إضراب مفوّضي الحكومة في محاكم العمل للمطالبة ببدلات عادلة


2023-09-14    |   

إضراب مفوّضي الحكومة في محاكم العمل للمطالبة ببدلات عادلة

منذ نيسان 2023 ومجالس العمل التحكيميّة في جميع المحافظات اللبنانيّة معطّلة جرّاء التوّقف القسري عن العمل لمفوضي الحكومة بعدما بلغت قيمة بدلاتهم 100 ألف ليرة أي نحو دولار واحد عن كل يوم تُعقد فيه جلسات محاكم العمل. ولم يُغيّر هذا الإضراب الكثير بالنسبة لمجالس العمل التي  يعاني فيها المتقاضون منذ سنوات طويلة من بطء شديد في مسار المحاكمات وفي صدور الأحكام.

أي أثر للإضراب؟

وفقًا للمرسوم 662/1983، يتولّى مفوّضو الحكومة مهام حضور جلسات المحاكمة أمام مجالس العمل التحكيمية وإبداء مطالعتهم الخطية (أي رأيهم) في كلّ دعوى وتلقّي توجيهات وزير العمل لجهة موقف وزارة العمل بالنسبة لتفسير القوانين والمراسيم التطبيقية. وعليه، يؤدّي إضراب المفوّضين إلى وقف الدعاوى في المرحلة التي تتطلّب مطالعتهم، مما يؤدّي إلى تأجيل الجلسات من دون إصدار المحكمة قرارات إعدادية أو أحكام في جميع دعاوى العمل في لبنان. ويسمح القضاة في هذه المرحلة للمتقاضين بتبادل اللوائح، إذ تكتفي مجالس العمل التحكيمية بإرجاء الجلسات منذ شهر نيسان من دون اختتام المحاكمات. 

ورغم الانخفاض الحاد لقيمة البدل اليومي لمفوّضي الحكومة منذ العام 2020 استمر هؤلاء بالمثول في المجالس التحكيميّة حتّى نيسان 2023 مقابل تعويض شهري  بقيمة 100 ألف ليرة عن كلّ جلسة (على ألّا يتعدى عدد الجلسات خمسة شهريًا) وفقًا لما حدده المرسوم رقم 1415/2015 . يأتي ذلك في وقت تتأرجح فيه قيمة الدولار الواحد بين 80 إلى 100 ألف ليرة، أي أنّ هذه الكلفة لن تؤمّن حتّى كلفة ركن السيارة  في المواقف العموميّة. ويتعيّن في هذه الحالات أن يدفع مفوّضو الحكومة من جيبهم كلفة الانتقال في الوقت الذي انهارت فيه قيمة أجورهم بشكل حاد.

وبحسب ريتا بجاني، مفوّضة حكومة لدى مجالس العمل التحكيمية فإنّ “مفوّضي الحكومة استمرّوا بالانتقال إلى مجالس العمل متكبّدين كلفة الانتقال من جيوبهم، حتّى اجتمعوا في نيسان الفائت وقرّروا التوّقّف عن العمل، معتبرين أنّهم ليسوا في حالة إضراب بل في حالة ‘توّقف قسري عن العمل'”.

وبعد اجتماع عقد بين مفوّضي الحكومة ووزير العمل مصطفى بيرم العام الفائت، أعدّ الأخير مشروع مرسوم لزيادة التعويض  إلى 750 ألف ليرة باليوم، وهي قيمة لا تزيد عن 10 دولارات في الوقت الحالي. وعن هذا الأمر، تقول بجاني: “نحن لا نطلب كلفة تعجيزية، ارتضينا أن نمثل في مجالس العمل ولو مقابل كلفة الوصول فقط”. وتشرح أنّ “الوزير أرسل المرسوم إلى مجلس شورى الدولة الذي لم يعترض أسوة بمجلس الخدمة المدنية، إنّما توقف (المرسوم) بعد إحالته في آذار إلى وزارة المالية العامة التي لم تُوافق عليه بعد”.

أي إنتاجية لمحاكم العمل؟

يوجد في لبنان 14 مجلسًا تحكيميًا 5 منها في محافظة بيروت، فيما يوجد في محافظة جبل لبنان 3 مجالس كونها تضم ثلاثة غرف مع العلم أنّها أكبر المحافظات لناحية عدد السكّان، عدا عن أنّها تستقبل العدد الأكبر من دعاوى العمل وفقًا للإحصائيات التي حصلت عليها “المفكّرة القانونية” للفترة بين 2016 إلى 2021. ويوجد غرفتين في محافظات الجنوب، والبقاع ولبنان الشمالي. فيما تقاعد مفوّض الحكومة لدى مجلس العمل التحكيمي في مدينة النبطية قبل نحو عام ولم يُعيّن مفوّض جديد، وبالتالي لم تنعقد أي جلسات هناك منذ ذلك الوقت.

وكانت “المفكّرة” قد أعدّت في عامَي 2015 و2019 دراستين حول نشاط محاكم العمل في السنوات الأخيرة، وحول اجتهادات هذه المحاكم بعد بدء الأزمة المالية والاقتصادية في العام 2019. وقد حدّدت فيهما عددًا من الإشكاليّات التي قد تُعيق عمل مجلس العمل التحكيمي وتحبط العمّال من اللجوء إليه، وأهمّها:

  • طول أمد الدعوى بشكل مخالف للقانون حيث وصل متوسط آماد الدعاوى إلى حوالي ثلاثة سنوات في العام 2014 وفي العام 2018 في حين أنّ القانون ينصّ على البتّ بدعاوى الصرف التعسفي خلال مهلة ثلاثة أشهر (المادة 50 من قانون العمل)،
  • الإنتاجيّة الضئيلة من حيث عدد الأحكام، وعدد الدعاوى التي يتأخّر البتّ فيها بسبب إقامة دعوى أمام المراجع الجزائية، أو الإكثار في الطلبات المقابلة من قِبل صاحب العمل، بشكل تعسّفي.
  • التنظيم القضائي لهذه المجالس من حيث التوزيع غير العادل للأعمال القضائية بين المحافظات ممّا يساهم في بطء المحاكمات، وخلل في توزيع الغرف؛

علاوة على ذلك، يأتي عدم وضوح الدور المنوط بمفوَّض الحكومة ليزيد هذه العوائق بحيث يؤخّر الدعوى من دون أن تكون لعمله قيمة مضافة واضحة، إذ يؤدّي إشراكه في أعمال المجلس إلى إرجاء الدعوى لأشهر عديدة بانتظار مطالعته، وتعليق الفرقاء عليها. أمّا ممثّلو الأجراء وأصحاب العمل لدى مجلس العمل التحكيمي، فتَبَيَّن أنّهم غالبًا ما يتقاعسون عن أداء أدوارهم كما يجب، وهم عمومًا أعضاء صامتون تشوب آليّةَ تعيينهم اعتباراتٌ سياسية زبائنية.

وقد أدّى هذا الواقع إلى تقديم النائبة بولا يعقوبيان اقتراح قانون لإلغاء مجالس العمل التحكيمية في 3/9/2019 وإناطة مهامّها وصلاحيّاتها بأقسام محكمة الدرجة الأولى التي يتولّاها القضاة المنفردون المدنيون، ويلغي دور مفوضي الحكومة وممثّلي الأجراء وأصحاب العمل. وقد بررت اقتراحها بمجموعة من الأسباب، أبرزها عدم فعالية مجالس العمل التحكيمية وعجزها عن بتّ نزاعات العمل ضمن الآجال المحددة قانونًا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني