بناء على الدعوة التي وجهتها لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان ولجنة المعتقلين والمنفيين "سوليد" لحضور مؤتمر صحفي، إحتشد في 25-9-2014 أهالي المفقودين ورفيف من الجمعيات الداعمة للقضية في الحديقة المقابلة لجامع زقاق البلاط على رأس النزلة المؤدية إلى السراي الحكومي وساحة رياض الصلح. وكانت اللجنتان قد باشرتا حملة "زورونا" في 18-9-2014 في نفس المكان لالزام الحكومة بتنفيذ الحكم الصادر عن مجلس شورى 4-3-2014، الأمر الذي حصل في 20-9-2014، فدعت اللجنتان الى المؤتمر الصحافي لاطلاع الناس على محتويات هذا الملف وتحديد الخطوات اللاحقة التي تنوي اللجنتان إعتمادها بالتنسيق مع حملة "حقنا نعرف" للوصول الى معرفة حقيقة طال إنتظارها.
في إنتظار أن يبدأ المؤتمر الصحافي، جلس عدد من أهالي المفقودين في الحديقة صفاً واحداً يتأملون أوجه الوافدين للتضامن مع قضيتهم.
لا تحتاج زوجة المخطوف حسين فياض المرجة، لكثير من الأسئلة حتى تطلق العنان لدموعها. لقد اختطف زوجها في العام 1976 واصطحب الى منطقة الكارنتينا حيث تمت تصفية العديد من الأشخاص على الجدران. لذا لم تعد تتأمل الكثير سيما وانه لو قدر لزوجها الحياة لكان اليوم عمره يناهز الثمانين عاما ومع ذلك فهي بإنتظار ملف التحقيق وتقول:" أريد أن أعرف أين هو؟ وان أحصل على بقايا عظامه ان مات لأقيم له قبراً، أستطيع زيارته اليه كلما احتجت لذلك".
ما زالت أم "عماد" تستجمع كامل طاقتها في كل مرة تدعو اللجان للاعتصام وتأتي محتضنة صورة ابنها وهو في زي قوى الأمن، تغمر الصورة وتعانقها، تقبلها مراراً ثم تغسلها بدموعها ثم تتلفت يمنة ويسر بإنتظار ان تحين ساعة اعلان الحقيقة التي ستحررها من سجن الصبر والحيرة. والى جانبها زوجها الذي ما ان تنظر اليه حتى يبادر قائلاً:"هذا ابني كان يعمل في قوى الامن" وهذه الجملة يكررها أبو عماد في كل تحرك للجنة وبفخر كبير والدمع متجمد في مقلتيه وكأنه ورغم هول مأساته يريد أن يثبت انه عصيٌّ عن الإنكسار حتى جلاء الحقيقة وحتى الرمق الاخير.
فقدت الدكتورة سامية في الحرب عام 1986، وفي الحديقة تجلس شقيقتها وهي تحتضن صورتها زارفة الدموع في انتظار معرفة النتيجة وتقول. "والدتي ماتت والحرقة والحسرة في قلبها لانها لم تراها" تقول هذه الجملة والدم يكاد بنفجر من عينيها. وتتابع:" كانت شقيقتي تدرس الطب في موسكو اصرينا عليها لأن تعود الى لبنان لنراها فجاءت ولم تغادر. لقد اختفت مع ثلاثة من أصدقائها عند المتحف وقد بحثنا عنها مطولاً الى أن أشاروا الينا على مكتب مضطلع يومها موجود في فرن الشباك ذهبنا اليه فقالوا لنا هناك اننا تأخرنا وأنه علينا انتظار شخص يدعى "الياس ش." لأن ينزل من الجبل وما زلنا ننتظر لحد هذه اللحظة ان ينزل من الجبل ". تابعت:" أما أبشع ما صادفناه في مسيرة البحث عنها هي تدافع الجمعيات وبعض الجهات للمتاجرة في قضيتنا هناك إمرأة كانت تاتي لتأخذ من والدتي المال بحجة انها ستحضر لها معلومات عن سامية كما ان البعض عرض علينا المال للنسى ولكننا لن نفعل ذلك قبل معرفة الحقيقة.
عند الساعة الثانية عشر ظهراً، بدأ المؤتمر الصحافي بالنشيد الوطني اللبناني تلاه دقيقة صمت من أجل المفقودين وأهاليهم، ثم تحدث محامي لجنتي "أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان" ولجنة "سوليد"، نزار صاغية عما يتضمنه التقرير الذي استلمه فاستهل حديثه منوهاً بأهمية القرار الذي اتخذته لجان ذوي المفقودين في الاحتكام الى القضاء لتكريس حقوق هؤلاء في مواجهة سلطة حاكمة اختارت أن تتجاهل قضاياهم وقال:"من حق الرأي العام اليوم أن يسأل عن النتائج العملية لتنفيذ هذا الحكم وتسليم الملف، وبم يسهم مضمون هذا الملف في ترسيخ حق المعرفة، وما هي المعلومات التي يمكن الاستفادة منها أو البناء عليها للمضي قدما في عملية البحث عن مصائر المفقودين؟ ".
وتابع:" ان من يقرأ ملفات التحقيق، سرعان ما يتبين أن المعلومات الواردة فيها مجتزأة وقد بقيت، في مراحل التحقيق الأولى من دون أن تقوم اللجان المتعاقبة بواجبها في التدقيق فيها سعيا الى الوصول الى الحقيقة. فالملف تضمن كما كبيرا من الاستمارات التي ملأها ذوو المفقودين وأودعوا فيها كل ما يعرفونه بخصوص خطف أحبائهم، وقد اقتصرت جهود اللجنة على تصنيف الملفات وفق الجهة الخاطفة المفترضة ومدى توفر أدلة: فهل هي تنظيم أم ميليشيا لبنانية؟ أم هي جهاز تابع للجمهورية السورية؟ أم هي إسرائيل؟".
أما بخصوص موضوع المقابر الجماعية، فتابع حديثه قائلاً:" لقد زعمت لجنة التحقيق في2000 عثورها على مقابر جماعية عدة، ذكرت بعضها وأبقت الكتمان على أخرى".
أضاف:" نطالب الطبقة الحاكمة على هذا الصعيد باتخاذ مبادرات فورية لنقض هذه السياسة من خلال إجراءات اعتراف واضحة تشريعية وإدارية تحقيقا للتغيير المنشود واحقاقا للحق، في مقدمها إقرار اقتراح القانون حول حق المعرفة الذي تقدم به النائبان غسان مخيبر وزياد القادري وانشاء بنك ADN، كما اننا نحتفظ طبعا بحقنا كاملا لجهة مطالبة الدولة بتعويضات نتيجة الإهمال المذكور، على أن تخصص مجمل هذه التعويضات بأكملها لانشاء بنك ADN يسهم في تحقيق حق المعرفة لا غير".
وأكد صاغية ان:" ما يريده أهالي المخطوفين ليس معاقبة أحد، بل السعي الى تحقيق المعرفة وانهاء لعذاب الانتظار".
بدوره تحدث رئيس لجنة المعتقلين والمنفيين "سوليد" غازي مؤكداً ان:" ما أنجز اليوم هو تثبيت لحقنا في معرفة مصير احبائنا". وتابع:"نتطلع الى الخطوات العملية التالية والتي تتمثل في تشكيل قاعدة بيانات الحمض النووي DNA لأهالي المفقودين وتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين وضحايا الاخفاء القسري، وهذه الخطوات تتطلب التحرك السريع والضغط باتجاه السلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل تحقيقهما وهذا ما سنقوم به في المرحلة القادمة".
ثم تحدثت رئيس لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني قائلة:" ان خلاصة ملف التحقيقات الكامل – بشهادة رئاسة الحكومة – يحمل وجهين: الأول، رخيص ومخيف، يدل على قلة الاعتبار الذي تكنّه الدولة منذ 40 سنة تقريباً لشريحة ذنبها الوحيد أنه ليس لديها مرجع غير الدولة ،وليس لديها بديلٌ عن الدولة.. ونحن لا ولن نقبل بذلك بعد الآن، سنتابع نضالنا حتى تعترف الدولة ببنوتها لنا، بأننا أولادها الشرعيون. أما الوجه الثاني، ففيه نفحة أمل إضافية ولو أن المشوار أمامنا ما يزال طويلاً".
أضافت:"لا أرغب بترداد الأسلوب الذي اعتمدته الدولة ازاءنا وازاء أحبتنا والقضية منذ ما يقارب الـ40 عاماً ، لكن ما هو أخطر اليوم أن هذا الصندوق هو بمثابة شاهد حسي على الكذب الرسمي الذي مورس علينا منذ 14 سنة، إنه الصندوق الوثيقة الشاهد على جرم الكذب.. مرة أخرى سنلجأ إلى القضاء لنقاضي الدولة في الوقت المناسب ولو بعد 100 سنة على هذا الجرم".
وفي ختام المؤتمر الصحافي أعلنت حلواني باسم "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين" ولجنة "سوليد" وحملة "حقنا نعرف" تعليق دوام أهالي المفقودين الأسبوعي إلى أجل غير مسمى، وربما يكون ذلك من أجل المباشرة بتحقيقات أكثر جدية بالإستناد الى المعلومات المتوافرة في ملف التحقيق.