اعتداءات الجميّزة في ذكرى 4 آب: توقيف المعتدّين على جوني وجاك بركات


2021-08-24    |   

اعتداءات الجميّزة في ذكرى 4 آب: توقيف المعتدّين على جوني وجاك بركات

يقف القضاء اليوم أمام اختبار جديد لاستقلاليته عن أحزاب المنظومة السياسية وأداء دور في الحدّ من الممارسات “الميليشياوية” التي برزت إلى الواجهة منذ انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019. هذه المرّة جاء الادّعاء على حزب القوات اللبنانية على خلفية اعتداء مناصرين له على الشاب مازن أبو زيد كما وعلى الشقيقين جوني وجاك (قاصر) بركات بسبب ارتدائهما الكوفية في حادثتين وقعتا في محلّة الجمّيزة في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الجاري. فقد انتشر فيديو للشقيقين يتعرّضان للضرب المبرح والإهانات والإكراه على تمجيد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ونشرها مناصرون للقوّات على مواقع التواصل الاجتماعي. أما أبو زيد فتعرّض لطعنات في رئته وكليته ما أدّى إلى إصابته بنزيف داخلي وكسور في الوجه، وهي تعتبر محاولة للقتل بحسب المحامي مازن حطيط من لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين الذي استلم ملف الدفاع في قضيّتي طعن أبو زيد والاعتداء على الشقيقين.

فُتح محضران في الحادثتين، أحدهما بمبادرة من المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حمادة الذي فتح محضراً فورياً في تحرّي بيروت (الشرطة القضائية) على خلفية الاعتداء على الشقيقين، والآخر في السرّية الثالثة في شرطة بيروت بإشارة من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات بعد الادّعاء على القوّات اللبنانية كحزب وكلّ من يظهره التحقيق من فاعل وشريك ومحرّض ومتدخّل في محاولة قتل متعمّدة لأبو زيد. 

وصحيح أنّها من المرّات النادرة التي يتمّ فيها توقيف أشخاص ينتمون إلى أحد أحزاب السلطة في حادثة اعتداء على متظاهرين، إلّا أنّ سياسة الكيل بمكيالين التي لمسناها في التوقيفات خلال التظاهرات منذ 17 تشرين، حيث برز استسهال واضح في توقيف المتظاهرين مقابل عدم المسّ بمناصري أحزاب السلطة ممّن يعتدون على المتظاهرين، دفعت المدّعين ومحاميهم والمتضامنين معهم إلى القلق من إمكانية حصول تمييع ومماطلة في القضيّتين.

جوني بركات: الأضرار جسدية ونفسية

وفي تفاصيل حادثة الاعتداء على الشقيقين، يروي جوني بركات (18 عاماً) في حديث له مع “المفكرة” ما حصل معه ومع شقيقه القاصر جاك (16 عاماً) أثناء مشاركتهما في مسيرات ذكرى الرابع من آب. يقول جوني: “ما بعرف لي ضربوني فأنا لم أشارك في تظاهرة حزبية”. الشقيقان يومها، حاولا الابتعاد عن الإشكال الذي حصل بين مناصرين من حزب القوّات والحزب الشيوعي أمام مقرّ الأوّل في الجمّيزة، فعرض أحدهم على الشقيقين أن يدخلا طريقاً جانبيّة كي لا يلحق بهما أيّ مكروه، وبما أنّهما غريبان عن المنطقة دخلا الطريق الجانبي حيث كان بانتظارهما شبّان اعتدوا عليهما. أصيب الشقيقان على إثرها بأضرار جسدية ونفسية كانت أشدّ وطأة على جاك الذي أصيب بتعطيل عن العمل لمدة عشر أيام. يشرح جوني في هذا الإطار: “لا يزال شقيقي جاك يتابع علاجه لأنفه الذي تعرّض لثلاثة كسور وقد يحتاج لإجراء عملية له”. أمّا على الصعيد النفسي فمنذ يوم الحادثة إلى الآن “يعاني جاك صدمة وضعفاً في التركيز”، بحسب جوني الذي يروي كيف تردد جاك في النزول إلى المحكمة لحضور الجلسة أمس خوفاً من أن يكون مناصرو القوّات بانتظاره.

