“
أصدرت المديرية العامة للأمن العام مساء أمس في 12 تموز 2018 قراراً نهائياً يقضي بترحيل العاملة الكينية “شاميلا نابوايو” التي تعرضت للضرب مع مواطنتها وينيروز وامبوي في منطقة برج حمود أواسط حزيران 2018. وأكدت محامية شاميلا نرمين السباعي ل”المفكرة القانونية” قرار ترحيل موكلتها يوم الأحد المقبل في 15 تموز 2018، مطالبة بـ”إيقاف قرار الترحيل فوراً، والسماح لها بالخضوع لمحاكمة عادلة والدفاع عن نفسها، خصوصا أن هناك ثلاثة موقوفين في قضية الإعتداء، بالإضافة إلى العاملة نفسها”. وشاميلا هي إحدى العاملتين الكينيتين اللتين ظهرتا في فيديو بتاريخ 17 حزيران 2018تتعرضان للضرب والإهانة من قبل عسكري في الجيش اللبناني وآخرين. وكان الأمن العام تراجع عن قرار سابق بترحيلها إثر مطالبة وزير العدل سليم جريصاتي بتسوية وضع العاملة القانوني. وأكدت السباعي أن وزارة العدل “قامت بإصدار بيانات إعلامية فقط، لكنها لم تقم بالتواصل معنا أو متابعة القضية عن كثب”.
لا زالت شاميلا محتجزة كما ثلاثة من المعتدين عليها لاستكمال التحقيقات، وممنوعة من مقابلة محاميتها، فيما تتمّ فيه تسوية الوضع القانونلصديقتها وينيروز وامبوي، التي تعرضت أيضاً للضرب خلال الحادثة، بسبب زواجها وإنجابها من لبناني، وتؤكد السباعي أنّ “التحقيقات لا تزال مستمرة في القضية، ونحن ننتظر القرار الظني ونتوقع صدوره خلال الأسبوع المقبل”.
وتكفلت “حركة مناهضة العنصرية” في لبنان بمتابعة القضية، ويعمل ناشطوها اليوم على تسوية الوضع القانوني للعاملتين، ويتفاوضون مع كفيلة شاميلا للتنازل عنها، وبالتالي العمل على تجديد تصريح الإقامة وإجازة العمل ومنع الترحيل. وكشفت ممثلة عن الحركة لـ”المفكرة القانونية” بأنّ “الكفيلة طلبت مبلغ 3 آلاف دولار لتتتنازل عن كفالة شاميلا، بحجة أنها دفعت المبلغ نفسه لاستقدام عاملة أخرى بعد أن غادرت الأولى منزلها”، وهو ما رفضته الحركة باعتبار أنّ “المبلغ غير مقبول، ولا يتوافق مع الرسوم الذي يجب على صاحب العمل دفعها في حالة مماثلة”.
من جهتها، اعتبرت المحكمة العسكرية ما حصل مجرد “شجار” عاديّ بين مجموعة من الأشخاص، وفق السباعي. ومع صدور القرار المفاجىء بترحيل شاميلا مرة أخرى، أوضحت ممثلة حركة مناهضة العنصرية، أنّ “المحامية كانت قد تقدمت بطلب إلى القاضي الناظر بالقشية التوسع في التحقيق، حتى يشمل العديد من الأشخاص الذين كانوا شركاء في الجريمة، ولكن لم يتمّ الإدعاء عليهم”.
هذا الأمر أكدته السباعي، واصفةً ما حصل مع العاملتين الكينيتين بأنّه”جريمة جماعية، دافعها دنيء وعنصريّ وطبقيّ”، شارحةً أنّه “قام أكثر من ستة أشخاص بالتعرض بالضرب والإهانة لعاملتين أجنبيتين لأكثر من ساعتين”، وسبب ذلك برأيها بسيط وواضح، وهو “اعتبار المعتدين أنّ العاملتين من جنسية أجنبية وبالتالي بإمكانهم الاعتداء عليهما بدون أن يطالهم أحد”. وفي الوقت الذي طالبت فيه وزارة العدل فقط بـ”تسوية وضع شاميلا القانوني في لبنان”، تطالب محامية العاملتين الكينتين، بـ”تشديد العقوبة على المعتدين واعتبار ما حصل جناية وليس جنحة”.
وكانت حركة مناهضة العنصرية قد أصدرت بياناً يناشد المواطنين ب”التحرك الفوري، بعد الإعتداء العنصري الجماعي على عاملتين أجنبيتين من التابعية الكينية في بيروت، وبعد تهديد السلطة بترحيل إحداهما وتدعى شاميلا، في محاولة للضغط المستمر على السلطة للسماح لها بالبقاء والعمل في لبنان”. ونشر ناشطوها فيديو بالتعاون مع الأمينة العام للإتحاد العالمي للعمال المنزليين، السيدة إليزابيث تانج، يتناول القضية، والظلم اللاحق بعاملات المنازل الأجنبيات غير النظاميات في لبنان”.
ووضعت الحركة خريطة تضامن مع شاميلا تتضمن، بالإضافة إلى مناشدة السلطات اللبنانية وقف ترحيل شاميلا، مساندتها في إيجاد صاحب عمل جديد يستطيع تسوية وضعها القانوني لتتمكن من البقاء والعمل في لبنان. كما الإمتناع عن تجريم وتوقيف وترحيل العمال غير النظاميين. وتتم عملية المساندة عبر مشاركة فيديو الإتحاد العالمي للعمال المنزليين، وبيان حركة مناهضة العنصرية المتعلّق بالقضية، والتقارير الصحافية المحلية و العالمية حول الموضوع، مع الأصدقاء،والعائلات، والمشرعين، وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، وأي من وسائل الإعلام التقليدية. كما تمنت الحركة على المتضامنين الإتصال بالأمن العام والمطالبة بتسوية وضع شاميلا لتتمكن من البقاء في لبنان، وذلك على الرقم التالي1717 (أو 009611424668 من خارج الأراضي اللبنانية).
حقوق شاميلا… حقوق كل العاملات الأجنبيات
قضية شاميلا، لا ترتبط بحالة فردية ونادرة، بل تعكس، وبوضوح، الوضع المزري الذي تعاني منه العاملات الأجنبيات في لبنان، خاصةً ممن لا يتمتعن بوضع قانونيّ من بينهن، وهي القضية التي تعمل عليها “حركة مناهضة العنصرية” منذ تأسيسها عام 2010. وتشدد إحدى ناشطات الحركة لـ”المفكرة القانونية”، على “ضرورة أن توقف الحكومة اللبنانية ترحيل العاملات، وأن تقوم بإلغاء نظام الكفالة بإعتباره نظاماً قاسياً ومجحفاً، مع التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189“. وتضمن هذه الإتفاقية للعمال الحق بأيام راحة في الأسبوع، وساعات عمل محددة، وبالحد الأدنى للأجور.
وانتشر منذ قرابة ثلاث أسابيع، مقطع فيديو من دقيقة و55 ثانية، يصوّر مجموعة من الشبان اللبنانيين – من بينهم عسكري – يتعرض بالضرب والإهانة لعاملتين أفريقيتين في منطقة برج حمود، في مشهد صادم يجسد عنصرية البعض في لبنان. ولم تكن الحادثة هي الأولى من نوعها، وقد لا تكون الأخيرة، ولكن سرعة إنتشارها على مواقع التواصل الإجتماعي، والصدمة التي خلفتها لدى اللبنانيين، دفعت الهيئات الحقوقية إلى التحرك مباشرة.
أما “الذنب” الذي ارتكبته العاملتان الكينيتان “شاميلا نابوايو” و”وينيروز وامبوي”، فيكمن في اعتراضهما على تعرضهما للدهس بسيارة عسكرية من الخلف، فتمّ ضربهما وإهانتهما أمام المارة الذين لم يتجرأوا على التدخل لإنقاذهما. وبدلاً من إعتبارهما ضحايا اعتداء جسديّ وعنصريّ، تمّ القبض عليهما واحتجازهما وتوجيه التهم لهما تماماً كالمذنبين والمعتدين، لتفتح المحكمة العسكرية تحقيقاً بالواقعة بتهمة “مخالفة نظام الكفالة الذي يُنظِّم وجود العاملات المهاجرات في لبنان”.
وسبق لإيليزابيث تانج، الأمينة العامة للإتحاد الدولي لعمال المنازل، أن تمنّت مؤخراً في تعليق لها على القضية، من الدولة اللبنانية أن “تقوم بفصل نظام الكفالة عن نظام التوظيف، لأنه يسمح لصاحب العمل باستغلال العمال بوصفه الطرف الأقوى”. ويذكر أنّه في العام 2008، توصلت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أنّ عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان يلقين حتفهن بمعدل أكثر من واحدة أسبوعياً. لذا فإن تمّ ترحيل شاميلا، ولم يتمّ تشديد العقوبة على المعتدين، ستكون الدولة اللبنانية تمعن بشكل واضح في التمييز ضد العاملات الأجنبيات.
الفيديو الذي يظهر تعرض العاملة الكينية “شاميلا نابوايو” للضرب : https://bit.ly/2LehDfm
الفيديو الذي قام به الإتحاد العالمي للعمال المنزليين لدعم شاميلا وتحقيق العدالة لها: https://bit.ly/2usI6LD
مقالات ذات صلة:
- ماذا يحصل حين تترك العاملة منزلا لا يسدد أجورها لثلاث سنوات؟ ترحيل من دون تعويض
- حكم قضائي يعاقب اختلاق “جرم الفرار”
- “إجهاض” الآخرين على أرضنا: قصة غامضة لعاملة بنغالية
- العاملات المهاجرات في مسيرتهن: لا لنظام الكفالة…نعم للحرية
- نظاما الكفالة والعدالة في مرآة لينسل: هل يكفل نظام الكفالة الإفلات من العقاب؟
- الانحياز القضائي يهدد حقوق عاملات المنازل: إدانة عاملة لم تقبض أجورها منذ سنة بسرقة ساعة
“