أهالي ضحايا 4 آب “رهن التحقيق”: يريدون إسكاتنا لكنّنا لن نسكت ولن نستكين


2023-01-17    |   

أهالي ضحايا 4 آب “رهن التحقيق”: يريدون إسكاتنا لكنّنا لن نسكت ولن نستكين

“ما رفّت عينهم لمّا تفجّرت بيروت وعم يبكوا كرمال لوح زجاج، ما بيخجلوا من أمهات وآباء وأخوة وأبناء الضحايا والشهدا؟”، تساءلت فاطمة حرب والدة الضحية محمد طليس، الموظف في المرفأ، ووالدة كيان أحد المستدعين للتحقيق لدى الشرطة القضائية في بيروت أمس الإثنين. وبلهجة يائسة توجهت لـ “المفكرة القانونية” بالقول: “حطّولي إبني محمد تحت التراب، وكرمال شقفة زجاج عم يحققوا مع ابني كيان وتاركين اللي فجروا المرفأ أحرار. هم يريدون منّا أن نسكت وأن نتوقف عن المطالبة. لكنّنا نطمئنهم أنّنا لن نستكين حتى نعرف الحقيقة”. 

جورج بزجيان يستذكر وعده لابنته الضحية جيسيكا الممرضة في مستشفى القديس جاورجيوس يوم دفنها بأنه لن يسكت حتى تحقيق العدالة لها وقوله أمام ضريحها: “إذا لم أستطع تحقيق العدالة لك فلستُ أباً أستحقك”. يؤكد بزجيان  لـ “المفكرة” “مستمرّون بالمطالبة بالحقيقة مهما فعلوا وتجبّروا. هم يستقوون على الضعيف، ويعتقدون أنّنا ضعفاء ولكننا لسنا لقمة سهلة. كلّما زادوا في تسلّطهم علينا نقوى أكثر لأن الحق معنا، سنكمل ونصعد من تحرّكاتنا ولن نستكين”.
إذاً يوم أمس الإثنين، 16 كانون الثاني 2023 هو بالنسبة لأهالي ضحايا وشهداء انفجار 4 آب يوم أسود وعار على السلطة السياسية والقضائية والأمنية. فمن جهة يُستدعى الضحايا إلى التحقيق،  بينما المسؤولون عن التفجير لا يمثلون أمام التحقيق المتوقّف أصلاً منذ سنة ونصف. ومن جهة أخرى يتخذ قرار بالتحقيق مع الأهالي وإبقائهم رهن التحقيق بإشارة من النائب العام الاستئنافي في بيروت زاهر حمادة، وهو ما اعتبره الأهالي محاولة لإسكاتهم ووضعوه في خانة الترهيب وسيف مُصلتّ عليهم كونه يعني أنّه سيتمّ استدعاؤهم مجدداً. 

وقّفوا التحقيق بالجريمة وعم يحقّقوا مع الأهالي 

غير آبهين بالمطر والبرد، عاد الأهالي المفجوعون والمتضامنون معهم، إلى جانب ناشطين ونوّاب وعدد من المحامين إلى الشارع أمس الاثنين، ولكن هذه المرة لم تكن العودة  إلى مسرح الجريمة في مرفأ بيروت، كما في الرابع من كل شهر، ولا إلى قصر العدل، المكان المفترض إحقاق العدالة فيه، بل إلى ثكنة بربر الخازن في منطقة فردان في بيروت، حيث استدعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حمادة عدد من ذوو الضحايا، إلى التحقيق لدى الشرطة القضائية على خلفية التظاهرة أمام قصر العدل في بيروت يوم الثلاثاء الفائت في 12 كانون الثاني الجاري للمطالبة  بإعادة الحياة إلى التحقيق في القضية حيث تم تكسير بعض زجاج نوافذ مكاتب النيابة العامة. ونظّموا وقفة احتجاجية مواكبة للتحقيق مع 13 شخصاً منهم، تحت عنوان: “وقفوا التحقيق بالجريمة وعم يحققوا مع أهالي الضحايا”. 

دخل الأهالي المطلوبون وسط تصفيق حاد من المشاركين الذين تجمّعوا أمام الثكنة. دخل 11 منهم ومن بينهم من بلغوا السبعين وهم: وليام نون، بيتر بو صعب، إيلي بو صعب، جورج حتّي، عبدو متى، إيلي ملاحي، كيان طليس، مجيد حلو، أسامة فقيه، أنطوني سلامة، شربل وردة، أما المحامي بيار الجميل المستدعى أيضاً وزميلته سيسيل روكز فالتزاما بقرار نقابة المحامين  والتعميم الصادر عن النيابة العامة التمييزية حيث يمثل المحامين أمام قاضٍ بإذن من النقابة وليس أمام الأجهزة الأمنية، فلم يدخلا إلى التحقيق.
بدأ التحقيق مع الأهالي في الشرطة القضائية في ثكنة بربر الخازن بإشارة من القاضي حمادة وبعد أن استمعت الشرطة القضائية إلى إفادة الأهالي، فرض حمادة عليهم التوقيع على تعهّد بعدم التعرّض للقضاء والقوى الأمنية والأملاك العامة. وبعد أن وقعوا، قرر تركهم رهن التحقيق. إلّا أنّه استثنى وليام نون وبيتر بو صعب حيث طلب نقلهما إلى مركز أمن الدولة لاستكمال التحقيق الذي كان بدأه السبت مع نون. إلّا أن محامي بو صعب النائب جورج عقيص ومعه المحامي والنائب ملحم خلف وفريق المحامين عن الأهالي رفضوا نقل نون وبو صعب بسيارة عسكرية، واصطحبهما عقيص بسيارته إلى الرملة البيضاء، برفقة الأهالي وحشد من المتضامنين. 

وكان القاضي حمادة قد أوقف نون لدى أمن الدولة يوم الجمعة 13 كانون الثاني للتحقيق معه على خلفية قوله بأنه مستعد لتفجير العدلية بالديناميت وانتقاده لاستدعاء حمادة للأهالي على التحقيق حيث صرّح للإعلام “يروح يبلّط البحر” وفقاً لوكيله رالف طنوس. وكان حمادة قد ألزم نون أيضاً بالتوقيع على تعهّد بعدم التعرّض للقضاء وقصر العدل. ولم يفرج عنه إلا بعد أن تداولت وسائل الإعلام ببيان قيل أنه صادر عن مجلس القضاء الأعلى يستنكر التهجّم على عمل القاضي حمادة، إلّا أنّ رئيس المجلس سهيل عبود عاد وأصدر بياناً أوضح فيه أن البيان السابق لم يصدر عن المجلس وفقاً للأصول القانونية.
بالعودة إلى يوم الإثنين، وبعد انتهاء التحقيق الإضافي مع نون وبو صعب في مركز أمن الدولة في رملة البيضاء، قرر حمادة تركهما رهن التحقيق. وأوضح وكيل الأهالي المحامي شكري حداد لـ “المفكرة” أنّ القاضي حمادة ترك جميع الأهالي رهن التحقيق في القضية المفتوحة لدى الشرطة القضائية في بيروت أيضاً، وبالتالي فإنّ المحضرين بقيا مفتوحين لدى الشرطة القضائية وأمن الدولة. 

واعتبر حداد أنّ قرار حمادة بتركهم رهن التحقيق “يجعلنا نشكك في أنّه قد يريد استدعاؤهم مجدداً لدى أي تحرّك جديد”، واضعاً هذا الأمر  في إطار الترهيب للضغط على الأهالي، بخاصة أنه تمّ أخذ إفاداتهم وتفتيش هواتفهم. 

وليام نون أكد بدوره من أمام مديرية أمن الدولة: “صوتنا صوت الحق ونحن تحت سقف القانون، ولو مهما حصل سأظل على ما أنا عليه”.

وعن هذا الأمر قال  عقيص: “هناك إرادة سياسية عليا وغرف مغلقة تريد أن تطمس الحقيقة في انفجار المرفأ. بعض السلطة السياسية لم يعد يستطيع أن يسمع صوت وليام نون، الذي يعبّر على طريقته باسم المجتمع اللبناني كله، عن وجع الناس وقهرهم والشعور بالظلم”. أما النائب خلف فرأى ضرورة تصحيح مسار التحقيق في ملف المرفأ وأن تكون الحماسة تجاه لتحقيق مع أهالي ضحايا المرفأ نفسها في تحقيق العدالة في تفجير المرفأ. 

ماذا لو كنت مطرحن بالتحقيق؟

أمهات وآباء شحبت وجوههم وخف البريق في عيونهم التي يملؤها الدمع المجبول بالقهر، يتجدّد لقاؤهم ببعضهم البعض في كلّ تحرّك، لا يفارقون أبناءهم إذ يحضنون صورهم بين أيديهم، سألتهم “المفكرة” عما كانوا سيجيبون المحقق لو كانوا هم المستدعون.

ريتا حتي والدة الضحية في فوج الإطفاء نجيب حتّي الذي استشهد مع اثنين آخرين من أفراد الأسرة تقول: “لو كنت مطرحن في التحقيق لكنت سألت المحقق هل جرحنا شعوركم عندما انكسر الزجاج ألم ينجرح شعوركم من جرّاء الانفجار الذي كسر قلوبنا وحطّم نصف مدينتنا؟”.

وتضيف: “هم يعلمون من الذي استفز الأهالي عندما طلّ من شباك العدلية وأسمعنا كلاماً مهيناً وجارحاً. فهذه ليست المرة الأولى التي نأتي فيها إلى العدلية. ولا مرة كسرنا وبالأساس قصر العدل لنا وللشعب، نريد من القضاة النزيهين أن يحكموا بالعدل باسم الشعب”. وتسأل: “هل يريدون أن يسألوا أمهات وآباء الشهداء ليش كسرتوا زجاج؟ يردّولنا أولادنا ومندفع ثمن الزجاج الذي حطمناه”. وتضيف: “هل أخافتهم كلمة ديناميت، أصلاً قلوبنا تفجّرت من دون ديناميت. المفجوع لا يُحاسب على كلامه”.

وترى ريتا أنّ ما حصل بالأمس هو خدمة لقضيّة الأهالي، حيث انتعشت وأعيد لها الزخم.

هيام والدة الضحية أحمد قعدان أجابت على السؤال بالقول: “ماذا فعلنا حتى يحققوا معنا. قتلوا أولادنا وفجّروا بيروت وزعلانين على لوح زجاج؟ لسنا أولاد شوارع. ليذهبوا ويحققوا مع الذي استفزنا وأهاننا من داخل قصر العدل. نحن أصحاب حق، اذهبوا وحققوا مع من صدرت بحقّهم مذكرات توقيف من علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ومع قائد الجيش وصولاً إلى السلطة الأمنية ورئيس الجمهورية وحققوا معهم جميعاً فالحقيقة هناك وليست مع أهالي الشهداء والضحايا”.

وتابعت “يا ريت كنت مع الذين تم استدعاؤهم لكنت طلبت من المحقق أن يحقق مع المطلوبين بمذكرات توقيف وليس مع أمهات وآباء الضحايا”.

بول نجار والد الطفلة الضحية ألكسندرا يقول: “إنه يوم عار، يحققون مع  ناس خسرانة ولادها وما قدرت تدفنهم إلّا شقف، دفنّا أجساداً مشقفة وناقصة، أمهات وآباء أعمارهم أكثر من سبعين عاماً يطلبونهم إلى التحقيق في وقت هناك طلبات توقيف وجلب منذ أكثر من سنة، بل بالعكس بيُنتَخَبوا من الناس وبيقعدوا بالبرلمان وبوظائف أمنية”. ويضيف: “عم جرّب حط حالي محل الشخص الذي يحقق مع الأهالي ما هو إحساسه وهو يحقق مع إيلي بو صعب والد شهيد”.

وعن ماذا كان سيجيب المحقق قال نجار: “كنت سأقول له صحيح أنا كسرت زجاج وإذا بدك وقّفني لأني كسرت الزجاج، ولكن أنا أنتظر منذ سنتين ونصف لأعرف من قتل ابنتي ومن كسر ظهر زوجتي ومن فجر بيتي وشردني خارجه ومن فجر الحي الذي أقيم فيه ومن فجر مدينتي، وغيّر لي حياتي كليّاً، فما تواخذني لأنّي معصّب وكسرت الزجاج. سأجعله يشاهد صور ابنتي ليفهم لماذا أحمل هذه المشاعر الكبيرة بالغضب، لأنه كل يوم يمر من دون عدالة نغضب أكثر. أريه كيف بـ 5 آب عندما بدأت تصلني صور منزلنا أنا وترايسي، شفنا مش انه مكسور البيت ما عاد في بيت وإذا أراد أن يوقفني أعترف له بأنّي كسرت زجاج شباك العدلية وليوقفني”.

ويعتقد بول أنّ السلطة تتصرف بـ “هبل، فبتصرفاتهم القمعية هذه استطعنا أن نحيي القضية مجدداً وأن نحشد المتضامنين معنا”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، تحقيقات ، أجهزة أمنية ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني