أواخر العام الفائت، عرض في نشرة أخبار قناة الجديد تحقيق من 3 أجزاء، ظهر فيه المحاميان ماغي وزنة وزوجها وسيم شعر، وهما يعرضان على أحد الأشخاص (س) أن يتدخلوا لدى القاضي بلال وزنة(عمّ المحامية) لحفظ ملف قضائي معروض أمامه ضد (س) مقابل مبلغ وقدره 150 ألفا دولارا.
رفض إعطاء الإذن بالملاحقة
بعد معلومات عرفتها المفكرة القانونية عن إحالة المحاميين أمام المجلس التأديبي بقرار من نقيب المحامين أنطونيو الهاشم، علمت اليوم أن مجلس النقابة بت مؤخراً في الطلب المقدم من قبل القاضي زياد أبو حيدرللإستماع لإفادتهما في إطار الدعوى المرفوعة من قبل القاضي وزنة بحقهما. وقد قرر المجلس حجب إذن الإستماع إليهما من قبله. وقد بررت مصادر المفكرة في نقابة المحامين القرار بأن "القاضي بلال وزنة قد تقدّم بشكوى من خمسة أسطر، يقول فيها أنه تم تناول اسمه في وسيلة إعلامية ويطلب التحقيق بالموضوع". بالتالي، لم يشتكِ القاضي العارف بالقانون وبالجرائم الممكن نسبها لقريبيه بأي جرم محدد، تاركاً للقاضي زياد أبو حيدر أمر التحقيق بالموضوع. وأوضحت المصادر أن النقابة إستعلمت عن تحقيقات التفتيش القضائي حول وزنة، و"طلع ما في شي"، كما أشار للمفكرة بوجوب "عدم الإستخفاف بالإحالة أمام المجلس التأديبي" الذي قد يكون كافيا.
عناصر جرمية في تقرير تلفزيوني
في إستعادةٍ للأحداث التي أظهرها التحقيق، إنطلق المحاميان في محاولتهما لإقناع (س)، من تخويفه مما يحدث "في "كواليس" الدعوى المرفوعة ضده. فيقسم المحامي أن المديرة العامة لوزارة العدل تتصل بشكل يومي بالقاضي وزنة بخصوص ملف (س)، وهو أمر يفرض أن يوحي له أن قضيته تخضع للضغوطات. لينتقلا الى رسم شكل العلاقة الوطيدة التي تجمعهما بالقاضي وزنة في ذهن (س) ومفادها أن شعر هو الشخص الوحيد الذي "يتكلم بإسم بلال" وفقاً لتعبير المحامية وزنة. وكان "شعر" يدلي بتفاصيل عن القضية يفترض أنها سريو، كونها تأتي في سياث التحقيقات، فيظهر أنه على اطلاع عليها. ويكتمل المشهد عندما يعلن شعر أنه يتلقى اتصالا من القاضي وزنة. "ريس، أنا نزلت لعندن وأول ما عرفو انو حضرتك باعتني، حطولا الفيزا…" يقول شعر. ثم يذكر المحاميان أنهما قادران على انتزاع قرارات قضائية بفضل علاقتهما مع القاضي بلال وزنة.
لم يوفر المحاميان مناورة لم يستخدماها لإقناع (س) بقدرتهما على إقفال الملف لو تم تأمين المبلغ المذكور. فلم تتوانَ وزنة عن إخبار (س) بتدخّل عمها القاضي وزنة وإستخدامه لنفوذه لدى القاضي زياد أبو حيدر لإقفال ملف ادعي عليها به بجريمة اتجار بالبشر، يرتبط بالسيدة التي كانت تساعد الثنائي في القيام بالأعمال المنزلية. وكان السرد على طريقة أن القاضي وزنة "نزل شخصياً عند زياد أبو حيدر، قلو هربت، بينحفظ الملف". أما أن يوضح (س) أن قضيته تحتمل مخرجاً آخر غير وزنة، وهي المحكمة العسكرية، فكان طرحاً ممتازاً يتيح لشعر أن يتمادى في التطاول على السلطة القضائية، ليستخدم عبارة مهينةيوضح من خلالها ألا قيمة للذهاب أمام العسكرية ما دام وزنة نفسه هو مفوض حكومة لديها.
المحامي شعر حصل على حقه بالدفاع عن نفسه ضمن التحقيق نفسه، لينفي أي أساس حقيقي للقصة التي رواها وزوجته لـ(س). وينفي معها أن يكون سرده لأحداث غير واقعية من قبيل الأكاذيب، بل فقط بهدف "التهدئة من روعه". أما عن قصة اتصال المديرة العامة لوزارة العدل بوزنة بشكل يومي، وهي قصة عززها شعر بالقسَم المكرر، يبرر بكون "الحكي ما عليه جمرك".
وقبل الخوض في مدى انطباق هذه الأفعال على بعض الجرائم الجزائية المعاقب عليها قانوناً، فإن النقابة عندما حجبت الإذن بالإستماع الى المحاميين، إنما تكون قد قالت أن الأفعال التي قام بها المحاميان، وهي من قبيل السمسرة، ترتبط بمهنة المحاماة. فلو لم تكن كذلك لما امتلكت النقابة أي حق باعطاء الإذن من حجبه لإنتفاء موضوع الحصانة.
صرف نفوذ أم احتيال؟
هذه الحيثيات، وهي متاحة لأي شخص، تشكل قرينة تدفع أقله للنظر في مدى إنطباق عناصر بعض الجرائم على فعلهما وبالتالي مدى تورطهما بجريمة جزائية. أول ما قد يتبادر للذهن جريمة صرف النفوذ، والا الإحتيال، أو الإثنين معاً. فإما أن المحاميين هما على صلة فعلية بالقاضي وزنة وأن مناورتهما حصلت بالتنسيق معه، فنكون أمام صرف نفوذ. وإما أنهما ليسا في هذه الحالة، ونكون أمام مناورات احتيالية.
فقد عرف القانون جريمة صرف النفوذ (المادة 375) أنها الفعل الذي يلتمس من خلاله الشخص أجراً غير واجب أو قبل أو الوعد به سواء لنفسه أو لغيره بقصد التأثير على مسلك السلطات بأية طريقة كانت. ويعاقب مرتكبها بالحبس لسنتين كح أقصى. أما لو إقترف الفعل محام بحجة الحصول على عطف قاض في قضية، عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات ومنع من ممارسة المهنة مدى الحياة (المادة 376). ويكفي في هذه الحالة أن "يلتمس" الشخص أجراً… والحال أن التماس الأجر لا يستتبع بشرط الحصول عليه، الأمر الذي يجعل المحاولة فيه أيضاً كافية. ونلحظ أن المشرع خصّ المحامي بفقرة خاصة لتشديد العقوبة بالنظر إلى خطورة سمسرة العدل.
من جهة ثانية، يعرف قانون العقوبات جريمة الإحتيال أنها كل من حمل الغير بالمناورات الإحتيالية على تسليمه منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو منفعة أو استولى عليها… وتعتبر مناورات إحتيالية الأعمال التي من شأنها أن تخلق في ذهن المجني عليه أملاً بربح أو تخوف من ضرر، كذلك الأمر بالنسبة لتلفيق أكذوبة يصدقها المجني عليه نتيجة ظرف مهد له أو ظرف إستفاد منه، ويعاقب على المحاولة نفس العقاب على الفعل. (المادة 655). والأهم أن المحاولة كافية لقيام جرم الإحتيال، فيكفي أن يقوم الشخص بالمناورات الإحتيالية بهدف تحصيل المنفعة التي يبتغيها، من دون أن يقع الطرف الآخر ضحيته بالفعل.
إهانة القضاء
فضلاً عن ذلك، من الواضح أن المحاميين قد ارتكبا إهانة للقضاء من خلال إظهاره وكأنه ساحة للسمسرة والتلفيقات، مما يقع أيضا تحت طائلة قانون العقوبات.
حدود التأديب
إذن، ما يظهر في التسجيلات، ينطبق على وجود عناصر جرمية تنطبق على فعل المحاميين ويوجب التحقيق فيها. وفيما تبقى سلطة المجلس التأديبي استنسابية في اقرار هذه العقوبة من عدمها، فإن قانون العقوبات يلزم القاضي بمنع المحامي من ممارسة المهنة متى ثبت تورطه في جريمة صرف نفوذ، وهذا المنع دائم.
فلو سلم جدلاً أن المجلس التأديبي قرر أن يشطب المحاميان من الجدول العام، فيعود لهما بعد إنقضاء 5 سنوات أن يطلبا اعادة تسجيلهما، فإذا اعتبر المجلس ان المدة كانت كافية لإنهاء أثر ما بدر منه يعيده، أما لو رفض فيعود للمحامي أن يكرر طلبه بعد سنتين، فإذا رفض بات المنع عندها دائماً.
بهذا المعنى يبدو الفرق شاسعاً بين المجلس التأديبي وبين القضاء الجزائي في قضية مماثلة. ولكن، بمعزل عن ذلك، فإن مجرد حجب الإذن في قضية كهذه هو أمر جدّ خطير، طالما أن الأفعال المرتكبة تشكل إعتداء حقيقيا على مهنة المحاماة ويتوجب معاقبتها. أما أن يحجب الإذن بحجة أن الأفعال متصلة بمهنة المحاماة، فذلك أمر يقارب العبث. نأمل أن تقوم النيابة العامة باستئناف قرار حجب الإذن صونا للقضاء من سماسرة العدل.