة في المادتين 9 و12 من المرسوم رقم 1917.

وهنا لا بد من الملاحظة أن إحالة اقتراح القانون إلى أحكام المرسوم رقم 1917 يجعل من هذه الأحكام غير قابلة للتعديل من قبل السلطة التنفيذية كونها تكتسب عند إقرارها في مجلس النواب الصفة التشريعية، أي أن الأحكام الوارد ذكرها تصبح ملزمة أيضا للصندوق الذي سيقتصر دوره على توزيع الأموال عملا بالنسب المحددة مسبقا. لذلك كان من الأفضل بغية الحفاظ على وحدة التشريع ووضوحه تحديد هذه النسب في اقتراح القانون وعدم الإحالة إلى مضمون نصّ تنظيمي بعينه من خارج القانون.

للاطّلاع على اقتراح القانون، إضغط/ي هنا


[1] مراجعة مقال ميريم مهنّا في هذا الإطار حول إدارة النفايات في لبنان، الصادر في العدد 32 من المفكرة، شهر تشرين الأول 2015.

[2] وبعد مراجعة المرسوم 1917، يتبيّن لنا أن المادة التاسعة منه التي تنص على أن توزيع أموال الصندوق على البلديات يتم بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير الداخلية. وقد أثبتت التجربة أن صدور هذا المرسوم يتأخر دائما ما يحرم البلديات من أموالها “المودعة أمانة” في الصندوق البلدي وفقا لنص المادة 87 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30 حزيران 1977 (قانون البلديات).

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، سلطات إدارية ، مؤسسات عامة ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني