انتهت نتائج انتخابات الجمعية التونسية للمحامين الشبان للمدة النيابية 2023-2026 بتجديد انتخاب رئيسها طارق حركاتي لعهدة ثانية مع انتخاب ثمانية أعضاء للمكتب التنفيذي في غياب تامّ للتمثيلية النسائية. وفي انتظار استكمال تركيبة الهيئة المديرة بانتخاب ممثلي الفروع الجهوية، تواجه الجمعية في العهدة الجديدة تحديّات جمّة أولها قدرة المنتخبين على العمل الجماعي وتجاوز حالة الانقسام الحادّ التي شابت المكتب المتخلّي، ونجاعة الدفاع عن مصالح المحامين الشبان في مناخ مهني عسير. بيد أن الأنظار تتوجّه بالخصوص، نحو رهان استعادة الجمعية لدورها الريادي في الدفاع عن القضايا الحقوقية في سياق النظام السلطوي الناشئ وذلك إثر عهدة تميّزت بزيْغ الجمعية عن البوصلة في هذا المضمار.
كيف نقرأ نسبة الاقتراع؟
شهدت الانتخابات، بداية، مشاركة 1006 محاميا شابا من أصل 1888 منخرطا أي بنسبة اقتراع تبلغ 53.3%، وهي نسبة تتقاطع والنسب المسجلة إجمالًا في الدورات الفارطة، مع الإشارة إلى أنّ كلّ محام سنّه دون 45 عامًا يجوز له الاقتراع بشرط الانخراط في الجمعية وخلاص معلوم اشتراك العام الأخير. لا توجد، في الأثناء، أرقام رسمية حول عدد المحامين ممّن سنّهم دون 45 عامًا، باعتبار أن توزيع المحامين المباشرين حسب السنّ، طبق التقرير الأدبي الأخير للهيئة الوطنية للمحامين، يعتمد توزيعا عقديًا. إذ يبلغ عدد المحامين دون 30 عامًا 401 محاميا، وبين 30 و40 عامًا، 1430 محام فيما يبلغ العدد مّن سنّهم يتراوح بين 40 و50 عامًا 4026 محاميا، وإن اعتبرنا، بصفة جزافية أن نصفهم هم دون 45 عامًا، فإن مجمل المحامين المباشرين دون السنّ المذكور يمكن تقديره في حدود 3800 محام على الأقل. تباعًا، يصبح عدد المنخرطين في الجمعية يمثلون نصف عدد المحامين الذين يتوفّر فيهم شرط السنّ.
من الحريّ، في هذا الجانب، ملاحظة أن عدد المنخرطين في الجمعية يُحتسب عمليًا في سنة الانتخابات، باعتبار أنّ الانخراطات السنوية في غير أعوام الانتخابات قليلة جدًا لا يكاد يُذكر عددها. وهو ما يبيّن، مجددًا، أن الانخراط في الجمعية، ليس في الواقع التزامًا سنويًا يعكس اندماجًا في الإطار الجمعياتي لشباب المحاماة، بقدر ما هو إتمام لشرط إجرائي للتصويت في الانتخابات لا غير. ولذلك، يسعى المرشحون لرئاسة الجمعية أو عضوية مكتبها التنفيذي دائمًا، خلال الحملة الانتخابية، إلى المساهمة العملية في تسجيل انخراط المحامين الشبان صلب الجمعية.
إنّ حقيقة استقالة شباب المحاماة عن الاهتمام بأعمال الجمعية عكستها عمليًا أشغال الجلسة العامة السنوية التي انعقدت يوم الجمعة 26 أفريل 2023 في دار المحامي، قبل يوم من الجلسة الانتخابية، والتي شهدت حضور أقلّ من 30 محاميًا عدد كبير منهم من المترشحين. بيد أن الصورة التي كانت أكثر تعبيرًا هي مناقشة محام واحد فقط للتقريرين الأدبي والمالي بعد تلاوتهما قبل المصادقة عليهما. وتختزل حقيقة مشاركة محام وحيد في النقاش العام من جملة 1888 منخرط مشهد العزوف عن متابعة أعمال الجمعية ومساءلة المكتب المتخلي سواء فيما يتعلق بتسيير الجمعية وحوكمتها وإدارة حساباتها أو فيما يتعلق بأنشطتها ومواقفها ومعالجتها للقضايا سواء كانت مهنية أو حقوقية. بالتبعية، يؤكد ما سبق غياب عنصر تقييم أداء المسؤولين المتخلّين في حسابات التصويت، فالمُقترع لا يكاد يطّلع على أنشطة المكتب المتخلّي ولا حصيلة أعماله وحساباته، فهو يصوّت، أساسًا، بحسب تقييم علاقته الشخصية أو انطباعاته عن المترشح.
غياب تامّ لتمثيليّة المحامية الشابّة
حملت نتائج الانتخابات مفاجأة غير سارّة وهو عدم فوز أي مترشّحة للمكتب التنفيذي المكوّن من ثمانية أعضاء، رغم ترشّح 10 محاميات، بينهنّ محاميتيْن اثنتيْن من المكتب المتخلّي، وذلك من أصل 23 مترشحًا. يقطع غياب التمثيلية النسائية مع تصاعد موقع المحامية الشابة في السنوات الأخيرة والذي تُوّج بصعود الأستاذة إيمان البجاوي كأول رئيسة للجمعية عام 2013، ثم ترشّح أستاذتيْن لرئاسة الجمعية عام 2020 وأخيرًا ترشح محامية أيضًا للرئاسة في الانتخابات الأخيرة.
ويقطع غياب النساء في المكتب التنفيذي لجمعيّة المحامين الشبان مع ارتفاع التمثيليّة النسائيّة في مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بعد انتخابات الخريف الفارط، إثر صعود خمس محاميات دفعة واحدة من أصل 11 عضوًا. وقد رُجّح أنّ ذلك التصعيد خلفيّته اتفاق بين المحاميات، اللائي يمثلن 45.2% من مجمل المحامين، على تصعيد ممثلات عنهنّ بنسبة نديّة للرّجال، وهو الاتفاق الذي يبدو أنّه غاب مطلقًا في انتخابات جمعية المحامين الشبان، ما أدّى لانعدام تامّ للتمثيلية. ولا يُرجّح أن السبب يتعلق بغياب المرأة في القائمات المتنافسة (تنتشر قائمات معلنة وأخرى غير معلنة خلال الحملة الانتخابية وإن كان الانتخاب إجرائيًا على الأفراد)، بقدر ما يتعلّق، على الأرجح، بترشّح عدّة محامين من الذكور ذوي الأقدمية والحضور في أوساط المحامين الشبان، وهو ما رجّح كفة التصويت لهم مقارنة بالمترشّحات بصفة إجمالية.
وبينما يقدّر فريقٌ لزوم احترام نتيجة الانتخابات والعمل على تدارك غياب المحامية في الانتخابات المقبلة، يدفع آخر نحو وضع استثناء بتعيين مترشّحات صلب هياكل الجمعية، وهو توجّه يبدو أن المكتب التنفيذي الجديد يدعمه. إنّ مثل هذا الاستثناء وإن كان باعثه محمودًا، يجب ألاّ يتعارض مع النظام الأساسي للجمعية من جهة وألا يمسّ من التوازنات التي أفرزها صندوق الاقتراع من جهة أخرى، ثم أنّ الاستثناء اللاحق لمعالجة وضعية واقعية سابقة، يظلّ مما يأباه المنطق القانوني السليم.
ولاية ثانية للرئيس ومكتب تنفيذي متنوّع.. بين التناغم والانقسام
لم يكن مفاجئا في الواقع، تجديد انتخاب رئيس الجمعية الأستاذ طارق الحركاتي لعهدة نيابية ثانية. تصدّر الحركاتي النتائج بـ 506 صوتًا (50.2%)، متقدّمًا على الأستاذ محمد المرتضى مورو الذي حصدَ 309 صوتًا (30.7%) والأستاذ الطاهر الدلالي، عضو المكتب المتخلّي، الذي حلّ ثالثًا بـ 157 صوتًا (15.6%) فيما توزّعت بقية الأصوات، التي لم تتجاوز أصابع اليدين، على الأستاذيْن عماد القاسمي وحنان إسماعيل. ومردّ عدم التفاجؤ هو استطاعة الرئيس المتخلي الحفاظ على خزّانه الانتخابي بل وتدعيمه مقارنة بالانتخابات الأخيرة عام 2020 (471 صوتًا). أكدت انتخابات رئاسة الجمعية، على وجه الخصوص، فاعلية دور التشبيك القائم على العلاقات الإنسانية بدرجة أولى، بغضّ النظر عن تقييم الأداء أو المواقف. تحوّلت الانتخابات بذلك إلى موسم لإتمام تنفيذ عقد تبادل الخدمات. ويمثّل تجديد انتخاب الرئيس المتخلي انتصارًا لحلقة العميد حاتم المزيو، وهو ما يعني تمديد علاقة ودّ “الأب والابن” بين العمادة والجمعية لعهدة جديدة.
على مستوى عضوية المكتب التنفيذي، أفرزت صناديق الاقتراع تصدّر الأستاذ مهدي زقروبة، الملاحق من القضاء العسكري، للنتائج بـ 469 صوتًا، فيما مثّل رسالة تضامنية مضمونة الوصول من المحامين الشبان إسنادًا لزميلهم الذي تعرّض لمظلمة فيما عُرِف بـ”قضية المطار” بعد صدور حكم عسكري ضدّه رغم سابقية تعهد القضاء المدني، وبالخصوص لما تضمّنه الحكم من حرمانه من ممارسة المحاماة، في تعدِّ صارخ على استقلالية المحاماة. زقروبة، الذي كان قد حلّ ثانيًا في انتخابات رئاسة الجمعية عام 2020، والذي لم ينشط شخصيًا في حملته الانتخابية في انتخابات العام الحالي، تحوّل إلى أيقونة للمحاماة الشابة المناضلة بعد انقلاب 25 جويلية 2021، وهو المعروف بمواقفه المنحازة لمبادئ المحاماة وقيَمها، وقد خاض معارك بوجه مكشوف ضدّ مسؤولين في السّلطة تحديدًا ممّن يتقلّدون مراكز القرار في النظام القضائي. ولكن لا يجب أن يخفي تصدّر زقروبة لنتائج الاقتراع، في المقابل، النصف الفارغ من الكأس، وهو أن أكثر من نصف المقترعين لم يصوّتوا لفائدته من بين ثمانية اختيارات مفتوحة لكل مقترع. الصورة لم تكن وردية “جدّا” بالنهاية.
المنتخبين السبع الباقين، هم كلّ من يوسف الباجي ومحمد أسامة بن نجا (من قائمة “العهد” التي رشحّت الأستاذ الطاهر الدلالي للرئاسة)، وفارس المناعي (من قائمة المترشح للرئاسة محمد المرتضى مورو) ومنتصر النفزي وغسان الغريبي ومحمد السميشي ومحمد علي المرزوقي. تعكس نتائج عضوية المكتب التنفيذي، بشيء من الحذر، توازنًا تامًا بين خط رئيس الجمعية من جهة والخط المعارض له من جهة أخرى، فيما يؤشر، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والحقوقية، لاستمرار الخلاف الذي أدى، في الولاية السابقة، لاستقالات وانقسامات خرجت أحيانًا للعلن.
إنّ الالتزام العلني على العمل الجماعي لا يخفي تحديات جسيمة في مسائل قد يصعب إيجاد تسويات بشأنها، خصوصًا في ظلّ تصاعد موجة النزوح السلطوي التي ترمي بأثرها داخل أسوار الجمعية وتحديدًا مع صعود أعضاء ذوي خلفية حقوقية على غرار مهدي زقروبة ويوسف الباجي، وهو قيادي في الحزب الجمهوري الذي يقبع أمينه العام عصام الشابي في السجن فيما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”. إذ تتتالى النداءات، داخل أوساط المحاماة وخارجها، من أجل استعادة الدور الريادي للجمعية التونسية للمحامين الشبان في الحراك الحقوقي الذي تشهده البلاد بغية التصدّي لانحرافات السلطة وانتهاكاتها التي استهدفت المحاماة في مناسبات عديدة. وعليه، لن تكون مهمة المكتب التنفيذي الجديد يسيرة في هذا الجانب.