أكثر من 70 إصابة بالكورونا و6 وفيّات بين الأطقم الطبية في مصر: أية مسؤولية لوزارة الصحة؟ أية حماية؟


2020-04-29    |   

أكثر من 70 إصابة بالكورونا و6 وفيّات بين الأطقم الطبية في مصر: أية مسؤولية لوزارة الصحة؟ أية حماية؟

بتاريخ 25-4-2020، كشفت مصادر في وزارة الصحة والسكان المصرية عن وقف استقبال حالات إصابة جديدة بمستشفى النجيلة للعزل الصحي لمصابي فيروس كورونا في محافظة مرسى مطروح بسبب إصابة 22 من طاقمها الطبي بالفيروس[1]. لم تكن هذه المرة الأولى التي يسجّل فيها حالات إصابة بين الأطقم الطبية داخل المستشفيات المصرية. فقد وقع العديد من حوادث نقل العدوى للأطباء والممرضين في الكثير من مستشفيات مصر كان أشهرها حادثة نقل العدوى لــ17 من الطاقم الطبي بالمعهد القومي للأورام، وكذلك حادثة إصابة الطاقم الطبي بمستشفى القصر العيني التعليمي التابع لجامعة القاهرة[2]. وحسب الحصر المبدئي الذي قامت به نقابة الأطباء، فإنّ عدد الإصابات بفيروس كورونا بين الفرق الطبية ارتفع إلى 70 إصابة منها 6 حالات وفاة، ومن المتوقع زيادة هذه الأعداد إذا لم تلتزم وزارة الصحة بتطبيق التعليمات الطبية للوقاية من العدوى في جميع المستشفيات[3]. وفي ضوء ذلك، أشار ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر إلى أنّ نسبة الإصابة بالقطاع الطبي تمثل 13% من حالات الإصابة بفيروس كورونا في مصر، وهي نسبة كبيرة مقارنة بإجمالي عدد المصابين، وتنذر بكارثة إذا استمرت الأحوال على هذا الوضع[4]. ومن المرجّح أنّ تدهور الأوضاع داخل المستشفيات المصرية يرجع في الأساس إلى سوء تصرّف وزارة الصحة حيال الأزمة الراهنة، ومن ناحية أخرى تجاهل بقية مؤسسات الدولة العمل على تحسين القطاع الطبي خلال هذه المرحلة الحرجة. لذلك تسلّط هذه المقالة الضوء على استراتيجيات وزارة الصحة المصرية في التعامل مع الفرق الطبية باعتبارها خط الدفاع الأول في التصدّي للمرض.

سياسات تعسّفية تبشّر بكارثة طبية على مستوى جميع المستشفيات

كما ذكرنا في المقدمة، تكرّرت في غضون أقل من شهرين حوادث إصابة أعضاء في الفرق الطبية بالمستشفيات المصرية بالمرض، وكانت أكثر هذه الحوادث خطراً وتداولاً في الإعلام هي إصابة 17 من أعضاء الفريق الطبي بالمعهد القومي الأول في مصر لعلاج الأورام السرطانية، مما سبّب الرعب من احتمال تفشّي المرض بين مرضي الأورام الخبيثة لضعف مناعتهم. وكان السبب الرئيسي في هذا الإنتشار بحسب شهادات المصابين “رفض وتعنّت إدارة المعهد إجراء فحوصات فيروس كورونا لأحد الممرضين” الذي انتقلت إليه العدوى من طفلة مصابة بالمستشفى[5]. تمثل هذا الجملة حال جميع الأطباء العاملين بالمستشفيات خلال هذه الفترة حيث فشلت وزارة الصحة في التعامل مع الأزمة الحالية بأقل خسائر بين صفوفها بسبب النقص الحاد لمستلزمات الوقاية الطبية بجميع المنشآت الطبية الحكومية من مطهرات وأقنعة مضادة للفيروسات. هذا فضلاً عن رفض إدارة المستشفيات الإمتثال لتوصيات منظمة الصحة العالمية بإجراء فحص PCR لجميع الأطقم الطبية قبل مغادرة أماكن عملهم والخروج من المستشفيات إلى الحياة العامة، بحجة ارتفاع سعر التحليل. لذا فإن المستشفيات تجري مسحات لمن تظهر عليهم أعراض المرض فقط، وهو ما يخالف توصيات منظمة الصحة العالمية التي تؤكد على أهمية تكثيف إجراء الفحوصات للحد من انتشار المرض كوسيلة فعّالة لتتبع خط سير العدوى كخطوة أساسية للحدّ من الإنتشار[6].

وعليه، ناشد الأطباء مراراً وتكراراً وزارة الصحة المصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال منصة نقابتهم الإلكترونية بضرورة وضع بروتوكول صحّي لحماية الأطباء تتبعه كافة المستشفيات على مستوى الجمهورية وفقا للمعاير الدولية، والتغلّب على نقص الإمكانيات الطبية الضرورية للوقاية من المرض، والحدّ من انتشار العدوى بين الأطقم الطبية. لكن تجاهلت وزارة الصحة هذه الدعوات تماماً ونفت ما يردده الأطباء من شائعات حول وجود نقص في أي من المستلزمات في المستشفيات الحكومية، أو غياب الإجراءات الوقائية اللازمة داخل المستشفيات[7]. كما اتخذت إجراءات تعسّفية صارمة غير مفهومة أو مبررة تجاه الأطباء والفرق المعاونة لهم تُصعّب عليهم القيام بمهام وظيفتهم بشكل جيد. فبعد تفشّي الوباء داخل أحد المستشفيات، أصدرت الهيئة العامة للرعاية الصحية الكتاب الدوري رقم (1) بشأن الأزمة الوبائية الحالية يوضح التدابير الواجبة التطبيق بالمستشفيات لمواجهة انتشار الفيروس بين هيئة الأطباء[8]، والذي قسّم العمل بين الأطقم الطبية داخل المستشفيات بالتناوب على مدار الشهر بحيث تعمل كل مجموعة لمدة أسبوعين متصلين ثم تنعزل ذاتياً لمدة أسبوعين آخرين[9]. وهو ما انتقدته نقابة الأطباء واعتبرته إجراء غير إنساني بالنسبة لأعضائها ووصفته بأنه يتجاهل الحياة الأسرية للأطباء، ويعرّض حياتهم للخطر بسبب عدم إعداد مساكن آدمية تضمن بقاء الأطباء بالمستشفى طول هذه الفترة المتصلة.

نصّ الكتاب الدوري كذلك على اتخاذ إجراءات تأديبية تجاه كل من يُصاب بفيروس كورونا من الأطباء أو الممرضين، لأنه يؤثر بالسلب علي حسن سير العمل، ويفترض فيه مخالفة التعليمات الوقائية. وهي سياسة بالغة السوء فلا يعقل أن يتم توقيع عقوبة على المواطنين لإصابتهم بالمرض خاصة لو كانوا أطباء يخوضون معركة في سبيل حماية الصحة العامة للمواطنين وأكثر عرضة بالإصابة عن غيرهم. وفي السياق ذاته واستكمالاً لسياسات التنكيل بالأطباء، أحالت مديرية الصحة بمحافظة الشرقية طبيباً إلى التحقيق بعد نشره فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يشكو فيه من وجود نقص شديد في مستلزمات الوقاية من المرض وبالأخص الكمامات للتعامل مع الحالات المشتبه في إصابتها[10]؛ وهو ما اعتبرته نقابة الأطباء إجراء غير قانوني ويهدف إلى التعتيم على الأوضاع الصحية السيئة داخل المستشفيات الحكومية، وتكميم أفواه الأطباء[11]. وفى الحقيقة، تثير سياسات وزارة الصحة التعسّفية في التعامل مع الأطباء التساؤل حول ما إذا كانت الأطقم تمثل أولوية لدى أجهزة الدولة المصرية، بخاصة في ظل تأكيد رئيس الجمهورية على وجود فوائض مالية احتياطية كبيرة لا يعلم مصدرها غيره على حد قوله[12].

الموارد المالية والقطاع الصحي في مصر

في الحقيقة، لم تشر أي من سياسات الدولة المصرية خلال الفترة الحالية إلى وضع المنظومة الصحية والأطباء ضمن أولوياتها. فبرغم تأكيد رئيس الجمهورية على قوة الدولة المصرية واستعدادها الكامل لكافة سيناريوهات أزمة كورونا، وشكره الدائم للأطقم الطبية[13]، تبقى الخطوات التنفيذية على أرض الواقع ضعيفة للغاية ومتناقضة إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة بإرسال بعض المستلزمات الطبية إلى بعض الدول الأخرى وذلك في ظل أزمة نقص المواد الطبية من المستشفيات المصرية والتي كانت سببا رئيسياً في إصابة العديد من الأطباء وأعضاء الفرق الطبية[14]. من ناحية أخرى، وعلى المستوى الداخلي، نجد أن الدولة المصرية تعطي الأولوية في إجراء فحوصات PCR الخاص بالكشف عن فيروس كورونا لأعضاء الهيئات القضائية والمؤسسات السيادية والحيوية للتأكد من سلامتهم الصحية، رغم حاجة الأطباء الضرورية لإجراء هذا التحليل خاصة لمن خالط منهم حالات مصابة بالمرض، وتتعنّت المستشفيات في الكشف عليهم بسبب عدم ظهور أعراض عليهم[15].

وهنا، تقتضي الإشارة إلى أن هذا الإهمال الجسيم تجاه الأطباء والقطاع الصحي في مصر ليس وليد اللحظة، إنما هو جرّاء تراكم من سياسات التهميش التي أزاحت الأزمة الحالية الستار عنها. فما نشهده الآن من ضعف قدرات المستشفيات المصرية، والإصابات المتكررة بين صفوف الفرق الطبية هو نتيجة طبيعية لسياسات تخفيض المخصصات المالية من الموازنة العامة لقطاع الصحة من أجل زيادة الإنفاق على قطاعات أخرى كالأمن القومي والدفاع والمنظومة القضائية والأجهزة الرقابية[16]. فحسب عدة تقارير، فإن نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة خلال السنة المالية الحالية هي 2.24%[17] وهي أقل من الاستحقاق الدستوري بواقع 3% من الإنفاق الحكومي[18]. وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على الخدمات المُقدمة للمواطنين، ويؤثر أيضًا على منظومة الصحة وأوضاع الأطباء داخل هذه المنظومة المفككة. على سبيل المثال، يتقاضى الأطباء 19 جنيه (أي أقل من 2 دولار) كبدل الإصابة بالعدوى، في حين يتقاضى أعضاء الهيئة القضائية عن نفس البدل مبلغ 3 آلاف جنيه (أي ما يعادل 190 دولار)؛ وهو ما يعكس نوع من الإستهانة بالأطباء المُعرضين للعدوى من أي مرض يومياً، بالإضافة إلى أنه يوضح جلياً أن القطاع الصحي لا يعتبر من أولويات الدولة المصرية مما يؤدي إلى سوء توزيع الموارد المالية[19]. وفي محاولة لإرضاء الأطباء والممرضين، قام رئيس الجمهورية بإقرار زيادة هزيلة في قيمة بدل العدوى الذي يتقاضونه بحيث يصبح 1200جنية للطبيب/ة، و700 جنية للممرض/ة بواقع أقل من 50 دولار شهرياً، مع صرف مكافأة استثنائية من صندوق “تحيا مصر” للعاملين في مستشفيات العزل والحميات والصدر والمعامل المركزية في الجمهورية، بحسب ما جاء في بيان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة[20]. في حين اتخذت نقابة أطباء مصر إجراءات أكثر منطقية وفي حدود مقدرتها المالية بصرف 100 ألف جنيه لكل متوفّ من أعضائها من جراء فيروس كورونا، و20 ألف جنيه لكل مصاب بالعدوى، وتسعى جاهدة لإدراج الفرق الطبية من مصابين وشهداء في صندوق تكريم المصابين والشهداء الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2018.

خاتمة

وضعت أزمة كورونا السلطة السياسية في مصر أمام خيار وحيد للعبور من الأزمة وهو تطوير القطاع الصحي المتهالك وتوفير الحماية للأطباء ورفع قدرة المستشفيات العامة من إعداد المزيد من غرف العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي حتى نتمكن جميعاً من تخطي الأزمة بأقل تكلفة في أرواح المواطنين. لكن من المحبط القول إن أولويات الدولة الحالية هو إنقاذ الاقتصاد وإعادة تدوير عجلة الإنتاج بما يضمن رضاء رجال الأعمال والمستثمرين الذين رفضوا توقف الأعمال وتعويض موظفيهم لحين تحسّن الأوضاع.

  • لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط أدناه:

Over 70 COVID-19 Cases and Six Deaths Among Egyptian Medical Staff: What is the Health Ministry’s Responsibility?


[1]  إصابة 22 من الطاقم الطبي بمستشفى النجيلة بفيروس كورونا والمستشفى تتوقف عن استقبال مصابين جدد، ايجيب فانز،25-04-2020.

[3] راجع بيانات نقابة أطباء مصر بحصر أعداد المصابين والفيات بين أعضائها.

[4]  نور رشوان، ممثل الصحة العالمية: 13% من إصابات كورونا بمصر من القطاع الطبي، الشروق، 13-04-2020.

[6] Jessica Hamzelou, WHO expert: We need more testing to beat coronavirus, New Scientist, 16-03-2020.

[7] هند مختار، الصحة: تفند 4 شائعات بشأن كورونا أبرزها غياب الإجراءات الوقائية داخل المستشفيات، اليوم السابع، 07-02-2020.

[8] أشرف عبد الحميد، غضب أطباء في مصر، وزارة الصحة تتجاهل حمايتنا، العربية، 22-04-2020.

[9] راجع المرجع رقم 2.

[10] محمد فتحي، بعد شكواه من نقص المستلزمات الأطباء: التحقيق مع طبيب الشرقية غير قانوني.

[11]  المرجع السابق نفسه.

[12] أحمد حامد دياب، السيسي: عندنا احتياطيات على جنب، ولو احتجناها هنطلعها، جريدة الوطن، 07-04-2020.

[13] محمد الجالي، السيسي عن مواجهة أزمة الكورونا: مصر قوية ومستعدون لكل السيناريوهات، اليوم السابع، 07-04-2020.

[14] Noha El Tawil, Egypt sends Italy medical aid amid COVID-19 spread, Egypt today, 04-04-2020.

[15] الصحة تجري فحص كورونا للمستشارين بوزارة العدل، جريد الوطن، 12-04-2020.

[16] محمد عبد الله، وسط تجاهل حكومي أطباء مصر يواجهون كورونا ببدل عدوي 19 جنية، الجزيرة، 28-03-2020

[17]محمد أحمد عباس، الإنفاق علي الصحة في النظم المصرية، المعهد المصري للدراسات، 22-10-2019.

[18] تنص المادة 18 من الدستور المصري لعام 2014 على “… تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الانفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية…”

[19] أشرف عبد الحميد، غضب أطباء في مصر، وزارة الصحة تتجاهل حمايتنا، العربية، 22-04-2020.

[20] وسام عبد العليم، الرئيس السيسي يوجه بصرف مكافئات استثنائية للعاملين حالياً بمستشفيات العزل والحميات، الأهرام، 29-03-2020.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، مصر ، جائحة كورونا



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني