إجازة قسرية لـ6 أشهر: بدعة المصارف الجديدة مع موظفيها


2023-04-25    |   

إجازة قسرية لـ6 أشهر: بدعة المصارف الجديدة مع موظفيها
تراجع قيمة الليرة (من تحرك ضد سياسات المصارف)

بعد صرف حوالي 5000 موظف في القطاع المصرفي منذ بداية الأزمة أواخر 2019 وحتى نهاية 2022، سواء تعسّفيًا تحت مسمّى “الاستقالة الطوعيّة” أو التقاعد المبكر، ابتكرت المصارف بدعة جديدة هي نوع من الإجازة القسرية لمدة 6 أشهر. وأوّل المصارف التي نفّذتها كان المصرف اللبناني للتجارة BLC أواخر الشهر الماضي، حيث طلب من 70 موظفًا عدم الالتحاق بمراكز عملهم لفترة ستة أشهر. ووجّهت الإدارة رسالة إلكترونية إلى الموظفين تبلغهم فيها الانصراف إلى منازلهم على أن يتكفّل المصرف بدفع أساس الراتب فقط، من دون بدل النقل والمساعدة الاجتماعية، والذي يتراوح بين 3 و6 ملايين ليرة لبنانية. وتشير المعطيات المتوفّرة حتى الآن إلى أنّ إمكانية عودتهم بعد انقضاء فترة الأشهر الستة للعمل قليلة جدًا بل مستبعدة، كما يقول رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج، لـ “المفكرة القانونية”.

ورفض اتحاد نقابات موظفي المصارف في بيان ما أسماه “البدعة المبتكرة“، واصفًا إيّاها بأنّها عمليات صرف مؤجّلة من الخدمة، ويشير إلى ورود معلومات من مراجع عدة حول اعتماد عدد من المصارف هذه البِدعة الجديدة. ويشدد الاتحاد على أنّ كرامة موظف القطاع المصرفي ترفض رفضًا قاطعًا قبول مبالغ مالية دون عمل، معتبرًا أنّه “إذا كان المطلوب تمرير الوقت للوصول إلى صرف جماعي غير واضح المعالم، فإنّنا نتوجّه إلى الإدارات المعنيّة فورًا إلى التفاهم معنا ومع موظفيها على ما سيؤول إليه هذا التدبير، مؤكدين بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يُحاك من هندسات وفبركات”.
كذلك أعلن الاتحاد العمالي العام في بيان رفضه “القاطع لأيّ نوع من أنواع الصرف سواء كان سافرًا أو مستترًا والذي تعمد إليه بعض المصارف”، معلنًا رفضه “لأي تسوية تقليدية في ظل هذه الأزمة الطاحنة لعدم ثقته في أداء بعض المصارف، لأنّها أخلّت بعقدها مع المودع ولأنّها عملت على إفراغ العقد الجماعي مع الموظفين من مضمونه.

تحت مظلّة المصرف ولكن..

سعاد، (اسم مستعار) هي إحدى الموظفات في BLC التي طلب منها البقاء في المنزل 6 أشهر. سعاد موظفة في المصرف منذ العام 2013، تخبر “المفكرة القانونية” أنّه في تاريخ 30 آذار الماضي “وصلني كتاب من الإدارة عبر بريدي الإلكتروني، يطلب منّي ترك مكتبي والذهاب الى منزلي والبقاء (on call). منذ ذلك اليوم، باتت يومياتي موزّعة بين انتظار اتصال من المصرف والبقاء في المنزل، أهرب من الأولى بمنح نفسي الأمل لربما أعود إلى عملي في هذه الظروف الصعبة”، وتضيف: وضعتني إدارة المصرف بين خيارين إما ملازمة المنزل وعدم السفر وعدم البحث عن عمل جديد بدون إذن، وإلّا الاستقالة الطوعية بلا حقوق، سوى تعويض هزيل أحصل عليه من صندوق الضمان الاجتماعي”.
 “أي من الوعود والتطمينات لا تريحني” تتابع سعاد “لأنّ مدير القسم الذي أعمل فيه لم يضع أي معايير لاختيار من يذهب إلى المنزل ومن يستمر في العمل، وكان معياره الوحيد “بحب هالموظف أو ما بطيقه”.

وفي هذا الشأن، يؤكد مصدر في إدارة مصرف BLC لـ “المفكرة” أنّه حتى اللحظة لم يتم اتخاذ أي تدابير لصرف هؤلاء الموظفين “وفي حال تحسّنت الأمور سيتمّ إعادتهم إلى عملهم”. ويقول: “صحيح أنّه تمّ تبليغ حوالي 70 موظفًا عدم الحضور إلى مكاتبهم لمدة محددة وهي 6 أشهر، لكن مع إبقائهم تحت مظلّة المصرف، أي مع استمرارية انتسابهم إلى الضمان الاجتماعي، وتغطية بوليصة تأمينهم حتى آخر العام الحالي وكذلك المدارس”. ويوضح المصدر أنّ المعايير التي اعتمدت في اختيار هؤلاء هي الوفرة في عدد الموظفين في أقسام معيّنة وعدم الحاجة إلى هذا العدد في الوقت الحالي، أي كلّ من اعتبرته الادارة فائضًا، أو لا عمل لديه في ظلّ ما تواجهه المصارف من أزمات، وهمّ موزّعون على الإدارة العامّة وفروع المصرف في مختلف المناطق اللبنانية.

لطالما كان العقد الجماعي لموظفي المصارف ميزة يتفرّد بها موظفو القطاع عن باقي موظفي القطاعات الأخرى، إلّا أنّه منذ نهاية 2019، بدأت عمليات صرف الموظفين واختلفتْ أساليب الصرف بين الصرف التعسّفي و”الاستقالة الطوعيّة” مقابل تعويضات، وسط مطالبات نقابية باعتماد بروتوكول موحّد في حالات الصّرف من الخدمة  حقوق الموظفين في ظل انهيار القوة الشرائية للعملة الوطنية مقابل الدولار، وبعد عدم تمكّن اتحاد نقابات موظفي المصارف من إقناع المصارف بتجديد عقد العمل الجماعي لتفادي أي سوء في العلاقات بين الموظفين وإدارات المصارف، وفق ما يقول رئيس اتحاد موظفي نقابات المصارف لـ “المفكرة”.

تراجع قيمة الليرة (من تحرك ضد سياسات المصارف)

قلق من مصير مماثل

وفي حين يبقى مصير الـ 70 موظفًا في BLC مجهولًا، يتخوّف عدد من موظفي المصارف، من مصير مماثل أيضًا في ظلّ عدم وجود ضمانة فعلية لاستمرارهم في وظائفهم أو في إمكانية الحصول على تعويضات لائقة، علمًا بأنّ حوالي 5000 موظف صرفوا من القطاع المصرفي منذ بداية الأزمة أواخر 2019 وحتى نهاية 2022، كما يؤكد رئيس نقابة موظفي المصارف أسد خوري لـ “المفكرة”. ويعتبر خوري أنّ النقابة لا تستطيع أن تفرض عدم الصرف وتخفيف عدد الموظفين، “لأنّنا نعلم أنّ الظروف صعبة” ولكنّه يشدّد على أنّه من غير المقبول أن يتمّ الصرف بناء على المادة 50 من قانون العمل (التي تتناول الطرد التعسّفي). ويقول “نحن لا نطلب حسنات “شو بدن ياكلونا لحمة ويرمونا عضمة!”، ويدعو إدارة BLC وكلّ إدارات المصارف إلى “التوقّف وبشكل فوري عن وضع الموظفين في الاحتياط، على فترة 6 أشهر أو غيرها من هذه البدع،  ومن ثم نرى ماذا نفعل”.

وفي هذا الإطار، يشير رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج لـ “المفكرة” إلى أنّه سبق وعقدنا اجتماعين مع اللجنة الاجتماعية في جمعية المصارف لمواكبة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وذلك في سبيل تجديد عقد العمل الجماعي لتفادي أي سوء في العلاقات بيننا وبين إدارات المصارف، ولكننا لم نصل إلى نتائج عملية، وعليه فإننا نعود ونؤكد اليوم على ضرورة أن يضمّ العقد الجديد ملحقًا واضحًا ومقبولًا في هذا الخصوص إذ سيكون في مصلحة الأطراف كافة.
ويشرح الحاج في حديثه مع “المفكرة” تفاصيل لقاء تمّ بين مندوبي النقابة في مصرف BLC والاتحاد الأسبوع الماضي. ويقول: “تواصل معي بعض الزملاء الذين استلموا البريد الإلكتروني، طالبتهم فيه الادارة  الانصراف إلى منازلهم مقابل الأجر العادي الذي يتقاضونه من دون بدل النقل والمساعدة الاجتماعية، وقد تبيّن أنّ عدد الذين قررت الإدارة وضعهم في اجازة قسرية في بيوتهم وصل إلى 70 موظفًا، المجموعة الأكبر مزعوجة من هذا القرار ورفضت هذا التدبير، بينما مجموعة أخرى وافقت عليه. وبحسب إدارة المصرف سيستمر هؤلاء بتقاضي الراتب الأساسي فقط.
ومن الناحية القانونية يقول الحاج إنّه “يحق للإدارة أن ترسل الموظف إلى المنزل وتبلّغه بعدم مجيئه إلى العمل، طالما يصله راتبه، بخاصة أنّه في البريد الإلكتروني الذي وصل للموظفين تمّ الطلب منهم البقاء في جهوزية في حال اتصلت الإدارة بهم وطلبت منهم العودة إلى مراكز عملهم. إلّا أنّنا سنتّصل بالإدارة ونفهم ما هو قرارهم في المرحلة اللاحقة”.

ولكن يعتقد الحاج أنّ “من طلبوا منه البقاء في منزله، تعتبر إمكانية عودته للعمل قليلة جدًا لا بل مستبعدة، لذا سيكون هناك نقاش مع إدارة المصرف قبل نهاية الشهر، لمعالجة الأمر”.

ويضيف الحاج: “بالمبدأ طلبنا من الموظفين تجميع بعضهم على أن يكون لنا لقاء مع أعضاء من مجلس الإدارة للبحث في كيفية معالجة هذا الموضوع. وكنا واضحين أنّه في حال تقرّرت أيّة عملية صرف في مرحلة لاحقة فيجب دفع التعويضات، من تاريخ إبلاغ الصرف أو الإعلان عنه، ويجب أن تتناسب تعويضات الصرف مع الظروف الاجتماعية والانهيار الذي وصلته العملة الوطنية، بالأخص أنّ الرواتب والتعويضات هي بالعملة الوطنية”.
وبالنسبة لقيمة التعويضات، يشير الحاج إلى أنّه “من وقت الكلام عن إعادة هيكلة في القطاع المصرفي، تقدمنا باقتراح قانون للمجلس النيابي يطلب تعديل المادة 4 من قانون الدمج بحيث يتخطى التعويض أضعاف ما هو وارد في النص. النص الحالي هو 6 أشهر في الحد الأدنى و36 شهرًا في الحد الأقصى. نحن طلبنا  24 شهرًا مقطوعة، مهما كانت سنوات الخدمة وشهرين عن كل سنة خدمة تضاف إليها أشهر الإنذار القانونية، وتأمينًا صحيًا لمدة سنة. لكن مع انهيار سعر العملة أصبح موجبًا إعادة النظر في كيفية تكوين الراتب، لأنّ الراتب بالعملة اللبنانية وحتى لو كان على 16/12 (16 راتبًا) ففي ظلّ غلاء المعيشة يبقى التعويض دون المطلوب”.
وبما أنّ التعويض مذكور في عقد العمل الجماعي، يقترح الاتحاد تعديل العقد، ويحذر الحاج أنّه من الأفضل الوصول إلى اتفاق مع المصارف بهذا الشأن قبل شهر حزيران وإلّا سنضطر إلى الذهاب باتجاه التصعيد.

بلغ عدد موظفي المصارف الذين عاشوا وهم ازدهار القطاع المصرفي في السابق قبل الأزمة حوالي 25 ألفًا، وانخفض العدد إلى ما دون 19 ألفًا مع نهاية العام 2022 بعد إقفال حوالي 65 فرعًا وصرف حوالي 7 آلاف موظف بطرق مختلفة. وفاق عدد المصارف 60 مصرفًا قبل الأزمة ولامس عدد فروعها الألف في المحافظات والأقضية اللبنانية، وانخفض إلى حوالي 900 فرع، وفق الاتحاد العمالي العام.

شهادات مصروفين

راجي (اسم مستعار) أطلق في العام الماضي، نداءً دعا فيه زملاءه وزميلاته في أحد المصارف في بيروت إلى مناصرته ومناصرة زملائه في القطاع المصرفي الذين تعرّضوا للطرد التعسّفي.
راجي وهو موظف مسؤول عن عائلة تتكوّن من ولدين وزوجة، يقول لـ “المفكرة”: “كنت عند لقائي أي زميل والتحدث معه يتحوّل الحديث عن القلق الذي نعيشه من جرّاء انعدام الشعور بالأمان في الوظيفة وعدم الثقة في إداراتنا التي قضينا عشرات السنين في خدمتها، تحت وطأة وهم ازدهار  القطاع المصرفي. وفي النهاية طردنا تعسّفيًا، بتعويضات مذلّة، بسبب ما أسمته هذه الإدارات بتخفيف الأعباء المالية، وهم أي أصحاب المصارف ورؤساء مجالس إداراتها، نهبوا المليارات وأودعوها في عقارات ومصارف خارج البلاد ونحن نعلم وهم يعلمون أننا نعلم”.
ويضيف راجي: “اليوم هناك زملاء لنا من مصارف مختلفة ينقلون مظلوميّتهم إلى اتحاد نقابات موظفي المصارف للدفاع عنهم وتحصيل حقوق تتناسب مع الوضع في ظلّ الأزمة، الاتحاد يتفاوض مع إدارات المصارف من غير نتيجة، ويتفاوض مع جمعية المصارف لتعديل عقد العمل الجماعي ومن غير نتيجة أيضًا”.
ويدعو راجي كلّ من يتباكى على أطلال العمل النقابي، وكل من يشعر أنّ  اسمه سيكون عاجلًا أم آجلًا على لوائح الطرد التعسفي، إلى التحرّك العاجل ووضعه ثقته في الاتحاد لتقوية موقفه في مواجهة إدارات المصارف.

أما فاتن فقيه التي عملت في بنك الشرق الأوسط وأفريقيا (MEAB Bank) لمدة 35 عامًا، وهي أمينة سر نقابة موظفي المصارف في الجنوب، فلم تحمها  صفتها النقابية، وقرّرت إدارتها صرفها وبشكل تعسّفي. تقول فاتن لـ “المفكرة”: “فجأة قرّرت الإدارة تخفيف عدد الفروع ومعها تخفيف عدد الموظفين. وتم اختياري مع 160 موظفًا من أصل 270  استنسابيًا، من دون تحديد أي معايير لصرفنا”.

المفارقة في قصة فاتن وقصص العديد من المصروفين من البنوك أنّ حظّهم السيّئ لم يقف عند قيمة التعويض التي باتت زهيدة جدًا بسبب انهيار الليرة بل أيضًا في أنّ التعويض عَلِق في حساباتهم في البنوك نتيجة احتجاز الأخيرة لودائع الناس بحجّة الأزمة.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مصارف ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني