“
أحال فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، على رئاسة المجلس مقترح قانون جديد يتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات، يهدف إلى تخليق الحياة العامة وإضفاء قدر عال من الشفافية عليها، وحماية تدبير الأموال العمومية.
السياق العام لتقديم مقترح القانون
يأتي تقديم مقترح هذا القانون من طرف فريق العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة بالمغرب، بعد أشهر قليلة من تقديم مقترح قانون مماثل من طرف فريق الأصالة والمعاصرة، الذي يتزعم المعارضة، وفي خضم جدل واسع تشهده البلاد، حول تخليق الحياة العامة ومواجهة الاغتناء غير المشروع، حيث سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن طالب بمراجعة منظومة التصريح بالممتلكات التي تعرف عدة اختلالات على مستوى التطبيق.
مذكرة لبيان الأسباب
اللافت في مقترح القانون الذي تقدم به فريق العدالة والتنمية أنه تضمن مذكرة تقديم تبين الأسباب الكامنة وراء هذه المبادرة الاقتراحية، والتي تتأسس على مقتضيات الفصل 158 من دستور 2011، الذي نص على ما يلي: “يجب على كل شخص، منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها، وعند انتهائها”.
وقد أشارت المذكرة إلى معضلة غياب قانون شامل وموحّد يؤطر نظام التصريح بالممتلكات. فقد ظلّت الأحكام والمقتضيات القانونية المعمول بها بصفة انتقالية، مضمنة في نصوص تشريعية متفرقة ترجع إلى ما قبل سنة 2011. كما أن بعضها تم نسخه بصدور نصوص جديدة، أبقت العمل بهذه المقتضيات بصفة انتقالية[1]، في الوقت الذي اقتصرت فيه قوانين أخرى بالتنصيص على إجبارية التصريح بالممتلكات[2]. بينما يلاحظ أن نصوصا قانونية أخرى لم تتضمن أي مقتضيات تحدد كيفيات التصريح بالممتلكات رغم أن الفئات المعنية بهذه النصوص مشمولة بإلزامية التصريح بالممتلكات[3].
وعليه جاء مقترح القانون الجديد لتجميع المقتضيات المنظمة للتصريح بالممتلكات في نص تشريعي واحد لضمان فعاليتها.
مضامين مقترح القانون
أبرز ما يشمله مقترح القانون الجديد، المواد الآتية:
على مستوى الأشخاص المعنيين بالتصريح الإجباري بالممتلكات، يلاحظ أن المقترح وسع من نطاق الملزمين بهذا التصريح حيث أصبح يشمل أيضا الى جانب الفئات المعنية حاليا بهذا النظام، كل الموظفين العموميين أو المستخدمين أو المتعاقدين الذين تجعلهم مهامهم أو مسؤولياتهم في وضعية مماثلة للفئات الملزمة قانونا بالتصريح الإجباري بالممتلكات[4]، فضلا عن “قائمة أصحاب المناصب والمسؤوليات الذين سيخضعون لاعتبارات مرتبطة بمصالح وشؤون الدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي للدولة، لمسطرة خاصة للتصريح الإجباري بالممتلكات وللمراقبة”[5]، وهو ما يعني أن المقترح أورد لائحة المشمولين بنطاقه على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
بالنسبة لنطاق التصريح بالممتلكات، فيشمل التصريح مجموع الأنشطة المهنية والممتلكات والأصول التي هي في حيازة المُصرّح أو التي يملكها أولاده القاصرون أو يقوم بتدبيرها، والمداخيل التي استلمها خلال السنة السابقة لمباشرته لمهامه. ويلاحظ في هذا السياق أن المقترح ألزم المصرّح بالإدلاء بشهادة من مديرية الضرائب تتضمن المداخيل التي يتلقاها من دولة أجنبية أو من استثماراته بالخارج، وذلك تداركا للنقص الذي يعرفه القانون الحالي والذي لا يشمل الممتلكات الموجودة بالخارج. ويلحظ أن نطاق التصريح بالممتلكات يشمل المعني بالأمر وأولاده القاصرين، ولا يشمل الأزواج والأقارب والأبناء الراشدين.
بخصوص كيفيات التصريح بالممتلكات، فإن مقترح القانون الجديد نص على ايداع التصريحات بالممتلكات بالمجلس الأعلى للحسابات متى كان المصرح يمارس مهامه في مجموع التراب الوطني وكذلك الحال بالنسبة للفئات المعنية بقانون التعيين في المناصب العليا، وبالمجلس الجهوي للحسابات إذا كان يمارس مهامه داخل المجال الترابي المحلي للمجلس. ويتعين على الملزم بالتصريح أن يقدم تصريحه داخل أجل 90 يوما الموالية لمباشرته لمهامه.
ويلاحظ في هذا السياق أن المقترح لم ينص على طريقة الإيداع، وما اذا كانت ستتم بالبريد العادي أو البريد الإلكتروني، أو الإيداع المباشر بمقر المجلس، علما بأن القانون الحالي لا يقبل التصريح عبر البريد العادي أو الإلكتروني و لا يعتدّ به.
وقد أحدث مقترح القانون الجديد هيئة بالمجلس الأعلى للحسابات مكلفة بتلقي التصريحات ومراقبتها وتتبعها.
وبخصوص الجزاءات المترتبة عن الإخلال بإجبارية التصريح بالممتلكات، فيلاحظ أن المقترح الجديد جاء خاليا من أي عقوبات زجرية، وانما ركز على الجزاءات التأديبية والتي أقر لها مسطرة خاصة تتضمن عدة مراحل:
في المرحلة الأولى: يوجه رئيس المجلس الأعلى للحسابات اندارا الى المعني بالأمر الذي لم يقدم التصريح أو قدمه بشكل ناقص أو غير مطابق، ويمنحه أجل 60 يوما من تاريخ التوصل، لتقديم التوضيحات أو التدقيقات التي يراها مفيدة للاجابة على الملاحظات ؛
في المرحلة الثانية: في حالة عدم تسوية الملزم لوضعيته بعد انتهاء الأجل الممنوح له، يخبر رئيس المجلس الجهة التي أحالت عليه لائحة التصريحات قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة المنصوص عليها قانونا.
المرحلة الثالثة: تقوم هذه الجهة بتوجيه إنذار للمعني بالأمر قصد تسوية وضعيته داخل أجل 30 يوما.
وبعد استنفاذ هذه المراحل دون استجابة الملزم بالتصريح، فإنه يتعرض للجزاء التأديبي، بفقدان العضوية أو العزل أو الإقالة، مع إمكانية تطبيق مقتضيات الفصل 262 مكرر من القانون الجنائي[6]، والتي تعاقب على الإخلال بالمقتضيات القانونية المنظمة للتصريح الاجباري بالممتلكات بغرامات مالية.
وأخيرا، يلاحظ أن المقترح الجديد تراجع عمّا أقره مقترح سابق بوجوب نشر التصريحات بالممتلكات في الجريدة الرسمية، وأبقى على طابعها السري حيث نصت مادته 18 على أنه: “لا يمكن الاطلاع على التصريحات المودعة ولا على الملاحظات المبداة بخصوصها إلا بطلب صريح من الملزم بالتصريح، أو ذوي حقوقه أو السلطة القضائية”، وأوجبت هذه المادة على كل الأشخاص الذين يطلعون بحكم عملهم على هذه الوثائق أن “يحافظوا على السر المهني” تحت طائلة المساءلة الجزائية. وهو ما سيسهم في الحد من امكانية المراقبة “الشعبية” للتصريحات بالممتلكات كآلية مهمة في تخليق الحياة العامة .
مواضيع ذات صلة:
التصريح بالمكاسب والمصالح في تونس: انطلاقة متعثّرة لإجراء واعد
مقترح قانون يعزز الشفافية في ممتلكات القائمين بخدمة عامة في المغرب
أبحاث المفتشية حول ثروات القضاة بالمغرب: استراتيجية تخليق أم حملات إنتقائية؟
تتبع ثروات القضاة و حق المواطن في المعلومة
[1]– منها على سبيل المثال القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والقانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين.
[2]– منها على سبيل المثال القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، والقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، والقانون رقم 113.12 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
[3]– منها على سبيل المثال القانون التنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والقانون رقم 14.16 المتعلق بمؤسسة الوسيط، والقانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الانسان.
[4]– المادة 02 من مقترح القانون.
[5]– المادة 03 من مقترح القانون.
[6]– ينص الفصل 262 مكرر من القانون الجنائي على أنه: ” دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد يعاقب بغرامة من 3.000 إلى 15.000 درهم كل شخص ملزم بالتصريح بالممتلكات، نظرا إلى مهام يمارسها أو نيابة انتخابية يتولاها، والذي لم يقم بالتصريح المذكور داخل الآجال القانونية بعد انتهاء مهامه أو نيابته أو أدلى بتصريح غير مطابق أو غير كامل.
ويجوز علاوة على ذلك أن يحكم على المعني بالأمر بالحرمان من مزاولة الوظائف العامة أو الترشح للانتخابات خلال مدة أقصاها ست سنوات”.
“