مذكرة توقيف وجاهية بحق المعتدين على الشقيقين

أظهرت الكاميرات في مكان الحادثة لوحة السيارة التي ظهرت في الاعتداء، فاستدعي صاحبها رودريغ توما إلى التحقيق كما استدعي توفيق معوّض الذي ظهرت صورته أيضاً على كاميرات المراقبة لدى وقوع الحادثة. وفقاً للمحامي حطيط، تمكّن جاك من التعرّف عليهما مؤكّداً أنّهما كانا من ضمن المجموعة التي اعتدت عليه. يروي جوني كيف حصل ذلك: “توفيق ضربني بالحديد على رأسي وجسمي ورودريغ ضربني بالعصا على كافة أنحاء جسمي”.

يقول حطيط إنّه “تمّ توقيف المدّعى عليهما نهار الإثنين في  16/8/2021وتحوّل الملف إلى النيابة العامّة التي ادّعت عليهما بجرائم الضرب والإيذاء مستندة إلى المادة 554 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 556 لتشديد العقوبة، كما ادّعت بالمادة 317 لإثارة النعرات و584 للقدح و73 لاستعمال الأسلحة، ثم إحالتهما موقوفين إلى قاضي التحقيق وائل صادق”.

أمس الإثنين، 23 آب، صدرت مذكّرة توقيف وجاهية بحق المدّعى عليهما بعد الجلسة التي عقدها قاضي التحقيق وائل صادق لاستجواب الموقوفين والبت في توقيفهما. وبالتزامن مع جلسة الأمس، نفّذت مجموعة من الناشطين اعتصاماً عند العاشرة صباحاً أمام قصر العدل في بيروت “رفضاً للتدخّل السياسي بالملف ومنعاً لإخلاء سبيل المجرمين”، كما جاء في بيان الدعوة الذي يحمل عنوان: “القضاء قوّة مش قوّات”. هذه الحملة “شكلت قوة ضغط لانتزاع مذكرة التوقيف الوجاهية”، على حدّ قول حطيط.

ولا يزال التحقيق مستمرّاً لكشف المزيد من المتورّطين في الاعتداء على الشقيقين. “فمن حقنا توقيف كلّ الذين اعتدوا علينا وصوروا حادثة الاعتداء ومعاقبتهم أشد عقاب”، كما يؤكد جوني، إلّا أنّ حطيط يشير إلى “تستّر” يمارسه حزب القوّات ومناصروه على المتورّطين و”يتغاضى عنه القضاء”، ويوضح: “أبرزنا المزيد من الصور لمتّهمين آخرين لكن لم يتمّ التعرّف عليهم حتى الآن”.

والملفت أيضاً أنّ القاضي وائل صادق دعا إلى جلسة نهار الجمعة في  20/8/2021حضرها حطيط ومحاميان من طرف حزب القوات اللبنانية هما جوزيف أشمر وبشير بيطار. ونقل حطيط عن الأخيرين أنّهما “أبديا موقفاً سيئاً وقالا: الشابان الشقيقان يستحقان ما تعرّضا إليه”. ورغم ذلك، ومع أنّ الموقوفين لم يمكثا أربعة أيام بعد في التوقيف، وبعد العنف الذي تعرّض إليه القاصر جاك والذي لا يزال يتابع علاجه منه، “عرض علينا القاضي المصالحة”، يكشف حطيط ويسأل: “ماذا قدّموا للمصالحة؟ لم نحصل حتى على اعتذار من الجهة المعتدية”، وبالتالي رفضت عائلة الشقيقين عرض المصالحة. ويطلب حطيط اعتذار حزب القوات عما جرى، “لأنّ الفاعلين محزّبون وإن قيل غير ذلك”.

يشار إلى أنّ منشورات برزت على “فيسبوك” تشير إلى تدخّل حزب القوات في الملفّين لحماية مناصريه. فرئيس مكتب النشاطات في موقع طلاب القوات اللبنانيّة ميشال أبو كرم مثلاً كتب على صفحته على فيسبوك: “لأني متابع القضية من أول لحظة بأكّد أنو الحكيم تدخّل وكلّف نائب الحزب جورج عدوان متابعة القضية، وقيادة الحزب عيّنت محامين للدفاع عن رودريغ توما وتوفيق معوضّ اللي هنّي بين أيادي أمينة”. وعلّق شقيق الموقوف رودريغ، رودولف توما، على المنشور ذاته بالقول: “القوّات ما تركتنا ولا لحظة واللي قدرو عليه عملوه”.

أهمية محاسبة الاعتداءات “الميليشياوية

مقطع الفيديو الذي انتشر والذي يصوّر كيف مارس المعتدون الإكراه على الشقيقين بهدف تمجيد أحد الزعماء (سمير جعجع) يشكّل “ممارسات ميليشياوية”، وفق رئيسة قسم التقاضي في “المفكرة القانونية” المحامية غيدة فرنجية، “بدأنا نشهد هذا النوع من الممارسات العنفية بكثرة بعد انتفاضة 17 تشرين الأول حيث “حيث مارست الأجهزة الأمنية وأحزاب السلطة العنف الجسدي والتعذيب على المدنيين المشاركين في الانتفاضة”. ووثّقت “المفكرة” ولجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين  80 إصابة في صفوف المشاركين في الانتفاضة بين 17 تشرين الأول 2019 و15 آذار 2020 على يد مدنيين من مناصري أحزاب السلطة، وقد شملت الأحزاب المعنيّة حركة أمل، وحزب الله، والحزب التقدمي الاشتراكي، والتيار الوطني الحر، وتيار المستقبل والقوات اللبنانية. كما جرى، وفق التقرير، “الاستفراد الميليشياوي بالمنتفضين خارج التظاهرات وفي سياق حياتهم اليومية… وفي بعض الحالات، أدّت هذه الاعتداءات إلى إكراه المعتدى عليهم على الاعتذار من “الزعيم”، وإذلالهم عبر تصوير العنف الذي تعرّضوا له واعتذاراتهم التي انتزعت تحت العنف والتهديد ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي”. وهذا ما تخوّف التقرير من أن يتحوّل إلى نهج يتّبعه النظام لاحقاً.

تتجلّى أهمية الحادثة، على حد قول غيدة فرنجية، “في توقيتها في ذكرى الرابع من آب الذي تحوّل الى يوم لمحاسبة أحزاب السلطة عن هذه المجزرة، بالإضافة إلى الدافع خلف الاعتداءات”. وتشرح: “تعرّض المعتدون للشقيقين على خلفية ارتدائهما لكوفية يعني أنّ أيّ شخص قد يتعرّض للعنف بناء على افتراض رأيه السياسي وعلى ما يرتديه، إذ قد نشهد أعمال عنف مماثلة بحقّ من ترتدي تنورة أو حجاباً مثلاً إذا ما وضعنا حداً لهذه التصرّفات وتشدّد القضاء في محاسبتها”.

تقاعس في ملفّ الاعتداء على أبو زيد

من جهة ثانية، وقع الاعتداء على مازن أبو زيد في 4 آب أثناء الإشكال بين مناصرين لحزب القوّات والحزب الشيوعي على مقربة من مبنى كامل لقوى الأمن الداخلي. وكان بإمكان القوى الأمنية إلقاء القبض على المعتدين في لحظتها، لكنها لم تتدخّل واكتفى ضباط السرية بإطلاق النار في الهواء عندما احتدم الإشكال. كما أنّ هناك كاميرات مراقبة في المكان إلّا أنّه لم يتمّ الولوج إليها لكشف الفاعلين.

ويقول حطيط في هذا الصدد إنّه “لم تحصل استدعاءات جدّية لغاية الساعة والتحقيقات تجري ببطء شديد رغم أننا أبرزنا صوراً ومقاطع فيديو تدين المعتدين”، رغم أنّ أبو زيد ادّعى على المعتدين وزارته الضابطة العدلية في مستشفى الجعيتاوي حيث كان يتلقّى العلاج بعد خضوعه لعدة عمليات جراحية، وأخذت إفادته وسجّلت أوصاف المعتدين عليه. لماذا هذا التباطؤ إذا؟ يجيب حطيط: “نحن معتادون عندما تفتح الضابطة العدلية تحقيقاً بإشارة من النيابة العامّة التمييزية أن تمارس أحزاب السلطة ضغوطات عليها، فكيف الحال إن كانت الأحزاب هم الجهة المعتدية؟”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، لبنان ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني