أهالي ضحايا التليل وجرحاه لا يزالون ينتظرون الحقيقة.. والتعويضات


2022-03-28    |   

أهالي ضحايا التليل وجرحاه لا يزالون ينتظرون الحقيقة.. والتعويضات
أهالي ضجايا انفجار التليل يقطعون الطريق

قبل 8 أشهر استأثرت عكّار المهمّشة بالمشهد الإعلامي، من باب الظلم طبعاً، حين هزّ انفجار منطقة التليل فيها فجر 15 آب 2021، وذهب ضحيته 36 شخصاً والمئات من الجرحى. وسريعاً ما اختفت عكّار من المشهد وعادت إلى وحدتها وبقي الأهالي والجرحى بمفردهم يطالبون بالحقيقة وبتعويضات زهيدة حُددت لهم ولم تصرف حتى اليوم.   

“نشعر أنّنا وحيدون، لا أحد يسأل عنّا”، “يأتي رمضان على الأهالي وليس بمقدورنا شراء ربطة خبز أو تأمين قارورة غاز”، “أين اختفى كلّ من أعلنوا عن استعدادهم مساعدة أهالي الضحايا والمصابين؟”، هذا بعض ممّا يردده الأهالي والجرحى في وقفاتهم المتتالية في الآونة الأخيرة بينها وقفة اليوم الإثنين قطعوا خلالها الطريق لبعض الوقت احتجاجاً على إهمال الدولة لأوضاعهم من خلال حرمانهم من التعويضات، ومن تأمين كلفة العلاج للمصابين بعجز دائم أو مؤقت الذين “أصبحوا عاجزين وغير قادرين على القيام بأيّ أعمال، نتيجة جروحهم البليغة، وبعضهم لا يستطيع متابعة علاج جراحه ولا تأمين الدّواء لها لإسكان آلامه”، وفق بيان نشروه بالتزامن مع الوقفة.

ويستمرّ الظلم أيضاً بحرمان الأهالي من الحقيقة حتى اليوم حيث لا يزالون ينتظرون منذ 8 أشهر نتيجة التحقيقات التي بدأها المحقق العدلي القاضي علي عراجي، وقد نظمّوا لهذا الهدف أيضاً عدّة وقفات احتجاجية على طريق حلبا – القبيات. وبحسب رئيس مكتب الادعاء في نقابة المحامين في طرابلس النقيب محمد المراد فقد بدأ المسار القضائي في أعقاب الدعوى التي تقدّم بها على رأس فريق مؤلّف من 37 محامياً بوكالتهم عن ضحايا التليل. ويضيف “بعد إحالة الملف إلى المجلس العدلي، خطى الملف خطوة كبيرة”، مقرّاً في الوقت نفسه بأنّ “العدالة المتأخرة مؤذية للضحايا وأهاليهم”.

أين أصبحت التحقيقات؟

لدى حصول انفجار خزّان الوقود في التليل، تولّى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي التحقيقات فيها وادعّى في 26 آب 2021 على ثلاثة أشخاص بالتسبّب بالانفجار، هم “ج.أ.” و “ع.ص.ف.” “ج.إ.إ.” وأحالهم موقوفين أمام قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان. ثم في 29 أيلول 2021، أحال مجلس الوزراء ملف انفجار التليل على المجلس العدلي بموجب المرسوم رقم 8377/2021. وفي 16 تشرين الثاني 2021، قام وزير العدل بتعيين القاضي علي عراجي، وهو رئيس محكمة الجنايات في البقاع، محققاً عدلياً في القضية مع موافقة مجلس القضاء الأعلى، فانتقل الملف من القضاء العسكري إلى المحقق العدلي عراجي.

وحسب أوساط مجلس القضاء الأعلى الذي يعتبر رئيسه رئيساً حكمياً للمجلس العدلي فإن “القاضي علي عراجي تبلّغ بتعيينه محققاً عدلياً قبل حوالي 3 أشهر، وقد عقد حتى الآن 4 جلسات”. وترفض الأوساط الخوض بمضمون التحقيقات نظراً لسريّتها، إلّا أنّها ترفض الاتهامات التي توجّه إلى القضاء بالمماطلة وأخذ وقت طويل لإتمام الإجراءات، لأنّه “من المعروف عن الرئيس عراجي أنّه لا يماطل ويعمل بسرعة، ولكن من دون تسرع”.

من جهته، يؤكد رئيس مكتب الادعاء في نقابة المحامين في طرابلس النقيب محمد المراد أنّ المسار القضائي قد بدأ، في أعقاب الدعوى التي تقدّم بها على رأس فريق مؤلّف من 37 محامياً بوكالتهم عن ضحايا التليل. ويضيف “بعد إحالة الملف إلى المجلس العدلي، خطى الملف خطوة كبيرة”.

يوضح المراد لـ “المفكرة القانونية”، أنّ “إنجاز التوكيلات استغرق شهراً ونصف الشهر، من أهالي الضحايا والجرحى، وقد تم تقديمها إلى النيابة العامة التمييزية، قبل إحالتها إلى المحقق العدلي علي عراجي”. ويكشف المراد أن التحقيقات أفضت إلى توقيف 5 أشخاص مشتبهاً بهم، هم “ج.إ”، “ع.ص.ف”، “ج.إ.إ”، “ر.إ”، والموقوف غيابياً “ب.أ”، كما أفضت إلى مطالبة قيادة الجيش بمنح الإذن للاستماع إلى الضبّاط المكلّفين بالأمن في النطاق الجغرافي لانفجار التليل، كما طالب المحقق بالاستماع إلى شهود مدنيين وعسكريين.

يتحدّث وكيل الضحايا والجرحى أنّ “للمحقق العدلي اختصاصاً شاملاً في ملف إنفجار التليل”، ويتطلّع إلى تعاون الجميع معه، وعدم عرقلة مهامه على غرار ما جرى في تفجير مرفأ بيروت، متحدثاً عن “تعاون نسبي من قيادة الجيش”. ويُقرّ المراد بأنّ العدالة المتأخرة مؤذية للضحايا وأهاليهم، وينتظر الجلسة المقبلة في 5 نيسان من أجل الاستماع إلى مزيد من الشهادات، “فالقاضي يمتلك سلطة استنسابية للسماع إلى من يريد، وكل من يعتبر أنّ إفادته تساعد في تسريع مسار التحقيق”.

شكوى جماعية من مكتب الادّعاء في نقابة محامي طرابلس

بنى الفريق القانوني ادعاءه على نظرية المخاطرة والقبول بها (القصد الاحتمالي) على ضوء المادة 189 عقوبات، لملاحقة جميع المقصّرين ومرتكبي الإهمال. وتمّ التقدّم فيها باسم ورثة 27 من الضحايا، و42 من الجرحى، وحسب النقيب المراد “وفّر ذلك الكثير من الضغط النفسي على الأهالي والضحايا لعدم تكبّد مشقّة الذهاب إلى بيروت”.  

أكّد الادعاء أنّ “الذين سقطوا من شهداء والذين شوهوا من أحياء بفعل لهيب نيران الانفجار يعود في الأصل إلى ذلك الإهمال والتقصير وإلى ذلك الجشع والطمع والاحتكار وإلى توقّع الحصول بالنتيجة وقبول المخاطرة بها”. كما تضمّن جملة أسئلة من قبيل “من الذي أصدر قراراً بمصادرة الكميات الموجودة في خزانات الوقود وإبقاء كميات أخرى، فهل كل ذلك حصل بإشارة من القضاء؟”، و”من الذي اتخذ القرار على الأرض بتوزيع الكميات على الناس بهذه الطريقة”. لذلك فإنّ “من حق المظلومين والمقهورين من أهالي الشهداء ومن المشوهين أن يعرفوا الحقيقة”.

كما شدّد الادّعاء على مسؤولية صاحب الأرض حيث وقع الانفجار والمستثمر محتكر الوقود والتجّار ذوي الصلة والإدارة المحلية لبلدة التليل والهيئات الإدارية وذات الصفة الرسمية في محافظة عكار. وكذلك مسؤولية كلّ من ساهم في اتخاذ القرار عند ضبط المواد المخزنة حيث وقع الانفجار بالسماح بتوزيع مادة البنزين من خزانات الوقود على الناس قبل حصول الانفجار. لذلك فقد اتُخِذت صفة الادعاء الشخصي ضد المدعى عليهم: ج.إ، ج.إ.إ، ر.إ، ع.ص.ف، ب.أ، وه.أ، وكل من يظهره التحقيق شريكاً كان أو فاعلاً أو محرضاً أو متدخلاً في جرائم القتل وإضرام النار (المنصوص عليها في المواد 547 و 587 و 591 عقوبات) والإهمال والتقصير معطوفة على المادة 189 عقوبات. إما لجهة التعويض والعطل والضرر، فقد احتفظت به الجهة المدعية أمام المجلس العدلي وفقاً للأصول.

الجرحى متروكون لمصيرهم

وبعد مرور قرابة 8 أشهر، لا يزال بعض الجرحى يتلقّون العلاج وقد تواصلت “المفكرة” مع بعض هؤلاء وأهاليهم. المصاب محمد حاويك (17 عاماً) الذي احترق جسده بالكامل وفقد شقيقيه في الانفجار يأسف لما بلغه الملف من الجانب الإنساني، فمن حصلوا على شيكات كتعويض عن سقوط أبنائهم ضحايا في الانفجار، لا يمكنهم صرفه. ومن بعد علاج جروحه في مستشفى السلام في طرابلسه ينتظر حاويك اليوم الحصول على موافقة وزارة الصحة من أجل إجراء عملية جراحية لتجميل يده في مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت. ويتحدث الشاب عن صعوبة في تأمين الدواء في لبنان لذلك يقوم أحد أقاربه بتأمينه له من دبي أو تركيا.

قدّم محمد إفادته أمام المحقق العدلي في الأول من شباط 2022، بعد أن تمّ إبلاغه بالحضور عبر رسالة هاتفية. ويؤكّد الشاب أنّ “القضية لم تنتهِ بالنسبة إلى الأهالي الذين ينتظرون الحقيقة وإنصافهم بموجب الحق العام والخاص.  

أما الجريح أحمد المحمد (18 عاماً) الذي احترقت أطرافه في الانفجار، فيتحدث عن صعوبات شديدة تحول دون استمرارهم بالعلاج على أفضل وجه، وتحديداً في تأمين المراهم لترميم الجلد، ويقول إنّ “الدواء يذبحنا، أحتاج 4 أنابيب من الدواء ثمن الواحد منها حوالي 700 ألف ليرة”، لذلك “بسبب عدم القدرة المادية، أضطرّ أحياناً إلى تقطيش الجرعات في بعض الأيام”، مضيفاً “إذا ما عرف الطبيب أنني أقنّن الدواء قد يثور غضبه، لأنّه طلب مني دهنه كل يوم، ولكن ليس بمقدوري ذلك”. كما يلفت إلى أنّ “الجمعيات رفعت يدها عنّا، في البداية كان هناك اهتمام ملحوظ. وحصلت على جلسات دعم نفسي لمدة شهر، وهيي كانت”.

يطمح أحمد إلى استعادة عافيته والوقوف مجدداً على قدميه، فهو “يريد أن يذهب مجدداً إلى موقع الانفجار”، لأنه يريد استعادة ذكرى الأماكن التي مشى فيها ليل التفجير.

شيك محرر من الهيئة العليا للإغاثة لصالح إحدى عائلات الضحايا التي فقدت اثنين من أفرادها في التفجير

التعويضات: شيك بلا رصيد؟

في أعقاب الانفجار، تولّت الهيئة العليا للإغاثة ملف التعويض على أهالي الضحايا والمصابين. وقد قامت الهيئة بتوزيع شيكات لأهالي الضحايا، بقيمة 30 مليون ليرة لذوي الضحية الواحدة، و15 مليون ليرة إضافية عن كلّ فرد للعائلات التي سقط منها أكثر من ضحية. ولكنّ الصدمة كانت أنّه عندما توجّه الأهالي إلى البنوك لقبض الشيكات، كانت الإيجابة أنّه لا يمكن للبنوك صرفها حالياً. شكّل ذلك استفزازاً لأهالي الضحايا والجرحى، لذلك قامت مجموعة منهم باعتصام وإغلاق طرقات رئيسية في عكار نهار الثلاثاء 22 آذار الجاري، ومجدداً اليوم الإثنين 28 آذار حيث قاموا بقطع الطريق في المنطقة. وأعرب المحتجّون عن أسفهم لعدم استجابة القيادات العسكرية، والدينية، والسياسية مع مطالبهم. وطلب خالد مراد (أحد المحتجين) من قائد الجيش اعتبار أهالي الضحايا والجرحى بمثابة أولاده، والعمل لإنصافهم، كما توجّه إلى دار الفتوى في عكار لتقديم المساعدة للأهالي، وإعطائهم الأولوية على أبواب شهر رمضان.

وقد تواصلت “المفكرة” مع لجنة متابعي حقوق ضحايا انفجار التليل في الدريب وعكار التي تأسّست بعد التفجير وكان تنسّق مع الهيئة العليا للإغاثة والجمعيات لتقديم المساعدات للأهالي، حيث أكد أحد أعضائها يوسف وهبة أنّه تمّ تحرير شيكات لأهالي الضحايا دون الجرحى، إلّا أنّ المصارف اللبنانية لم تصرفها، موضحاً أن “اللجنة تحاول التواصل مع مصرف لبنان والهيئة العليا للإغاثة لمعرفة السبب، والوصول إلى آلية لصرفها”، موضحاً أن “عائلات 9 من الضحايا من الجنسية السورية لم يحصلوا على أي تعويض”.

ويشير وهبة إلى أنّ “الجمعيات استمرت بتقديم المساعدات طوال أشهر، إلا أنّه نتيجة الانهيار الاقتصادي ربما انكفأت الجمعيات عن المساعدة، لذلك يشعر المصابون أنّهم متروكون من دون علاج على نفقة الدولة، وكذلك الأهالي المنسيين بعد أن خسروا المعيل”، لافتاً إلى “تحركات تصاعدية سينفذها الأهالي ولن تقتصر على مكان الانفجار في عكار، وإنّما سيكون لهم انتفاضة في ساحات أخرى لأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه”.

ويلفت هنا إلى اقتراح القانون المدرج على جدول جلسة مجلس النواب غداً الثلاثاء والرامي إلى إعطاء تعويضات ومعاشات لذوي ضحايا تفجير التليل الذي يدمج نصّين تقدّم بهما النواب هادي حبيش وطارق المرعبي وسامي فتفت ومحمد سليمان وعثمان علم الدين وعلي حسن خليل من جهة والنائب أسعد درغام من تكتل لبنان القوي من جهة ثانية. وكان هذان الاقتراحان قد وُضعا على جدول أعمال جلسة ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢١ ولم يدرسا، ثمّ على جلسة 7 كانون الأول 2021 حيث أحيلا إلى اللجان الدائمة التي دمجتهما.  

وقد أصدر الأهالي واللجنة بياناً، طالبوا فيه بـ”إقرارالقانون المتعلق بحقوقهم في مجلس النواب لجهة منحهم معاشات تقاعدية وضمانا صحيا وغيرها من تعويضات”، مؤكداً أن “التحركات العفويه ستستمر لطالما لا يوجد اذان صاغية لتلبية مطالب المحتجين، وسوف تتدحرج لتصل الى اعتصامات احتجاجية امام منزل رئيس الحكومة ووزير الداخلية في طرابلس ومن ثم الى بيروت حيث الوزارات والمؤسسات الحكومية”.

ويكشف وهبة عن خطوة بدأتها قيادة الجيش من خلال تطويع عناصر عسكرية جديدة من أهالي الضحايا والجرحى العسكريين، والمدنيين. حيث بدأ الشبان بتقديم طلبات التطوّع لدى قسم المخابرات في حلبا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حراكات اجتماعية ، قضاء ، الحق في الصحة والتعليم ، المرصد القضائي ، تحقيقات ، البرلمان ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، إقتراح قانون ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، فئات مهمشة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني