أساتذة الرسمي ينتفضون على روابطهم: قرّرنا التوقّف القسري عن التعليم


2022-12-03    |   

أساتذة الرسمي ينتفضون على روابطهم: قرّرنا التوقّف القسري عن التعليم
رسم رائد شرف

بعد انطلاقة متعثّرة، يبدو العام الدراسي في المدارس الحكوميّة مهدّدا بعدم الاستمرار، فالأستاذ الذي عاد بداية العام إلى التدريس حرصا على استمرارية المدرسة الرسمية، وآملا بتحصيل بعض الحقوق التي وعدت بها وزارة التربيّة ومن خلفها الحكومة، وجد نفسه اليوم “ليس فقط غير قادر على تأمين معيشته بل عاجزا عن الوصول إلى المدرسة، وحيدا مجرّدا حتى من أداة نقابيّة تقف إلى جانبه” كما يكرّر الأساتذة.

فمنذ حوالي ثلاثة أشهر قرّرت روابط الأساتذة في التعليم الرسمي بدء العام الدراسي خلافا لرغبة معظم الأساتذة الذين عبّروا وخلال جمعيّة عموميّة، كما يخبرون، عن رغبتهم بعدم العودة إلّا بعد حصولهم على حقوقهم والتي تتعلّق بشكل أساسي ببدل نقل لم يقبضوا منه قرشا العام الماضي، وبمساعدات وحوافز إجتماعيّة أُقرّت لهم، ولم تصل إلى معظمهم فضلا عن “تصحيح” الرواتب بما يؤمّن الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

 العودة الهشّة لم تصمد كثيرا، إذ بدأت المدارس تُعاني من تعثّر وصول الأساتذة وتغيّبهم، الأمر الذي اضطرّ الروابط إلى إعلان إضراب تحذيري (رابطة التعليم الثانوي) وتعطيل قسري (رابطة التعليم الأساسي) بداية الأسبوع الحالي لتعود أوّل من أمس إلى التعليم تزامنا مع تحويل وزارة الماليّة مستحقات بدل نقل العام الماضي ومساعدة إجتماعيّة كانت قد أُقرت عن شهر أيّار الماضي نصف راتب.

قرار الروابط بالعودة إلى التدريس بعد الإضراب يصفه الأساتذة بـ “مسرحية مملّة تتكرّر منذ سنوات” ولم ينعكس عودة كاملة إلى التدريس، فعشرات المدارس ولا سيّما الثانويّات لم تستقبل التلامذة، ومعظم أساتذة هذه المدارس كان استبق قرار الروابط بالإضراب وأعلن توقفا قسريا عن التدريس، توقفا لا ينفع معه “فتات بدل النقل الذي حوّل أوّل من أمس” على حدّ تعبير أستاذ في أحد المدارس في منطقة بعلبك الهرمل.

عودة إلى التعليم بانتظار جواب وزارة التربيّة

تعتبر رئيسة رابطة التعليم الثانوي الرسمي ملوك محرز أنّ قرار العودة حاليا إلى التعليم هو من باب إعطاء مهلة لوزارة التربيّة ومفتوحاً على العودة إلى تصعيد التحركات، ولاسيّما أنّ جزءا من ما يُطالب به الأساتذة قد تحقّق وتحديدا موضوع دفع بدل النقل عن العام الماضي و المساعدة الاجتماعيّة المتأخّرة عن شهر أيّار الماضي (نصف راتب) وجدولة الرواتب على أساس ما أقرّ بالموازنة (مضاعفة 3 مرّات) لأنّ مفاعيل الموازنة مستمرة على الرغم من الطعن بها من قبل عدد من النواب، مشيرة إلى أنّه سيتم تحويل أوّل راتب مضاعف في 23 الشهر الحالي، وكذلك سيبدأ احتساب بدل النقل على أساس ما أقر أي 95 ألف ليرة، وبمفعول رجعي عن شهر تشرين الأول 2022.

 وفي حين تشير محرز إلى أنّ العمل جار على تصحيح فعلي للأجور ضمن الموازنة العامة لعام 2023 ولاسيّما أنّ مضاعفة الراتب التي أقرّت في الموازنة الحاليّة لا تكفي، توضح أنّه في ما خصّ الحوافز التي وعدت فيها الوزارة من الدول المانحة (130 دولارا) فهناك تواصل مع الوزير لمعرفة إن كانت الأموال متوافرة وكيفيّة جدولتها بشكل واضح ليُبنى على الشيء مقتضاه، ففي حال عدم توافر هذه الحوافز “سنلجأ إلى خطوات تصعيديّة منها العمل على قدر الراتب ربما نعمل ليومين فقط”. هنا يذكر أحد الأساتذة رئيسة الرابطة بما قاله وزير التربية في أخر إطلالة تلفزيونية له ويفيد بأن “أموال الحوافز لم تؤمن بعد”، ليضيف “تريد محرز أن تكون ملكة أكثر من الملك”. 

من جهته يعتبر رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي حسين جواد أنّ الأمور ومع تحويل بدل النقل والمساعدة الاجتماعيّة “انفرجت نسبيا” موضحا في حديث مع “المفكرة” أنّ العودة الحاليّة إلى التعليم هي على قاعدة إعطاء مهلة لوزارة التربية 15 يوما لتصارح الأساتذة في موضوع توافر أو عدم توافر أموال الحوافز وحينها يرى الأساتذة إمكانيّة الاستمرار في التعليم من عدمها.

تحركات بديلة عن الروابط

بينما تتحدّث الروابط عن مهل تعطيها لوزارة التربية ومن خلفها الحكومة تبدو الأمور محسومة عند عدد كبير من الأساتذة الذين استبقوا أصلا إضراب الروابط وأعلنوا “توقفا قسريا” عن التعليم في عدد من المدارس ولاسيّما الثانويات في مختلف المناطق اللبنانيّة. وفي هذا الإطار تتحدّث مُدرّسة في إحدى ثانويات طرابلس عن حراك يُحضّر على صعيد أساتذة طرابلس انطلاقا من أنّ  “الرابطة لم تمثّل الأساتذة، والنهج الذي تتبعه هو  لصالح الوزير والأحزاب وضدّ الأساتذة، وأنها لا تلتزم بقرارات الهيئة العامة ولا تُظهر أي شفافيّة”، مشيرة في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ الأساتذة، ومن ضمن التحرّك الذي يسعون إلى توسعته، عمدوا إلى وضع عبارة “ما معي مصاري إجي” في جدوال الحضور وفي خانة مبرر التغيّب وعدم التدريس.

وتشير هذه المدرّسة إلى أنّه يتمّ التنسيق لاجتماع موسّع مع الأساتذة يوم الاثنين 5 كانون الأول للتحضير للخطوات التي سيقدمون عليها، ولاسيّما أنّ ما حُوّل للأساتذة من بدل نقل عن سنة كاملة وراتب ونصف الراتب يتراوح ما بين خمسة ملايين ليرة و ثمانية ملايين أي أنّ قيمته بالحد الأقصى 200 دولار “يعني اشتراك شهر بالمولّد الذي أوقف اشتراكه الكثير من الأساتذة وبدل نقل لشهر ونصف الشهر على الأكثر للوصول إلى المدرسة” حسب تعبير أحد الأساتذة الذين يرفضون العودة إلى التعليم.

وفي الإطار نفسه يتحدّث حسن مظلوم، أستاذ لغة عربيّة وناظر وعضو لقاء النقابيين الثانويين في ثانويّة أديب سليمان في قضاء بعلبك الهرمل عن “توقف قسري” للأساتذة بدءا من يوم الخميس الماضي وحتى يُصار إلى تأمين الحدّ الأدنى الذي يكفي الأساتذة للعيش والوصول إلى المدرسة، مشيرا في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ عددا كبيرا من الأساتذة في منطقة بعلبك الهرمل ملتزمون بهذا التوقف القسري بعيدا من قرارات الرابطة وإضراباتها التي لا تخرج عن كونها أداة ضغط لأجندات حزبيّة شخصيّة بعيدة كلّ البعد عن مصالح الأساتذة.

ويعتبر مظلوم أنّ خير دليل على تحوّل الرابطة لأداة حزبيّة هو ما حصل مؤخرا حين ضغط حزب الله على الرابطة لإعلان الإضراب ليحقّق هو مكاسب في مكان آخر في موضوع المناهج الجديدة، لتعود بعدها التعبئة التربويّة في الحزب وبعد تحقيق الحزب مبتغاه إلى إصدار بيان عبّرت فيه عن  رفضها “سياسة الإضرابات”.

بالإضافة إلى “خسارة الأساتذة الأداة النقابيّة”، يتحدّث مظلوم عن “ضغوطات تُمارس من قبل عدد من مديري المدارس التابعين بطبيعة الحال للأحزاب إذا يقومون بترهيب الأساتذة المتغيبين أو الممتنعين عن الحضور بالإجراءات القانونيّة في محاولة منهم لمنع أي تحرك يخرج عن قرار الرابطة”.

وفي هذا السياق تتحدّث مدرّسة في إحدى ثانويات الشمال عن قيام مدير المدرسة باستجواب عدد من الأساتذة المنتظمين في الحراك الذي يُحضّر له في طرابلس بعد امتناعهم عن دخول الصفوف، كما يتحدّث أساتذة آخرون عن تهديد غير مباشر يتعرضون له في حال تغيّبهم عن الصفوف.

وليس بعيدا تتحدّث المدرّسة كلارا اللقيس، مندوبة ثانوية ناديا عون(جبل لبنان)، أنّه وقبل إعلان الرابطة الإضراب التحذيري بدأت وعدد قليل من الأساتذة ومنذ الشهر الماضي ما أسموه “انقطاعا عن التعليم” وذلك لأنّ كلفة بدل النقل باتت أكثر من الراتب حرفيا، والرابطة لا تمثّل الأساتذة بل مصالح الأحزاب والسلطة، وتقول في حديث مع “المفكرة” : “نحن أخذنا قرار الانقطاع بشكل فردي، ومن ثم انضم الينا أساتذة بعدما استشعروا بأنّ لا حوافز ستُدفع، ورفعنا كتابا الأسبوع الماضي بالانقطاع كليا، ريثما تتغيّر الأوضاع”.

وتُشير كلارا إلى أنّه حاليا سيتراجع الأساتذة عن الانقطاع عن التعليم بعد تحويل بدل النقل ولكنّ ما وصل لن يدم طويلا وحينها بطبيعة الحال سيعودون إلى الانقطاع مضيفة: “ليس هدفنا عدم التعليم، نحن كنّا تلامذة مدارس رسميّة، أساتذتنا لديهم أبناء في هذه المدرسة أيضا، إذا صار إلى حلحلة أمور الرواتب وانتظمت يسير العام الدراسي بصعوبة أو بالتي هي أحسن، حسب المنطقة وقدرة كل أستاذ، وإذا بقي الوضع على حاله فلا تدريس ولا من يحزنون”.

بالعقل يا معالي الوزير  

يعبّر الأساتذة الذين التقتهم المفكّرة عن استياء من بيانات وتصاريح وزير التربيّة عبّاس الحلبي معتبرين أنّه يصرّ بطريقة أو بأخرى على تحميلهم مسؤوليّة تعثّر العام الدراسي ويضعهم في مواجهة مع أولياء الأمور من جهة، ومع الأساتذة المتعاقدين الذين يخسرون ساعاتهم في حالات الإضراب من جهة ثانية. وفي هذا السياق تقول مدرّسة في إحدى ثانويّات الشمال “بالعقل يا معالي الوزير، راتب الأستاذ حاليا ما بين مليونين ونصف المليون وثلاثة ملايين ونصف، يعني أقلّ من 100 دولار على سعر الصرف الحالي، إذا اعتبرنا أنّ الأستاذ لا يحتاج إلى أكل ولا شرب ولا اشتراك مولّد هل يكفي هذا الراتب للوصول إلى المدرسة؟ إذا كان ذلك ممكنا فلتُخبرنا كيف؟” مشيرة أنّه من “الضروري أن يعرف التلامذة وأولياء الأمور أنّ من يُضيّع فرص تعليم أبنائهم هي السياسات التي تعتمدها وزارة التربية والحكومة والتي تهدف على ما يبدو إلى تهشيل الأستاذ تحضيرا للقضاء على التعليم الرسمي”.

وليس بعيدا تقول معلّمة أخرى “هل يعرف معالي الوزير أنّه لدينا زملاء أوقفوا اشتراك المولّد؟ كيف لهذا الأستاذ أن يحضّر درسه؟ أمّ أنّه يريدنا أن نحضر نواطير إلى المدرسة وليس مدرسين يقومون بواجباتهم”.
ويُشدّد الأساتذة على أنّ الحلول المطروحة جميعها ترقيعيّة فحتّى لو تمّت مضاعفة الراتب وفقا لما أقرّ في الموازنة لن يتجاوز الراتب الـ 10 ملايين أي بحدود المئتي دولار ثمن “برميل مازوت يكفي لعشرين يوما” على حدّ تعبير أحد الأساتذة في منطقة بعلبك الهرمل.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات عامة ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني