أشجار القاهرة: هل تقف عائقاً أمام تنمية العاصمة الجديدة؟


2021-08-24    |   

أشجار القاهرة: هل تقف عائقاً أمام تنمية العاصمة الجديدة؟

في أواخر يوليو الماضي، استيقظ أهالي المعادي على قرار إنشاء محور الجزائر الذي يبدأ من العباسية مروراً بتقاطع كوبري الحضارات على طريق الأوتوستراد، حتى جنوب القاهرة باتجاه حلوان. يشمل القرار تنفيذ محور مروري يتفرّع من محور الحضارات إلى شارع النادي الجديد بالمعادي. ويتطلّب هذا المحور المروري توسعة الطريق بشكل يؤدّي إلى إزالة بساتين ومشاتل وأشجار معمّرة. وبالتالي رفض الأهالي القرار لما يترتّب عليه من تدمير للمساحات الخضراء المميّزة لمنطقتهم والمباني التاريخية فيها، ومزيد من التلوّث السمعي والبصري بحسب جمعية مُحبّي الأشجار مع تحويل الشارع إلى طريق سيارات بأعداد وسرعة أكبر.

وأعلن وزير النقل بأنّ الأشجار لن تقطع، وأنّ الخطة تقضي بإزالة التعدّيات على الحي لصالح تطويره، ورفع كفاءة الطريق، ونقل المشاتل لا إزالتها. لكن الوعود لم تنجح في طمأنة الأهالي، مع غياب أي ضمانات لتنفيذها، ومشاهد قطع وإزالة المساحات الخضراء من الطرق أثناء مشاريع توسعتها وتشييد الكباري في أحياء أخرى متعدّدة بالقاهرة الكبرى، مثل مصر الجديدة والعجوزة والدقي. واستمرّ الأهالي في التعبير عن شكاويهم وشكوكهم من خلال مجموعة إلكترونية عامّة، وبذل جهود ميدانية في مقابلة المسؤولين للتوصّل إلى حلول بديلة.

وأصبح معروفاً أنّه في خطط التنمية، تعلن الدولة عن رؤيتها للنظام البيئي المتكامل والمُستدام بصفته أحد الأبعاد الثلاثة الرئيسية للتطوير، بينما تقطع الشجر وتزيل الغطاء الأخضر من هذا النظام البيئي بما يحول دون استدامته وتكامله، مبررة ذلك بالتنمية والتطوير نفسه. وهذا ما يثير الاندهاش ويطرح تساؤلات مثل: هل تكره دولتنا الأشجار؟ أي أشجار؟ في أي منطقة؟ ولماذا؟ وهل يتحوّل الشجر من أحد مكوّنات العمران إلى عائق له؟ تحاول هذه المقالة الإجابة على هذه الأسئلة في محاولة لفهم علاقة الدولة بما هو “أخضر” في إطار خططها للتنمية والتطوير.

لا مكان للشجر في مخططات العاصمة

بعد ثورة يناير 2011، وثّق عدد من النشطاء المحلّيين والمواطنين عمليات القطع العشوائي للأشجار سواء من قبل السلطات أو بعض الأفراد. ساهم غياب الحكومة والاستقرار حينها في إهمال الجانب البيئي. ففي ظلّ انفلات أمني وتدهور أوضاع البلاد، لم تكن الأشجار أوفر حظاً ولا أهم عناصر الحياة التي يجب الحفاظ عليها بالنسبة للمسؤولين.

لا يعني هذا أنّ وضع المساحات الخضراء قبل الثورة كان مثالياً. فمشروع الحزام الأخضر في عصر حسني مبارك، يعطينا صورة عامّة عمّا أسفرت عنه المشكلات القديمة للتشجير وعيوب مشاريع كان يفترض بها زيادة الرقعة الخضراء بالمدينة الملوّثة منذ تسعينيّات القرن الماضي. وتقوم فكرة الحزام الأخضر على زراعة محيط المدينة بعد الاستصلاح لضمان وجود غلاف أخضر يحميها من خطر الزحف العمراني. تلتزم السلطات بالرقابة على هذا المحيط والتأكّد من عدم وجود تعدّيات عليه وزراعته بالكثافة المطلوبة لتنقية الهواء وتعويض معدلات التلوث والحفاظ على الطابع العمراني لأحياء المدينة. وكانت الخطة تنصّ على الإحاطة بمدينة القاهرة الكبرى وامتداداتها العمرانية الجديدة على 4 مراحل.

وعلى الرغم من نشر أخبار حول عدد الأفدنة المزروعة ضمن المشروع في مرحلته الرابعة عام 2010، إلّا أنّ “المصري اليوم” نشرت بعد الثورة أنّ المنطقة الوحيدة من الحزام الأخضر التي جرى تنفيذها في 6 أكتوبر، تحوّلت من منطقة زراعية إلى سكنية، تباع فيها الأراضي بالمتر لبناء أبراج سكنية، بدلاً من النسبة المحدّدة بـ 2% لبناء بيوت لمزارعي الأراضي المُستصلحة. وتبيّن عدم صلاحية الأراضي بمنطقة الحزام للزراعة نتيجة مشكلات فنية حالت دون استصلاحها. ارتفعت النسبة تدريجياً حتى دخلت أراضي الحزام كلّها ضمن حيّز العمران في 2017.

يذكر أن بيع أراضي الحزام الأخضر بأقلّ من سعرها هو إحدى قضايا الفساد التي يحاكم فيها وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان، مع مجموعة من مسؤولي شركة السادس من أكتوبر الزراعية للاستصلاح والتعمير وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. وقد تواصلت التعديات على الأشجار خلال السنوات التالية للثورة، وصولاً إلى 2016.

مع استقرار الوضع السياسي، وتبنّي نظام ما بعد يوليو 2013 رؤية 2030 للتنمية، أتى تطوير الطرق والكباري، لا سيّما التي تصل أحياء القاهرة بمشروع العاصمة الإدارية بالقاهرة الجديدة، كأحد الركائز الأساسية لتلك الرؤية، مقروناً بتصاعد وتيرة قطع الشجر وإزالة المساحات الخضراء. لا يقتصر القطع على حالات إقامة مشاريع تطوير الطرق وحدها، هناك حوادث قطع في شوارع وأماكن لا تشهد أي مشاريع تطوير ولا يتعارض وجود الشجر فيها مع أيّ مكوّن تنموي، كما هو موثّق في الصور أدناه من داخل محطة مترو المرج – حلوان، وفي حي المنيل. وقد رصدت دراسة لباحثين في جامعة ييل الأميركية تراجع نصيب الفرد في مصر من الشجر بواحدة فقط، مقارنة بقرابة 9 آلاف شجرة للفرد في كندا، وأكثر من 100 في الصين.

محطة مترو خط المرج / حلوان

رسمياً يحبّون الأشجار أمّا على الأرض فلا..

في المقابل أعادت الدولة في السنوات الأخيرة الحديث عن مشروع الحزام نفسه في مراحله الأربعة، باستهداف 100 كيلومتر بعرض 25 متراً، لتشمل محافظة القاهرة 50 كم، ومحافظة الجيزة 28، والقليوبية 22، وكذلك الطرق العرضية المتقاطعة مع الطريق الدائري بعمق 25 كم على الجانبين. وأطلقت العديد من المبادرات البيئية مثل حملة “اتحضّر للأخضر” برعاية وزارة البيئة لنشر الوعي البيئي، وفي 2019 كلّف مجلس الوزراء عدداً من الوزارات بتبنّي مبادرة لزراعة مليون شجرة، كما جرى الحديث عن حملة قومية للتشجير برعاية الرئاسة المصرية.

على المستوى القانوني، ناقش البرلمان خلال العام الجاري قانون الموارد المائية والري الذي ينصّ في بعض مواده على عقوبات لقطع الأشجار. يمنع القانون في المادة رقم (9) منه أي تصرّف فى الأشجار والنخيل التي زرعت أو تزرع فى الأملاك العامّة ذات الصلة بالرّي، إلّا بترخيص من الإدارة العامّة المختصّة التي يعود لها أن تضع نظاماً لزراعة الأشجار والنخيل على هذه الأملاك، وتحديد أسباب وطرق إزالتها وفقاً للائحة التنفيذية، ويعاقب كلّ من يخالفها بغرامة لا تقلّ عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه عن الشجرة الواحدة أو النخلة الواحدة.

بالإضافة إلى قانون رقم 4 لسنة 1994 المُنظّم لحماية البيئة، والقانون رقم 119 لسنة 2008 الخاص بالمناطق ذات القيمة المتميّزة، والذي يحظّر إقامة أي إنشاءات في الفراغات العامة والمفتوحة أو الشوارع والميادين داخل المنطقة ينتج عنها تداخل مع الصورة البصرية لواجهات المباني مثل كباري المشاة والطرق العلوية للسيارات أو الإعلانات واللافتات الإرشادية التي تقطع الشوارع والميادين. يعدّ قانون 119 بمثابة السند القانوني الملزم للدولة بخصوص مسؤوليتها للحفاظ على الشجر وعدم قطعه في الأحياء ذات القيمة المعمارية المتميّزة ولو لغرض الإنشاءات، لأنّ ذلك من شأنه تهديد الهوية البصرية للأحياء المذكورة. وبناء عليه وجهت النائبة بالبرلمان المصري مها عبد الناصر طلب إحاطة لمساءلة كلّ من رئيس مجلس الوزراء، ووزير النقل، ووزيرة الثقافة، ومحافظ القاهرة، ورئيس حي المعادي بشأن تداعيات قرار إنشاء محور الجزائر بحي المعادي.

لا بدّ أن نتوقّف هنا عند التناقض بين إطلاق مبادرات التشجير والمشاريع البيئية والالتزامات القانونية بحمايتها، وكثافة قطع الأشجار وإزالتها، للبحث عن احتمالات نجاح المبادرات الداعمة للأخضر، ومنطقية القطع والإزالة في آن واحد.

ويعتبر الرجوع إلى مشروع الحزام وإطلاق مبادرات التشجير مؤشراً على إدراك صنّاع القرار لتردّي الوضع البيئي للقاهرة في ظلّ تغييرات مناخية تهدّد العالم بأكمله، لكن إدراك هذا التردّي لا يعني بالضرورة أنّه سيتمّ العمل على إصلاحه في نطاق تواجده نفسه داخل القاهرة التاريخية بأحيائها القائمة. ومن خلال مطالعة، أهداف واحدة من هذه الحملات وهي “اتحضّر للأخضر” نجد أن غالبيّتها تركّز على التوعية المجتمعية بأهمية المساحات الخضراء، ورصد نسب تلوّث الهواء، أمّا التشجير نفسه فيأتي في مرتبة أقلّ، كما لا تعدّ عودة جهود التشجير والبيئة مؤشراً إيجابياً في حدّ ذاتها، ما لم تصاحبها حلول لمشكلات السياسات التشجيرية والبيئية الحاكمة لتنفيذ المشاريع نفسها.

 

شارع المنيل، منيل الروضة – القاهرة

على سبيل المثال أدّى غياب دراسة مُسبقة لطبيعة الأراضي المخطّط لإقامة الحزام الأخضر فيها وأماكنها إلى فشل المشروع آنذاك، وبالتالي إذا لم تكن تلك الدراسة جزءاً من مخطط تنفيذه حالياً فلا شيء يضمن نجاحه، وهو ما لم تنوّه له أي من المبادرات الجديدة السابق ذكرها. كذلك يشكّل عدم وجود تراتبية في تنفيذ الجهود، مشكلة أخرى في السياسات التشجيرية والبيئية بمصر. ويقول وكيل نقابة الزراعيين سيّد عبد اللطيف إنّ “الحكومة زرعت عام 1983، أكثر من 11 ألف فدّاناً من الغابات، ولكن لم يتمّ الاستفادة منها، وحتى ما تمّت زراعته اقتلع كما يوجد 134 فدّاناً من مشاتل إنتاج نباتات الزينة” إلّا أنّها فعلياً غير مُنتجة.

الأزمة في منظومة التشجير لا الشجر

تشير الباحثة المعمارية غادة حسن لـ”المفكرة القانونية”[1] إلى سبب آخر للإخفاق وهو عدم وجود تنسيق بين الجهات المسؤولة عن التشجير أو خضوعه لجهة واحدة وكذلك تطوير الطرق. بالإضافة لذلك يتعارض اختيار أنواع شجر غير ملائمة للشوارع مع قابلية وجودها جنباً إلى جنب مع مشاريع البنية التحتية، لأنّ جذورها تتفرّع وتصطدم بشبكات الصرف الصحي والغاز…إلخ، مثلما هو الحال مع شجر الفيكس المنتشر في مصر خلال العقدين الأخيرين، برغم من تحذيرات وحظر زراعتها في بلدان أخرى. يستخدم هذا الصدام بين طبيعة الشجر غير الملائم وبين مشاريع البنى التحتية كحجّة ضد الشجر، مع أنّ الأمر يتعلّق باختيارات نوعية الشجر لا زراعتها ذاتها.

تزيد مشكلات التشجير بوضعه الحالي من احتمالات فشل الجهود الجديدة في تخضير المساحات العامّة، بخاصّة في حال تعارضها مع مشاريع تطوير الطرق والوصول للقاهرة الجديدة، إذ تولي الدولة عاصمتها الجديدة (تحت الإنشاء) الاهتمام الأكبر، وبالتالي يبدو الاستغناء عن الأشجار في القاهرة القديمة خياراً منطقياً في إطار ترتيب أولويات لا تحتلّ القاهرة بأحيائها الحالية صدارتها. يصبح قطع الأشجار وإزالة الأخضر فيها مُلحّاً في خطة تطوير تسعى لاستبدال العاصمة ذات الهواء الملوّث والكتل الرمادية بأخرى، وبدلاً من حلّ مشكلات الأشجار والطرق التي تسبّب بها نموذج التنمية الحالي، يجري التخلّص من الشجر وإعادة إنتاج مشكلات الطرق مجدداً.

انتقلت غادة حسن من دراستها لأثر المشاريع الحكومية في الطرق، على المدينة، إلى غياب خطة للتعامل مع الشجر والمناطق العامّة المحيطة بالكباري. ترى أنّ هناك رغبة لتطوير المدينة من ناحية الجرافيك، وهو الجانب الوحيد صاحب الاعتبار لدى الدولة، المهتمة بتسهيل الحركة المرورية، لكن لا تكترث لغير ذلك. تعبر “مش مشكلة هيحصل إيه تحت الكوبري ولا فوقه” بما يترتب على ذلك من إزالة للمساحات الخضراء أو عدم ملائمة الشارع بعد التطوير للمارة. لم تدرس المشكلات الأخرى، ولم توضع في الحسبان.

 

تبدو آثار الحفر في أرضية الشارع مكان نزع الأشجار

تقول غادة حسن “يفترض أنّ تشجير وتخضير الشوارع والمساحات العامّة يضع في اعتباره من البداية احتمالات التوسّع والتطوّر المستقبلي. من البديهي أنّ المدن بكلّ مكوّناتها لا تُصمّم  وقوفاً على وضعها لحظة التشييد، ولكن على مستقبل المدينة، واحتياجاتها، بحيث لا يتعارض التطوّر مع التشجير، ولا يؤدّي لفقدان الجزء الأخضر”. وتؤكّد دراسة بعنوان “التخطيط للشجر في البيئات الحضرية” أهمية إتاحة مساحة واقعية للشجر فوق الأرض وتحتها بناءً على حجمه المستقبلي للحدّ من تضارب المصالح بين مشاريع التشجير والبنى التحتية الأخرى. تعتبر الدراسة إتاحة هذه المساحة للأشجار استثماراً يقلّل التكاليف على المدى البعيد، ليس فقط تكاليف وجود الشجر، ولكن أيضاً تكاليف اقتلاعه، نتيجة الضرر الصحّي والبيئي المترتّب على غيابه.

ترد السلطات الرسمية في البلدان التي تتبنّى قطع الشجر ومن بينها مصر بأنّها تعوّض إزالة المساحات الأخضر باقتلاع الأشجار من جذورها لإعادة زرعها مرّة أخرى. وقد علقت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد على تداول قطع أشجار أحياء شرق القاهرة ومصر الجديدة عن أماكن إعادة زراعتها بأنها “تُدرج بمخططات التطوير العمراني والحضاري للمحافظات المختلفة”. ومن خلال مراجعة موقع هيئة التخطيط العمراني لم يتسنّ الوصول لمواقع الأشجار المُعاد زراعتها وفقاً لتصريح الوزيرة، وهذا يعني إمّا أنّها غير موجودة بالمخططات المتاحة لدى الهيئة، أو أنّه لم يجرِ زراعتها، وحتى لو افترضنا صدق التصريحات الرسمية بزراعة أشجار جديدة بدل المقطوعة، ينفي عالم البيئة رشنيه بارديوالا قدرة الشجر الجديد على تعويض فائدة الأشجار القديمة، بالقول “لا يمكن مقارنة إمكانات التمثيل الضوئي وعزل الكربون لشجرة عمرها 100 عام حتى بشجرة عمرها 20 عاماً”.

تظهر الصور عملية بتر الأشجار من جذورها وتكسير أجزائها إلى قطع بحيث لا يمكن مع طريقة اقتلاع كهذه أن تسمح بإعادة زراعتها مرة أخرى

 

أنسنة المدينة.. تنمية لا تقضي مكوّناتها بعضها على بعض 

يحتاج نجاح الجهود البيئية لإنقاذ الشجر إلى تبنّي نموذج تنمية لا يعطي أولوية لمكوّن عمراني على حساب الآخر، وإنّما يسعى لجعل الطرق والمباني عاملاً مكمّلاً لبقاء الشجر واستدامتها والعكس صحيح. يعني ذلك نبذ نموذج التنمية القائم على ما يسمى بـ”العمارة الوحشية” أي التوجّه نحو سيادة الكتل الإسمنتية الكبيرة في البناء بوجه عام ولا تنحصر في الكباري وحدها، وهو ما كان سائداً في الستينيّات كما تُوضح غادة حسن لـ”المفكرة”. لا يوجد لدى مصر ما يمنعها من تبنّي توجّه العمارة الخضراء green architecture والمقصود بها عمارة تراعي المعايير البيئية، وتحقّق العدالة العمرانية في التعامل مع الأخضر والرمادي. تنوّه غادة حسن عن اتجاه دول العالم إلى التخلّص من الكباري الموجودة بالفعل، ومصر تستطيع أن تفعل ذلك أيضاً، على مراحل، بدءاً من التركيز على منطقة بعينها، وتوسيع النطاق للتحوّل تدريجياً نحو شوارع تراعي الإنسان، ولا تركّز فقط على السيارات كما هو الحال الآن، وهو ما يشار إليه بـ “أنسنة المدينة”.

تشمل الأنسنة تخصيص طرق للمشاة، مثل شارع المعز، وتوفير بدائل تنقّل كالدرّاجات وعربات الجولف ومواصلات عامّة، على أن تتنوّع لمراعاة الفئات العمرية والاحتياجات المختلفة للسكان، وحصر تواجد السيارات في نطاق محدّد من المدينة. لا تتّفق غادة حسن مع الاعتقاد بعدم ملائمة أنسنة المدينة للحالة المصرية نظراً للزحام وارتفاع الكثافة السكانية فيها باعتبارها عائقاً أمام هذا التحوّل الحامي للمساحات الخضراء بأحياء القاهرة. تسند العائق إلى عدم وجود بدائل وبنية تحتية تشجّع السكّان بدورهم على المساهمة في الأنسنة، بدفعهم نحو خيارات جديدة لا تكون السيارات ولا سيما الخاصّة المصدر الرئيسي للتنقّل، وهو ما يؤدّي لاستسهال واعتياد استخدام السيارات دون غيرها. يدعم ما تقوله غادة حسن لجوء مدن من الأكثر ازدحاماً على مستوى العالم مثل ساو باولو بالبرازيل ومكسيكو سيتي في المكسيك إلى نمط الأنسنة نفسه، وإلغاء الكباري.

ترفض غادة حسن حتمية إنشاء الكباري واعتبار الممارسات الحالية، نموذج التنمية الوحيد للتعامل مع مشكلات القاهرة العمرانية “كلّ ما بنوسّع الشارع، كلّ ما بتيجي سيارات أكتر، مش العكس”. تعترف بالقدرة المؤقتة للكباري على تقليل الزحام مرحلياً، كونها مرتبطة بالظرف الزمني؛ “في ظرف سنة هنشوف زحمة أكبر”، مستشهدة بكوبري أكتوبر الذي شيّد كحلّ لتسهيل حركة المرور، ثم تحوّله هو نفسه بعد أعوام إلى مصدر للزحام. القياس على هذا المثال، يسمح لنا بفهم نتائج الكباري من مشكلات لا تقف عند قطع الأشجار وإزالة المساحات الخضراء فقط وإنّما زيادة حوادث الطرق، وصعوبة حركة المشاة بوجه عام حتى داخل أحياء سكنهم.

تدمير كامل لسور إحدى البنايات، بعد حوالي 3 أسابيع من بدء عملية قطع الأشجار بالشارع

أمام كلّ حملة أو قانون يُعنى بالحفاظ على أشجار مدينة القاهرة التي نعرف، منظومة سياسات بيئية وعمرانية غير مترابطة، تطلق ماكينة قطع الأشجار بحجّة تطوير لا يشمل الأخيرة. بين نموذَجي تنمية، الأوّل تخدم مكوّناته من مبان وطرق ومساحات خضراء إلخ.. بعضها البعض لصالح المدينة، والثاني يأخذ بعض مكوّناته مكانة أعلى من الآخر، تقف أنسنة الطرق والمساحات العامّة في العمارة الخضراء في ناحية لتقابل العمارة الوحشية في الناحية الثانية، حيث ينظر للأشجار كعائق للتنمية لا كجزء منها.

  1. أجري الحديث معها بتاريخ 28/7/2021

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مصر ، بيئة ومدينة ، سياسات عامة ، تحقيقات ، محاكم إدارية ، البرلمان ، سلطات إدارية ، قرارات إدارية ، الحق في السكن ، أملاك عامة ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني