
بتاريخ 29-01-2021، تدخل مساعد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالكاف “فوزي الداودي” ببرنامج “ميدي شو” في إذاعة “موزاييك أف أم” ليؤكد صحة ما يتداول من أخبار عن إصدار الدائرة الجنائية الابتدائية بالمحكمة التي يمثلها بتاريخ 21-01-2021 حكما يقضي بسجن ثلاثة شبان لمدد وصل بعضها إلى 30 سنة من أجل جرائم مسك واستهلاك مادة مخدرة مدرجة بالجدول ب من جداول المواد السمية. ولاحظ أن طول مدد الأحكام مردها التوصيف القانوني للوقائع التي نسبت له وما يفرضه القانون فيها على القضاء من تشدد .
في ذات التدخل، أفاد ممثل النيابة أن المتهمين الثلاثة والذين مثلوا بحالة إيقاف أمام المحكمة كانوا قد استعملوا غرف تغيير الملابس بملعب رياضي في استهلاك مخدر القنب الهندي المصطلح محليا على تسميته بالزطلة (حشيش)، واعتبر أن استغلالهم لتلك المنشأة يمثل حسب صريح الفصل 11 من القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات ظرف تشديد لجريمتهم الأصلية يفرض على المحكمة أن تحكم عليهم بأقصى العقاب القانوني، وهو ما تم فعلا. وقد خلص إلى القول بأنّ الحكم نفذ المقتضى القانوني وأن ما ينسب له من مؤاخذات يجب أن توجه للقانون والمشرع لا للمحكمة.
رغم التبريرات التي قدمت، يظهر الحكم الذي صدر غير مسبوق في قسوته بما يفرض السؤال حول المقاربة التي يعتمدها القضاء التونسي مع مستهلكي المخدرات ويؤكد الحاجة إلى القطع التشريعي التام مع مقاربة القانون عدد 52 وفلسفته العقابية.
القضاء وضرورة تطوير النظرة لمستهلكي المخدرات
بموجب القانون عدد 39 لسنة 2017، تدخّل المشرع التونسي ليخفف من شدة القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات في مواجهة من يتهمون باستهلاكها من خلال تخويل المحاكم استعمال ظروف تخفيف العقوبات معهم، بعدما كان النص القانوني في صيغته السابقة يحجر عليهم ذلك. وكان ينتظر تبعا لتعديل القانون في 2017 أن يتمكن القضاء من تطوير مقاربته تجاه مستهلكي المخدرات بما ينتهي للقطع مع ما يسلط عليهم من عقوبات سجنية. لكن خلافا للمنتظر، لوحظ أن عديد المحاكم تمسكت بمواصلة إصدار أحكام بالسجن النافذ في حق مستهلكي المخدرات، وهو توجّه بلغ مدى كاريكاتوريا ومأساويا مع صدور الحكم عن محكمة الكاف.
قانون 52: مرة أخرى قانون أفل زمنه
سنة 2015 وفي إطار تنفيذ تعهد انتخابي لرئيس تونس السابق باجي قايد السبسي تقدمت الحكومة التونسية لمجلس نواب الشعب بمشروع القانون عدد 79 لسنة 2015 الخاص بالمخدرات والذي كان يهدف كما ورد بالفصل الأول منه إلى “التوقي من استعمال المخدرات وعلاج مدمنيها”، بما يبرز بوضوح أهميته كنصّ قانوني يتجه ليقطع مع توجه سابق للمشرع التونسي كان يقوم على مقاربة ردع مستهلكي المخدرات. خمس سنوات بعد هذا التاريخ لم يتقدم نظر ذاك المشروع بسبب ما برز من تجاذبات سياسية حوله .ويبدو من المتعين اليوم في ظل ما كشف عنه حكم محكمة الكاف من خلل في القانون عدد 52 يؤدي لإصدار أحكام غير مقبولة في قسوتها معاودة النظر في ذاك القانون طلبا لإصلاح حقيقي ينهي استهداف مستهلكي المخدرات ويعترف له بحقهم في العلاج.
متوفر من خلال: