“
أثارت المبالغ المالية التي تفرضها هيئات المحامين كواجبات اشتراك على الناجحين الجدد في امتحان الأهلية لمزاولة المهنة، غضب الملتحقين الجدد بالمهنة، بالنظر إلى عدم توحيدها والارتفاع المهول الذي تعرفه بعض الهيئات، التي يصل فيها واجب الاشتراك إلى 120 ألف درهم، (حوالي 12 ألف دولار). ومن شأن ارتفاع هذه المبالغ أن يؤدي إلى حرمان شرائح واسعة من خريجي جامعات الحقوق من الحق في الولوج إلى المهنة رغم اجتيازهم بنجاح لمباراة الحصول على شهادة الأهلية.
أي توجهات حول واجبات اشتراك المحامين المتمرنين؟
عرف موضوع أداء واجبات اشتراك المحامين المتمرنين نقاشا قانونيا وقضائيا وفقهيا كبيرا، حيث يمكن التمييز بين توجهات ثلاثة:
توجه أول: يقول باستقلالية وحرية مجالس الهيئات في تحديد واجبات الانخراط باعتبارها تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي وتتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة. ويستند أصحاب هذا التوجه على مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 91 من قانون المحاماة والتي تنص على أن مجلس الهيئة يتولى إدارة أموال الهيئة وتحديد واجبات الإشتراك، الى جانب المادة 78 من النظام الداخلي الموحد لجمعية هيئات المحامين والتي تلزم المترشح بأن يرفق طلبه بوصل يثبت أداء الرسوم المحددة من قبل الهيئة مقابل الانخراط من جهة ومقابل الاشتراك من جهة أخرى.
توجه ثان يرى بأن واجبات الانخراط التي تفرضها هيئات المحامين على المرشحين لمهنة المحاماة لا تستند لأي سند قانوني، اعتبارا لكون القانون المنظم للمهنة ليس فيه ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسوم الانخراط في المرشح لمهنة المحاماة وفق مقرر مجلس الهيئة، وهو ذات التوجه الذي أيدته محكمة النقض في قرار سابق لها، أكد أن “المقصود بواجبات الاشتراك الواردة في المادة 85 من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي يتولى تحديدها مجلس الهيئة هو المبلغ المالي أو الخدمات التي تحددها الجمعية أو النقابة لمساهمة أعضائها في تحمل أعباء تسييرها، وهي تنحصر في العضو المنتمي للهيئة فقط، لا الوافد عليها لأول مرة…”.[1]
توجه ثالث: يرى أن السند المعتمد في فرض واجبات الاشتراك على المحامين المتمرنين هو أعراف المهنة.
حراك المحامين الجدد لمواجهة ارتفاع رسوم الاشتراك
منذ الإعلان عن نتائج مباراة المحاماة برسم سنة 2019، ارتفعت وتيرة الانتقادات الموجهة إلى هيئات المحامين بسبب عدم توحيد واجبات الاشتراك، وارتفاع مبالغها بشكل يؤدي إلى إقصاء ممنهج لأبناء ذوي الدخل المحدود من خريجي كليات الحقوق. وفي هذا السياق، أكدت مصادر إعلامية أن عددا من الناجحين في مباراة المحاماة بصدد الإعداد لتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، وطلب لقاء رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، لأجل دراسة الموضوع ومحاولة إيجاد حلّ للمشكل، الذي يقف حجر عثرة في وجه العديد منهم.
من جهة أخرى، أحدث المحتجون وفي سابقة ما أسموه “التنسيقية الوطنية للحاصلين على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة فوج مارس 2019″، وحددوا مطالبهم في ضرورة إلغاء رسوم الاشتراك، أو على الأقل تأجيل موعد أدائها وتقسيمها إلى أقساط، متسائلين عن دور وزارة العدل، باعتبارها الجهة الوصية على المهنة، في تدبير هذا الوضع الذي وصفه بعض المتضررين بالكارثي، لأن أغلبهم لا يستطيعون تأمين ذلك المبلغ في الوقت الراهن.
وعود من جهات رسمية بمراجعة وتوحيد واجبات الاشتراك في هيئات المحامين
سرعان ما وصلت هذه القضية إلى قبة البرلمان حيث ساءل عدد من النواب وزير العدل، حول أسباب الارتفاع المهول في واجبات الاشتراك في هيئات المحامين المفروضة على الوافدين الجدد على المهنة. وردّا على هذه الأسئلة، أكد محمد أوجار أن “هناك فراغا تشريعيا في ما يخص رسوم الاشتراك في هيئات المحامين”، مشيرا إلى أن “الوزارة ستعمل على مراجعة وتوحيد واجبات الاشتراك في هيئات المحامين، من خلال تعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، بتشاور مع نقباء هيئات المحامين”.
من جهته أكد رئيس جمعية هيئة المحامين بالمغرب عمر ودرا، أن القانون يسمح للهيئات أن تحدد شروط الولوج؛ وليس فقط الجانب المالي”، داعيا المحتجين إلى مناقشة الموضوع بعقلانية ورزانة، داخل المؤسسات، وأردف أن “إجتماع مكتب الجمعية برسم شهر شتنبر المقبل؛ سيدرس إمكانية توحيد واجب الإنخراط على الصعيد الوطني، رغم أن القانون يسمح للهيئات أن تحدد واجب الإنخراط المناسب”.
[1]– يتعلق الأمر بقرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 1499 بتاريخ 6 أبريل/نيسان 2010، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 73، السنة 2011، ص94.
“